الاثنين، 15 أبريل 2013

العنصرية في #ليبيا: ظلم اجتماعي وتغافل حكومي

الجزء الأول: العنصرية في زمن القذافي

خاص الكاف
تقرير: محمد مصراتي

كلما قلتُ لأحد أنني في صدد اعداد تقرير عن العنصرية في ليبيا، كان السؤال "عنصرية على شنو؟". بالطبع هذا ليسَ استهجانًا على أن لا عنصرية في ليبيا، بل لأنّ العنصرية في ليبيا لها أشكال متعددة. فهناك العنصرية على السود الليبيين، والعنصرية على العمالة الأجنبية، والعنصرية على الليبيين من أصل أجنبي، والعنصرية على الليبيات المتزوجات من أجانب، وكذلك العنصرية على ليبيون من مدن صغيرة أو أفرادها من قبائل صغيرة ولم تمتلك أي نفوذ في الدولة، والعنصرية على التبو في الجنوب وعنصرية العرب على الأمازيغ والعكس، وتطول القائمة لدرجة ربما لا يحتملها تقرير واحد.

تنديدات المنظمات الدولية وتجاهل الحكومة الرسمية

في السادس عشر من فبراير 2010، أصدر الفرع الخاص بحقوق الانسان في الامم المتحدة مرسومًا يندّد فيه بالعنصرية في ليبيا تجاه الأفارقة السود، قانونيًا واجتماعيًا. وفي العام 2000 أصدرَ الاتحاد الدولي لنقابات العمالة الحرة بياناً ادان فيه اعتداءات عنصرية على العمال المهاجرين في ليبيا، معظمهم من غانا والكاميرون والسودان والنيجر، ويضيف البيان أنّ الحكومة في أكثر من مرة ساهمت في هذه الاعتداءات وسهّلت على الليبيين الاعتداء على هؤلاء الناس بذريعة أنّهم تجار مخدرات وكحول. وفي العام 2004، أشارت منظمة CERD للقضاء على التمييز العنصري إلى مسئولية السلطات الليبية على منع اعتداء الافراد ضد الأجانب من ذوي البشرة السوداء. كما أنّ الحكومة الليبية رفضت تقديم أي معلومات مفصلة حول عدد المقيمين في ليبيا من غير "المواطنين الأصليين" الذين يتمتعون بحق المواطنة الكاملة. وقال التقرير بأنّ الحكومة الليبية تدّعي عدم وجود أي تمييز عنصري داخل حدودها.

"مش عارفة شكون حتتزوجك"

في لقائنا معه، أخبرنا وليد أنّه طيلة سنوات حياته كليبي أسود تعرّض للإضطهاد والتمييز العنصري، لدرجة أنه اعتاد على ذلك ولم يبدو له الأمر غريبا إلاّ حينَ سافر للاقامة خارج ليبيا. يقولُ وليد بأنّ حتى زملائه في العمل كانوا ينادونه بألقاب عنصرية كـ "عبد" و"عبيد"، وتتجرأ زميلاته في القول له "مسكين انتَ يا وليد، مش عارفه شكون حتتزوجك". ويضيف بأنّ هذا النوع من التمييز تعرّض له مذ كانَ في سنوات الطفولة، وأنّهُ في ظلّ مجتمع لا يرى عيبًا في العنصرية وقانونًا لا يجرّمها، اضطر في أخر الأمر لتقبّل فكرة أن يكون محلّ تمييز.

"عشت طول عمري في ليبيا، والليبيين يعاملوا فيّ كضيف"

وفي اطار بحثنا، تعرفنا على باسم جميل، وهنا يخبرنا عن الاضطهاد والتمييز الذي يتعرّض له لأنه من والدين سوريين على الرغم من أنه ولد وعاش حياته كلها في ليبيا، ولم يخرج منها طيلة الأربعة وعشرون سنة من عمره. يقول بأنه يتجنّب دومًا اخبار أصدقائه بأصله، ذلك أنّ نظرتهم وقتها تجاهه ستتغيّر، وسيبدأون بمعاملته بطريقة تختلف عن تلكَ التي يتعاملون بها معه وهم يعتقدون بأنه "ليبي أبًا عن جد" كما يخبرنا، ويضيف: "عندما عرف بعض الأصدقاء من قبل أن والديّ ليسا ليبيين، صارت معاملتهم لي كلما تخاصمنا حول موضوع مختلفة عن الخصامات التي تحدث حين لم يكونوا على علم بأصلي. اذ أنهم وقتها سيتعاملون معي على أساس أنّني أجنبي وعليّ احترامهم لأنني ضيف في بلدهم، رغمَ أني تربيت في طرابلس عمري كله ولم أذهب إلى اي بلد أخر على الاطلاق".

ويقول باسم بأنّ والده اشتغلَ كثيرًا حتى استطاع تعليمه وادخاله إلى الجامعة، ولكنه كانَ دومًا محلّ تمييز في قاعات الدراسه. يقول "حتى دكاترة الجامعة كانوا عنصريين. حينَ يعرفون لقبي يبدأو بمناداتي "يا زلمة"، والليبي عادةً يستخدم هذه الكلمة لمناداة الشاميين".

والعمالة المصرية أيضًا

عندما كنتُ في القاهرة قبل بضعة سنوات، كثيرًا ما أستمعُ لحكايات سائقي التاكسيات الذين اشتغلوا في يوم ما في ليبيا. معظم هؤلاء كانوا يعلّقون على نقطة العنصرية في ليبيا، وعدم تقبّل الليبي لهم ومعاملتهم على أنهم عمالة دخيلة جاءت إلى ليبيا لتشتغل لدى الليبيين. أحد السائقين قالَ لي أنّهُ كان في ليبيا حتى العام 2007، وكانَ له العديد من الأصدقاء الليبيين، ولكن معظمهم من الفقراء والطبقات الفقيرة. وأضاف بأنّ الليبيين من الطبقة الوسطى كانوا يتعاملون معه بطريقة مشمئزة وواضحة من طريقة لغة أجسادهم أو الألفاظ المستخدمة.

بيان الجالية السودانية في ليبيا

في العام 2004، وجهَ مجموعة من السودانيين المقيمين في ليبيا (جمعية سوادنة، للسودانيين المهاجرين إلى ليبيا) نداءًا عبر المواقع والمنتديات السودانية حولَ العنصرية التي يتعرضون لها بسبب لون بشرتهم. كتبوا في البيان أن "ما يحصل في ليبيا للسود من فزائع وأعمال، لا يمكن أن يندرج إلا تحت قائمة العنصررية البغيضة تجاه السود".

ويضيف البيان: "السودانيون والسود يتعرضون للعنصرية في الشارع، ومن أرباب العمل وحتى القانون. ان الليبيين ينادون في الاعلام الرسمي بالتوجه نحوَ أفريقيا، لكنهم من خلف الاعلام يتمترسون بأبغض أنوع التعامل ضد السود.. (..).. وبينَ كل عشرة أفارقة يتعرض سبعة منهم لإعتداءات عنصرية كل يوم، وذلك حسب بلاغات الشرطة في الأحياء بطرابلس".

وقد وجهت الجمعية وقتها رسالة إلى معمر القذافي بإعتباره الرأس الأعلى للنظام الليبي رسالة تشرحُ فيها أوضاعها، قائلةً في رسالتها: "في ليبيا يسمون السود (عبيدا) ويسمعونهم في الشارع ومكان العمل وحيث يسكنون هذا اللفظ. كما أنهم يستخدمون العمال السود باجر زهيد لا يطعمه الخبز.. كما أنّ أرباب العمل لا يعطون الأسود الأجر المتفق عليه في ختام العمل، وقد لا يسلم في بعض الأحيان من الضرب والإهانة. والشرطة الليبية في بعض الأحيان تناصر المواطن الليبي، بل ويقولون ان هذا الاجراء يأتي من تفسيرهم لأحد مقولات الكتاب الأخضر "ان الأجَراء مهما تحسنت أجورهم سيظلون نوعا من العبيد"، وعلى هذا الأساس فإن كل أجير أسود هو في نظرهم عبد".

العنصرية في المدونات الليبية

في الواحد والثلاثين من ديسمبر 2010، نشر المدوّن أحمد البخاري تدوينة على مدونته "تابو" يعرضُ فيها وضع الليبي الأسود في مراحل حياته. وقامَ البخاري في تدوينته بتناول موضوع العنصرية بشقّه الاجتماعي.

يكتبُ البخاري في تدوينته أن الجميع "يتفق على أن ليبيا من أشدّ المجتمعات عنصرية"، ويضيف: "يمكنك أن تسأل أي فتاة زوارية أو أمازيغية عن سبب عدم قدرتها على الزواج من عربي، أو لماذا لا يستطيع تارقي أن يقودَ سيارة عامة بغدامس".

وفي فقرة اخرى يذكر المدوّن والناشط الليبي: "يمكنك أن ترى كيف نعامل المصريين، وماذا نقول عنهم، وكيف نرى الأفارقة وكيف نحتقرهم، وكيف نتوجّس من كل تونسي وجزائري وكيف ننظر إلى الفتاة المغربية". ومن ثمّ يعرض سؤاله عن تعرض الليبييين ذوي البشرة السوداء إلى أي تمييز عنصري من قبل أصحاب الالوان الأخرى في ليبيا.

في الطفولة والشباب، يقولُ البخاري أنّ لقب "عبيد" هو الاسم الغير رسمي لهم. "تعالى يا عبيد.. كيف حالك يا عبيد؟ شكرًا يا عبيد". أمّا في الزواج، يقول البخاري "حاول أن تحضر أي عرس لرجل أسود من امرأة بيضاء أو العكس وتمتع من ثمّ بكمية التعليقات والاستهجانات من قبل المدعويين" ويضيف: "رغمَ أنّ هذه الزيجات نادرة جدًا في ليبيا".

وفي العمل، فإنّ الليبيون يعتبرون أي ليبي اسود امّا أن يكون "زكّار" في الأعراس، أو منظّف أو "زمزامة" في حال كانَت امرأة.

وعلى الرغم من الوجود الكبير والواضح للمدونات الليبية، إلاّ انّ مسألة العنصرية وتناولها نادر جدًا، حالها حال أي من المواضيع الأخرى الحساسة، والتي باتَ التحدّث عنها في الوقت الحالي محرم اجتماعي من الصعب كسره.

القذافي هو السبب في كل ذلك

يقول "عمورة" أنّ النظام الليبي هو السبب في كل ما حصل. ويذكرُ عمورة ما تعرض له في العام 2000 من ضرب وركل في الشارع بعدَ معارك كبيرة حدثت في طرابلس بين الأفارقة والمواطنين بسبب استيلاء بعض الأفارقة على بيوت وشقق بحجّة "البيت لساكنه"، المقولة التي ذكرت في الكتاب الأخضر وأستعان بها هؤلاء العمّال لسلب البيوت التي يسكنونها بحماية من الدولة. يقولُ عمورة "أنا أسكن في المنصورة، وسمعت بأنّ عمّال افارقة أخذوا بيوت يستأجرونها في الحي، وحينَ سمعَ أصحاب البيوت بذلك جمعوا أولاد الشارع وذهبوا لمداهمة البيوت، وحدثت معارك كبيرة وتدخلت الشرطة في وقت لاحق، وباعتباري أسود البشرة، لم أستطع ولا أي فرد من عائلتي الخروج من البيت يومها لأنّ المواطنين كانوا يمسكون ويضربون اي شخص اسود يرونه".

ولم تكن هذه المرة الأولى أو الوحيدة التي تحدث فيها احداث شغب طاحنة في الشوارع بين المواطنين في ليبيا والعمّال الأفارقة. فهناكَ أحداث طرابلس في الـ 97 وفي الـ 99 وكذلك أحداث العام 2000.

ويقول عمورة بأنّ القذافي كانَ يجنّد ويموّل الافارقة في ليبيا طيلة العشرين سنة الأخيرة من نظامه، وهذا ساهمَ في كره الناس لهم، ويضيف بأنّ ما حدث في الثورة وعدد المرتزقة الأفارقة الذينَ كانَ المرء يراهم في طرابلس وقتها "هو أكبر عذر لليبيين بسبب تصرفاتهم وعنصريتهم تجاه الناس سود البشرة". 

سألتُ عمورة باعتباره اسودًا ان كانت هذه العنصرية تجاهَ الأفارقة تمسّه هو الأخر، فقال بأنّه اعتادَ على الأمر، وأنّ كل الليبيين السود اعتادوا على ذلك، ويرى أنّ من الصعب أن يتمّ القضاء على العنصرية في ظلّ مجتمع يعتقد نفسه "شعب الله المختار".

يتبع..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق