الأحد، 28 أكتوبر 2012

يوسف الترهوني : نبي نمشي لبني وليد ..نبي نشوف أمي


يوميات يوسف الترهوني في بني وليد
من باب الوقوف علي الحقيقة وكتجربة لنفسي اولا .. قبلت بالمهمة والتى جاءت بعد ان تحدثت مع السيد محمود شمام عن ضرورة نقل الصوة من داخل بني وليد وخصوصا اننا ننادي بالاعلام الحر ومن باب الوقوف علي الحقيقة .. ولماذا لاتوجد اى قناة تنقل صوت اهالي بني وليد وبعد ان رد بانه لايوجد فى القناة من هو مستعد للذهاب الى هذه المنطقة وخصوصا ان المخاطرة كبيرة والرؤية غير واضحة وان الام
ر تطوعي فلا يستطيعون اجبار اى موظف للذهاب..فهمت وجهة نظره وعرض عليا ان ادخل انا لبني وليد وانقل الصورة وصوت اهالي المدينة ترردت فى البداية ليس خوفا ولكن لعدم وجود تجربة اعلامية حقيقة سابقة رغم ان اغلب اصدقائي المقربيين كانوا يعملون في هذا الحقل .. وبعد تشجيع من الاصدقاء المقربين اجريت اختبار مراسلة فى مكتب القناة في بنغازي وجاءت نتيجته ايجابية اصبحت انتظر هاتفا للانطلاق انتظرنا يومين دون وجود اى مصور لديه رغبة في الذهاب مما سبب لى شيئا من الاحباط .. عبر بعض المعارف اتصلت بداخل بني وليد وطرحت فكرة الدخول والتغطية من الداخل و لنرى هل فى الامكان توفير مصور في الداخل ردوا بانهم سيبحثون .. اصبحت انتظر الرد واشارة القناة للانطلاق واصبحت ارسم شيئا مما قد اتعرض له وخصوصا ان المدينة كانت من اخر المناطق التى تحررت وهرب اليها كل المتورطين وبقايا الكتائب من طرابلس في فترة التحرير واننى قبل عام وشهر كنت احد الثوار المقاتلين على تخومها تحت امرة العقيد بوعجيلة الحبشي العيساوي انا وقرابة 250 ثائر جلهم من شرق ليبيا من كل القبائل على الغالب كنا الكتيبة الوحيدة التى تحوي خليطا من كل مدن الشرق من طبرق مرورا بتميمي والبيضاء والفايدية والمرج الى بنغازي ولم يكن لاغلبنا اى ارتباطات شخصية بالمنطقة الغريبة الا اللهم انها جزء من تراب بلادنا .. وبعد ان شاركنا في جبهة الدافنية وتحرير زليتن جاءنا امر الانطلاق لترهونة يوم 23 اغسطس 2011 وباب العزيزية لم يتحرر بعد كنا الكتيبة الوحيدة التى ابتعدت عن الساحل ووجهتها جنوب طرابلس منطقة ترهونة 90 كيلوا متر جنوب شرق طرابلس وهي كانت المعبر الوحيد السالك للقوة المنسحبة من طرابلس اتجاه بن وليد مررنا بمسلاته والتى كان الترحاب فيها كبيرا ومنها لترهونة والتى تعرضنا فيها لكمين قبل المدينة بقرابة 20 كيلوا متر اصيب فيه احد رفقنا دخلنا لترهونة ووجدنا ثوارها القلة هم المسيطرون باسلحة بسيطة اقواها رشاش اغراض عامة رحبو بنا بتنا ليلتنا الاولي فى معسكر وسط المدينة وصباحا انطلاقنا الى معسكر خارج المدينة كانت تتوارد الانباء خلال اليوم الثاني ان هناك اشتباكات في الاحياء والمناطق الجنوبية من طرابلس وان طرابلس لم تتحرر بعد بشكل كامل كنا في حالة توتر وخصوصا ان المدينة التى دخلنها كانت من المدن التى حسبت على نظام القذافي حتى ايامه الاخيرة التى سبقت تحرير طرابلس وكنا نعلم ان هناك من سيتربص بنا وان هناك اسلحة عند بعضهم وخصوصا ان الكثير من ابنائها كانوا منخرطين في الجيش والكتائب الامنية التى اخترت الوقوف في صف القذافي وان لديهم خبرة عسكرية كان اغلبنا لايتمتع بها ولكن لتذبذب المعلومات والربكة التى احدثتها انتفاضة طرابلس كان الجميع مصدومون من سرعة انهيار بقايا اللا نظام على المناطق التى كان يسيطر عليها .. يوم 25 صباحا جمعنا الامر واعطانا بعض التوجيهات للتصرف والتعامل مع ابناء المنطقة والحذر واننا انجزنا مبدئيا المهمة التى اؤكلت لنا مذ خرجنا من بنغازي وانه يجب ان نكون حذرين ولا نريد خسارة اى فرد او حتى اصابته بعد الشهداء والمصابين في جبهة الدافنية واننا يجب ان نكون منتبهين وقال بالامس مر رتل عبر شمال ترهونة متجها الي بني وليد فيه اكثر من مائة سيارة اغلبها مدنية ربما كان القذافي او اسرته .. بعدها بلحظات خرجت فى اول مهمة بعد وصولنا الى احدي الضواحي شمالا في اتجاه طريق قماطة بعض الاهالي ابلغونا ان هناك بعض المؤيدين فطلبوا منا توجيه النار باتجاه اعلى منازلهم واطلاق بعض الزخات من المضادات لترهيبهم ولايصال رسالة لهم وللجميع بان الثوار قد وصلوا الى هنا قمنا بانشاء نقطة استيقاف مؤقتة وكان كل من نوقفه لتحقق من شخصيته و مما يحمل كانت الصدمة ظاهرة على وجهه والكثير منهم كان قادما من طرابلس اما قاصدا بني وليد او الجنوب ومنهم العديد من العائلات .. رجعنا لمقر الكتيبة وليلا وردت معلومة بان هناك قوة متمركزة في مشروع الابقار شمال ترهونة 30 كيلو متر انطلقت لها قوة واشتبكت معها فر جزء منها بعد اصطحابه للمصابين وتم الاستيلاء على بعض السيارات احدها كانت بها بعض الاوراق الشخصية الخاصة بابن احمد ابراهيم واسمه يعرب ... يوم 26 كان اهم الايام بالنسبة لي كان يوافق يوم جمعة وربما ليلة القدر الاستطلاع كان متمركزا في الطريق القادمة من طرابلس وردت معلومات ان هناك اشتباكات في قصر بن غشير ومنطقة مطار طرابلس بين بقايا الكتائب وثوار الزنتان الذين استولوا على مطار طرابلس علمنا ان هذه القوة كانت ستتجه جنوبا في اتجاه بني وليد وحتما ستمر عبرنا فلا طريق اخر .. شاهد الاستطلاع سيارة غيرت وجهتها بعد ان شاهدت مجموعتنا ولم تمتثل لامر التوقف فاطلاقوا عليها النيران ومن ثم تفاجئ الشباب بهجوم قوة عليهم تمكنوا من التعامل معها وردها وتم طلب الدعم اصيب عدد من افراد الاستطلاع بعدها حدثت عدة موجات من الهجوم من قبل هذه القوة ويتمكن الشباب من ردها لم تكن هذه القوة تعتمد على اسلحة ثقيلة الا رشاشات دوشكة 12.5 وصواريخ حرارية اصيبت سيارة الامر بصروخ حراري واصيب السائق ولطبيعة تلك المنطقة الجبلية حيث لامفر ولا دروب الا الطريق المعبد وحتى وصولنا كانت موجات الهجوم والرد مستمرة قوتنا القادمة كدعم كانت قرابة 10 عربات تحمل رشاشات 14.5 و 23 ومحملة بافراد المشاة.. امرنا استغرب استماتة هذه القوة على العبور وكانت اخر موجه والتى تمكنوا فيها من اخترقنا وتداخلنا في بعضنا حتى كانت المسافة لاتتجاوز عشرات الامتار تمكنت بعض العربات من النفاذ .. احدي العربات تقدمت حتى تجاوزت المفترق المؤدي لبني وليد كنوع من التغطية للسيارات التى كانت تتبعها كانت تحمل رشاش 12.5 (دوشكة) كان الرمي ذو شعر كثيف ..شفشوفة..كنا اهدافا له وعلي بعد مسافة لاتتجاوز 50 متر لكن لكثافة نيران الافراد ومن كل الاتجاهات اربك سائق هذه العربة مما جعله يغير اتجاهه 180 درجة فسقط الرمي من العربة وسط كل تلك الفوضي والتداخل وقبضنا عليه وكانت تلك اخر موجة هجوم اصيبت عدة سيارات والتى كانت اغلبها مصفحة ولكن لقرب الاشتباك كانت رشاشات 23 تخترقها وتنفجر لتحترق تلك السيارات وهناك من ينجو بالهروب او يحترق داخلها مررت عبر المفترق رئيت ثلاث جثث وفي الزاوية الاخري كانت هناك سيارة تحترق بها اشخاص بعضهم خرج منها ليسقط بجوارها والنار مشتعله بجسده وكانت الدخيرة التى في هذه السيارة تنفجر بسبب النار على بعد امتار كانت هناك سيارة اخري مصفحة سقطت في مجري لمياه الامطار بجوار الطريق تم اخراج شاب منها كان مصابا بعدة اطلاقات مدد علي الطريق الامر طلب منا تفريغ احدي الشاحنات المحملة بالاسلحة والبنادق والتى كانت مرافقة للرتل وطلب من مجموعة اخري تمشيط الطريق والتقدم ..كنت ممن يفرغ الشاحنة والشاب المصاب والممدد وسط الطريق اشهده ذهبت اليه وقفت بجانبه وهو يهمس قال لى .. نبي نمشي لبني وليد بنشوف امى .. اجبته ستري امك سننقلك للمستشفي وسقيته بعض الماء هذه المرة الاولى التى اقترب فيها من شخص بين الحياة والموت واتحدث معه رغما انه لفظ 5 كلمات الا انها ظلت تراودني لفترات طويلة ... جاءت سيارة كانت تحمل الرامي الذي اسرناه وشخص اخر والذي كان يميزهم كثافة الشعر وطوله بشكل ملفت للنظر تبين لى انه صغير ربما لم يبلغ 17 عام لكنه كان شجاعا ولم يطلب شيئا ولم يتوسل او يبرر لنفسه ساله الامر من هذا الذي في الرتل فقال خميس القذافي وانه مصاب في رجله تم نقلهم الى مقر الكتيبة ونقل المصاب الى مستشفي ترهونة بقينا في مكان الاشتباك حتى الحادية عشر ليلا نحمل مافي الشحنة وننتظر مرور اى قوة اخري قام الشباب بتفجير شاحنة ذخائر اخري على بعد 2 كيلو متر حيث كانت محملة ولايمكن تحريكها او انزال مافيها وخصوصا ان الوقود كان يتسرب منها وخوفا من هجوم قوة كبيرة يمكن ان تستعيدها لتعيد استخدمها ضدنا وخصوصا ان نوعها كان من الصواريخ افراد ذكية صواريخ حرارية وميلانو الموجهة .. جاءنا امر العودة وعند المفترق نظرت لجثث اولئك الاشخاص الذين حاولوا مغادرة السيارة وهي تحترق وبعد ان قام الشباب باطفائهم عادت النار لتشتعل فى اجسادهم فاستغربت الامر ليتبين لي بعد ذلك ان هؤلاء الذين تصادمنا معهم هم من قام بمحرقة معسكر اليرموك في طرابلس والكل يعرفها .. عدنا لمقر الكتيبة مررنا بوسط مدينة ترهونة وكانت الكهرباء مقطوعة وصدمت الناس ظاهرة خصوصا من قوة الاشتباكات واتي لم يعهدوها طيلة فترة حرب التحرير والتى كانوا يسمعونها ويرون الدخان المتصاعد وبهرات الضوء المتتالية جراء تفجير شاحنة الذخيرة .. نمت تلك الليلة ولازالت كلمات ذلك الشاب والذي عمره يقارب عمري تتردد في مسامعي ..نبي نمشي لبني وليد بنشوف امي .. بعد عدة ايام ولاصابته الخطيرة ومع امكانيات المستشفي الضعيفة ضل في العناية ثلاثة ايام وتوفي هذا الشاب وتم دفنه في ترهونة مع بقية من قتلوا في هذا الاشتباك بعد اخذ صور لهم .. بقينافي تلك المنطقة قسمنا لمجموعات كنت من ضمن مجموعة سوق الاحد ومهمتنا تمشيط المنطقة والحفاظ على مخزون اكبر معسكر يحوي اليات ودبابات وعربات جراد حديثة الية التعبئة كانت كمخزون للجيش الوطنى المنتظر مستقبلا حافظنا عليها حتى عودتنا بعد اعلان التحرير هناك مجموعة اخرى توجهت لجبهة بني وليد حاولت الدخول مرتين ولكن للفوضي التى كان يقوم بها الثوار الجدد والذين كان اغلبهم من المناطق التى حررت مؤخرا وعدم انضباطهم وسرقاتهم بحجة الغنيمة !! انسحبت كتيبتنا بعد ثالث محاولت دخول اخرها كانت برفقتنا كتيبة 28 مايو .. فضل امرنا العودة وتمشيط ومراقبة الصحراء بين ترهونة وبني وليد وجمع السلاح الذي كان يمتلكه المعرفون بولائهم للقذافي في ترهونة .. عدت الى بنغازي بعد اعلان التحرير تركت البندقية من وقتها ولم اخرجها حتى هذه اللحظة واتمنى ان لا اعود اليها ولا للعنة الحرب والدم التى كنا مرغمين على خوضها للخلاص من القذافي وزبانيته .. اختطف الامر بطريقة عبيطة !! ورد بعض المحسوبين على الكتيبة ولم يكونوا من القوة الاساسية المكونة لها بطريقة اكثر عبطا وحادثة المطار معروفة .. وليزداد العبط والسخرية هوجم معسكر سوق الاحد والذي كنت احد المكلفين بحمايته وقيل انها خليه تمتلك مائة دبابة وعربات جراد وسلبت محتوياته والتى كانت ستساعد كثيرا جيشنا الوطنى المنتظر .. اخيرا وكمكافاءة لارواح الشهداء والجرحي الذين بعضهم لازال يعالج في الخارج حتى هذه اللحظة وصفنا باننا كتيبة الشهيد بومنيار !! لم يحترموا شهدءنا ولا ذويهم وامهاتهم خصوصا .. ربما سرحت بكم بعيدا عن تجربتي داخل بني وليد ولكن كان من الضروري جدا وضعكم في هذا الجانب الذي عايشته في مرحلة الثورة والذي لايعرفه الا المقربين مني وخصوصا ان جانبا منه كان متعلقا ببني وليد .. ما ساكتبه لاحقا سيبدء من يوم 10 اكتوبر الماضي اى مذ غادرت بنغازي ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق