الخميس، 12 نوفمبر 2015

داعش_أوروبيون منضمون إلى داعش.. نفوس ضائعة تبحث عن أجوبة

العرب اللندنية: أصبحت أوروبا واحدة من بين المناطق التي تمددت إليها ظاهرة الجهاد رغم بعدها الجغرافي نسبيا عن منطقة الشرق الأوسط، حيث باتت التقارير تتحدّث عن انضمام أعداد كبيرة من الشباب الأوروبي إلى تنظيم الدولة الإسلامية. واللافت في كثير من هؤلاء الشباب أنهم ليسوا من أصول مسلمة أو من المهاجرين، بل هم من عائلات أوروبية. وتحوّل هذا الأمر في دول على غرار فرنسا وبلجيكا وهولندا إلى ظاهرة خطيرة، يجب التوقف عندها والبحث في جذورها الاجتماعية والنفسية، حيث أنها وصلت إلى درجة لا يمكن للحلول الأمنية وحدها أن تحدّ منها ومن تهديدها وأخطارها؛ وهي النتيجة التي توصّلت إليها دراسة نشرت في عدد شهر نوفمبر من دورية "مقاربات حول الإرهاب".
الدراسة استندت على جملة من البحوث الإثنوغرافية والخلفيات النفسية والاجتماعية لمجموعة من الشباب، بغاية تقديم رؤية أعمق حول الوضعية العائلية لعدد من البلجيكيين والهولنديين والذين اعتنقوا الإسلام؛ فيما تشير معدّة الدراسة ماريون فان سان إلى أنه رغم أن هذا البحث لا يعدو أن يكون عيّنة صغيرة، إلا أنه يمكن أن يساهم في التوصل إلى فهم الأسباب التي تجعل هؤلاء الشباب ينضمون إلى الصراع في سوريا. وتشير التقديرات إلى أن واحدا من كل ستة من الأوروبيين الذين انظموا إلى داعش هم ممّن تحولوا حديثا إلى الإسلام، فبعضهم كان مسيحيا والبعض الآخر ليس له خلفية دينية.
وفي فرنسا، تعتبر نسبة "المسلمين الجدد" المنضمّين إلى داعش هي الأعلى، حيث ينضم إلى التنظيم المتطرف واحد من كل أربعة متحوّلين. وبالمثل، شهدت كلّ من بلجيكا وهولندا توجّه العشرات من المتحوّلين إلى الإسلام إلى سوريا، وكان من اللافت للنظر أن معظمهم من النساء. ومن بين 329 من الشباب الحامل للجنسية البلجيكية، الذين انضموا إلى الكفاح المسلح في سوريا، عشرة في المئة من المتحولين من المسيحية إلى الإسلام. مع تعقد الأزمة أصبح السؤال الذي يتردّد دائما من هم الأوروبيون المنضمون إلى تنظيم الدولة الإسلامية، ولماذا؛ وفي إجابتها على هذا التساؤل، تبيّن الباحثة مونيكا برتوزوفيتش أن الصورة السائدة في وسائل الإعلام تقدّم أولئك الذين انضموا إلى داعش إما كأشخاص ضعفاء الشخصية، أو من أصول مسلمة، أو أنهم “أنفس تائهة تبحث عن إجابات” أو شباب “يطارد حلما خياليا”.
وتشير الباحثة إلى أنه، مهما كانت خلفية الجهاديين الغربيين من المسلمين الجدد، فإنهم يشكّلون التهديد الأكبر، نظرا لقصور معرفتهم بتعاليم الإسلام، وبالتالي هم غير قادرين على التمييز بين مختلف تفسيرات الإسلام، وهو ما يجعلهم فريسة سهلة للمتطرفين. ويؤيد خبراء كثر هذا الرأي مشيرين إلى أن أغلب معتنقي الإسلام المتطرّف، من شباب أوروبا، أشخاص “مضطربون نفسيا أو اجتماعيا” عانوا من غياب الدعم الاجتماعي لهم. وتقول جيسيكا ستيرن، المحللة في مجلة نيوزويك، إنه من الواضح أن أحد الأسباب المهمة التي تجعل الأوروبيين يعتنقون الإسلام هو الرغبة في تشكيل هوية جديدة، على أساس الكرامة. وبالنسبة إلى أولئك الذين ينضمون إلى تنظيم الدولة الإسلامية، هناك عنصر البحث عن الإثارة وربما حتى عامل الانسياق المرضي وراء العنف.
وأكّدت مونيكا برتوزوفيتش ليس للمنتمين حديثا للإسلام محامل ثقافية أو دينية مستندة إلى أسس سليمة لمقاومة التفسيرات المتطرفة للإسلام، لذلك غالبا ما ينساقون بسهولة وراء الراديكاليين المتعصّبين. ويبدو ذلك واضحا من خلال تورّطهم في الهجمات الانتحارية، على غرار الشاب الفرنسي من ريف نورماندي، الذي اعتنق الإسلام في سن السابعة عشرة وظهر في إحدى أشرطة الفيديو التابعة لداعش، وأيضا مثال البريطانية خديجة داري، التي أعلنت على حسابها على تويتر، أنها قطعت رأس المصور الصحفي الأميركي جيمس فولي وأعربت عن رغبتها في تكرار العملية، حين قالت “أود أن أكون أول امرأة من المملكة المتحدة تقتل إرهابيا من المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة”. ويعلق على ذلك المحللون قائلين إنه في سبيل سعيهم إلى إثبات إخلاصهم للإسلام، يبدو أن هؤلاء المسلمين الجدد على استعداد لفعل أي شيء، بما في ذلك ارتكاب أبشع أعمال العنف.
ركّزت الدراسة على المقاتلين الأجانب في صفوف داعش من البلجيكيين والهولنديين، وتم في سبيل ذلك جمع البيانات من خلال البحوث الإثنوغرافية للشباب وأسرهم. وبدأ البحث في العام 2012 علما وأن لا يزال العمل متواصلا إلى اليوم. وعلى مدى السنوات الماضية، تم إجراء العشرات من اللقاءات الرسمية وغير الرسمية مع الشباب الذين غادروا إلى سوريا. ومن بين خمسة وثلاثين من الشباب الذين غادروا أوطانهم باتجاه سوريا، هناك 17 من المتحوّلين إلى دين الإسلام، من بينهم 7 شبان من بلجيكيا، و3 شبان و7 شابات من هولندا. وتتراوح سن هؤلاء الشباب ما بين 18 و30 عاما، ويتشابهون في خلفيتهم الاجتماعية، حيث أنهم من ذوي المستويات التعليمية المتوسطة أو الضعيفة، كما أنهم نشأوا في عائلات تنتمي إلى الطبقات المتوسطة أو الدنيا.
وكشفت الدراسة أن عددا لا يستهان به من المسلمات الجديدات عانين من مشاكل اجتماعية في فترة الطفولة والمراهقة، كما أنهن يشتركن في مشكلة هجران الآباء لأمهاتهن في سن مبكرة. بالإضافة إلى أن معظمهن من المدمنات على تعاطي المخدرات، إضافة إلى تورّط بعضهن في قضايا دعارة وجرائم صغيرة. وفي كثير من الأحيان شكّل التحول للإسلام وسيلة للهروب من أنماط حياتهن السابقة. وبعض الفتيات غادرن باتجاه سوريا ظنا منهن أن ذلك سبيل لغفران خطاياهن أو لأنهن وقعن في حب أحد المقاتلين.
ومن بين الأمثلة التي تذكرها الدراسة، أربع فتيات عشن فترة مراهقة صعبة وأدمن المخدّرات قبل أن يصادفهن، في الشارع، أشخاص ساعدوهن على التوجه إلى سوريا. ومن بين هؤلاء الفتيات، جويس، وهي شابة أدمنت منذ سن المراهقة شرب الكحول واستهلاك المخدرات وتعاني الاكتئاب الحاد. وقد قضت جويس في طفولتها أربعة أشهر في مصحة للأمراض النفسية والعقلية. ولا يختلف كثيرا وضع الفتاة الثانية وتدعى كارلا، والتي عاشت بدورها فترة مراهقة مضطربة، حيث أنها أنجبت في سن الخامسة عشرة، ولكن العلاقة مع والد ابنها استمرت لفترة قصيرة؛ لتتُوه بعد ذلك في الشوارع وتصبح من مدمني الحشيش والكحول.
بدورها، تعاني روز من عدة اضطرابات نفسية، بعد طلاق والديها، فهي صاحبة شخصية حادة ارتكبت مشاكل سلوكية خطيرة دخلت بسببها السجن وهي في سن الثانية عشرة، وقد تركت مقاعد الدراسة وهي في السادسة عشرة من عمرها. ورغم أنها حصلت على وظائف مختلفة إلا أنها كانت تغادرها في غضون أسابيع قليلة نتيجة سلوكها. أما سيونا فقد أمضت مراهقتها متسّكعة في الشوارع، مدمنة المخدرات وكثيرا ما تورطت في جرائم صغرى. وفي الثامنة عشرة من عمرها أقامت علاقة مع أحد مجرمي شوارع ويدعى محمد، والذي تحول في وقت لاحق إلى الجهاد في سوريا. ورغم أن الاثنين كانت تجمعهما علاقة حب كبيرة، إلا أن محمد كان يقدم سيونا لرجال آخرين ليتمتعوا بجسدها.
وفي حالة الشبّان، كشفت الدراسة أن هناك علاقة بين اعتناقهم للإسلام وبين منظمة شريعة فور بلجيوم؛ فالشاب سيمون، الذي كان يعمل كهربائيا، تحول إلى الإسلام في عام 2006 لأنه كان يبحث عن هدف جديد في حياته. وكان رد فعل والديه سلبيا تجاه اعتناقه الإسلام، وهو ما تسبب في خلاف كبير مع أسرته. وتزوج سيمون عدة مرات وانتهت كل زيجاته بالطلاق؛ وهو من المتعاطفين مع منظمة شريعة فور بلجيوم التي جنّدت العديد من الشباب الذين توجهوا للقتال في سوريا.
ومن بين هؤلاء الشبان تشيستر، الذي كان يعمل في المجال الاجتماعي، وفي صيف العام 2011 بدأ في قراءة القرآن "بدافع الفضول". وكان والداه غير مسرورين من تحوله للإسلام خشية أن يصبح منعزلا عن محيطه وجيرانه، خاصة بعد أن أطلق لحيته وبدأ في ارتداء "الزي الإسلامي". أما ليام، الذي كان قد اعتنق الإسلام في ديسمبر عام 2010، كان لا يزال في المدرسة الثانوية عندما عرّفه أحد جيرانه على فؤاد بلقاسم، المتحدث باسم منظمة شريعة فور بلجيوم، الذي تأثر به وكان ينظر إليه على أنه رمز للحكمة، وأصبح يتردد على مقر المنظمة ويعتبرها منزله الثاني.
وبعد تقديم رؤية مفصّلة عن هؤلاء الشباب الأوروبيين وعن حالات أخرى لغيرهم من الشباب، تعود الدراسة لتؤكّد على أن هناك علاقة متينة بين الخلفية الأسرية والاجتماعية للشباب الأوروبي وبين سهولة اعتناقه للإسلام المتطرف عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو عبر التواصل المباشر مع أشخاص يعتنقون الأيديولوجيا المتطرّفة. وتخلص إلى أن تراكم المشاكل كثيرا ما يؤدي إلى التوجه إلى الدين أو الأدب. وتوضح كيف أن التجارب الشخصية المؤلمة تدفع المرء في الكثير من الأحيان نحو التوجه إلى "البحث الديني" وهو ما قد ينتهي بالفرد إلى التطرف. لكن، لا يمكن أن يكون سببا واحدا وراء تطرف أحد الأفراد، بل تاريخ من التجارب المؤلمة والقضايا النفسية أو السلوكية، لذلك يعتبر هؤلاء الشباب أكثر عرضة من غيرهم للانسياق وراء التوجهات المتطرفة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق