الاثنين، 7 سبتمبر 2015

تونس_تقارب النهضة ونداء تونس: خطان متوازيان ويلتقيان

وكالات: خلال الأشهر الأخيرة أخذ التقارب السياسي بين نداء تونس وحركة النهضة نسقا تصاعديا، وبدا الحزبان وكأنهما يتجردان من هويتهما الفكرية والسياسية وينسجان علاقة جديدة على أنقاض علاقة عدائية كثيرا ما عصفت بالحزبين طيلة أكثر من ثلاث سنوات، بلغت حد تجييش الشارع نتيجة الاختلافات العميقة سواء من حيث المرجعية الفكرية أو من حيث الرؤية السياسية. ويبدو قلق الأوساط السياسية من هكذا تقارب مشروعا في وقت تخطو فيه تونس خطواتها الأولى نحو تجربة ديمقراطية يراهن فيها العلمانيون على قيادة نداء تونس لمشروع وطني إصلاحي حداثي يستلهم عناوينه من مشروع دولة الاستقلال الذي قاده الزعيم الحبيب بورقيبة غداة استقلال البلاد عن الاستعمار الفرنسي عام 1956، وهو مشروع علماني انبنى على مقاربة ترفض تديين الشأن السياسي وتسييس الشأن الديني طيلة الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن الماضي.
غير أن صعود حركة النهضة إلى الحكم إثر فوزها في انتخابات 2011، أثار مخاوف القوى العلمانية من أن يقود فوز الإسلاميين إلى تدمير مكاسب دولة الاستقلال المدنية من خلال الزج بالبلاد في مشروع الإسلام السياسي الذي يهدف إلى بناء دولة ذات مرجعية عقائدية. وإزاء حالة الاستقطاب الإسلامي التي كانت تعصف بتونس واستفحال الفكر السلفي التكفيري والجهادي بادر الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي بتأسيس حزب نداء تونس في جوان 2012 لمواجهة الإسلاميين الذين رأى فيهم جماعات تهدف إلى الرجوع بتونس إلى القرن السابع، في إشارة إلى أفكارهم المتشددة التي تستهدف مكاسب دولة الاستقلال. ويشدد المحللون السياسيون على أن “نداء تونس كان مشروعا سياسيا في أساسه، ويعد تواصلا مع مشروع الحركة الإصلاحية التونسية ومع المشروع الوطني التنموي والسياسي الذي قادته دولة الاستقلال بزعامة الحبيب بورقيبة".
وخلال عامين فقط نجح قائد السبسي في وضع حد لحالة الاستقطاب وأعاد للمشهد السياسي توازنه، بعد أن التفت حوله قطاعات واسعة من المجتمع من كفاءات سياسية ترفض مشروع الإسلاميين وترى فيه تهديدا خطيرا للدولة المدنية ولنمط المجتمع. غير أن الانتخابات البرلمانية والرئاسية حسمت ذلك الصراع بفوز نداء تونس بأغلبية المقاعد البرلمانية وبفوز الباجي قائد السبسي برئاسة الجمهورية على حساب مرشح الإسلاميين منصف المرزوقي، وأعادت نتائج الانتخابات رسم خارطة سياسية جديدة لتونس. وطمأن قائد السبسي آنذاك القوى العلمانية بأنه لن يتحالف مع النهضة وإنما سيتحالف مع العائلة الديمقراطية حتى أنه شدد على أن"النهضة والنداء خطان متوازيان لا يلتقيان”، في إشارة إلى الاختلاف الفكري والسياسي والثقافي بين الحزبين. ويقول المتابعون للشأن التونسي أن "المجاهرة بالعداء المتبادل بين قائد السبسي وراشد الغنوشي كانت تخفي نوعا من الاقتناع لدى مؤسس نداء تونس بأن إشراك النهضة في الحكم سيساعد على التخفيف من حدة التوترات السياسية".
وعلى الرغم من الإشراك الهزيل للنهضة في حكومة الحبيب الصيد الائتلافية فقد ثارت ثائرة القوى العلمانية التي رأت، في هكذا إشراك، أن قائد السبسي نكث وعده الانتخابي باستبعاد الحركة الإسلامية من الحكومة، ولم يتردد العلمانيون في القول أن قائد السبسي خان الناخبين الذين صوتوا له. ووجدت حركة النهضة التي استماتت في الدفاع عن إشراكها في الحكومة منفذا لتخفيف توتر علاقتها بنداء تونس وانتهجت خطابا مهادنا لم يتردد في الإقرار بمكاسب دولة الاستقلال التنموية والسياسية وبأهمية المشرع الوطني، بل أقرت أيضا بدور الزعيم بورقيبة في تاريخ تونس الحديث. ويرجع المحللون السياسيون سعي النهضة إلى التقرب من نداء تونس إلى الضغوط التي أملتها العوامل المحلية والإقليمية والدولية وفي مقدمتها فشل استئثار الإخوان بالحكم في مصر.
ويقول مراقبون إن "النقطة الإيجابية الأولى من إشراك النهضة تبدو في توفير الأغلبية البرلمانية، إذ لو كانت النهضة في المعارضة لكانت الحكومة تطبق توجهات ومشاريع وقرارات لا تمثل 69 نائبا نهضاويا ولا تعني 947 ألف ناخب نهضاوي، أما وقد اجتمعا في حكومة واحدة فإن الحكومة تصبح ممثلة لما يقارب ثلاثة أرباع نواب الشعب وحوالي 50 بالمئة من المسجلين في الانتخابات وحوالي 60 بالمئة من الناخبين بغض النظر عن الشريكين الآخرين في الحكومة". وقاد خيار البراغماتية السياسية الذي حسمه قائد السبسي باتجاه "تجسير الهوة بين النداء والنهضة دون التخلي عن عناوين الهوية العلمانية للحزب الذي يقود الائتلاف الحاكم وفي مقدمتها مدنية الدولة ورفض أي مرجعية عقائدية لها".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق