السبت، 22 أغسطس 2015

ليبيا_الأزمة الليبية وتفاقم الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا

الحياة اللندنية: في 9 آب أغسطس الجاري، قال وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند لتلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية (بي.بي.سي)، خلال زيارته لسنغافورة، إن «أوروبا لا تستطيع حماية نفسها والحفاظ على مستوى المعيشة والنسيج الاجتماعي فيها إذا كان عليها استيعاب ملايين المهاجرين من أفريقيا». وكانت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أعلنت في 6 آب الجاري، أن نحو رُبع مليون مهاجر وصلوا إلى أوروبا عبر البحر المتوسط منذ بداية العام، وينتمي عشرات الآلاف منهم إلى دول أفريقيا الواقعة جنوب الصحراء الكبرى. لقد انطلقت الهجرة غير الشرعية من عدد من الدول الأفريقية وشمال أفريقيا، تحديداً أواخر الثمانينات من القرن الماضي، عندما قررت الدول الأوروبية إغلاق حدودها أمام المهاجرين واشتراط الحصول على «تأشيرة» لدخول أراضيها، وهو القرار الذي لم يوقف الهجرة أو يقللها. وتشكلت مسالك مختلفة للهجرة من دون وثائق سفر، وكانت الأكثر أمناً والأقل مسافة في البحر هي تلك التي تنطلق من شواطئ تونس إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، ومن شمال المغرب إلى شـواطئ جنوب إسبانيا، فيما كانت السياسات الأوروبية تتعامل مع هذه الهجرة في شكل أمني بحت من خلال سياسة إغلاق هذه المسالك، ما جعل المهاجرين يبحثون عن مسالك أخرى.
بيد أن السياسات الأوروبية التي عرقلت انطلاق المهاجرين من شمال تونس والمغرب، من خلال اتفاقيات أمنية مع هاتين الدولتين، جعلت المهاجرين يتوجهون إلى أماكن انطلاق تكون بعيدة من رقابة الأمن وحرس السواحل. وعلى سبيل المثال، تحول المهاجرون إلى الانطلاق من سواحل جنوب المغرب، ومن موريتانيا إلى جزر الكناري الإسبانية ومن ثم إلى إسبانيا، وهو ما يزيد من طول المسافة التي يقطعها المهاجرون في البحر، وبالتالي يزيد من احتمال غرقهم، خصوصاً أنهم يسافرون غالباً على مراكب صغيرة وضعيفة. وبعد سقوط نظام الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي عام 2011 وتدهور الأوضاع السياسية والأمنية، أصبحت ليبيا من المسالك الأسهل نظراً إلى ضعف المراقبة على الحدود، وهو ما يسهل وصول المهاجرين من دول جنوب الصحراء، وكذلك من المغرب العربي ومنها الانطلاق بحراً إلى أوروبا. وأصبحت الهجرة غير الشرعية تجارة مربحة جداً حتى بالنسبة إلى بعض الميليشيات. ولا تبعد السواحل الليبية أكثر من 300 كلم عن جزيرة لامبيدوزا الإيطالية التي تشهد كل عام وصول آلاف المهاجرين غير الشرعيين. فليبيا بمساحتها الصحراوية الشاسعة التي تبلغ أكثر من مليون و760 ألف كيلومتر مربع، ومع ساحل طوله ألف و770 كلم، أصبحت نقطة انطلاق المهاجرين غير الشرعيين الذي يحاولون عبور البحر المتوسط إلى أوروبا، إذ تتشارك ليبيا بحدود برية بطول نحو خمسة آلاف كيلومتر مع مصر والسودان والنيجر وتشاد والجزائر وتونس.
وأكبر تدفق للمهاجرين مصدره شمال النيجر حيث ينقل المهاجرون عبر شبكات من المهربين الذين يأتون بهم إلى منطقتي الكفرة وسبها اللتين تعدان أهم مناطق تجمع المهاجرين في جنوب ليبيا. وفي ظل نظام القذافي، كانت ليبيا تستخدم موضوع الهجرة كوسيلة للضغط على أوروبا، من خلال فتحها أو إغلاقها صمام الخروج وفقاً لتقدير حالة العلاقات مع الدول الأوروبية، وخصوصاً إيطاليا. وكان القذافي يطالب أوروبا بخمسة بلايين يورو سنوياً من أجل مراقبة حدودها ومكافحة الهجرة. وبين عامي 2008 و2011، توقف تدفق المهاجرين إلى أوروبا بعد توقيع معاهدة بين روما وطرابلس، تعهدت بموجبها إيطاليا تقديم خمسة بلايين دولار إلى ليبيا في مقابل وضع ضوابط أكثر صرامة على موضوع الهجرة. وقبل عام 2011، كانت الغالبية الساحقة من المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء مثل النيجر والسودان والصومال وإريتريا وإثيوبيا وغانا والكاميرون والغابون، ومعظم هؤلاء كانوا يمضون أشهراً أو حتى سنوات في العمل في ليبيا في ظل ظروف صعبة، وهو الوقت الذي يحتاجون إليه من أجل جني المال الكافي الذي يمكنهم من العبور إلى أوروبا ويتراوح بين ألف وألفي دولار.
وهناك معطى آخر وهو أن كلفة الهجرة من ليبيا تعد زهيدة، إذ يدفع الشخص لشبكات التهريب ما يقارب 600 إلى 700 دولار، في حين كلفة الرحلة نفسها قبل ســـنوات من شواطئ تونس أو المغرب ما يقارب 5 أضعاف ذلك. وتقدر السلطات الأمنية في طرابلس أن هناك ما يقارب 500 مهاجر من دون وثائق سفر، ينطلقون يومياً من الشواطئ الليبية للالتحاق بأوروبا، وأفادت الأمم المتحدة، بأنه «ما بين آذار (مارس) وآب من العام المــاضي، دخــل أكثر من 30 ألف مهاجر غير شرعي إلى ليبيا بطرق متعددة». وفي 9 آب الجاري، قال مسؤول ليبي إن 150 ألف مهاجر غير شرعي يدخلون البلاد شهرياً، بمعدل نحو 5 آلاف مهاجر يومياً، عبر الحدود مع دول الجوار، خصوصاً من الجنوب. وفي حين أن نحو 20 في المئة من هؤلاء يواصلون الهجرة عبر السواحل الليبية إلى أوروبا، يبقى 80 في المئة داخل البلاد، ما يزيد من عدم الاستــقرار، ومنذ مطلع 2015، غرق أو فُقد أكثر من ألفي شخص في البحر المتوسط غالبيتهم أمام السواحل الليبية، وتقول إحصاءات شبه رسمية إن نسبة المهاجرين غير الشرعيين الذين يغامرون بعبور البحر المتوسط من الإريتريين تبلغ 12 في المئة، والأفغان 11 في المئة، والنيجيريين 5 في المئة، والصوماليين 4 في المئة. في حين يبلغ عدد السوريين 36 في المئة. ويقول الباحث في المعهد الدنماركي للدراسات الدولية هانس لوكت إن «اللاجئين الموجودين في ليبيا يدركون أن بقاءهم فيها ينطوي على أخطار كثيرة». إذ تحولت ليبيا إلى «أرض ترانزيت لهؤلاء اللاجئين إلى أوروبا، خصوصاً بعدما أصبحت عملاً مربحاً للمليشيات المسلحة التي تسيطر على شواطئ عدة، في مقابل ضعف حكومة طرابلس». وتشير منظمات محلية معنية بحقوق اللاجئين إلى أن «البلد الوحيد المتبقي للاجئين الراغبين في العبور إلى أوروبا هو ليبيا بعدما شددت تركيا الرقابة البحرية، وعمدت السلطات البلغارية إلى تسييج حدودها لمنع اللاجئين من العبور براً».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق