الثلاثاء، 7 يوليو 2015

مصر_الإخوان داء الأمة.. استئصاله ليس عصيا على التنفيذ

العرب اللندنية: تعتبر فكرة الوحدة السياسية للعالم أو الخلافة أو أستاذية العالم التي كان يحلم بها كلّ من حسن البنا وسيد قطب، وفق كتاب للباحث في شؤون الجماعات الإسلامية والإخواني المنشق سامح عيد يحمل عنوان "ملحدون في الجنة"، مجرّد وهم يُخالف سنن الله الكونية، فـ"لولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض"، حتى أنّ وحدة المسلمين في العالم مستحيلة لتفرّقهم ووجودهم في جميع دول العالم وبأرقام كبيرة. وحتى منظمة دول المؤتمر الإسلامي فهي كذلك مستحيلة، لاختلافات ثقافية وسياسية كثيرة، وحتّى في بيانها التأسيسي، فقد أكّدت تلك الدول مراعاة خصائص شعوبها، وبعضها لم تكن غالبية سكانها من المسلمين، ولم يكن من أهدافها أي وحدة سياسية أو حتى اقتصادية. ويناقش عيد في كتابه عددا من القضايا الإشكالية في فكر قيادات جماعات الإسلام السياسي في سعيها لفرض وصايتها على العقل والوجدان الجمعيّين للأمّة، لافتا إلى أنّ اتهامات تكفير المجتمعات والأفراد تعدّ من الأدبيات الأساسية لتلك الجماعات. ويتطرق الباحث كذلك إلى معالجة قضية الخلافة في أكثر من موضع، كما يتطرق إلى الحديث عن دور الأزهر ومكانته وعجز مشايخه، مسلّطا الضوء على عدد من المواقف التي شهدتها عصور مختلفة من تاريخ المسلمين وصراع الخير والشر والإرادة والرغبة.

الغزو والاندماج والتحالف
يحدد سامح عيد في كتابه لدى تطرقه إلى مناقشة أوضاع العام العربي، بما فيه من 330 مليون مواطن مسلم بعيدا عن الخلاف السني الشيعي الذي يهدد المنطقة وما بها من عقائد أخرى، ثلاثة أشكال هي؛ الغزو والاندماج والتحالف، ومن ثمّة يسعى إلى تفنيدها قائلا "الغزو القائم على منطق الغلبة والقوة، مستحيل من الناحية العملية والدليل الغزو العراقي للكويت، ناهيك عن الدماء والأحقاد التي ستنتج عنه، فما فعله صلاح الدين وغيره من القادة، غير قابل للتطبيق اليوم، لأنّ الحروب في الماضي كانت بالسيوف، ومن السهل حسمها في يوم أو يومين، ويخضع المغلوب لمنطق الغالب وإرادته، أما معارك اليوم، فتستمر لسنوات، ولعلنا نذكر الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت أكثر من سبع سنوات، ولم تنته بنصر حاسم لأيّ من الطرفين، أو السيطرة العسكرية لدولة على أخرى، ولكنها كانت تتضمّن انتصارات جزئية ومعنوية، ولذلك فحتى فكرة توحيد العالم العربي من منطلق الغزو فكرة مستحيلة، ناهيك عن التدخلات الدولية مثل التي حدثت في حرب العراق والكويت".
ويضيف "أمّا فكرة الاندماج التوافقي فقد فشلت في الماضي، ولدينا تجربة مصر وسوريا في العام 1958 كمثال على ذلك، فما الذي يدفع دولة متوسّط دخل الفرد فيها يتجاوز المئة دولار في اليوم (مثل الخليج العربي) إلى الاندماج مع دولة 40 بالمئة من سكانها يرزحون تحت خط الفقر (بين دولار ودولارين في اليوم) وخاصة عندما تكون دولة ذات تعداد سكاني ضخم مثل مصر، وهذا ما يجعل التّحالف الاقتصادي أيضا في المدى المنظور مستحيلا. وحتّى التحالف العسكري فتعتريه كثير من المشاكل، وقد كانت هنالك تجربة قادتها العراق وكان بها كلّ من مصر والأردن واليمن، ولكنها باءت بالفشل، وحتّى وإن تمّ هذا الاندماج في عصور لاحقة، فمن المستحيل أن يقوم على أساس ديني لأنّ عنصر الدين سيكون مفرقا لا مجمعا، لأنّ الجيوش قائمة على عنصر المواطنة والقطرية، فهي تضمّ عقائد وأديانا مختلفة". ويحذر عيد من أنّ الوحدة على أساس الدين هي دعوة جاهلية، فإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام قد قال في الماضي "أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم"، عندما قال أحدهم يا “معشر المهاجرين" وقال الآخر يا “معشر الأنصار"، لأنها ستؤدي إلى التحارب والقتال، لافتا إلى أنّ مثل هذه الدعوات وما شابهها، هي دعوات جاهلية تؤدي إلى الحرب والهلاك. وعلى عكسها فإنّ الدعوة الحقيقية الآن هي "يا معشر الإنسانية تعالوا إلى كلمة سواء"، دعوة إلى التسامح والتشارك والأخذ على أيدي الظالمين أيا كانت عقيدتهم، لا دعوات التفرقة التي تبثها جماعات الإسلام السياسي.

الإخوان وآليات التفكيك
لدى تقدمه في البحث عن نقاط التجميع ونقاط التفرقة، يعالج عيد قضية تفكيك جماعة الإخوان المسلمين باعتبارهم عاملا من العوامل التي تؤثر على التجميع أو التفرقة، مستندا إلى أحداث الماضي القريب والبعيد، لافتا إلى أنّ التنظيم الإخواني الذي يقارب عدد عناصره الـ 400 ألف عنصر، وفق تصريحات الأجهزة الأمنية، يمثل تحديا حقيقيا ليس أمام مصر وحدها ولكن أمام العالم بشكل عام، وأمام العالم العربي بشكل خاص؛ ففي مراحل الإخوان التاريخية كانت هناك دول تنتشلهم وتظللهم بالحماية لأغراض سياسية، ففي الضربة الأولى في 1948 و1949 وبعد حل الجماعة وقتل حسن البنا وصعود إبراهيم عبدالهادي رئيس الديوان الملكي إلى كرسي الوزارة وخذلان حزبي الأحرار الدستوريين والوفد له، وعدم التوافق معه لتشكيل حكومة ائتلافية، غضب، وأخرج الإخوان مرة أخرى من السجون بتوافق مع حسن الهضيبي وسمح لهم بالحركة ودعمهم، بمعنى أن الدولة التي منعت هي نفسها الدولة التي منحت، في مكايدة سياسية واضحة. وعندما حدث الصدام الثاني مع جمال عبدالناصر في 1954 وكذلك في 1965 وجدوا في المملكة السعودية ملاذا ورعاية في ظل مكايدة سياسية بين المملكة ومصر الناصرية، خاصة أن النظام الناصري بدأ يتلاعب بالملكيات والأنظمة العشائرية ويشجع الثورات، كما حدث مع نظام السنوسي والقذافي في ليبيا، وكذلك دعمه للثورة في اليمن ضدّ الإمام والنظام الملكي، فشعرت أنهّا في خطر في ظل تنامي النظام الناصري، وقد حاول الملك فيصل التّوسط للإفراج عن سيد قطب ولكن النظام المصري استبق ذلك بإعدامه، فآوت وقتها السعودية الإخوان، وفي السبعينات توافقت الإرادة السعودية مع مصر السادات على إخراج الإخوان للعلن مرّة أخرة، ودعمهم بناء على توافقات فقهية جديدة أقرب للتسلّف نزولا عند الرغبة السعودية وابتعادا عن التسلّح والعنف بناء على الرغبة الساداتية.
ويوضح عيد أنه في الثمانينات توافقت الرغبة المصرية السعودية مع الرغبات الأميركية في الدفع بهم إلى أتون ما يسمى بالجهاد الديني المقدس ضد الشيوعية في روسيا، وبعد ثورات “الربيع العربي”، تجلى التوافق الحاصل بين الإخوان والأميركيين، وكذلك النظامين القطري والتركي، لتكون المظلة السياسية حامية وراعية في نفس الوقت في لعبة كبيرة وخطيرة، ربما يعرف بعضهم مبتدأها ولكن لا أحد يستطيع توقع منتهاها الذي ربما سيكون كبيرا وهائلا وشاملا. ويوضح الكتاب أنّ التنظيم موجود بشكل ما في مصر وموجود بقوة في الخارج، ومدعوم ماليا وإعلاميا وفنيا بشكل كبير، لأنّ اللعبة اتسعت ودخلت فيها أجهزة مخابرات عربية وغربية، بالإضافة إلى إيران وتركيا وقطر، ولم تصبح لعبة محلية داخلية في مصر، بل أضحت جزءا صغيرا من لعبة كبيرة لإعادة تشكيل المنطقة على أسس ومنطلقات كبيرة، وهذا وفّر لهم غطاء ماليا ضخما ما كانوا يحلمون به في يوم من الأيام، ربما تخطّى فكرة وجودهم في الحكم في مصر، حيث أنهم يتحدثون في مشروع "خريف الإخوان"، عن تسكين خمسة آلاف من القيادات الوسطى في أوروبا لإدارة ملفات إعلامية واقتصادية كبيرة، وشراء أسهم في شركات دعاية وفي إذاعات وشراء برامج في محطات تليفزيونية شهيرة، وكذلك أسهم في جرائد وغيرها من الأمور الخاصة بالإعلام. وكذلك تسكين عشرات الآلاف من أبناء الطبقة الوسطى من المهندسين والأطباء والمدرسين والمحاسبين في دول الخليج بعقود عمل في حالة استكانة وكمون وترقّب، والأخذ بالاحتياطات الأمنية والتزام السرية التامة، وقد اعتادوا على هذا الأمر في فترات زمنية كثيرة، ولهم أدبيات كثيرة في هذا الموضوع، وفي حال سقوط أيّ دولة في حالة اضطراب سيكونون هم المؤهلين بقدراتهم التنظيمية وعلاقاتهم الخارجية المتشعّبة في تلك المرحلة للوثوب على تلك الحالة والسيطرة على الموقف وإدارته وسيكون مجتمع تلك الدولة المنهارة والمنهكة نفسيا ومعنويا مؤهلا لقبول أيّ أسلوب إدارة لمجرد تحقيق درجة من الأمان النسبي. ويرى عيد أنه رغم تلك الهواجس والتخوفات، وربما الرعب، مازالت هنالك نقاط إيجابية وظروف استثنائية نستطيع الاستفادة منها لمواجهة التنظيم الإخواني على المديين القصير والطويل، وهي مواجهة فكرية للإسلام السياسي بشكل شامل وكامل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق