الأربعاء، 6 مايو 2015

الولايات المتحدة_ التنظيمات الجهادية.. تحالفات تنقلب إلى خلافات

العربيوما بعد يوم، تزداد قائمة المشكّكين الأميركيين في إيجابية سياسة بلادهم التي تم اتباعها منذ أن موّلت الولايات المتحدة المجاهدين الأفغان الذين كانوا يقاتلون السوفييت. فنهاية هذه الخطّة، الأميركية الأوروبية، كما يقول الكاتب الباكستاني زاهد حسين، في كتابه “جبهة باكستان.. الصراع مع الإسلام المسلح”، حوّلت المقاومة الأفغانية للاحتلال السوفييتي إلى حرب إسلامية مقدسة، وانتهى المطاف إلى خلق أجيال من الإسلاميين يؤمنون بفكرة الجهاد، التي تزداد تطرّفا جيلا بعد جيل. بعد سقوط السوفييت، انسحب الأميركيون، وتركوا باكستان وأفغانستان توجهان تنظيم القاعدة، الذي “استوحش”، وتحوّل من حليف إلى عدو. واستمر الوضع إلى غاية أحداث 11 سبتمبر 2001، التي أعطت الضوء الأخضر لإدرة بوش ليطوّر الخطة التي تم انتهاجها في أفغانستان ضدّ السوفييت، ويحوّلها إلى حرب على الإرهاب بدأت من العراق ثم استشرت نيرانها لتطال كامل المنطقة، التي تحوّلت إلى بؤرة للصراعات المتفجّرة، وتطوّر الأمر لتتخذ الحرب مسارا عالميا ومنحى ازداد خطورة بعد “الربيع العربي” وظهور تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وشوريا على أنقاض تنظيم القاعدة الذي ظهر خلال الغزو الأميري للعراق.
بعد أكثر من ثلاثة عشر عاما من إعلان الرئيس الأميركي جورج بوش الابن حربه على الإرهاب، يبدو أن السحر انقلب على الساحر والبذور التي زرعها الأميركيون في أفغانستان، ثم صدّرت ما نتج عنها إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وجدت طريقها إلى الداخل الأميركي، وأجبرت الرئيس باراك أوباما على التراجع عن وعوده بعدم التورط في حروب خارجية أخرى، كما أجبرت الإدارة الأميركية على إضافة ملف آخر على طاولة ملفاتها الحارقة، وهو تصاعد مقياس خطر التهديد الإرهابي في الداخل الأميركي. لم يكد الأميركيون يتناسون قضية الثنائي أدموندس، اللذين تمّ إيقافهما في شهر مارس الماضي بتهمة التآمر وتوفير الدعم لمنظّمة إرهابية أجنبية، هي تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا، حتى جاءت أحداث مدينة تكساس، هذا الأسبوع، لتسّلط الضوء من جديد على الخطر القائم الذي يشكله المتطرفون داخل الولايات المتحدة والصعوبات التي تواجه السلطات في محاولة وقفهم. تشير الشكوى الجنائية التي رفعها جهاز “أف. بي. أي” ضد حسن أدموندس وابن عمّه يونس أدموندس، إلى أن حسن، المختص في الحرس الوطني العسكري خطّط للسفر إلى سوريا للقتال في صفوف تنظيم داعش. واعتقل حسن أدموندس (22 عاما) في مطار ميدواي بشيكاغو، خلال محاولته السفر إلى مصر، للانضمام إلى داعش، بينما خطّط ابن عمه يونس أدموندس (29 عاما) لضرب منشأة عسكرية أميركية شمال مدينة إلينوي حيث تلقّى حسن تدريبه العسكري الوطني.
ويشير تقرير لمؤسسة هريتاج الأميركية إلى أن هذه المحاولة التي قام بها المواطنان الأميركيان تمثل المؤامرة رقم 64 ضدّ الولايات المتحدة، منذ تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001. وهذه الحادثة أيضا هي العملية الإرهابية الثانية في الولايات المتحدة، التي يتعاطف فيها مواطن، ولد ونشأ على المبادئ الأميركية، مع تنظيم داعش ويتّخذه مصدر إلهام له. وهو أمر يبرهن على أن ما يحدث في سوريا والعراق لا يبقى بالضرورة في سوريا والعراق، وفق تحليل هريتاج. أفاد جهاز أبحاث الكونغرس الكشف عن 64 خطة على صلة بالتطرف الإسلامي لشن هجمات على الأراضي الأميركية بين 2001 و2013، وحصل ارتفاع ملحوظ في هذه الخطط ابتداء من 2009. ودعا تنظيما الدولة الإسلامية والقاعدة في شبه جزيرة العرب وحركة الشباب الصومالية الموالين لها “إلى شن هجمات منفردة على الولايات المتحدة ودول غربية أخرى”، على ما أفاد به مدير وكالة الاستخبارات الوطنية جيمس كلابر للمشرعين في فبراير الماضي. ومن المتوقع أن تتواصل هذه النزعة، في ظلّ عمليات الاستقطاب والتجنيد الكبيرة التي يقوم بها تنظيم داعش، والتي تلقى اهتماما كبيرا من قبل الشباب الأجانب، الأميركيين والأوروبيين، إلى جانب العرب.
لكن الخبراء يؤكدون أن هناك سببا آخر هو أكثر أهمية، من دعايات تنظيم داعش أو القاعدة، وهو الاستفزازات التي تقوم بها مجموعات داخل أميركا، معادية للإسلام، على غرار الهجوم المسلح الذي وقع، في مدينة غارلاند في تكساس رفضا لمسابقة كاريكاتورية مسيئة للمسلمين. الهجوم، الذي تبنّاه تنظيم الدولة الإسلامية، كان سببه معرض نظمته جمعية “المبادرة الأميركية للدفاع عن الحرية”، المعروفة بمواقفها المعادية للإسلام، تخللته مسابقة رسوم مسيئة للمسلمين. وأوضح ماكس ابراهامز، الأستاذ المساعد في العلوم السياسية في جامعة نورث ايسترن أن “أنشطة على غرار ذلك الذي نظم الأحد الماضي ويشمل مسابقة لرسم النبي محمد، تهدد باستعداء بعض المسلمين وإثارة رد فعل عنيف”. وأضاف ابراهامز “هذا بالضبط هو نوع السلوك الذي يخاطر بعزل المسلمين الأميركيين ويهدد جهودنا في مكافحة الإرهاب”. وأوضح “عندما يشعر المجتمع المسلم بأنه يتعرض لسوء المعاملة تزداد فرص إنتاج متطرفين”. وهذه المرة الأولى التي يتبنّى فيها تنظيم داعش هجوما داخل الأراضي الأميركية، متوعّدا بمزيد من الهجمات و”أن القادمة أدهى وأمر”. وأفادت تقارير أن أحد المهاجمين كان يشتبه في نيته السفر إلى الصومال، فيما أشار محللون إلى أن هذه الحالة تشبه قضايا أخرى قام فيها جهاديون محلّيون بالتحرك دون تلقي أوامر من الخارج.
وحذر مسؤولون أميركيون من الخطر المتعاظم للمتطرفين الإسلاميين المحليين ولا سيما “الذئاب المنفردة”. ووصف مدير مكتب التحقيق الفيدرالي “أف بي أي” جيمس كومي خطر “الذئاب المنفردة” بـ”التحدي، نظرا إلى مدى صعوبة توقيف هؤلاء الأفراد لأنهم ينشطون عبر الإنترنت ومن منازلهم”. وللتعامل مع الخطر المحلي تعتمد السلطات الأميركية طريقتين: عمليات سرية عن طريق عملاء متخفين لـ “أف بي أي” أو اعتقال مشتبه به بتهم لا علاقة لها بالإرهاب على غرار قانون الهجرة أو الضرائب. وبينما يصب الإعلام كل اهتمامه على “الجهاديين” المحليين خلصت دراسة لمؤسسة “نيو أميركا” إلى أن عددا أكبر من الأميركيين قتل في هجمات إرهابية نفذها أفراد اعتنقوا أيديولوجيات يمينية، من بينهم أشخاص يؤمنون بتفوق البيض، ومناهضو الإجهاض ومناهضو الحكومة، مما سقط في هجمات متأثرة بالدعاية الإسلامية. فمنذ 11 سبتمبر 2001، قتل اليمينيون المتشددون 34 شخصا لدوافع سياسية، فيما قتل الإسلاميون المتشددون 21 شخصا، حسب الدراسة. وإلى أن تنجح الولايات المتحدة في محاربة وتدمير داعش والقاعدة والمجموعات الإسلامية المتطرفة الأخرى بشكل ناجع ستبقى هدفا للإرهابيين الذين يستلهمون أعمالهم من هذا الفكر المتطرف، الذي ساعد الأميركيون على ظهوره. ولم يعد بوسع الولايات المتحدة التراخي، أو الاكتفاء بإعطاء الأوامر والنصائح لمواجهة الإرهاب، بل أصبحت لزاما عليها، هي أيضا، أن تطبّق هذه النصائح وتبحث في سبل تطوير المجهودات لهزم داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية في الخارج لوقفها قبل تسديد ضرباتها في الداخل.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق