الثلاثاء، 24 سبتمبر 2013

لنتكلم عن الأطفال / بقلم - باسم يوسف

 الشروق
لا أريد اليوم أن أتكلم فى السياسة ومتاعبها ومشاكلها. اليوم أريد أن أستأذنكم فى الكلام عن موضوع مختلف تماما. أريد أن أفتح نقاشا هادئا حول شيئا قد يبدو تافها فى خضم ما تمر بها البلاد من تقلبات سياسية وإرهاب وكتابة دستور واضطرابات وخلافه. فعذرا مقدما عزيزى القارئ..  فى الأسابيع القليلة الماضية تسنى لى قضاء وقت أكبر مع عائلتى ومع طفلتى التى لم تتجاوز العام ونصف. ابنتى عبارة عن «مكنة فرك» أى إنها تتحرك وتلعب وتكسر وتصيح وتتداخل مع كل أحد ومع كل شىء. مثلها مثل باقى الأطفال فى سنها (لكن بصراحة نادية مزوداها حبتين). وقد سعدنا جدا حين وجدنا ما يجعلها هادئة ومنتبهة و«راسية كده». جاء الحل السحرى فى متابعة أغانى وفيديوهات الأطفال على قنوات اليوتيوب وقنوات التليفزيون.  شىء جميل أن تجد طفلك يتابع شيئا ما بهدوء واهتمام بدلا من أن يتحول لسلاح دمار شامل فى منزلك.  من باب الفضول تابعت بعض هذه القنوات سواء على الإنترنت أو التليفزيون ووجدت أنه لا توجد قناة مصرية واحدة بينهم.  فقنوات الأطفال المتخصصة على الإنترنت السواد الأعظم منها قنوات أجنبية وتحقق الفيديوهات فى هذه القنوات عدد مشاهدات تتخطى عشرات الملايين. هناك قنوات أخرى عربية ولا يوجد أى منها باللهجة المصرية. اما على التليفزيون فقنوات الكارتون إن لم تكن أجنبية فهى مدبلجة. هذا إلى جانب قنوات من دول عربية أخرى، أو قنوات متخصصة كجزء من شبكة عملاقة مثل ام بى سى أو الجزيرة.  تساءلت هنا، أين برامج الأطفال المصرية؟  أتذكر حين كنت طفلا أن هناك علامات فارقة فى طفولتنا مثل برنامج سينما الأطفال مع عفاف الهلاوى وما يطلبه الأطفال، أو بقلظ وماما نجوى وبابا ماجد. انتهاء بكارثة برامج الأطفال ماما سامية شرابى.  وبالرغم من ان هذه البرامج قد شكلت وجداننا ونحن أطفال وبالرغم من ان هذه البرامج كانت رائدة فى وقتها فإننا اكتشفنا بعد أن تقدمنا فى السن أننا قد خدعنا. فكل ميزة هذه البرامج انها كانت وحدها بدون منافسة من قنوات فضائية أو إنترنت. لقد تعلقنا بهذه البرامج بسبب شخصية المذيع ولكن إعداد الحلقات نفسها لم يكن يتعدى قص ولزق من منتجات أجنبية مع ترجمة من صوت المذيع.  اكتشفت الآن أن التليفزيون المصرى بكل ريادته لم ينجح فى أن يقدم أى نموذج ناجح لأطفالنا بالرغم من أنه أول تليفزيون فى المنطقة.  أما الآن فالموضوع أسوأ بكثير، فأنا أعلم أن هناك الكثير من المواهب التى تحاول أن تقدم محتوى مصريا للأطفال. هذه المواهب تواجه برفض شديد، وكأن القنوات المصرية قد وقعت على ميثاق سرى بعدم شراء أو تشجيع أى منتج مصرى للأطفال. يبدو أنه من غير المربح أن تقوم قناة مصرية بشراء هذه البرامج ولذلك فكل ما تراه فى القنوات الخاصة هو البرامج الحوارية والمسلسلات التركى وبرامج المسابقات المصورة فى لبنان.  أين المحتوى المصرى؟  يقولون إن هناك قناة اسمها قناة الأسرة والطفل. هل يشاهدها أحد؟ هل يتابعها ويتأثر بها أحد؟ وإذا كانت القنوات الخاصة التى تهدف للربح لا تريد القيام بهذا الدور فأين الدور القومى الذى يجب أن تقوم به الدولة؟  بعد أن كانت أصوات ــ مثل عفاف راضى ومحمد ثروت ــ تغنى للأطفال.. من يغنى الآن لهم؟  بعد «يا شمس يا شموسة» أصبح أطفالنا يغنون «بوس الواوا».  حين حاول حمادة هلال أن يقدم أغنية للأطفال استخدم سبونج بوب وهى شخصية كارتونية غير مصرية وغير عربية  حتى صفاء أبو السعود التى كانت تظهر مرة فى السنة فى احتفالات الطفولة امام سوزان مبارك وكان يتم تكليف ملحنين عتاولة لتلحين أغانيها، حتى هذا لم يعد موجودا.  أطفالنا الآن تتشبع عيونهم ببرامج أطفال أجنبية وتتشبع آذانهم بلهجات مدبلجة غير مصرية ولا عزاء لثقافتنا ولا وجود لمصريتنا.  ربما تظن أن هذا مقال تافه لأنه يتكلم عن برامج الأطفال وأغانى الأطفال ولكن فى بيتى وبيتك وبيت أقاربك هناك أطفال تتشكل شخصياتهم وقيمهم ولغتهم ولهجتهم ببرامج وأغانى وشخصيات لا تنتمى لنا.  لست ممن يحبون تهويل الأمور وادخال نظريات المؤامرة على الفاضى والمليان ولا اريد أن استخدم عبارات مثل «إنها حرب على هويتنا ومحاولة لطمس شخصيتنا». هى ليست حربا. فالحرب عبارة عن صراع بين جانبين. أما جانبنا فقد اختار ألا يدخلها من الأصل وسلم الميدان للآخرين ليفعلوا به ما يشاءون وجلسنا نحن مبتسمين راضين ونحن نشاهد أطفالنا يغنون أغانى الأطفال الأجنبية سعداء بتعلمهم لغة أخرى غير مبالين بلغتنا «البلدى».  لست أيضا ممن يكررون اتهامات الحرب على الهوية أو «القيم الغربية المنحلة» التى تتسرب إلى أولادنا، ففى الحقيقة هذه البرامج مفيدة جدا وتعليمية جدا وما يستفزك حقا أن افكارها بسيطة ولا تحتاج إلى تمويل ضخم، ومع ذلك اخترنا الطريق الأسهل فاستوردنا أشياء كان الأجدر بنا ان نصنعها ونبتكرها ونقدمها لأولادنا هنا.  ولست من هؤلاء الذين يحاربون اللغات الأجنبية، بالعكس أنا أؤمن أنه يجب أن يتعلم الطفل منذ الصغر لغة ثانية وثالثة، وان يتفوق فيهما ولكن ليس على حساب اللغة الأم.  نحن نترك أطفالنا أمام التليفزيون واليوتيوب سعداء بهدوئهم وتركيزهم على شىء اخر غير تكسير البيت وإثارة الفوضى ولكننا على المدى البعيد نخسر أكثر.  نحن خبراء فى اهدار مواردنا. لقد اكتسب المصريون شهرة بأن بلدهم لديه كل المميزات التى تحلم بها بلاد اخرى، مثل الموقع الجغرافى ونهر النيل والشواطئ الممتدة والطقس الرائع والثروات المعدنية الكثيرة، ومع ذلك فنحن أساتذة فى إهدار هذه الثروات ومتخصصون فى عدم الاستفادة منها.  يبقى لدينا مورد واحد، ثروة واحدة، هى أطفالنا، ولكننا للأسف نهدرهم بين إهمال وأمية وتعليم سيئ، إن كانوا فقراء. أما إن كانوا من بيوت ميسورة مقتدرة فنحن نغربهم ونخلق منهم أطفالا يغنون ويفكرون ويحلمون ويمزحون بلغة أخرى غير لغتنا الام. ربما تكون سعيدا الآن بهذا الإنجاز، لكن فى المستقبل القريب إن لم تتغرب انت ايضا فمصيرك مثل لغتك «البلدى»، يستخدمها ابنك فقط عند اللزوم.
لا أريد اليوم أن أتكلم فى السياسة ومتاعبها ومشاكلها. اليوم أريد أن أستأذنكم فى الكلام عن موضوع مختلف تماما. أريد أن أفتح نقاشا هادئا حول شيئا قد يبدو تافها فى خضم ما تمر بها البلاد من تقلبات سياسية وإرهاب وكتابة دستور واضطرابات وخلافه. فعذرا مقدما عزيزى القارئ..
فى الأسابيع القليلة الماضية تسنى لى قضاء وقت أكبر مع عائلتى ومع طفلتى التى لم تتجاوز العام ونصف. ابنتى عبارة عن «مكنة فرك» أى إنها تتحرك وتلعب وتكسر وتصيح وتتداخل مع كل أحد ومع كل شىء. مثلها مثل باقى الأطفال فى سنها (لكن بصراحة نادية مزوداها حبتين). وقد سعدنا جدا حين وجدنا ما يجعلها هادئة ومنتبهة و«راسية كده». جاء الحل السحرى فى متابعة أغانى وفيديوهات الأطفال على قنوات اليوتيوب وقنوات التليفزيون.
شىء جميل أن تجد طفلك يتابع شيئا ما بهدوء واهتمام بدلا من أن يتحول لسلاح دمار شامل فى منزلك.
من باب الفضول تابعت بعض هذه القنوات سواء على الإنترنت أو التليفزيون ووجدت أنه لا توجد قناة مصرية واحدة بينهم.
فقنوات الأطفال المتخصصة على الإنترنت السواد الأعظم منها قنوات أجنبية وتحقق الفيديوهات فى هذه القنوات عدد مشاهدات تتخطى عشرات الملايين. هناك قنوات أخرى عربية ولا يوجد أى منها باللهجة المصرية. اما على التليفزيون فقنوات الكارتون إن لم تكن أجنبية فهى مدبلجة. هذا إلى جانب قنوات من دول عربية أخرى، أو قنوات متخصصة كجزء من شبكة عملاقة مثل ام بى سى أو الجزيرة.
تساءلت هنا، أين برامج الأطفال المصرية؟
أتذكر حين كنت طفلا أن هناك علامات فارقة فى طفولتنا مثل برنامج سينما الأطفال مع عفاف الهلاوى وما يطلبه الأطفال، أو بقلظ وماما نجوى وبابا ماجد. انتهاء بكارثة برامج الأطفال ماما سامية شرابى.
وبالرغم من ان هذه البرامج قد شكلت وجداننا ونحن أطفال وبالرغم من ان هذه البرامج كانت رائدة فى وقتها فإننا اكتشفنا بعد أن تقدمنا فى السن أننا قد خدعنا. فكل ميزة هذه البرامج انها كانت وحدها بدون منافسة من قنوات فضائية أو إنترنت. لقد تعلقنا بهذه البرامج بسبب شخصية المذيع ولكن إعداد الحلقات نفسها لم يكن يتعدى قص ولزق من منتجات أجنبية مع ترجمة من صوت المذيع.
اكتشفت الآن أن التليفزيون المصرى بكل ريادته لم ينجح فى أن يقدم أى نموذج ناجح لأطفالنا بالرغم من أنه أول تليفزيون فى المنطقة.
أما الآن فالموضوع أسوأ بكثير، فأنا أعلم أن هناك الكثير من المواهب التى تحاول أن تقدم محتوى مصريا للأطفال. هذه المواهب تواجه برفض شديد، وكأن القنوات المصرية قد وقعت على ميثاق سرى بعدم شراء أو تشجيع أى منتج مصرى للأطفال. يبدو أنه من غير المربح أن تقوم قناة مصرية بشراء هذه البرامج ولذلك فكل ما تراه فى القنوات الخاصة هو البرامج الحوارية والمسلسلات التركى وبرامج المسابقات المصورة فى لبنان.
أين المحتوى المصرى؟
يقولون إن هناك قناة اسمها قناة الأسرة والطفل. هل يشاهدها أحد؟ هل يتابعها ويتأثر بها أحد؟ وإذا كانت القنوات الخاصة التى تهدف للربح لا تريد القيام بهذا الدور فأين الدور القومى الذى يجب أن تقوم به الدولة؟
بعد أن كانت أصوات ــ مثل عفاف راضى ومحمد ثروت ــ تغنى للأطفال.. من يغنى الآن لهم؟
بعد «يا شمس يا شموسة» أصبح أطفالنا يغنون «بوس الواوا».
حين حاول حمادة هلال أن يقدم أغنية للأطفال استخدم سبونج بوب وهى شخصية كارتونية غير مصرية وغير عربية
حتى صفاء أبو السعود التى كانت تظهر مرة فى السنة فى احتفالات الطفولة امام سوزان مبارك وكان يتم تكليف ملحنين عتاولة لتلحين أغانيها، حتى هذا لم يعد موجودا.
أطفالنا الآن تتشبع عيونهم ببرامج أطفال أجنبية وتتشبع آذانهم بلهجات مدبلجة غير مصرية ولا عزاء لثقافتنا ولا وجود لمصريتنا.
ربما تظن أن هذا مقال تافه لأنه يتكلم عن برامج الأطفال وأغانى الأطفال ولكن فى بيتى وبيتك وبيت أقاربك هناك أطفال تتشكل شخصياتهم وقيمهم ولغتهم ولهجتهم ببرامج وأغانى وشخصيات لا تنتمى لنا.
لست ممن يحبون تهويل الأمور وادخال نظريات المؤامرة على الفاضى والمليان ولا اريد أن استخدم عبارات مثل «إنها حرب على هويتنا ومحاولة لطمس شخصيتنا». هى ليست حربا. فالحرب عبارة عن صراع بين جانبين. أما جانبنا فقد اختار ألا يدخلها من الأصل وسلم الميدان للآخرين ليفعلوا به ما يشاءون وجلسنا نحن مبتسمين راضين ونحن نشاهد أطفالنا يغنون أغانى الأطفال الأجنبية سعداء بتعلمهم لغة أخرى غير مبالين بلغتنا «البلدى».
لست أيضا ممن يكررون اتهامات الحرب على الهوية أو «القيم الغربية المنحلة» التى تتسرب إلى أولادنا، ففى الحقيقة هذه البرامج مفيدة جدا وتعليمية جدا وما يستفزك حقا أن افكارها بسيطة ولا تحتاج إلى تمويل ضخم، ومع ذلك اخترنا الطريق الأسهل فاستوردنا أشياء كان الأجدر بنا ان نصنعها ونبتكرها ونقدمها لأولادنا هنا.
ولست من هؤلاء الذين يحاربون اللغات الأجنبية، بالعكس أنا أؤمن أنه يجب أن يتعلم الطفل منذ الصغر لغة ثانية وثالثة، وان يتفوق فيهما ولكن ليس على حساب اللغة الأم.
نحن نترك أطفالنا أمام التليفزيون واليوتيوب سعداء بهدوئهم وتركيزهم على شىء اخر غير تكسير البيت وإثارة الفوضى ولكننا على المدى البعيد نخسر أكثر.
نحن خبراء فى اهدار مواردنا. لقد اكتسب المصريون شهرة بأن بلدهم لديه كل المميزات التى تحلم بها بلاد اخرى، مثل الموقع الجغرافى ونهر النيل والشواطئ الممتدة والطقس الرائع والثروات المعدنية الكثيرة، ومع ذلك فنحن أساتذة فى إهدار هذه الثروات ومتخصصون فى عدم الاستفادة منها.
يبقى لدينا مورد واحد، ثروة واحدة، هى أطفالنا، ولكننا للأسف نهدرهم بين إهمال وأمية وتعليم سيئ، إن كانوا فقراء. أما إن كانوا من بيوت ميسورة مقتدرة فنحن نغربهم ونخلق منهم أطفالا يغنون ويفكرون ويحلمون ويمزحون بلغة أخرى غير لغتنا الام. ربما تكون سعيدا الآن بهذا الإنجاز، لكن فى المستقبل القريب إن لم تتغرب انت ايضا فمصيرك مثل لغتك «البلدى»، يستخدمها ابنك فقط عند اللزوم.


اقرأ المزيد هنا: http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=24092013&id=b330c377-81a2-4b56-b6bf-750701a44de7
لا أريد اليوم أن أتكلم فى السياسة ومتاعبها ومشاكلها. اليوم أريد أن أستأذنكم فى الكلام عن موضوع مختلف تماما. أريد أن أفتح نقاشا هادئا حول شيئا قد يبدو تافها فى خضم ما تمر بها البلاد من تقلبات سياسية وإرهاب وكتابة دستور واضطرابات وخلافه. فعذرا مقدما عزيزى القارئ..
فى الأسابيع القليلة الماضية تسنى لى قضاء وقت أكبر مع عائلتى ومع طفلتى التى لم تتجاوز العام ونصف. ابنتى عبارة عن «مكنة فرك» أى إنها تتحرك وتلعب وتكسر وتصيح وتتداخل مع كل أحد ومع كل شىء. مثلها مثل باقى الأطفال فى سنها (لكن بصراحة نادية مزوداها حبتين). وقد سعدنا جدا حين وجدنا ما يجعلها هادئة ومنتبهة و«راسية كده». جاء الحل السحرى فى متابعة أغانى وفيديوهات الأطفال على قنوات اليوتيوب وقنوات التليفزيون.
شىء جميل أن تجد طفلك يتابع شيئا ما بهدوء واهتمام بدلا من أن يتحول لسلاح دمار شامل فى منزلك.
من باب الفضول تابعت بعض هذه القنوات سواء على الإنترنت أو التليفزيون ووجدت أنه لا توجد قناة مصرية واحدة بينهم.
فقنوات الأطفال المتخصصة على الإنترنت السواد الأعظم منها قنوات أجنبية وتحقق الفيديوهات فى هذه القنوات عدد مشاهدات تتخطى عشرات الملايين. هناك قنوات أخرى عربية ولا يوجد أى منها باللهجة المصرية. اما على التليفزيون فقنوات الكارتون إن لم تكن أجنبية فهى مدبلجة. هذا إلى جانب قنوات من دول عربية أخرى، أو قنوات متخصصة كجزء من شبكة عملاقة مثل ام بى سى أو الجزيرة.
تساءلت هنا، أين برامج الأطفال المصرية؟
أتذكر حين كنت طفلا أن هناك علامات فارقة فى طفولتنا مثل برنامج سينما الأطفال مع عفاف الهلاوى وما يطلبه الأطفال، أو بقلظ وماما نجوى وبابا ماجد. انتهاء بكارثة برامج الأطفال ماما سامية شرابى.
وبالرغم من ان هذه البرامج قد شكلت وجداننا ونحن أطفال وبالرغم من ان هذه البرامج كانت رائدة فى وقتها فإننا اكتشفنا بعد أن تقدمنا فى السن أننا قد خدعنا. فكل ميزة هذه البرامج انها كانت وحدها بدون منافسة من قنوات فضائية أو إنترنت. لقد تعلقنا بهذه البرامج بسبب شخصية المذيع ولكن إعداد الحلقات نفسها لم يكن يتعدى قص ولزق من منتجات أجنبية مع ترجمة من صوت المذيع.
اكتشفت الآن أن التليفزيون المصرى بكل ريادته لم ينجح فى أن يقدم أى نموذج ناجح لأطفالنا بالرغم من أنه أول تليفزيون فى المنطقة.
أما الآن فالموضوع أسوأ بكثير، فأنا أعلم أن هناك الكثير من المواهب التى تحاول أن تقدم محتوى مصريا للأطفال. هذه المواهب تواجه برفض شديد، وكأن القنوات المصرية قد وقعت على ميثاق سرى بعدم شراء أو تشجيع أى منتج مصرى للأطفال. يبدو أنه من غير المربح أن تقوم قناة مصرية بشراء هذه البرامج ولذلك فكل ما تراه فى القنوات الخاصة هو البرامج الحوارية والمسلسلات التركى وبرامج المسابقات المصورة فى لبنان.
أين المحتوى المصرى؟
يقولون إن هناك قناة اسمها قناة الأسرة والطفل. هل يشاهدها أحد؟ هل يتابعها ويتأثر بها أحد؟ وإذا كانت القنوات الخاصة التى تهدف للربح لا تريد القيام بهذا الدور فأين الدور القومى الذى يجب أن تقوم به الدولة؟
بعد أن كانت أصوات ــ مثل عفاف راضى ومحمد ثروت ــ تغنى للأطفال.. من يغنى الآن لهم؟
بعد «يا شمس يا شموسة» أصبح أطفالنا يغنون «بوس الواوا».
حين حاول حمادة هلال أن يقدم أغنية للأطفال استخدم سبونج بوب وهى شخصية كارتونية غير مصرية وغير عربية
حتى صفاء أبو السعود التى كانت تظهر مرة فى السنة فى احتفالات الطفولة امام سوزان مبارك وكان يتم تكليف ملحنين عتاولة لتلحين أغانيها، حتى هذا لم يعد موجودا.
أطفالنا الآن تتشبع عيونهم ببرامج أطفال أجنبية وتتشبع آذانهم بلهجات مدبلجة غير مصرية ولا عزاء لثقافتنا ولا وجود لمصريتنا.
ربما تظن أن هذا مقال تافه لأنه يتكلم عن برامج الأطفال وأغانى الأطفال ولكن فى بيتى وبيتك وبيت أقاربك هناك أطفال تتشكل شخصياتهم وقيمهم ولغتهم ولهجتهم ببرامج وأغانى وشخصيات لا تنتمى لنا.
لست ممن يحبون تهويل الأمور وادخال نظريات المؤامرة على الفاضى والمليان ولا اريد أن استخدم عبارات مثل «إنها حرب على هويتنا ومحاولة لطمس شخصيتنا». هى ليست حربا. فالحرب عبارة عن صراع بين جانبين. أما جانبنا فقد اختار ألا يدخلها من الأصل وسلم الميدان للآخرين ليفعلوا به ما يشاءون وجلسنا نحن مبتسمين راضين ونحن نشاهد أطفالنا يغنون أغانى الأطفال الأجنبية سعداء بتعلمهم لغة أخرى غير مبالين بلغتنا «البلدى».
لست أيضا ممن يكررون اتهامات الحرب على الهوية أو «القيم الغربية المنحلة» التى تتسرب إلى أولادنا، ففى الحقيقة هذه البرامج مفيدة جدا وتعليمية جدا وما يستفزك حقا أن افكارها بسيطة ولا تحتاج إلى تمويل ضخم، ومع ذلك اخترنا الطريق الأسهل فاستوردنا أشياء كان الأجدر بنا ان نصنعها ونبتكرها ونقدمها لأولادنا هنا.
ولست من هؤلاء الذين يحاربون اللغات الأجنبية، بالعكس أنا أؤمن أنه يجب أن يتعلم الطفل منذ الصغر لغة ثانية وثالثة، وان يتفوق فيهما ولكن ليس على حساب اللغة الأم.
نحن نترك أطفالنا أمام التليفزيون واليوتيوب سعداء بهدوئهم وتركيزهم على شىء اخر غير تكسير البيت وإثارة الفوضى ولكننا على المدى البعيد نخسر أكثر.
نحن خبراء فى اهدار مواردنا. لقد اكتسب المصريون شهرة بأن بلدهم لديه كل المميزات التى تحلم بها بلاد اخرى، مثل الموقع الجغرافى ونهر النيل والشواطئ الممتدة والطقس الرائع والثروات المعدنية الكثيرة، ومع ذلك فنحن أساتذة فى إهدار هذه الثروات ومتخصصون فى عدم الاستفادة منها.
يبقى لدينا مورد واحد، ثروة واحدة، هى أطفالنا، ولكننا للأسف نهدرهم بين إهمال وأمية وتعليم سيئ، إن كانوا فقراء. أما إن كانوا من بيوت ميسورة مقتدرة فنحن نغربهم ونخلق منهم أطفالا يغنون ويفكرون ويحلمون ويمزحون بلغة أخرى غير لغتنا الام. ربما تكون سعيدا الآن بهذا الإنجاز، لكن فى المستقبل القريب إن لم تتغرب انت ايضا فمصيرك مثل لغتك «البلدى»، يستخدمها ابنك فقط عند اللزوم.


اقرأ المزيد هنا: http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=24092013&id=b330c377-81a2-4b56-b6bf-750701a44de7

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق