الأحد، 23 يونيو 2013

كلمة الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في #ليبيا السيد #طارق_متري في المؤتمر الصحفي الذي عقده في #طرابلس يوم الأحد في 23 يونيو 2013


يسعدني أن ألتقي بكم هذا الصباح لنتبادل الأفكار حور تقريري الأخير المرفوع إلى مجلس الأمن الدولي في الثامن عشر من الشهر الجاري في نيويورك، وما أحاط به هنا في ليبيا من أخذ ورد.
ولا بد لي، وقد أتيح لي أن أتعرف إلى نفر غير قليل منكم، أن أشيد بمهنية الصحافيين الجديين ونزاهتهم الفكرية في نقل الأخبار وتفسير النصوص والتعليق عليها.

غير أن الإشادة هذه لا تُخفي واقعاً آخر مريراً، عنيت به دفق الكلام الذي ما أنزل الله به من سلطان يروّجه أفراد قليلون لأمر ما في نفوسهم. فيحرّفون الكلام عن مواضعه و يخروجنه من سياقه، أو يضعون أقوالهم في أفواه سواهم.

وممّا يدعو للأسف أيضاً جنوح البعض إلى الخلط، بريئاً كان أم متعمداً، بين الخبر والرأي. وهو كثيرا ما يتلازم مع الاختصار الذي لا يفي الدقّة حقها، ويستبدل بخفة كلمات بأخرى، لا يهمّه أن بعضها حمّال أوجه وأن دلالات الوقائع التي تتناولها قد تكون ظنية لا قطعية.
غني عن القول أني لست ها هنا في معرض إدانة أحد من كل هؤلاء. سامحهم الله. حسبي التأكيد أنهم لا يسيئون إليّ بقدر ما يسيئون إلى الليبيين لأنهم لا يحترمون حقهم بالمعرفة وحريتهم في تكوين قناعاتهم بأنفسهم.

أما بعد، فإن كلمتي أمام مجلس الأمن دورية، وهي بمثابة إحاطة بالوضع في ليبيا لا أكثر. فهي لا تصوغ سياسات أو تعلن مواقف، بل تعرض الوقائع، وتفسّرها في بعض الحالات ملقية عليها الضوء الكاشف من منظور المبادئ العامة ومنطوق القانون الدولي والقرارات الدولية والتجربة العملية لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا. هذا فضلا ان الإحاطة حلقة في سلسلة من شأنها أن تسهم في قياس المتغيرات تقدماً أو تعثراً.

ويترتّب علي أن أكرّر قولاً بديهياً، لا تعفينا بداهته من التذكير به، وهو أن المُخاطَب هو مجلس الأمن المؤلف من خمسة عشر دولة، من الغرب والشرق والشمال والجنوب، تتابع الحدث الليبي باهتمام كبير. ولكنها، رغم إجماعها المبدئي حول دعم ليبيا الجديدة وتأييد عمل بعثة الأمم المتحدة، لا ترى الواقع، ماضياً وحاضراً، بعين واحدة. فبعضها يميل من فرط ابرازه للمشكلات إلى تعميق القلق، بل المخاوف، ازاء عملية الانتقال إلى الديمقراطية وبناء الدولة، كما هو شائع قوله في الأدبيات الأممية.

بناء عليه، ينبغي الانتباه الى أن أعضاء مجلس الأمن واسعو الاطلاع على ما يجري في ليبيا وأن لكل منهم قراءته للواقع، فضلاً عن الدوافع والمصالح، وهي بطبيعة الحال ليست واحدة. فمن السذاجة بمكان إذاً أن أتجاهل هذا المعطى. ومن ضعف الحجة أيضاً أن أشير إلى الوقائع المعروفة من دون الالتفات إلى القرائن بينها، سببية كانت أم زمنية.

غير ان الواقعية لا تحجب قوة الإرادة السياسية التي تتوخى إظهار الفرص المفتوحة أمام ليبيا أياً كان من حجم الصعوبات، وهو كبير. لقد حاذرت الانزلاق إلى اعتبار الأفق مسدوداً، وإن إلى حين، مؤكدا ان إمكانية التقدم على مسار تحقيق الديمقراطية وبناء الدولة ما زالت أقوى من مخاطر التقهقر.

لن أقرأ على مسامعكم كلمتي كلها فهي منشورة. سأكتفي بلفت أنظاركم إلى أبرز ما جاء فيها، وسأعتمد صيغة الرد الاستباقي على الأسئلة التي درج أعضاء مجلس الأمن على توجيهها إليّ. فأول ما يريد هؤلاء أن يعرفوه يتعلق بما تم إنجازه في الطريق إلى ضمان حصرية امتلاك الدولة للسلاح واحتكارها الشرعية في استخدام القوة لفرض النظام العام وصيانة أمن المواطنين واحترام القانون. لم اتردّد في الاعتراف أن ما أُنجز، في ظاهر الأمر، قليل. إلاّ اني شدّدت بالمقابل على القرار 53 الصادر عن المؤتمر الوطني العام والمتجاوب مع مطالبة شعبية واسعة والذي يفتح الباب أمام فرصة التقدم بخطى واثقة.

ومن الأسئلة أيضاً ما يتصل بعملية إعادة بناء مؤسسات الدولة والعوائق التي تحول دون الإسراع فيها. ويقتضي الإنصاف في الجواب عليها التذكير بأن المشكلة لا تكمن في غياب الرؤيا او العزيمة بل في المشكلات المتراكمة والتي لا يمكن إغفالها. فإرث نظام الطغيان هو أقرب إلى الركام. وتتطلب عملية البناء توظيفاً لأوسع الطاقات الليبية ودعماً دولياً كبيراً استشارياً وتقنياً. وهو ما دفعني إلى ملاحظتيْن اثنتيْن. فقدرة الدولة الليبية على استيعاب ما يُقدّم لها والاستفادة القصوى منه ما زالت محدودة. إلاّ أن ذلك لا يستتبع تخفيف الدعم الدولي بل يستدعي زيادة له تركّز على أولويات عاجلة واحتياجات لا تحتمل الانتظار.

في سياق متصل، أشارت كلمتي إلى مجلس الأمن إلى بعض الآثار المحتملة لقانون العزل السياسي والى اتساع نطاقه وعدم وضوح بعض معاييره. ولكنها لم تتعرض لمشروعية استبعاد الفاسدين والمفسدين ومنتهكي حقوق الناس من جماعة النظائم البائد عن الوظائف العامة. وغني عن القول أن هذا القانون الذي أقره المؤتمر الوطني العام، وهو سيد قراره، بات نافذاً. وصحيح ايضا ان بعثة الأمم المتحدة لا تملك الحق في الطعن به. غير أن المواقف الدولية المستندة الى خبرات مماثلة في بلدان أخرى، استغربت بل ان يشمل قانون كهذا فئات واسعة لا تحاسب على ممارستها فحسب بل على مواقعها في بعض الوظائف العامة. على هذا الأساس، كان لا بد لي أن أشير إلى الوقائع التي سبقت إقراره وأن أستعيد الملاحظات التي سبق أن قدمتها بعثة الأمم المتحدة إلى المؤتمر الوطني العام قبل التصويت على القانون. وكانت تلك الملاحظات مستقاة من تجارب دول أخرى ومستندة إلى المبادئ الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية ومبنية على دراسة متأنية لمعايير القانون، لا سيما لجهة الالتباس التي تحيط ببعضها. لكني بالمقابل لم أغفل الإشارة إلى أن فئة كبيرة من الليبيين تؤيد القانون المذكور ومن شأنها أن تكسبه، بالإضافة إلى الشرعية القانونية، نوعاً من الشرعية الشعبية.

ومن نافل القول أنه يتوجب على الأمم المتحدة، أياً كانت الظروف السياسية، أن تذكّر بمبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وقِيَمه وتدعو إلى احترامها. ولا يشذ تقريري عن هذا العرف بل يُدرج هذا التذكير في سياق الأوضاع الليبية الحاضرة بنواقصها وعيوبها وممارساتها غير المقبولة من جهة، وبالمبادرات التشريعية والمعالجات العملية للمشكلات من جهة أخرى. ويهمني في هذا المجال أن أؤكد مجدداً أن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ليست هيئة شكوى أو تحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان ولا سلطة قضائية لها. بل هي نصيرة للشعب الليبي وللسلطات الليبية في السعي لتعزيز حقوق الإنسان، لأنه من الأولويات الوطنية الليبية وهو في منزلة القلب من الأهداف التي قامت من أجلها الثورة.

لا يخفى عليكم أن تعاطينا في مسائل حقوق الإنسان لا ينفك يثير مخاوف فئة قليلة من الليبيين وتوقعات فئة قليلة أخرى. ولقد تحدثت عن المخاوف والتوقعات غير مرة حتى اضعها في نصابها الملائم. وفيما يتعدى مسألة حقوق الإنسان، رأيت من واجبي أن أتوقف قليلاً عند التحامل وسوء الفهم اللذيْن تعرضت لهما الأمم المتحدة على أقلام وحواسيب فئة صغيرة خلال الشهور الثلاثة الماضية، أي منذ صدور قرار مجلس الأمن رقم 2095. فقد تحدثت في كلمتي عن أقلِيتيْن. تنسب الأولى للأمم المتحدة خطة للتدخل في ليبيا أو الوصاية عليها، وهو أمر غير وارد عند أحد. وتدعوها الأخرى إلى ممارسة ضغط أكبر وإلى حضور أقوى وأفعل في الحياة الليبية العامة، وهو ما لا ينسجم مع المهمة التي انتدبت من أجلها، وهي تقديم المشورة والمساعدة التقنية في احترام صارم للسيادة الوطنية الليبية. وإن الحديث عن الأقليتيْن المذكورتيْن مهما علا ضجيجهما لا يملك أن يطغى على موقف الأكثرية التي نتطلع إلى مخاطبتها على نحو يبدّد المخاوف التي لا أساس لها والمبالغة في إثارة توقعات حيال ما تقدمه الأسرة الدولية.



أيها الأصدقاء، حاولت في كلمتي ألاّ أقع في محظوريْ التهوين والتهويل، وهو ما دفعني إلى مقاربة القضايا الشائكة من غير زاوية، وإلى تجنب اختزالها في بعد أوحد من أبعادها. وتوخيت الدقة في الوصف لتحاشي الأحكام المتسرعة، والأمثلة على ذلك كثيرة. حسبي أن أذكر منها، على سبيل المثال، ما ورد ذكره عن إعلان دعاة الفدرالية في برقة أول يونيو. فتحفظت في تقديري للتأييد الشعبي الذي يتمتَعون به وأشرت إلى المبررات التي لجؤوا لها وإلى تصوراتهم. وميَزت بوضوح بين فكرتهم ورغبة فئات واسعة من الليبيين في نوع من اللامركزية وتوزيع أفضل للموارد.

كما أردت أن يأتي التقرير موضوعياً في سرد الوقائع ومنصفاً في تظهير مواقف الفئات السياسية المختلفة. وشدّدت على أهمية الحوار السياسي بين الأطراف كافة ووضعت إمكانات بعثة الأمم المتحدة في خدمة حوار لا يقصي أحداً ويعمل للوصول إلى توافقات وطنية ضرورية لنجاح العملية الانتقالية

وختاماً، لا أرى ضيراً في استخدام نفس الكلمات التي أنهيت بها تقريري إلى مجلس الأمن وهي أن الليبيين، وبالرغم من كل ما جرى على الصعيديْن الأمني والسياسي في الأشهر الثلاثة الأخيرة، لم يفقدوا الثقة وما زالوا متشبِثين بالمبادئ التي قالت بها ثورتهم وناضل من أجلها ثوّارهم، وبرغبتهم في بناء دولة عصرية وديمقراطية تحترم حقوق الإنسان وتقيّم سيادة القانون.

والسلام عليكم.
طارق متري
طرابلس في 23 يونيو 2013 

اخبار ليبيا مباشر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق