الأربعاء، 27 فبراير 2013

الكحول في #ليبيا: بين التحريم الافتراضي والاباحة الواقعية (الجزء الثاني)


 

خاص الكاف
تقرير: محمد مصراتي

أسطورة القابينة

كنّا نعرف "القابينة" في الشارع كرجل مخيف بلحيته الكثّة والنظارتين الكبيرتين على أنفه. لم يكن كبيرًا في السن، ولكن مظهره بتلكَ السحنة الغريبة على وجهه ومعطفه العتيق يشيان للمار بأنه رجل مسنّ فقد كل ما يملكُ في حياته حتى وجد نفسهُ مرميًا في هذه الحجرة في جانب الطريق. الكلّ في الشارع يعرفُ القابينة. الشاب الأعمى المسكين، والذي فقدَ بصره ذاتَ ليلة بعدَ أن سكرَ ببوخة فاسدة، قيلَ أنها خلّطت ببنزين الطائرات. 

هكذا تقولُ الأسطورة، إلاّ أنهُ في واقع الأمر، هناكَ العديد من الحالات التي تثبتُ وجود مشاكل صحّية ناتجة عن شرب البوخة المحلّية، وذلك بسبب عدم وجود منظومة قانونية تُشرّع للكحول وبالتالي يكونُ هناكَ مصانع بمعايير قانونية لتجهيز هذا المشروب المحلّي.

فلوس الحرام

حكى لي العديد ممن تحدثتُ معهم حولَ هذا التقرير عن حالات الموت أو المرض بسبب شرب البعض لبوخة مغشوشة. ولهذا فإنّ معظم شاربي البوخة الذين تحدثتُ إليهم أخبروني عن علاقاتهم بتاجر واحد فقط يثقون فيه وفي بضاعته، وأنهم لا يقربون أيّ نوع أخر لا يعلمون مصدره.

"علي"، وهو شاب مثقّف وصاحب مقهى شبابي يخبرني عن حبّه لشرب البوخة وحسب، وأنّهُ يرحّب بفكرة تقنين الكحول وافتتاح الحانات والبارات، رغمَ أنّهُ غير متأكد من قدرته على دخولها نظرًا لخوفه من نظرة المجتمع. يخبرني "علي" أيضًا بأنّهُ يثق في تاجر واحد ويشتري منهُ البوخة على الدوام. يقول بأنّ هذا التاجر يشتغلُ كموظّف حكومي، بالاضافة إلى عمله في تجارة البوخة، وأنه يفصلُ بينَ مالهُ الذي يتقضاهُ من عمله الحكومي، والمال الأخر الذي يكسبهُ من بيعه للكحول، وذلكَ "كي لا يطعم ابنتهُ من فلوس الحرام".

الحاجّة التي تبيع الويسكي والباعة الذين يرفضون البيع في رمضان

أمّا "ر"، فهو شاب تخرّج حديثًا من كلية طبّ الأسنان، فقد قال لي بأنه لا يشتري سوى الكحول المهرّب ولا يطيق شرب البوخة. يقول أيضًا بأنه يفضّل الويسكي وخاصةً نوعية "بلاك ليبل"، ويضيفُ بأنه يشتري هذه النوعية من الكحول لدى بائع في "القراقشة"، ويذهبُ إليه مرتين في الأسبوع ليتزوّد منه بحاجته من الكحول.

حكى لي "ر" عن قصص طريفة حدثت له مع البائع الذي يشتري منهُ الـ "بلاك ليبيل". يقول بأنه ذهبَ إلى بيته ذات مساء، ففتحت الباب امرأة طاعنة في السن خمّن "ر" بأنها والدة البائع. سألها عنه فأجابت بأنه خرجَ في الظهيرة ولن يعودَ إلاّ في الليل. أخبر "ر" الحاجّة بأنه سيعودُ إليه لاحقًا او غدًا، إلاّ أنّ البائعة استوقفته قائلة: "عادي يا ولدي.. قولي شن تبّي؟ أبسولوت؟ بلاك ليبل؟ جاك دانيلز؟ سميرنوف؟".

يستحضر "ر" أيضًا قصة حدثت معه عندَ نفس البائع. فذاتَ يوم في شهر رمضان ذهب إلى بيتِ البائع، وطلبَ منهُ كمّية معيّنة، إلاّ أنّ البائع رفض وبشدّة احترامًا لهذا الشهر المقدس. كانَ "ر" على علم بأنّ الباعة في القراقشة يتوقفون عن بيع الكحول في شهر رمضان، إلاّ أنّ خطة "ر" كانت تكمن في القول للبائع أن هذهِ الكحول ليست له، بل لأصدقاء أجانب يقضون فترة اجازة قصيرة بليبيا ويحتاجون للشراب، إلاّ أنّ البائع أصرّ على موقفه هذا، وأضاف قائلاً: "يا خوي سكير ما نبيعوش في رمضان.. تبّي حشيش تعالى تفضل مرحبتين بيك، لكن سكير في رمضان لا".

هاتان القصتان تظهران أمران مهمّان في سرب تجارة الكحول الغير مشروعة في ليبيا:

القصّة الأولى تظهرُ لنا بأنّ تجارة الكحول في ليبيا عمل عائلي، ولا يفوتنا هنا ذكر العديد من صنّاع البوخة في وسط البلاد، والذين يخزّنون بضاعتهم في براميل في البيوت بطريقة واضحة لن يجهلها باقي أفراد العائلة. ولا يمكنني أيضًا أن أتجاهل التفكير في "خليفة"، الولد الذي كانَ يدرسُ معي في المرحلة الاعدادية والذي لا يشعر بالعار عندَ مناداته في الشارع بـ "خليفة ولد البوخة"، بل ويسردُ لنا دومًا عن براميل الماء التي تملأ علّية المطبخ، والتي هي مصدر رزق البيت. أحيانًا أيضًا كنتُ أراهُ في مساءات الخميس وهو لا يزالُ يرتدي زيّه المدرسي ويضعُ يداهُ في جيبي معطفه حاملاً فيهما كيسين مملوئين بالبوخة لزبائن والده.
أمّا القصّة الثانية، فهي تظهرُ لنا القوانين التي يفرضها الباعة على أنفسهم في دولة يحرم القانون الكحول فيها. هذه القوانين تفرضها عادات وتقاليد لمجتمع يختار من الطابع الديني صبغةً لكل تصرفاته.  وهنا علينا أن نذكرَ مشاهد الازدحام على أمكنة بيع الكحول في أخر يوم في رمضان، أو كما يقولُ عنها "ع.م" في حديثه إلينا: "سكرة ليلة العيد".
القراقشة

"م.ع" يمتلكُ محل في القراقشة، وقد تحدثنا مرارًا عن موضوع الكحول المهرّبة في ليبيا. يعرفُ "م.ع" العديد من تجّار الكحول في القراقشة، وقد أخبرنا أنّ هذهِ المنطقة هي المصدر الرئيسي لتهريب الكحول إلى كل أنحاء ليبيا. أخبرنا أيضًا بأنّ هذهِ المنطقة تأسست فعليًا في منتصف الثمانينيات وفرضت قوّتها عند منتصف التسعينيات، أي في فترة الحصار.

يستذكر "م.ع" حكاية حدثت في القراقشة منتصف العام 2010. اذ حدثَ سوء تفاهم بينَ عائلتين تبيعان الويسكي المهرّب، وبسبب ذلك حدثت معركة بين فردين من العائلتين أدّى إلى مقتل أحدهما – ويدعى حاتم - بطعنات حادّة. يقولُ "م.ع" أنّ هذهِ الحادثة أدّت لمعركة طويلة استمرت الليل كله والأيام التي تليها، وبسببها طوّق رجال الأمن المركزي المكان دونَ أي تدخّل.. ذلكَ أنّ العائلتين كانتا أكبر مسيطرين في تجارة الويسكي المهرّب، ويتعاملان مباشرةً مع رجال كبار في النظام السابق. وقد شاهد "م.ع" العديد من السيارات المدنية تحومُ في تلكَ الأيام وعليها رجال مسلحين يتبعان عائلة المجني عليه في محاولة لأخذ الثأر بقتل اخوة الجاني أو الجاني نفسهُ – والذي يدعى صلاح -. وبعدَ أيام من تلكَ الحادثة، استطاعت عائلة الجاني تسليم ابنها للقضاء بعدَ ضماناتٍ بأن يسجن في الانفرادي ويوضع تحتَ مراقبة خاصة كي لا يتعرض للقتل في السجن. 

لا يستغربُ المرء قيام أي من هذهِ الحوادث بشكل دائم في القراقشة والهندي وغيرها من المناطق المشهورة في طرابلس ببيع الكحول. اذ أنّني أتذكر ذاتَ مرةٍ زرتُ فيها بيت أقربائي في منطقة الهندي. منطقة ضيّقة وأتذكّر أشجار الصبّار المقابلة للبيت في الزقاق الطويل. وفي ذاكَ اليوم، وبينما كنتُ جالسًا أمامَ البيت أراقب الطريق والمارة، حدثت مشاجرة لم أستوعبها في آنها. فقد سمعتُ صراخ امرأة ثمّ التفتّ لأرى رجلاً أفريقياً أسود وقع على الأرض والدمُ يغطّي رأسهُ، بينما انهالَ عليه رجل ضخم بالركل وهو يحملُ في يدهِ سيفًا طويلاً. لم أستطع استيعاب الذي اراهُ أمامي حتى وجدتُ رجالاً عديدين بعضهم بزيّ الشرطة شاهرين مسدساتهم وأخرينَ بلباس عسكري ويحملون في أيديهم أسلحة الصيد "المقرون" وسيوف طويلة، بينما من الناحية الأخرى انتشرَ رجال افارقة وهم يملاؤن القناني بالبنزين "مولوتوف" وبعضهم الأخر يقومُ بإشعال أفواهُ القناني ورميها على الجانب الأخر.

من جانب أخر، فإنّه بعد تحرير مدينة طرابلس في أغسطس 2011، حاولت العديد من المجموعات المسلحة ذات الميول الديني الدخول إلى القراقشة في حملات مداهمة على المهربين والقبض عليهم واعدام بضاعتهم، إلاّ أنّهم في ظلّ الفوضى وعدم وجود جهاز للشرطة، وجدوا نفسهم في مواجهة حقيقية مع مسلحين من أفراد العصابات. يقولُ "م.ع" في هذا السياق أنّهُ كانَ حاضرًا وقتذاك، وشاهد العديد من افراد العصابات هناك يقودون الدبّابات استعدادًا لمحاربة الميليشيات التي تودّ فرض سيطرتها عليهم.

لا يتفاجأ "محمد.ب" بالمعارك الطاحنة والشرسة التي تحدثُ بينَ مهرّبي الكحول في ليبيا، ذلكَ بإعتبارهِ كانَ يشتغلُ هو الأخر مهرّباً للكحول ويوزّعها على العديد من الباعة في زوارة وطرابلس، إلاّ أنه يقولُ لنا بأن هذهِ المعارك تحدثُ فقط في العاصمة، ذلكَ أنّ الخليط العرقي بينَ المهربين وخلفيتهم الاجتماعية تتحكّم في المشاكل التي تطرأ بينهم، خاصةً أنّ أفراداً من قبائل محددة من الذين نفذوا إلى داخل الحكومة في التسعينيات كانوا يموّلون هذهِ التجارة وظهرت عن طريقهم العديد من العصابات وشبكات متنوّعة في التهريب عن طريق الحدود مباشرةً وتضييق الخناق على العصابات الكبرى التي رفضت الانصياع تحتَ سلطتهم عندَ دخولهم هذا المجال.

التبو والزويّة: حرب عرقية أسبابها تهريب الكحول

ويقولُ "محمد.ب" أيضًا أنّ هناكَ العديد من المعارك والحروب التي تنشأ بين المهربين، إلاّ أنّ الحكومة كانت دومًا تغطّي على هذهِ الأحداث وتمنع تداولها محليًا حفاظًا على أمن النظام. ويضيف قائلاً بأنّ حتى المعارك التي تحدث في الجنوب بين قبائل العرب والتبو هي في الأصل حروب مهربين.. اذ أنّ مصادر رزق القبائل الجنوبية تعتمدُ على تهريب الكحول والبشر، ولكن تقسيمها كانَ عرقيًا "وهذا الّي خلّى معظم الناس تحسابها حروب أهلية بسبب الأصل أو لون البشرة"، ويضيف: "لكن هي في الأصل حرب على لقمة العيش".

أمّا الصحفي "وليد الحراري"، فقد أخبرنا عن تفاصيل ما يحدثُ في الجنوب حسبَ تجربته في السفر إلى الكفرة في العام 2008، وذلكَ بعدَ نشوب معارك طاحنة بينَ قبائل التبو وقبائل الزويّات. ويقولُ الحراري بأنّ هناكَ اضطهاد يعاني منهُ التباويين في الجنوب، وذلكَ بسبب عدم تمتعهم بما يتمتع به العرب في المنطقة من حقوق وواجبات، وهذا أساس الحساسية بينَ قبائل التبو والزويّات في الجنوب.. إلاّ أنّ هذهِ المعارك الطاحنة التي تبدأ بينَ هذهِ القبائل يكونُ سببها تهريب الكحوليات والبشر. اذ أنّ الدولة تحمي الزويّات الأقلّية في الجنوب وتعطيهم الدعم والأمن وكافة الصلاحيات، بينما الأغلبية التبو فهم لا يتمتعون بما يتمتع بهِ العرب في الجنوب، ولأنهم الأغلبية في الجنوب، فإنّ معارك دامية تحدثُ بينَ تلكَ القبائل والتي تصلُ أحيانًا لاستخدام الأسلحة الرشاشة والبنادق في المدن والقرى.

يقولُ الحراري أيضًا أنّه قامَ بإعداد تقرير كامل حولَ تلكَ الحادثة في العام 2008، إلاّ أنّه تعرّض للتلف أثناء عرضه على مديره، كتعتيم ممنهج على هذهِ المشاكل الداخلية في البلاد، والتي قد تؤثر "في أمن الدولة".

أمّا بعدَ الثورة، فقد بدأ الاعلام الغربي بتناول موضوع الحرب بين التبو والزويّات على أنها حرب عرقية، بينما تناولها الاعلام المحلي في ليبيا على أنها حرب بين "الثوّار" و"أزلام النظام السابق". يقول "محمد.ب" ضاحكًا بأن هذهِ المعارك هي فقط معارك حولَ السيطرة على بوّابات التهريب في الحدود الجنوبية.

الكحول في الجبهة

"جلال" يخبرنا عن عدم قدرته على العثور على الكحول حينَ كانَ مقاتلاً في مصراتة. يخبرنا بأنّهُ عثرَ على مقاتلين يدخنون الحشيش والكيف في أوقات الراحة إلاّ أنّ الكحول كانَ ممنوعًا تمامًا. ويخبرنا ايضًا بأنّ معظم القيادات في الجبهة كانت تمنع تواجد الكحول وذلك للأضرار التي قد تسبّبها في ساعات المعارك الطاحنة. لكنّهُ أخبرنا عن قدرته في الحصول على كمّيات رهيبة من الكحول حينَ أكملَ القتال في سرت في أخر أسابيع الحرب. قالَ بأنّ معظم الشراب الذي تحصّلوا عليه كانَ من بيوت بعض الرؤوس والقيادات الكبيرة في النظام السابق، وأنهم كانوا يجلسون في بيوتهم متحلّقين، بينما رفاقهم يحرسون المكان عندَ أعلى البيوت، ثمّ يتناوبون عليهم.

يقول: "كان في خطر من الشرب في الجبهة.. ومرّة مرّة يجيك حد يقولك استغفر ربك ويفكرنا في الموت الّي يستنّى فينا في أي لحظة، وكنّا نقولوله ادعيلنا وخلاص. وعادي مشت الأمور تمام، وكنّا انطينوا فيها مرّات لكن مانحاربوش.. تبّي تكون في وسط الحرب لازم تكون واعي بإلّي قدّامك ووراك وما تقدرش تطلع تحارب وانت تدعدع من السكير".

"ع" أيضًا كانَ يتناول الكحول في طرابلس أثناء الحرب. يقولُ "ع" بأنّ اعتقالهُ والحكم عليه بالاعدام كعقاب نفسي جعلهُ يخافُ الحرب، إلاّ أنّهُ كانَ مضطرًا لدخولها والمشاركة فيها. فكانَ ممّن يقومون بالحرب النفسية على جنود الكتائب بحرق سياراتهم في منطقة فشلوم. كما اشتركَ مع أخرين في الهجوم على بعض البوّابات وقتل أفرادها وسرقة سلاحهم بعد تعليق أعلام الاستقلال.

يروي "ع" بأنه كانَ بعد أي عملية يقوم بها مع رفاقه، يلجأون لشرب البوخة كي يستطيعوا النوم في الصباح. يقول بأن المشروبات المهرّبة قلّت بشكل كبير في البلاد، ولم يعد متوفّرًا سوى البوخة، والتي ظلّت رغمَ ظروف الحرب بسعرها الأصلي "عشرة دينار" للتر الواحد.

أول متجر لبيع الكحول في ليبيا بعد الثورة

لـ "محمد.ب" حكاية أخرى رواها لنا، الا وهي تجربته في افتتاح متجر لبيع الكحول في ليبيا بعد التحرير بأيام، وذلكَ بمدينته في الغرب الليبي، والتي يحظى فيها بدعم وعلاقات. ويقولُ محمد أنها كانت تجربة صعبة وممتعة في الوقت ذاته. اذ أنّ المتجر كانَ مقسماً بينَ قسم للمحلات الغذائية وقسم أخر لبيع الكحول المستورد، والذي يقومُ بتهريبه شخصيًا من تونس إلى داخل البلاد.

يقول: "في الأيام الأولى الناس كانوا مخلوعين وخايفين، لكن بعدها بدي الموضوع عادي، وفي رجّالة يخشّوا مع عائلاتهم يشروا بضاعة للحوش والراجل يمشي بروحه لرفوف السكير ويختار ويجي يدفع وانلفهاله في كاغط جريدة وانحطها في كيسة سودا، وبعدين يمشي يكمّل (الشوبينغ) امتاعه مع مرته وصغاره".

ويضيف: "البزنس مشي مليح في أول أسبوعين.. وما كانتش في أي مشاكل.. ما كنتش انبيع أكثر من شيشة سكير وحدة لكل زبون لأن المنطقة عائلية.. وكان في حد من الصغار غلط فيّا انكلّم بوه ولا عمّه".
إلاّ أنّ المتجر لم يستمر طويلأً في العمل، اذ أنّ مجموعة مسلّحة قامت بمداهمة المحل ذات صباح وأفرغوا الرصاص فيه ومن ثمّ فرّوا دونَ أن يتعرّف الناس عليهم.

سألتُ "محمد" ان كانَ سيقدمُ على هذه التجربة مجددًا.. ابتسم وقال: "ان شاء الله، ان شاء الله.. غير ادعيلنا بس".

بين الكحول والسلاح والميليشيات

معظم من تحدثتُ إليهم أخبروني بأنهم يؤيدون تقنين الكحول مع ما يتناسب ووضع البلاد، إلاّ أنّ بعضهم أصرّ على فكرة أن يُدرسَ هذا القانون بعدَ سحب السلاح وتفكيك الميليشيات، وذلكَ لأنّ قانونًا كهذا سيقطعُ أرزاق المئات من العائلات الليبية التي تعتمدُ على التهريب وبيع الكحول كمصدر للرزق.

يقولُ "محمد.ب": "لو قنّنوا الكحول توّا، هلبة ناس حتنضر. في عائلات بكبارها وصغارها عايشين على بيع البوخة والعصير، وهكّي حتزيد المشاكل في البلاد وتزيد تخرب أكثر ممّا هي خاربة توّا".

أمّا "سالم.ع"، الطالب بمعهد النفط والغاز، فيقول بأنّهُ لا يشربُ في ليبيا، وأنه كلّما فكّر في قضاء وقتٍ ممتع يسافر على الفور إلى تونس، لكنّهُ في الوقت ذاته لا يمانع بيع الكحول على العلن، قائلاً: "أصلاً لما تبّي تشرب في ليبيا تلاقي الموضوع ساهل.. دير دورة في البلاد أخر يوم في رمضان وتوّا تشوف الطوابير الّي واقفة قدّام العمارات الّي فيها شقق يبيعوا فيها الشرب".

ويضيف: "توّا البلاد فيها مشاكل، والكتائب كلها تخدم في التهريب، وكلهم مسلحين.. وخوفي انّ بعد سنتين والّا تلاتة يولّوا هادوماي الكتائب رؤوس بيع الكحول والمخدّرات.. ونلقوا روحنا من قراقشة وحدة في طرابلس لهلبة قراقشات في البلاد كلها".

يؤيد "ع.م" ما قالهُ سالم، ويضيف بأنّ احدى أسباب تغلغل الفساد في النظام السابق هو قوانين منع الكحول، والتي كوّنت في تلكَ المرحلة عصابات وعائلات صارَ هذا مصدر رزقها، وبإستمرار هذا القانون في ظلّ انتشار واضح للكحول والميليشيات والسلاح، فإن البلاد "حتخش بعضها" وتصيرُ هناكَ قوة عصابات في البلاد ستتجاوز قدرة الحكومة على السيطرة عليها.

ويضيف "ع.م": "الفترة هذي ميليشيات النواصي واللجنة الأمنية العليا امدايرة مشاكل.. ديمة مداهمات واعدام لبضائع كبيرة.. لكن الكحول المتوفر في ليبيا والّي تدخل كل يوم مش حيقدر يوقفها الّي تدير فيه الميليشيات. المشكلة انّهم يحسابوا روحهم لمّا يطلعوا في فيديوهات ع الفيسبوك ويوتيوب وشادّين كمّية ويسكي وفودكا انهم خلاص يعني قضوا على الكحول.. لكن كله كذب وضحك ع الناس".

ثمّ يقولُ "ع.م" شيئًا أثار انتباهي: "مرّات، العصابات تتفق بينات بعضها انه عادي يخلّوا شاحنة تنطب في الطريق ويشدّوها ويجيبوا التليفونات ويبدوا يصوروا فرحانين، لكن تلاقي ان قبلها في سبعة أو تمانية شاحنات تانيات خلوها تمشي وتكمّل طريقها.. هدي الفيديوهات بس خلّي يقولوا بها اننا مدايرين شغل مليح، وماشاءالله علينا، والله أكبر، انتصرنا ع الطاغية".

ويضيف: "نفس جو برنامج الأمن والمجتمع كانك حاضره".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق