إيلاف: تزامنًا مع اعلان قيام (الخلافة) في حزيران/يونيو من العام الماضي، كان تنظيم "داعش" يشن هجمات متتالية ويتوسع في شمال العراق وغربه وفي شمال سوريا وشرقها، قبل ان يشهد بعض الاخفاقات التي ساهم فيها دخول ائتلاف دولي بقيادة اميركية على خط العمليات العسكرية، ما اجبره على التراجع مثلاً في مدينة تكريت العراقية ومدينتي عين العرب (كوباني) وتل ابيض السوريتين. الا أن التنظيم نجح في طرد قوات المعارضة السورية حينًا والقوات الحكومية السورية أو العراقية احيانًا أخرى من مناطق عدة استراتيجية كان آخرها في ايار/مايو مدينة الرمادي في العراق ومدينة تدمر في وسط سوريا التي فتحت له طريق البادية وصولاً الى الحدود العراقية.
ويرى خبراء ان التنظيم (الجهادي) و"الخلافة" التي اعلنها بزعامة "الخليفة ابراهيم" او ابي بكر البغدادي، يمتلكان مقومات الاستمرار. ويقول الباحث في مركز "شاتهام هاوس" المتخصص في شؤون الشرق الاوسط وشمال افريقيا حسن حسن لوكالة فرانس برس، "تعمل المجموعة كأنها حركة تمرد، قد تنكفئ في منطقة ما وتتوسع في منطقة اخرى، لكنها باقية في المستقبل المنظور". ويضيف "اتصوره موجودًا وناشطًا على مدى عقد من الزمن على الاقل". ويوافق محللون آخرون على أن حدود "الخلافة" الحالية قابلة للتغيير، الا أن نهايتها ليست قريبة. ويرى الباحث في مركز بروكينغز في الدوحة تشارلز ليستر أن "فكرة الخلافة و+الخليفة ابراهيم+ ستبقى بالتأكيد راسخة لدى كثيرين من اعضاء التنظيم ومناصريه حول العالم".
وتقف عوامل عدة خلف نجاح التنظيم بينها موارده المالية الكثيرة واسلحته المتطورة وقدرته على استغلال المآخذ المشروعة التي يعاني منها السكان المحليون في سوريا والعراق. ويقول الباحث السياسي في مؤسسة "راند كوربوريشن" للابحاث باتريك جونستون لوكالة فرانس برس إن التنظيم "يبقى المجموعة الارهابية الاغنى في العالم" مع عائدات اسبوعية تقارب مليوني دولار اميركي. وشن الائتلاف الدولي غارات استهدفت منشآت نفطية خاضعة لسيطرة التنظيم لمنعه من استثمارها. وادى انخفاض اسعار النفط الخام الى اقتطاع جزء من مداخيله، لكنه وجد وسائل أخرى لتعويض خسائره. ويوضح جونستون أن من ابرز هذه الوسائل "ممارسة الابتزاز وجباية الضرائب وبيع سلع ينهبها من المناطق التي يسيطر عليها". ويشير الى أن كلفة ادارة عمليات التنظيم منخفضة نسبيًا، اذ انه يمتلك عديدًا بشريًا ثابتًا وتحديدًا من المقاتلين الاجانب، ويحتفظ بترسانة عسكرية غنم معظمها من المعارك التي خاضها في مواجهة الجيوش او الفصائل المسلحة.
ويستخدم مقاتلو التنظيم مجموعة واسعة من الاسلحة الصغيرة والخفيفة، وكذلك المدفعية والمدافع المضادة للدبابات. ويقول ليستر ان التنظيم على ما يبدو يمتلك امدادات لا تنتهي من الشاحنات الصغيرة والعربات المدرعة التي استولى عليها، وفي سوريا لديه دبابات". ويرى ليستر أن التنظيم "يسعى الى ضمان تحقيق سلسلة شبه ثابتة من الانتصارات على المستوى التكتيكي، ما يؤدي الى سيطرته على امدادات اضافية من الاسلحة". ويشتري التنظيم اسلحة من السوق السوداء، ما يجعله، وفق حسن حسن، "واحداً من اكثر المجموعات تجهيزاً في سوريا والعراق". ويقول: "لدى تنظيم الدولة الاسلامية السلاح والتدريب والوسائل التي تخوله العمل كجيش صغير". ورغم تحقيق الائتلاف الدولي بقيادة واشنطن بعض النجاحات، يرى محللون انه مكبل نتيجة النقص في القوات البرية الموثوق بها وضعف الاستخبارات نسبيًا على الارض حيث ينفذ غاراته الجوية.
في المقابل، تركز استراتيجية التنظيم المتطرف على التوسع في مناطق تكون فيها الحكومات المحلية واجهزة الامن ضعيفة. ويقول جونستون إن التنظيم يسارع بعد ذلك الى فرض حكمه وتعزيز سيطرته على الاراضي التي يستولي عليها عبر الامساك بالشؤون الادارية والامن. ويعتمد التنظيم اسلوب الترغيب والترهيب في تعاطيه مع السكان المحليين. فيعمل من جهة على تنفيذ اعدامات علنية وحشية، ويوفر من جهة اخرى استقرارًا نسبيًا وخدمات عامة تتضمن الرعاية الصحية والتعليم. ويوضح حسن أن "شعبية التنظيم تتأرجح... لكن لا يزال لديه عموماً ما يلزمه لتطبيق احكامه من دون ممارسة الكثير من الضغوط داخل مناطق سيطرته". ويضيف "لا يزال الناس على الارض يخشون عقوبات التنظيم، الا انهم يرون بعض القيم في نموذج حكمه، وليس لديهم أي بدائل مقبولة". ويشكل النقص في البدائل عاملاً رئيسيًا في نجاح التنظيم في سوريا والعراق حيث يشعر السكان السنة بأنهم مستثنون من الطبقة الحاكمة.
في سوريا، قاد المكون السني الاحتجاجات ضد نظام الرئيس بشار الاسد. في العراق، يتهم السنة الحكومة التي يتحكم الشيعة بكل مفاصلها بممارسة التمييز. وتنعكس كل هذه العوامل استبعادًا لأي مقاربة عسكرية بحتة "لمشكلة الخلافة"، لان مثل هذا الطرح لن يؤدي الى نتيجة. ويقول ليستر: "طالما أن الاسد باقٍ في سوريا والتعديلات التي ادخلتها بغداد لتحسين التمثيل الحكومي لم تترجم تغييرًا في المفاهيم على ارض الواقع، فإن تنظيم الدولة الاسلامية سيحتفظ بفرصة الحصول على قبول شعبي ضمني". ويضيف "في نهاية المطاف، الحل الحقيقي الوحيد لتنظيم الدولة الاسلامية يكمن في حل القضايا الاساسية المتعلقة بالانقسام في المجتمع والاخفاق السياسي التي استغلها التنظيم لصالحه".