مؤتمر صحفي مشترك بين وزيري خارجية إيران والعراق، يلخّص الارتباك الشديد الذي تعرفه الدبلوماسية العراقية بقيادة إبراهيم الجعفري الذي لم يستطع أن يمتنع عن الثناء على إيران واتهام السعودية، في نفس اللحظة التي أكّد فيها حياد بلاده وعرض خلالها الوساطة بين طهران والرياض.
العرب اللندنية: عرض وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري أمس وساطة بغداد لحلّ الأزمة القائمة بين إيران والسعودية على خلفية إعدام رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر، وإحراق مقري سفارة المملكة وقنصليتها في طهران ومشهد. ويُتوقّع أن يواجه هذا العرض بتجاهل سعودي كون الحكومة العراقية لا تتمتّع بالقدر المطلوب من الحياد بعد أن دخلت طرفا في الأزمة بانضمامها إلى حملة النقد والاعتراض التي شنتها إيران على القرار السيادي الذي اتخذته السلطات السعودية بإعدام مواطن حامل لجنسيتها بعد إدانته من قبل القضاء. ولا تتمتع الخارجية العراقية في الوقت الراهن بثقل يؤهلها لفض ملفات شائكة مثل ملف الخلافات الإيرانية السعودية المعقّدة والتي يعتبر نفوذ إيران وتدخلّها في عدة بلدان عربية من بينها العراق أحد أسبابها.
وتعرف الدبلوماسية العراقية التي يقودها إبراهيم الجعفري رئيس التحالف الوطني المكوّن من أحزاب شيعية ارتباكا شديدا، يعود جزء منه لشخصية الجعفري بحدّ ذاته والمعروف بمواقفه المتداخلة وتصريحاته الغامضة. ومع اندلاع الأزمة بين السعودية وإيران ضغطت أغلب مكونات التحالف الوطني على رئيس الوزراء حيدر العبادي من أجل إغلاق السفارة السعودية وطرد السفير ثامر السبهان الذي لم يمض على إرساله إلى بغداد سوى أيام قليلة. وسبق أن أثبتت دبلوماسية الجعفري فشلها في حلّ العديد من الملفات أحدثها ملف التدخّل العسكري التركي بشمال العراق، حيث فشلت بغداد في استثمار الرأي العام العربي والدولي المساند لها في هذه القضية لدفع تركيا إلى سحب قواتها من محيط مدينة الموصل.
ولم ينجح الجعفري وهو يعرض وساطة بلاده بين السعودية وإيران في إخفاء الموقع الحقيقي للحكومة التي يتحدث باسمها، من الأزمة بين الرياض وطهران حين أثنى على طريقة الأخيرة في إدارة الأزمة معتبرا أنها تديرها بـ”حكمة عالية"، ومعربا عن "اطمئنانه وسروره" بعد اطلاعه على إجراءات الحكومة الإيرانية لإدارة الأزمة الحالية مع المملكة العربية السعودية، ومؤكّدا أن العراق لا يتدخل في شؤون جيرانه وأن إعدام نمر النمر “يرتبط بالمرجعية الدينية والأمة الإسلامية”. ويخالف كلام الجعفري بشكل صريح الموقف المعلن من مكتب رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي صنّف إعدام النمر في السعودية ضمن خانة “سياسة تكميم الأفواه وتصفية المناوئين".
وقال الجعفري في مؤتمر صحفي مشترك عقده في طهران مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف إن مجلس الوزراء العراقي "قرر التحرك لإنهاء التوتر بين إيران والسعودية"، مشيرا إلى أنّه "لا يمكن للعراق أن يقف ساكتا وحياديا إزاء ذلك التوتر". ويحاول رئيس الحكومة العراقية الحالي حيدر العبادي مصالحة العراق مع محيطه العربي بعد أن وتّر سلفه نوري المالكي العلاقات مع أغلب الدول العربية بشكل كبير، لكنّه لا ينجح في الفكاك من ضغوط إيران التي تمارسها عليه عبر زعماء الأحزاب وقادة الميليشيات الشيعية. ويخشى العبادي خسارة دعم دول الجوار في المواجهة الصعبة التي يخوضها العراق ضد تنظيم داعش.
ونقلت وكالة رويترز عن منى العلمي المحللة في مؤسسة المركز الأطلسي الفكرية قولها إن الحكومة العراقية تحاول تبني موقف وسط بين إيران والدول العربية للإبقاء على زخم حملتها على تنظيم داعش، مضيفة أن العبادي "يحتاج إلى كل الحلفاء الذين يمكنه الحصول عليهم". واعتبر الجعفري أن "الأزمة التي حدثت مؤخرا بين العراق والسعودية استدعت من العراق ضرورة المبادرة والتحرك مباشرة"، مشيرا إلى أن "مجلس الوزراء العراقي قرر التحرك لإنهاء التوتر بين إيران والسعودية"، دون أن يشير إلى آليات ذلك التحرّك.
وحذّر من أن "الأزمة ستكون لها تداعيات ومشاكل بعيدة الأمد، ولا يمكن للعراق أن يقف ساكتا وحياديا إزاء الأزمة". وأكد ضرورة "عدم السماح لأعداء المنطقة بجر دولها إلى أتون حرب لا رابح فيها"، لافتا إلى أن "البعض يقوم بالتخطيط لانحدار الدول العربية". لكن الجعفري ناقض قوله بعدم التدخل في شؤون الجيران، وعاد سريعا ينتقد السعودية لإعدامها نمر النمر متّهما إياها بإخلاف تعّهدها للعراق بعدم إعدامه، قائلا "صعقنا بإعدام النمر وكان حدثا مفاجئا ومؤلما". وأضاف "الرياض تعهدت لنا سابقا بإجراء يحول دون ذلك".
وشرح "تحركتُ منذ مرحلة الملك عبدالله ووصلني كلام يطمئن بعدم الإقدام على إعدام النمر، وفوجئنا بالإقدام على هذه الخطوة وكانت بالنسبة إلينا صعقة". وأضاف "العراق لا يريد أن يتدخل في شؤون أحد، لكن عندما يكون المواطن من طبقة علماء ترتبط بمفهوم المرجعية الدينية ومشاعر الأمّة الإسلامية لا يمكن أن لا نبذل جهودا". ومن شأن كلام الجعفري هذا أن يزيد من غضب الرياض، بما يساهم في تعقيد المشكلة بدلا من حلّها، حيث سيكون من البديهي أن تطالب السعودية المسؤول العراقي بإقامة الدليل على تلقيه تعهّدا من المملكة بعدم إعدام النمر.
وبلغ توتّر العلاقات بين السعودية وإيران حدّ قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وغادر أمس أفراد البعثة الدبلوماسية الإيرانية السعودية، بعد إعلان الرياض الأحد قطع العلاقات مع طهران. وأوردت وكالة الأنباء السعودية خبرا بشأن مغادرة أعضاء السفارة الإيرانية بالرياض وأعضاء القنصلية بجدة المملكة العربية السعودية على متن طائرة خاصة تابعة لشركة إيرانية. ومن جهته عرض التلفزيون الرسمي الإيراني لقطات تظهر الطائرة التي أقلت البعثة على مدرج مطار مهراباد في طهران، مشيرا إلى أنّها نقلت 54 دبلوماسيا وعائلاتهم، وكان في استقبالهم أحد نواب وزير الخارجية الإيراني.