الصحفيان المفقودان سفيان الشورابي ونذير القطاري:
عندما يلتقي الربيع العربي التونسي مع الربيع العربي الليبي
عندما يلتقي الربيع العربي التونسي مع الربيع العربي الليبي
بقلم: أميمة بن عبد الله وإيريك غولدستين
جمعت المحنة التي يعيشها سفيان الشورابي، وهو صحفي يرمز إلى المعركة التي خاضتها تونس من أجل حرية التعبير واستقلال وسائل الإعلام، والمصور المرافق له نذير القطاري، بين روايتين مختلفين تمامًا من "الربيع العربي". وكان الصحفيان قد اختفيا في ليبيا بعد أن راجت أخبار حول اختطافهما من قبل مجموعة مجهولة الهوية في سبتمبر الماضي.
في 29 أفريل، أعلن مسؤولون في الحكومة الليبية المعترف بها دوليًا أن "عناصر إرهابية" قامت بإعدام الرجلين إضافة إلى طاقم قناة برقة التلفزيونية اعتمادا على اعترافات لمسلحين تم القبض عليهم. وطالبت نقابة الصحفيين التونسيين بضرورة الحصول على ما يثبت مقتل الصحفيين قبل تصديق الخبر.
يحتفل العالم يوم 3 ماي باليوم العالمي لحرية الصحافة. وبحسب لجنة حماية الصحفيين شهدت سنة 2014 مقتل أكثر من 61 صحفيا حول العالم، نصفهم في منطقة الشرق الأوسط. في سوريا فقط، بلغ عدد الصحفيين المفقودين حوالي 20 صحفيًا.
كان سفيان الشورابي يعمل منذ سنة 2000 في صحيفتين من صحف المعارضة المحدودة الانتشار في تونس، ثم صار في آخر سنوات العشرية الماضية مدونا مشهورًا تحدى النظام القمعي للرئيس زين العابدين بن علي، وصار ينشر اسمه وصوره مع التدوينات التي ينشرها على شبكة الانترنت ويتحدى فيها الرقابة التي كانت تفرضها الحكومة على وسائل الإعلام والانترنت.
لم يقتصر عمل سفيان الشورابي، وهو من مواليد مدينة سليمان سنة 1982، على النشاط الافتراضي فقط. فبعد أن أقدم البائع المتجول محمد البوعزيزي على إحراق نفسه في ديسمبر 2010 بسبب مضايقات الشرطة، كان الشورابي من أول الصحفيين الذين قاموا بتغطية الاحتجاجات التي اندلعت في الشوارع، وهو ما جعله يلعب دورا هاما في ربط الصلة بين وسائل التواصل الاجتماعي والانتفاضة الشعبية التي أسقطت نظام بن علي بعد أسابيع قليلة.
بعد الثورة، أصبح سفيان الشورابي معلقا تلفزيونيا معروفا، ومدافعا شرسا عن العلمانية، بعد أن اكتسح حزب سياسي إسلامي وسلفيون المشهد. ولما أصدرت إحدى المحاكم في 2012 حكما بسجن جابر الماجري لمدة سبع سنوات بسبب تدوينة اعتبرت مهينة للإسلام، علق سفيان الشورابي قائلا: "حكام تونس الجدد الذين خبروا السجون والمعتقلات وذاقوا المرّ من المراقبة الإدارية الدائمة، هم الذين يُباركون إيداع شاب السجن لمجرد أن عبّر عن رأيه".
في 2012، قامت الشرطة باعتقال سفيان الشورابي وأحد أصدقائه بتهمة شرب الكحول على الشاطئ. اعتبر البعض عملية الاعتقال انتقاما منه بسبب انتقاده للحكومة الانتقالية التي كان يقودها حزب إسلامي. أدانت المحكمة الرجلين وفرضت عليهما غرامات مالية بتهمة "السكر في الطريق العام" و"الاعتداء على الأخلاق الحميدة".
عمل الشورابي مع آخرين كمراسل لقناة فرانس 24، وتكوّن لديه شغف بالصحافة الاستقصائية، وهو نمط صحفي لم تتعود عليه وسائل الإعلام الحكومية في تونس. وفي ماي 2013، بثت قناة التونسية تقريرًا للشورابي اعترضت عليه قوات الأمن لأنه كان يبرز سهولة عمل المهربين على الحدود التونسية الجزائرية. وفي جوان، قام قاضي التحقيق باستجواب الشورابي ووجه له تهما تتمثل في "المشاركة في نشر معلومات خاطئة من شأنها تعكير صفو النظام العام" و"الإيهام بوقوع جريمة". واستنادًا إلى صهيّب البحري، محامي الشورابي، مازالت القضية معلقة.
وصفت لينا بن مهني، صديقة الشورابي وزميلته في مجال التدوين، بأنه جريء، وهو ما دفعه إلى الانتقال إلى سيدي بوزيد في 2010 بُعيد أن أقدم البوعزيزي على حرق نفسه، ثم إلى ليبيا المتناحرة في 2014. كانت رحلته إلى ليبيا في إطار الإعداد لبرنامجه "دوسيات" على قناة (فيرست تي في)، وهي قناة جديدة ومستقلة. كان الشورابي ينوي التحقيق في النزاع الليبي الداخلي والعلاقات الاقتصادية بين ليبيا وتونس، بحسب ما أفادنا به رؤوف سعد، نائب مدير القناة.
كانت تونس قد تبنت في ذلك الوقت دستورا جديدًا وتستعد لإجراء أول انتخابات ديمقراطية بينما كانت فترة الانتقال قي ليبيا تواجه فوضى عارمة. فقد تبخرت الآمال التي رافقت إسقاط نظام معمر القذافي في 2011 في خضم تواصل النزاع والانقسام. توجد في ليبيا حكومتان تتنازعان الشرعية، بينما تخضع بعض المناطق إلى سيطرة ميليشيات مسلحة، وتعاني منظومة القضاء من شلل. مكنت هذه الظروف المجموعات المسلحة، ومنها من بايع تنظيم الدولة الإسلامية المتطرف (المعروف بـ داعش) من الانتشار والازدهار فقامت بارتكاب جرائم مروعة، مثل اختطاف مسيحيين مصريين وإثيوبيين وبث إعدامهم.
ذهب سفيان الشورابي ونذير القطاري، المصور الصحفي المرافق له، إلى ليبيا في وقت لم يعد فيه الصحفيون الغربيون يسافرون إلى هناك بسبب تدهور الأوضاع الأمنية وتراجع الاهتمام الأجنبي بليبيا. ولكن تجاهل الوضع الليبي لم يكن امرأ ممكنا في وسائل الإعلام التونسية نظرًا للعلاقات التاريخية والاقتصادية التي تربط البلدين، والحدود الطويلة بينهما والتي يسهل تجاوزها. تشير تقارير إخبارية إلى أن الوضع الأمني الذي تعيشه ليبيا سهّل دخول الأسلحة عبر الحدود مع تونس، ووفّر قاعدة خلفية لمجموعات مسلحة تونسية قامت بتنفيذ عمليات اغتيال في كلا البلدين.
بدأ نذير القطاري عمله كمصور صحفي في 2011 في قناة «نسمة تي في» ثم في قناة «تونسنا». وقال أسامة السعفي، وهو أحد صحفيي قناة «فيرست تي في»: "أوصيت سفيان بالعمل مع نذير القطاري لأنه كان يحتاج إلى مصور شجاع معه".
تبقى المعلومات المتوفرة حول ما حصل لـ الشورابي والقطاري بعد أن وصلا إلى ليبيا قليلة. فقد فقدا الاتصال بالقناة التلفزيونية في 3 سبتمبر/أيلول، قرب مدينة برقة، بعد أن احتجزتهما مجموعة مجهولة قبل أن تطلق سراحهما في 7 سبتمبر/أيلول. ولكن بعد يوم واحد، قامت مجموعة مجهولة باختطاف الرجلين قرب مدينة أجدابيا بحسب صفحة وزارة الشؤون الخارجية التونسية على موقع فيسبوك، ومنذ ذلك الوقت بقي مصيرهما مجهولا.
في 8 جانفي، نشر موقع مرتبط بمجموعات مسلحة بيانا باسم "ولاية برقة"، وهي مجموعة بايعت تنظيم الدولة الإسلامية، أعلن فيه إعدام سفيان الشورابي ونذير القطاري لأنهما كانا "يعملان في قناة تلفزيونية معادية للدين". وتضمن البيان صورا للرجلين، ولكنه لم يقدم أي أدلة تثبت تعرضهما إلى القتل. ومنذ جانفي، أصدر مسؤولون ليبيون وتونسيون تصريحات غامضة أكدوا فيها جهودهم في الوصول إلى الشورابي والقطاري، ولكن لم تتسرب أي معلومات أخرى إلى حدود 29 أفريل.
في نفس الوقت، يواجه الصحفيون الليبيون مخاطر متزايدة، فقد قام مسلحون مجهولون بقتل تسعة صحفيين في حوادث متفرقة في 2013، من بينهم مفتاح القطراني الذي لقي حتفه رميا بالرصاص في بنغازي في 23 أفريل. وإذا ثبت صحة البيان الذي نشر في 29 أفريل، فقد قام مسلحون مجهولون بقتل طاقم قناة برقة المتكون من أربعة ليبيين ومصري واحد.
توجد في مدينة تونس معلقات تحمل صور الصحفيين وعبارة "سفيان الشورابي ونذير القطاري: قلوبنا معكم". ويجب على السلطات الليبية والتونسية أن لا تدخر جهدا للتأكد من مصير الرجلين، فهما من أفضل الصحفيين في تونس ما بعد بن علي لأنهما غامرا بحياتهما من أجل نقل الأخبار إلى الناس في الوقت الذي صار فيه هذا العمل ممكنا.