رويترز: عندما هاجم مسلحون تابعون لتنظيم الدولة الاسلامية بوابة خارجية لحراسة مرفأ السدر النفطي الليبي هذا الشهر أرسلوا بعضهم لقتل الحراس قبل محاولة تفجير سيارة ملغومة في محاولة لإحداث ثغرة في دفاعات الميناء. وفشل الهجوم في الاقتراب أكثر من 1.6 كيلومتر من الميناء أحد الموانيء النفطية الرئيسية في ليبيا لكنه أظهر نية التنظيم التوسع خارج قاعدته في مدينة سرت واستهداف البنية التحتية لقطاع النفط.
بعد أربع سنوات من سقوط معمر القذافي أصبحت ليبيا محور صراع بين حكومتين متنافستين تدعم كل منهما فصائل مسلحة الأمر الذي خلق فراغا سياسيا سمح للتنظيم بأن يكون له موطيء قدم في شمال أفريقيا. ولم يكن هذا الهجوم الأول من جانب الدولة الاسلامية على قطاع النفط الليبي. لكن صناعة النفط في ليبيا عضو منظمة أوبك تعاني بالفعل من آثار الصراع والاحتجاجات وانخفض الانتاج لأقل من نصف المستوى الذي كان عليه عام 2011 وهو 1.6 مليون برميل يوميا.
وفي العراق وسوريا حيث استولى التنظيم على مساحات كبيرة من الارض استطاع أن يحقق ايرادات من حقول النفط. ويقدر خبراء الارهاب أن دخل التنظيم يبلغ 2.9 مليار دولار سنويا يمثل النفط والغاز جانبا كبيرا منه. لكن تنظيم الدولة الاسلامية مازال يعمل على ترسيخ أقدامه في ليبيا. وهو يتعايش مع الاسلاميين المحليين لكنه يواجه فصائل مسلحة مناوئة لها صلات محلية قوية. وربما تمنع تلك المقاومة وهيكل صناعة الطاقة الليبية ونظام التصدير التنظيم من السيطرة على أصول الصناعة النفطية وايراداتها. غير أن الفرص تتزايد مع اشتداد الفوضى.
وفي وقت سابق من العام الجاري هاجم مقاتلو التنظيم عددا من الحقول القريبة من قاعدتهم في سرت وأسروا عددا من المتعاقدين الأجانب وقتلوهم وعطلوا انتاج النفط في المنطقة. ومازال قطاع النفط الليبي يعاني من اضطرابات. ويبلغ الانتاج نحو 500 ألف برميل يوميا وهناك عدة حقول مغلقة بسبب القتال بين الفصائل أو الاحتجاجات بالاضافة إلى إغلاق مرفأي تصدير رئيسيين منذ ديسمبر كانون الاول الماضي هما السدر ورأس لانوف. وقال ماشاء الله الزوي وزير النفط في حكومة طرابلس لرويترز "ما من شك أن أمامنا عقبة هي الدولة الاسلامية خاصة في المنطقة الوسطى من ليبيا. لكن الدولة الاسلامية في ليبيا مختلفة عنها في العراق وسوريا."
وبدا أن الهجوم على محيط مرفأ السدر هذا الشهر عملية كر وفر من العمليات التي تميز مجموعة تواجه خصما أقوى. وفتح مسلحون في عدة عربات النار من بنادق كلاشنيكوف والرشاشات الثقيلة على بوابة تبعد نحو 700 متر إلى الغرب من الميناء. وقتل حارس يتبع قوة اتحادية متحالفة مع الحكومة المعترف بها وأصيب آخران بجروح. وقال مسؤولون أمنيون إن المسلحين حاولوا تفجير سيارة ملغومة في البوابة لكن أربعة منهم قتلوا بالرصاص.
وقد أغلقت السلطات مرفأي السدر ورأس لانوف اللذين تبلغ طاقتهما التصديرية 500 ألف برميل يوميا منذ ديسمبر كانون الأول بسبب الاشتباكات بين القوات الاتحادية التي تسيطر على الميناءين والكتائب المتحالفة مع حكومة طرابلس التي تعهدت باستردادهما. وقال ماتيا توالدو الخبير في شؤون ليبيا في المجلس الاوروبي للعلاقات الخارجية "أدركت الدولة الاسلامية أن أكبر الفصائل مهتمة أكثر بمقاتلة بعضها البعض. وهي تتوسع في وسط ليبيا ولا تواجه مقاومة تذكر."
* واقع على الأرض
منذ الانتفاضة التي أطاحت بالقذافي ودعمها حلف شمال الأطلسي انقسمت ليبيا إلى مناطق تسيطر عليها كتائب متنافسة من الثوار السابقين والفصائل القبلية والقوى ذات الميول الاسلامية التي انقلبت فيما بعد على بعضها البعض في معركة داخلية من أجل السيطرة. وتسيطر على طرابلس منذ العام الماضي جماعة فجر ليبيا وهي تحالف من الفصائل المسلحة من مدينة مصراتة ومقاتلين ذوي توجهات إسلامية واستطاعت الجماعة طرد منافسيها من العاصمة وإقامة حكومة منافسة.
أما حكومة ليبيا المعترف بها دوليا وبرلمانها المنتخب فيعملان من مدينة طبرق في الشرق ويدعمهما ائتلاف فضفاض من القوات المسلحة تحت قيادة اللواء خليفة حفتر الذي كان في الماضي حليفا للقذافي والاتحاديون الذين يسيطرون على الموانيء. وتسيطر فصائل مسلحة قوية على مناطق ومدن مختلفة وغالبا ما يرتبط ولاء هذه الفصائل بمصالح محلية الأمر الذي يعقد محاولات الأمم المتحدة للتفاوض على حكومة وحدة. كما تقع حقول النفط والموانيء الليبية في مناطق تسيطر عليها فصائل مختلفة مما يسمح لفصيل بأن يقطع خط أنابيب على سبيل المثال للضغط على فصيل آخر.
وفي مارس آذار الماضي خطا تنظيم الدولة الاسلامية أكبر خطوة من أجل النفط فاقتحم عدة حقول ليبية وألحق أضرارا بها حول الغاني. واضطر ذلك الحكومة إلى الاستناد إلى بند القوة القاهرة في التعاقدات وأوقفت الانتاج في 11 حقلا في حوض سرت بوسط البلاد. وقتل 11 حارسا وقطع المتشددون رؤوس بعضهم. لكن لم تحدث محاولة للاحتفاظ بحقول والحصول على ايرادات مثلما فعل تنظيم الدولة الاسلامية في سوريا والعراق. وكان الهدف هو التدمير.
* نهضة صعبة
وحتى قبل وصول الدولة الاسلامية كانت صناعة النفط الليبية تشهد تقلبات مستمرة منذ سقوط القذافي. ويعمل انخفاض أسعار النفط على خفض الايرادات التي تسدد معظم نفقات الميزانية الوطنية. ومما زاد الوضع تعقيدا التنافس بين حكومتين لكل منهما مسؤولون لقطاع النفط ووزير للطاقة. وأبرزت العلاقات بين القوى المتنافسة التي تسيطر على موانيء النفط وخط الأنابيب الذي يمتد من حقل الشرارة الرئيسي إلى المواني التعقيدات التي تواجه إعادة الانتاج. وتقول طرابلس إنها تتفاوض مع شيوخ القبائل لرفع الحصار عن خط الأنابيب الذي ينقل النفط الخام عبر منطقة تسيطر عليها قوات من مدينة الزنتان التي تعارض سلطات طرابلس.
لكن قوات الزنتان تنفي إجراء أي محادثات مع حكومة طرابلس وتقول إن الحقول مغلقة كإجراء وقائي من جانب الحرس النفطي بعد هجمات أخيرة للاسلاميين على حقول جنوبية. وقال مصطفى الباروني رئيس المجلس البلدي في الزنتان "لا توجد مشاورات مع وزارة النفط والغاز في طرابلس لأنها غير شرعية." وقالت وكالة الأنباء الليبية في طرابلس إن حقلا نفطيا آخر هو حقل الفيل قد يعاد فتحه خلال أيام بعد ابرام اتفاق على أجور الحراس. لكن أحد القادة قال إنه لم يتلق إخطارا رسميا باستئناف العمل في الحقل وإن عليه الانتظار حتى يتم تشغيل خط الأنابيب. وفي أوائل العام الماضي أنهت قوات اتحادية بقيادة ابراهيم الجثران حصارا استمر شهورا لاربعة من حقول النفط الرئيسية ومنها حقل السدر الذي تسيطر عليه قواته بعد أن هدد بالالتفاف على الحكومة وبيع النفط لحسابه.
وقاتلت قواته منذ ذلك الحين فصيل طرابلس هذا العام عندما حاولت استعادة حقل السدر. لكنه انفصل مؤخرا أيضا عن القوات التي تدعم الحكومة المعترف بها. وتوقفت مساعي الأمم المتحدة للتوصل إلى حكومة وحدة تتفق عليها الفصائل الرئيسية وأدى الفشل في حمل الجميع على الموافقة عليها إلى إتاحة فرصة أكبر لتنظيم الدولة الاسلامية لاستهداف النفط من جديد. وقال ريكاردو فابيان المحلل المتخصص في شؤون شمال أفريقيا بمجموعة أوراسيا "هدفهم هو تعظيم أثر عملياتهم على إنتاج النفط وفي الوقت نفسه تقليل الخسائر إلى أدنى حد ممكن. ومن المرجح أن يستمروا على هذا المنوال.