تجارة البن وثقافة القهوة العالمية
بوصفه منصة عالمية للاستثمار، وأداة لتيسير الأعمال التجارية الدولية، يضفي "جلفود"، أكبر معرض تجاري سنوي في قطاع الأغذية والضيافة في العالم، من خلال دورته العشرين الاحتفالية، زخماً على رؤية دبي المتمثلة في كونها مركزاً عالمياً رئيساً لتجارة السلع الغذائية، ومن بينها القهوة.
وفي الوقت الذي يتصاعد حجم استهلاك القهوة في منطقة الشرق الأوسط، تكتسب دولة الإمارات شعبية متزايدة كواحدة من مراكز إعادة التصدير الرئيسية في المنطقة لتجارة البن. ويتطلع "جلفود 2015"، الذي سيتم تنظيمه بين 8 و12 فبراير في مركز دبي التجاري العالمي، إلى استقطاب تجار القهوة المحليين والإقليميين والدوليين لاستكشاف فرص تصدير البن واستيراده وإعادة تصديره في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وخارجها.
تاريخ القهوة
تعتبر القهوة أهم مشروب يتناوله غالبية سكان العالم، وتحاك في أصولها القصص الأسطورية، وتتغلغل جذورها في نسيج الأنثروبولوجيا وعلم الآثار وحتى في علم اللاهوت، وتحاول كل هذه المضامين تتبع أصل نشأتها في منطقة القرن الإفريقي وإثيوبيا والسودان وكينيا، على الرغم من أن العديد من دول الشرق الأوسط تلعب دوراً رئيسياً في انتشار هذا المشروب في جميع أنحاء العالم.
ويروي التاريخ أن تناول ثمرة النبات، المعروفة باسم كرزات البن أو توت البن، نشأ في السودان، قبل أن تنتقل هذه الممارسة إلى اليمن والجزيرة العربية، مع أدلة أثرية تؤكد أنه بحلول نهاية القرن الخامس عشر كانت طقوس شرب القهوة معروفة بين أتباع الصوفية في اليمن.
ومن هذا يمكن القول إن الشرق الأوسط هو المكان الذي بدأت فيه ممارسة شرب القهوة كما نعرفها اليوم. ومنذ أن تم تناول أول فنجان من القهوة قبل أكثر من 600 سنة، ظل استهلاك القهوة ماثلاً في قلب ثقافة الشرق الأوسط، وما زالت القهوة تستخدم في الترحيب بالضيوف في البيوت وفي الفنادق باعتبارها رمزاً عريقاً من رموز الضيافة.
ويعود انتشار القهوة على المستوى العالمي إلى حد كبير للهولنديين، الذين ظلوا يتاجرون بهذا المنتج على طول المراكز التجارية الممتدة على خليج عدن في أوائل القرن السابع عشر، وذهبوا أبعد من ذلك عندما أقاموا مزارع للبن في الهند وإندونيسيا. وبعد أن أصبحوا المورد الأساسي للقهوة إلى أوروبا، يعود الفضل إليهم أيضاً في انتشار حبوب القهوة في أمريكا الوسطى والجنوبية.
البن: السلعة الزراعية الأكثر تداولاً على نطاق واسع في العالم
على مدى السنوات الخمسين الماضية، شهدت سوق البن العالمية تحولاً كبيراً. ونما الاستهلاك بمعدل سنوي بلغ 1.9 بالمئة، مرتفعاً من 57.9 مليون كيس (الكيس = 60 كيلوغراماً) في العام 1964 إلى 142 مليون كيس في العام 2011. وباعتبارها واحدة من السلع الأكثر تداولاً في العالم، تأتي القهوة في المرتبة الثانية بعد النفط في القيمة التجارية.
وقُدّرت القيمة الإجمالية لهذا القطاع في العام 2012 بنحو 173.4 مليار دولار، وفقاً لمنظمة البن العالمية، إذ وصل الإنتاج العالمي في العامين 2012 و2013 إلى 145 و145.2 مليون كيس على التوالي. وفي العام 2014، قدّرت وزارة الزراعة في الولايات المتحدة الإنتاج العالمي بنحو 149.8 مليون كيس. وهناك ما يصل إلى 70 بلداً منتجاً للبن في العالم، فيما تضم قائمة كبار المصدرين العالميين لهذه السلعة البرازيل وفيتنام وإندونيسيا وكولومبيا وإثيوبيا والهند والمكسيك، وجميعها دول أعضاء في منظمة البن العالمية، المسؤولة عن إنتاج 97 بالمئة من الناتج العالمي.
وعلى الرغم من أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليابان كانت تقليدياً أكبر مستوردي البن، فقد شهدت السنوات القليلة الماضية تحولاً في الطلب، إذ وصلت اقتصادات الدول المتقدمة إلى نقطة التشبع، وشهدت الدول المنتجة للبن والأسواق الناشئة زيادة في الطلب والاستهلاك. وأدّى تحسن التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وارتفاع مستويات الدخل، وارتفاع مستويات المعيشة، وتزايد أعداد السكان، إلى ظهور مذاقات جديدة للقهوة، كما برزت توقعات بأن تسهم هذه الأسواق إسهاماً كبيراً في نمو الاستهلاك العالمي في السنوات المقبلة.
ازدهار صناعة البن في الشرق الأوسط ودولة الإمارات
أصبحت دولة الإمارات في وضع يؤهلها لتكون مركزاً رئيسياً لإعادة التصدير وتقديم خدمات التوريد للمناطق الأخرى، نظراً لموقعها الاستراتيجي، وتميزها ببنية تحتية لوجستية عالمية المستوى، فضلاً عن ميزة الإعفاءات الضريبية، ما جعلها تكتسب شعبية واسعة في أوساط تجار البن الراغبين في إعادة تصدير منتجات القهوة إلى الأسواق الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا وإفريقيا. وكانت دولة الإمارات خلال الفترة بين 2005 و2008، واحدة من بين خمس دول رئيسية في إعادة تصدير البن (بحسب وزارة التجارة الخارجية الإماراتية)، كما ازدادت صادرات البن في دبي بمعدل سنوي قدره 57 بالمئة، من 5.9 إلى 22.4 مليون دولار بين العامين 2010 و2013، وفقاً لأحدث الإحصاءات الصادرة عن جمارك دبي ومركز دبي للسلع المتعددة. كذلك ارتفعت في الفترة الزمنية نفسها واردات البن في دبي بمعدل سنوي قدره 72 بالمئة، من 29.7 في 2010 إلى 131.1 مليون دولار في العام 2013.
وعلاوة على ذلك، وصف تقرير صادر عن "يورومونيتور العالمية" في 2013 دولة الإمارات بأنها "أسرع أسواق البن نمواً في العالم"، إذ وصل النمو في إجمالي حجم مبيعات البن إلى 80 بالمئة بين 2009 و2014، بمعدل نمو سنوي قدره 12 بالمئة. ويأتي هذا النمو على الرغم من أن أكثر من 50 بالمئة من سكان الإمارات ينتمون إلى شرق آسيا وشبه القارة الهندية، المنطقتين اللتين تشكلان قاعدة من المستهلكين الذين يفضلون تقليدياً تناول الشاي على القهوة.
وفي الواقع، فإن ارتفاع واردات البن تشير إلى أن السوق المحلية في دولة الإمارات تشهد أيضا طفرة في استهلاك القهوة، ولا سيما في السنوات القليلة الماضية. كما تجذب ثقافة تناول القهوة المزدهرة الأجيال الشابة، إذ ازداد التركيز على المقاهي المستقلة، والمكونات الواردة من مصادر مستدامة، وأنواع البن النادرة أو المتميزة بمذاق راقٍ أو الواردة من مصدر منفرد.
وبالإضافة إلى افتتاح مقاهٍ جديدة، ونمو حجم التداول في البن، وازدياد عدد شركات تحميص البن وتعبئته في المنطقة، فقد ظهرت بعض الفعاليات والمهرجانات والمسابقات الخاصة بالقهوة وإعدادها. وينظم "جلفود 2015"، على سبيل المثال، حدث "باريستا بونانزا" للعام الثاني، والذي يقام بدعم من "جمعية القهوة المتخصصة في أوروبا". ويقدم هذا الحدث التثقيفي سلسلة من الندوات، مدة واحدتها 45 دقيقة، لعشاق القهوة والمهنيين الذين يسعون للانضمام إلى "برنامج دبلوم القهوة" المتخصص. كما يتيح هذا الحدث لزوار جلفود، من موقع محدد في أرض المعرض، فرصة فريدة للتعرف على مجموعة متنوعة من تقنيات إعداد القهوة، تُقدّم على أيدي خبراء عالميين مختصين في إعداد مشروبات القهوة، ويستطيع الحضور تذوق أنواع متخصصة من القهوة من جميع أنحاء العالم.
وقال خالد الملا، مؤسس "متحف دبي للقهوة"، إن القهوة تمثل "جزءاً مهماً من ثقافتنا وتتميز بتاريخ عريق في مختلف أنحاء المنطقة"، وأضاف: "ظلّت القهوة لعدة قرون تستخدم كوسيلة لاستقبال الضيوف والترحيب بهم، سواء في المنزل أو في الاجتماعات الرسمية، وإذا ذهب المرء إلى أي فندق في دبي، فإنه يجد في معظمها من يستقبله بالقهوة العربية، لأنها رمز للضيافة، ووسيلة لاستقبال الزوار".
قطاع القهوة يواصل اتجاهه التصاعدي
من المتوقع، في ضوء تصاعد الاستهلاك العالمي للقهوة، يظل النمو في قطاع القهوة واعداً نظراً لثلاثة عوامل رئيسية هي زيادة الطلب في البلدان المصدرة مثل البرازيل وإندونيسيا وإثيوبيا والمكسيك والفلبين والهند وفنزويلا وفيتنام، وزيادة شعبيتها في الاقتصادات الناشئة، بما في ذلك منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا وإفريقيا، والتوسع في الأسواق المتخصصة في البلدان المستهلكة التقليدية مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليابان.
ومن المتوقع أن يزداد استهلاك القهوة إقليمياً، إذ أشارت غرفة التجارة العربية البرازيلية إلى زيادة بنسبة 75 بالمئة في أكياس القهوة التي تم شحنها من البرازيل إلى الدول العربية في الفترة بين يناير ويونيو 2014، مقارنة مع الفترة نفسها من العام 2013. ولما كان قطاع البن يوظف الملايين من البشر في جميع أنحاء العالم، تظل صناعة البن وتصديره من المحركات الرئيسية المساهمة في در عائدات النقد الأجنبي للدول، كما أنها تشكل نسبة كبيرة من ضريبة الدخل والناتج المحلي الإجمالي.
ومن المتوقع أن يستقطب "جلفود" في دورته الكبرى هذا العام، أكثر من 80,000 زائر من 170 دولة، وما يزيد على 4,800 شركة عارضة عالمية من 120 دولة. وهو يقام في إطار الدورة الثانية من "مهرجان دبي للمأكولات"، الحدث الاحتفالي الذي تنطلق فعالياته وتتواصل في فبراير في أرجاء مدينة دبي.
يُذكر أن "جلفود" حدث تجاري مخصص للزوار من التجار ورجال الأعمال والمهنيين، وسوف يفتح المعرض أبوابه من الساعة 11 صباحاً وحتى 7 مساءً بين 8 و11 فبراير، ومن الساعة 11 صباحاً وحتى 5 مساءً في اليوم الأخير 12 فبراير. يمكن للزوار التسجيل عبر الموقع www.gulfood.com والحصول على خصم قدره 100 درهم (27 دولاراً) من رسم الدخول عند الدفع إلكترونياً عبر الموقع. ويبلغ رسم الدخول عند التسجيل على أرض الحدث 250 درهماً (66.65 دولاراً).
رسّخ معرض "جلفود" لنفسه، مع اقتراب دورته العشرين، مكانة مرموقة كأكبر حدث تجاري سنوي في قطاع الأغذية والمشروبات والضيافة في العالم، وينظمه ويديره ويستضيفه مركز دبي التجاري العالمي، الذي يتمتع بخبرة واسعة بتنظيم الفعاليات العالمية بمنطقة الشرق الأوسط تتجاوز ثلاثة عقود، مقدماً للعارضين المحليين والإقليميين والدوليين خبرة لا نظير لها ومعرفة متعمقة بالسوق. وتضمّ محفظة مركز دبي التجاري العالمي من الفعاليات التجارية والاستهلاكية العالمية، "مهرجان المأكولات المتخصصة"، و"معرض الشرق الأوسط للحلويات"، و"معرض الشرق الأوسط وشمل إفريقيا للمأكولات البحرية" (سيفيكس)، و"معرض جلفود للتصنيع"، ومهرجان دبي للأغذية"، و"أسبوع جيتكس للتقنية"، و"معرض دبي العالمي للقوارب"، و"معرض دبي الدولي للسيارات"، وغيرها.
يمثل هذا الحدث المعرض الجديد للشركات العاملة في قطاع معدات التصنيع والتعبئة والخدمات اللوجستية الغذائية، والتي تخدم قطاع تصنيع الأغذية والمشروبات سريع النمو في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا والشرق الأقصى وشبه القارة الهندية. ويتيح الحدث المجال أمام مصنعي الأغذية للحصول على أحدث أدوات الإنتاج ومعدات التصنيع إلى جانب المكونات الغذائية والمواد الخام.
يزخر مركز دبي التجاري العالمي، المنظّم لمعرض الخليج للأغذية "جلفود"، بسجل حافل بالإنجازات يرقى إلى أكثر من 35 عاماً من الخبرة الواسعة في مجال تنظيم الفعاليات والمناسبات بمواصفات عالمية في منطقة الشرق الأوسط، واضعاً خبراته ومعارفه المتعمقة في أسواق المنطقة بين أيدي العارضين العالميين والإقليميين والمحليين. يتولى فريق العمل في مركز دبي التجاري العالمي تنظيم 20 معرضاً من أكبر المعارض الدولية والإقليمية وأكثرها نجاحاً وشهرة في المنطقة، مشكلاً بذلك أرضية مثالية لتطوير الأعمال في المنطقة.
لقد أسهم التزام مركز دبي التجاري العالمي بالابتكار المتواصل في قطاع المعارض في دعم نمو مجموعة واسعة من المعارض الموجهة للشركات أو للمستهلكين، وتمكّن مركز دبي التجاري العالمي من نيل رضى العارضين والزوار على حد السواء. يعمل مركز دبي التجاري العالمي بالتعاون مع أشهر المؤسسات التجارية والاتحادات العاملة في قطاع المعارض لضمان أن تقام المعارض التي ينظمها المركز وفق الاحتياجات الحقيقية للعارضين وأن تحقق أقصى قيمة ممكنة للعارضين والزوار.