عربي21: نشرت صحيفة "ديلي تلغراف" تقريرا خاصا لمراسل الشؤون الأجنبية كولين فريمان، بمناسبة مرور أربع سنوات على وفاة العقيد معمر القذافي، يقول فيه إن عمر سعيد عمر لا يزال مقتنعا بصحة الربيع العربي، ولكن إن كان بحاجة لمن يذكره بأن الثورة يمكن أن تكون مشوار نضال طويل وشاق، فما عليه إلا أن يخرج من باب بيته. ويشير التقرير إلى أنه في شهر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي هربت عائلة عمر ومئات العائلات من بلد كيكلة، عندما نشب القتال بين الفصيلين الرئيسين الذين يحاولان السيطرة على ليبيا. وعاشوا جميعا في مشروع إسكاني كان توقف مع بدء الثورة عام 2011، في شارع مطار طرابلس، واليوم تعيش عائلة عمر في شقة على الطابق الخامس، ولكنها ليست بالشقة الفخمة، فلا نوافذ ولا تدفئة، ولا يوجد من المصعد سوى الفتحة المخصصة له في البناية، ما يضطر السكان لاستخدام الدرج غير المكتمل للصعود والنزول.
وتنقل الصحيفة عن عمر البالغ من العمر 56 عاما، قوله: "داس ابني على لغم أرضي خلال الثورة ففقد ساقه، وعندما نريد أخذه إلى أي مكان، فإن علينا أن نحمله صعودا ونزولا بأنفسنا، ولكن ماذا عسانا أن نفعل؟ فبيتي في"كيكلة" أصابته أضرار، وبيت ابني نصف مهدوم، وبيت ابني الثاني مغروس في وسطه صاروخ غراد". ويبين فريمان أن هذه الشقق، التي يعيشون فيها الآن، أصبح يطلق عليها شقق “المزبلة”؛ لقربها من مكبات القمامة، فبعد أن كانت تعد مشروع الإسكان الراقي الذي يتفاخر فيه نظام القذافي، أصبحت رمزا لعدم الاستقرار الذي ساد بعده. مشيرا إلى أنه في البرج الذي يسكنه عمر هناك عائلات ممن هربت من "كيكلة"، بينما توجد في الأبراج الأخرى عائلات هربت من القتال في بنغازي شرق ليبيا، حيث يوجد تنظيم أنصار الشريعة، وهي المجموعة المرتبطة بتنظيم القاعدة، الذي قتل السفير الأمريكي كريس ستيفنز.
ويلفت التقرير إلى أن الكثير من سكان شقق "المزبلة" يعدون من الشباب الأحداث، وهم الجيل الذين خرجت الثورة باسمهم، ولقي ستة من الشباب حتفهم من الأبواب الفارغة للمصاعد، التي تم إغلاقها اليوم. ويقول عمر للصحيفة: "هذه ثورة شرسة. نعم فقد توقعنا بعض المشكلات فيما بعد"، ويضيف: "لكن لدينا ربيع عربي من التطرف، مع أنه كان من الأفضل لو عمل الجميع معا، لكانت الأمور أفضل الآن". ويوضح الكاتب أن هذا الرأي هو الذي تبنته الحكومة البريطانية من "مدخل خفيف"، يمكن أن يعمل في مرحلة ما بعد القذافي، خاصة بعد النجاح النسبي الذي حققته غارات حلف الناتو في الإطاحة به. ويعترف المسؤولون الأمنيون البريطانيون اليوم وبشكل صريح بأنه كان يجب عمل المزيد في ذلك الوقت، وفي ضوء المخاوف المتزايدة من تحول ليبيا إلى دولة من الدول الفاشلة.
وينوه التقرير إلى أن مظاهر القصور المهمة بدت واضحة بعد الثورة، من خلال الفشل في نزع سلاح الفصائل المسلحة، التي ظهرت أثناء الثورة ضد حكم القذافي. وحولت هذه المجموعات المسلحة الدولة إلى سلسلة من المدن المتصارعة فيما بينها، وكلها مؤيدة لمدينة أو قبيلة، وليس للحكومة المركزية. وتبين الصحيفة أنه بعد أربعة أعوام من الثورة، أصبح للبلد حكومتان، وليس حكومة واحدة؛ الأولى هي حكومة المؤتمر الوطني، التي تسيطر على طرابلس، وتدعم قوات فجر ليبيا، وهو تحالف من الفصائل الإسلامية وغير الإسلامية. وهناك الحكومة المنافسة لها، التي تلقى دعما من الغرب، وتعمل من المنفى في مدينة طبرق.
ويذكر فريمان أنه في الوقت الحالي تصور الواحدة الأخرى بأنها الكابوس الذي حل على ليبيا. فحكومة الإسلاميين تقول إن الحكومة المدعومة من الغرب ما هي إلا مجموعة من بقايا نظام القذافي، التي تحاول السيطرة على السلطة. فيما يقول المعارضون إن قوات فجر ليبيا تريد إقامة دولة إسلامية متشددة. ويستدرك التقرير، الذي ترجمته “عربي21“، بأنه رغم أن كلا الجماعتين فيهما أفراد معتدلون، إلا أن هذا لم يمنعهما من القتال خلال العامين الماضيين في حرب أهلية ذات وتيرة منخفضة.
وتجد الصحيفة أن فرص وقف الأذى قليلة، فقد تم اختطاف رؤساء وزراء من مكاتبهم، واغتيال ضباط، وقصف مطار طرابلس الدولي، الذي لا يتدفق عليه الزوار الاجانب. لافتة إلى أنه خلال العامين الماضيين أعتبرت ليبيا منطقة محظورة على البريطانيين، بحسب نصائح وزارة الخارجية، وسحبت السفارات موظفيها بعد سلسلة من السرقات والسيارات المفخخة. ويوضح الكاتب أن ما يذكر الغرب بأنه لا يمكنه إدارة ظهره لليبيا، هو تحول سرت، مسقط رأس معمر القذافي، إلى فرع من فروع تنظيم الدولة، الذي تعهد مقاتلوه باختراق أوروبا في قوارب المهاجرين.
ويعلق فريمان قائلا: “صحيح لم تتحول ليبيا بعد إلى سوريا أو العراق، فالقتال منحصر في زوايا معينة من البلاد. وعندما سافر مراسل (صاندي تلغراف) إلى ليبيا من خلال خطوط جوية ليبية محلية، كان التوتر ظاهرا على وجوه فريق فحص الجوازات في المطار الذين لم يصدقوا أن البلاد أصبحت وجهة آمنة لسفر الغربيين”. ويضيف الكاتب: “بالتأكيد فهناك قلة قليلة من البريطانيين لا يزالون في ليبيا، والفضل يعود في هذا إلى تنظيم الدولة، الذي قاد هجوما كبيرا على فندق الخمس نجوم (كورنيثا) في طرابلس في كانون الثاني/ يناير، وقتل خمسة من الأجانب”.
وينقل التقرير عن علاء شاهين، الذي كان يعمل في مكتب الاستقبال في الفندق قوله: “كان هجوما مخيفا، جاءوا إلى البهو وبدأوا بإطلاق النار على النزلاء”، وآضاف: “لا ينشط تنظيم الدولة في طرابلس، ولكن الأمن ليس قويا خاصة في الليل. وبخلاف هذا فإن الحياة في طرابلس حول ساحة الشهداء (سابقا الساحة الخضراء) عادية: المقاهي والأسواق مفتوحة لساعات متأخرة من الليل”. وتورد الصحيفة نقلا عن المتحدث باسم حكومة المؤتمر الوطني في طرابلس جمال زبيا، قوله: “يقتل في نيويورك أكثر مما يقتل في طرابلس. وهناك سرقة سيارات في مانشستر أكثر من هنا”. وقضى زبيا فترة في إنجلترا، حيث قال إن “الحكومة هنا تسيطر بالكامل على المدينة”.
ويشير فريمان إلى أن السؤال هو: من يسيطر على المؤتمر الوطني؟ فهو تحالف حربائي من الجماعات الإسلامية وغير الإسلامية، يجعل الدبلوماسيين يحاولون معرفة لونه الحقيقي. فمن هناك زبيا، الذي يقدم شوكولاتة “كوالتي ستريت” للضيوف الذين يزورون مكتبه، وعلى الطرف الآخر هناك عناصر في فجر ليبيا متحالفون بطريقة أو بأخرى مع أنصار الشريعة. ومهما يكن فإن مصداقيتهم الديمقراطية تلاشت عندما أرسلوا قوات فجر ليبيا العام الماضي للسيطرة على طرابلس، ولطرد العلمانيين منها.
ويفيد التقرير بأن تحالف فجر ليبيا يقول إنه كان يواجه هجوما مضادا خطط له الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، الذي يقول إنه يدافع عن الليبيين العاديين ويحميهم من الإسلاميين، والذي يقول آخرون إنه ديكتاتور آخر. وفي رمال النزاع الليبي المتحركة لا أحد يعرف الحقيقة. ويشير إلى إسقاط الطائرة المروحية التي كانت تقل قادة من فجر ليبيا، واتهمت قبيلة وارشفانة بإسقاطها. وتنقل الصحيفة عن متعاطف مع فجر ليبيا قوله إن القبيلة تلقت مالا من حفتر لقتل قادة فجر ليبيا، تماما كما يدفع لتنظيم الدولة لإصدار أشرطة ذبح. وهذا كله من أجل تصوير فجر ليبيا بالمنظمة المتطرفة، مع أن كل ما يريده مقاتلو فجر ليبيا تحقيق السلام للبلد.
ويذكر الكاتب أن سكان العاصمة يعترفون بأن الأوضاع أصبحت أفضل منذ سيطرة فجر ليبيا على العاصمة. ويقول زبيا إن على الغرب أن يتعامل مع طرابلس، إن أراد التعاون في مسائل منع الهجرة وتهريب البشر، أو تفجير طائرة بانام فوق لوكربي، ويتساءل: “إن لم يرد الغرب الاعتراف بنا فلماذا نساعدهم في قضايا مثل وقف المهاجرين؟”. مستدركا بأن حكومة طرابلس تحتاج إلى مساعدة الغرب، وأنه دون توقيعها على معاهدة سلام، قإنه لن يحدث هذا، ما يعني تأخر بناء ليبيا. وتختم “ديلي تلغراف” تقريرها بالإشارة إلى أن المسؤول في الأمم المتحدة علي الزعتري يقول: “لا طريق آخر غير الانزلاق نحو دم وفوضى جديدة”. وفي الوقت الحالي هذا هو الطريق الذي اختارته الأطراف كلها على ما يبدو.