تعتبر ليبيا خزانة التاريخ، لما فيها من مدن أثرية من الحضارتين الإغريقية والرومانية، فضلا عن مواقع للحضارة الجرمانية في الجنوب الغربي، والحضارة الأمازيغية في جبل نفوسة، ومعالم أخرى تعود إلى الفترة الإسلامية في أماكن متفرقة مهددة اليوم بالاندثار.
العرب اللندنية: تضرّرت النقوش الصخرية التي تعود إلى من السنين قبل الميلاد في جبل أكاكوس جنوب غرب ليبيا، بسبب إقدام البعض على تشويهها برسوم غرافيتي في السنوات الأخيرة، ورش السياح المياه عليها لتكون أكثر وضوحا في الصور. ومنطقة جبال أكاكوس أو "تادرارت أكاكوس" كما يطلق عليها أيضا، تضم مجموعة كبيرة من الوديان والكهوف وتقع بالقرب من مدينة غات الأثرية قرب الحدود الجزائرية، وهي مدرجة ضمن قائمة التراث العالمي. وبحسب موقع منظمة اليونسكو، فإن الآلاف من الرسوم التي تنتشر في كهوف هذه المرتفعات الصخرية يعود أقدمها إلى 21 ألف عام قبل الميلاد، بينما يرقى أحدثها إلى القرن الأول الميلادي. وتعكس هذه الرسوم التي تصوّر الحيوانات خصوصا، التغيرات التي طرأت على الثروة الحيوانية والنباتية وكذلك أنماط الحياة المتنوعة للشعوب التي تتالت على هذا الجزء من الصحراء الكبرى في ليبيا. ولطالما استقطبت جبال أكاكوس السياح الراغبين بالاطلاع على الرسوم في فترة ما قبل التاريخ، إلا أن الفوضى الأمنية في البلاد والإهمال والجهل أحيانا بأهمية هذه الرسوم، فتحت الباب أمام تخريب بعضها.
ويقول أستاذ التاريخ شوقي مومر وهو يتحدث أمام أحد هذه الرسوم "اللوحات هذه تعتبر من أهم اللوحات في عصور ما قبل التاريخ". ويضيف "في نهاية التسعينات وبداية الألفية، في عامي 2002 و2003، تعرضت هذه المناطق لأعمال تخريب من قبل المجموعات السياحية والأدلة السياحيين الذين كانوا يرشون المياه على هذه الرسومات لتكون أكثر وضوحا في الصور التذكارية". وفي الكهوف المنتشرة في واديي تشوينات وعويس خصوصا، تبدو آثار التخريب واضحة على الرسوم، حيث تنتشر أعمال الغرافيتي العشوائية قرب هذه الرسوم وفوقها أحيانا. وقام زوار أتوا إلى هذه المنطقة برش بعض الرسوم باللون الأسود، أو قاموا بكتابة أسماء وعبارات على جدران الكهوف التاريخية. وفي أحد كهوف وادي تشوينات، جلس الدليل السياحي يحيى صلاح على الأرض يشير إلى آثار حريق على جدران الكهف. وقال "عاشت عائلة داخل الكهف هنا قبل أكثر من 20 سنة، وكانت تقوم بأعمال الطبخ في هذا الكهف لأنها لم تكن تدرك الأهمية التاريخية لهذه الرسوم، وهذا هو سبب آثار الحرائق هنا".
صفحات مفتوحة للقارئ
وينظر إلى ليبيا على أنها متحف مفتوح على التاريخ نظرا للمواقع الأثرية العديدة التي تضمها، لكن قطاع الآثار في هذا البلد الغارق في النزاعات والفوضى يتعرض لاعتداءت متنوعة منذ سنوات حيث هدمت أضرحة، وجرفت مواقع، وسرقت قطع أثرية، بحسب علماء آثار ومصادر رسمية. وتوجد في ليبيا العشرات من المواقع الأثرية التي تعود إلى حقبات متنوعة في التاريخ. وتصنف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) خمسة مواقع أثرية فيها ضمن قائمة التراث العالمي. وهذه المواقع هي موقع صبراتة الأثري الذي يجمع الحقبتين الفينيقية والرومانية ويضم مسرحا قبالة البحر غرب طرابلس، ومدينة شحات (قورينا) التي بناها الإغريق في شرق البلاد، وموقع لبدة الرومانية قرب طرابلس، ومواقع تادرارت أكاكوس الصخرية، ومدينة غدامس جنوب غرب العاصمة التي تعود آثار العيش فيها إلى نحو 10 آلاف سنة قبل الميلاد.
ولأن معظم الآثار الليبية واقعة في الطبيعة، فإن جميع المواقع الأثرية لم تغلق فعليا أمام الزوار منذ انزلاق البلاد نحو صراع دام على الحكم قبل أكثر من سنة ونصف السنة، في ما عدا المتاحف التي أقفلت نتيجة للإضطرابات الأمنية وخشية السطو على محتوياتها، ومن بينها متحف السرايا الحمراء في طرابلس. وتقتصر حراسة المواقع الأثرية حاليا على الموظفين المدنيين غير المسلحين والتابعين لمصلحة الآثار، بعدما كان يحميها في السابق جهاز للشرطة السياحية.
وفي وادي عويس في منطقة جبال أكاكوس، وقف عيسى الذي يعمل سائقا يقوم بنقل السياح الذين يقتصرون على السكان المحليين حاليا، قرب مجموعة من الغرافيتي التي طغت على رسوم تاريخية في أحد الكهوف. ويقول عيسى "في الماضي كنا نأتي بالسياح إلى هنا بالسيارات وعلى الأقدام وكذلك على ظهور الجمال، أما اليوم فلم نعد نستقطب السياح بعدما باتت تتعرض المنطقة هنا إلى أعمال التخريب".