شبكة إرم: لم تقتصر الأزمة السياسية في ليبيا خلال عام 2014 على وجود برلمانين وجيشين، لكن الأمور امتدت إلى مصرف ليبيا المركزي، الذي أصبح له محافظين أحدهما يتخذ من مدينة البيضاء القريبة من طبرق (مقر انعقاد البرلمان المعترف به دوليا) في شرق البلاد مقرا له، ومحافظ آخر يمارس عمله من مقر البنك في العاصمة الليبية طرابلس غرب البلاد. وقال الخبير الاقتصادي علي شنبيش، إن المتتبع للأوضاع الاقتصادية في ليبيا خلال عام 2014 يلاحظ بجلاء بأنهُ من أسوأ الأعوام التي مرت على ليبيا منذ ما يقرب من خمسين عاماً. وأضاف شنيبش أن سبب ذلك يرجع إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي، ووصول العجز في الموازنة العامة إلى 19 مليار دينار (14.6 مليار دولار) مع تراجع الإيرادات النفطية، وتوقف المشاريع التنموية، بعد اقتصار الإنفاق على المُرتبات والدعم السلعي.
وأعلن مصرف ليبيا المركزي في وقت سابق، أن أجمالي المصروفات من الموازنة العامة منذ بداية العام وحتى نهاية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بلغت 38.5 مليار دينار ليبي ( 29.6 مليار دولار)، فيما بلغت الإيرادات نحو 19.2 مليار دينار( 14.76 مليار دولار)، بعجز يبلغ 19.3 مليار دينار ليبي ( 14.84 مليار دولار)، لتكون بذلك إيراداتها نصف مصروفاتها تقريبا. وتوجه ليبيا ما يقرب من نصف موازنتها السنوية لصرف رواتب موظفي الحكومة وكذلك الدعم لعدد من المنتجات السلعية والتي من بينها الخبز والوقود وتقديم الخدمات العلاجية. وأقرت ليبيا موازنة 2014 منتصف العام الجاري، بإجمالي مصروفات قدرها 56 مليار دينار (43 مليار دولار) وعجز قدره 16 مليار دينار (12.3 مليار دولار). وقالت بيانات صادرة عن المركزي في مطلع الشهر الجاري إن ارتفاع النفقات مستمر منذ عام مضى، فقد أنفقت الحكومة الليبية في عام 2013 حوالي 70.3 مليار دينار (53 مليار دولار) في عام 2013 مقابل إيرادات بلغت 59.1 مليار دينار (44.5 مليار دولار)، ليبلغ عجز الموازنة الليبية 11.2 مليار دينار.
وقال الخبير الاقتصادي الليبي إنه من المتوقع أن يصل عجز ميزان المدفوعات خلال عام 2014 إلى مستوى قياسي مسجلا نحو 22 مليار دينار، مشيرا إلى أن هذا الرقم لم يسجل طوال تاريخ ليبيا ومنذ اكتشاف النفط بالبلاد في عام 1953، مؤكداً بأن التقديرات الأولية بأن مُعدل الانكماش في الاقتصاد الليبي خلال العام الجاري سيصل ما بين 25% إلى 30%. وتوقع البنك الدولي في أكتوبر / تشرين الأول الماضي أن ينكمش الناتج المحلي الحقيقي في ليبيا بنسبة 27.8% في 2014 مقابل انكماش بنسبة 10.9% في العام الماضي، وأن يحقق نموا بنسبة 54.3% في العام المقبل. وحقق ميزان المدفوعات عجزاً كلياً في ليبيا خلال عام 2013 بلغ نحو 8 مليارات دينار (6 مليار دولار)، مقابل فائض قدره 16.5 مليار دينار (12.7 مليار دولار) في عام 2012. وأشار شنيبش إلى أن العام المُقبل سيكون أكثر صعوبة على ليبيا في حالة استمرار الصراعات على آبار النفط، مما سيدفع الحكومة إلى اللجوء للسحب من احتياطيات النقد الأجنبي، هذا فضلا عن العجز المُرحل من العام الحالي مما سيرهق الموازنة العامة بشكل كبير، داعيا جميع الأطراف المتصارعة في ليبيا إلى الجلوس على طاولة الحوار، خاصة وأن الاقتصاد مربوط باستقرار الأوضاع السياسية في البلاد.
وتواجه ليبيا أزمة مالية حادة بسبب انخفاض أسعار النفط مع تراجع إنتاجها فضلا عن اتساع عجز الميزانية العامة للدولة، والتي في حالة استمرارها قد تؤدي لاستنزاف احتياطيات النقد الأجنبي، وخاصة مع عدم قدرة الحكومات الانتقالية على تحصيل الرسوم السيادية، كالضرائب، على الأنشطة الاقتصادية المختلفة والبضائع المستوردة. وحسب أحدث تقرير للبنك المركزي الليبي، وصلت احتياطيات البنك من النقد الأجنبي بنهاية الربع الأول من العام الجاري إلى 131.339 مليار دينار (101.03 مليار دولار)، وذلك مقارنة بمستواه نهاية عام 2013 البالغ 141.309 مليار دينار (108.6 مليار دولار)، ومستواه في عام 2012 البالغ نحو 148.821 مليار دينار (114.4 مليار دولار). وقال عميد كلية الاقتصاد بجامعة طرابلس أحمد أبولسين إن الأوضاع السياسية في البلاد تسير بليبيا نحو نفق مظلم، خاصة مع دلائل على تحول النزاع المُسلح إلى صراع على آبار النفط مؤكداً أن إيرادات ليبيا من النفط حتى نهاية نوفمبر / تشرين الثاني الماضي بلغت 19.2 مليار دينار، وهو رقم متدن مقارنة بالأعوام السابقة. ولدى ليبيا أكبر مخزون للنفط في أفريقيا، وتعتمد على إيراداته في تمويل أكثر من 95% من موازنة الدولة.
وأضاف أبو لسين في تصريحات لوكالة الأناضول أن العجز في الموازنة العامة غير مسبوق، مما قد يؤدي لموجة من ارتفاع الأسعار وبداية فجوة تضخمية. وتوقع البنك الدولي أن يرتفع معدل التضخم في ليبيا إلى 5% في 2014 مقابل 2.6% في العام الماضي، وأن يظل عند 5% في العام المقبل. وقال أبو لسين إنه يتوقع انكماش الاقتصاد الليبي بمعدل 30% نهاية العام الحالي، مشيرا إلى أن ليبيا قد تلجأ للاقتراض من صندوق الدولي خلال الربع الأول من العام القادم إذا استمرت الصراعات المسلحة في البلاد. وتوقع البنك الدولي أن ينكمش الناتج المحلي الحقيقي في ليبيا بنسبة 27.8% في 2014 مقابل انكماش بنسبة 10.9% في العام الماضي، وأن يحقق نموا بنسبة 54.3% في العام المقبل. وأشار أبو لسين إلى أن توسع ليبيا في الإنفاق المالي غرضه الاستهلاك فقط دون إنتاجية، في ظل تراجع إيرادات النفط وانخفاض أسعاره عالمياً يدفع البلاد إلي الإفلاس. وبلغت إيرادات ليبيا من النفط 33 مليار دولار في عام 2013 وفقا لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية.
وبلغ إنتاج ليبيا من النفط حوالي 350 ألف برميل يوميا في الأيام الماضية، وذلك مقارنة بـ1.6 مليون برميل يوميا قبل اندلاع ثورة 2011.وتراجعت أسعار النفط نحو 50% منذ يونيو / حزيران الماضي لتصل إلى أدنى مستوياتها في 5 سنوات ونصف خلال الأسبوع الجاري. وتعاني ليبيا صراعاً مسلحا دموياً في أكثر من مدينة، لاسيما طرابلس (غرب) وبنغازي (شرق)، بين كتائب مسلحة تتقاتل لبسط السيطرة، إلى جانب أزمة سياسية بين تيار محسوب على الليبراليين وآخر محسوب على الإسلام السياسي زادت حدته مؤخراً، ما أفرز جناحين للسلطة في البلاد لكل منه مؤسساته: الأول: البرلمان الجديد المنعقد في مدينة طبرق (شرق) وحكومة عبد الله الثني، ورئيس أركان الجيش عبد الرزاق الناظوري. أما الجناح الثاني للسلطة، والذي لا يعترف به المجتمع الدولي، فيضم المؤتمر الوطني العام (البرلمان السابق الذي استأنف عقد جلساته الشهر الماضي) ومعه رئيس الحكومة عمر الحاسي، ورئيس أركان الجيش جاد الله العبيدي (الذي أقاله مجلس النواب).