قال رئيس اللجنة الجزائرية - الأفريقية للسلم والمصالحة، الدكتور أحمد ميزاب، في حوار مع «بوابة الوسط»، إنَّ بلاده تستقبل في السر منذ بداية شهر أكتوبر شخصيات ليبية معنية بالحوار المنتظر، وكان ذلك داخل وخارج الوطن، فيما سعت إلى لقاء آخرين بوساطة دول «صديقة». وفي رد ميزاب على الحديث عن مساندة الجزائر لحكومة الإنقاذ في طرابلس، قال: «لا أحد يملك الشرعية في ليبيا»، كما وصف مَن يسعى للتدخل العسكري ويطالب به بمَن يحاول «الانتحار».
واللجنة الجزائرية - الأفريقية للسلم والمصالحة تشارك في القضايا الأمنية والاقتصادية والسياسية في القارة السمراء، وترافع للمقاربة الجزائرية في مختلف المسائل، وهي تعمل مع كثير مع الهيئات الأممية والإقليمية على غرار هيئة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي.
نص الحوار:
وصف أخيرًا وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة مسار الحوار بين الفرقاء في ليبيا بـ«المعقد والحساس»، وأنَّ الجزائر تلعب دور «المسهِّل» فقط، هل يعني أنَّها تخلت عن جمعهم على طاولة واحدة؟
لا ليس كذلك، و إنما هي في طور البحث عن ضبط الأمور للانطلاق في جمع الفرقاء الليبيين دون أنْ تشوب العملية أية عقبات، ونريد الاستماع إلى كل طرف انفراديًّا ثم نحدد تاريخًا لهم للتوصل إلى حل شامل وجذري، وحلول صلبة تخدم ليبيا ولا يؤدي بها إلى مسارات أخرى، والجزائر تعمل بشكل حكيم بما يصبو إليه الليبيون، وليس عن طريق فرض رؤية محددة، ويبقى التاريخ ليس إشكالاً إلى غاية معرفة جميع وجهات النظر من أجل تقريبها.
إذن بدأت السلطات الجزائرية في عقد لقاءات سرية مع شخصيات ليبية؟
اللقاءات انطلقت منذ أكثر من ثلاثة أشهر فمنذ أكتوبر تم استقبال شخصيات عدة هنا في الجزائر وبالخارج في دول أخرى، إذ لا يمكن أنْ نحدد الأطر العامة لحوار شامل دونما أنْ نلتقي بالمعنيين والفاعلين الرئيسيين، فقبل كل شيء يجب تحديد المعالم وعلى هذا الأساس أؤكد أنَّ اللقاءات فردية وننتظر تحديد تاريخ نهائي لجمعهم.
أَكَدَ علي الصلابي وعبد الحكيم بلحاج زيارتهما للجزائر بينما لفَّ الغموض أطرافًا ليبية أخرى ترفض لقاء هؤلاء.. هل هذا يعني أنهم لم يزوروا البلاد بعد؟
السلطات تحلَّت بالكتمان مثلما فعلت في المؤتمر المالي الجامع في الجزائر، حتى لا تفسد الأجواء ونترك ذلك للزمان وذلك لسلامة العملية السياسية لا لشيء آخر.
كيف ستتعامل السلطة الجزائرية لتليين المواقف المتصلبة خاصة بين إخوان ليبيا والمحسوبين على نظام القذافي؟
أعتقد أنَّه من ضمن المشاكل التي أزمت ليبيا قانون العزل السياسي، إذ لا يمكن بموجبه لم شمل الجميع للجلوس على طاولة واحدة، وأتساءل لماذا نتحدث عن حوار شامل إذا لم نجمع كل الأطراف، إذا كان ذلك علينا أنْ نسميه حوارًا جزئيَّا فعلى الجميع رغم الاختلافات الجذرية أنْ يلتقوا على وحدة وسلامة ليبيا، والتباحث حول إخراج ليبيا من حالة الإرهاصات إلى حالة ليبيا الدولة والمؤسسات.
ألا تعتقد أنَّ استنجاد الحكومة الجزائرية بدول أخرى للتوسُّط مع جماعات ليبية مسلحة وشخصيات أخرى يزيد من تعقيد الحوار؟
لا تنس أنَّ في ليبيا عوامل مستقلة ومتغيرة، هناك مَن يمكن التوجُّه إليه مباشرة وقبول المقاربة الجزائرية، لكن هناك مَن يرفض. وتقوم دولٌ صديقة للجزائر بوساطات مع دول ضاغطة لكسب موقف أطراف ليبية، واستغلال هذه الصداقات لصالح الجزائر وأعتقد أنَّ توحيد الصفوف هو أضمن لليبيين.
هل بوسعكم إطلاعنا على مسودة المبادرة الجزائرية؟
ترتكز على جمع الفرقاء أولاً، ثم إيجاد آلية لجمع السلاح الذي يُشكِّل خطرًا على الإخوة في ليبيا من جهة وعلى حدود دول الجوار من جهة أخرى، والتحضير للمرحلة الانتقالية التي ستؤسس لآلية بعث مؤسسات دولة وتفعيلها، كما جابت المسودة مقترح تحديد المسؤوليات والأولويات ومحاربة الإرهاب بمختلف أشكاله، والسعي نحو التكوين في شتى المجلات، أما بقية المطالب الأخرى فتتحدد مع ما يمكن أنْ تنتج عنه اللقاءات.
ألا تعتقد أنَّ تواصل المعارك الطاحنة في أنحاء من بنغازي ورفض ترك السلاح يؤجل كل الحلول السياسية؟
أؤكد لك أنَّ الجزائر لا تسعى إلى تفضيل فريق على آخر في ليبيا وتعامل الجميع بتساوٍ، نحن لا مع «زيد» أو مع «عمر»، ومطالب قمة نواكشوط قررت اتخاذ إجراءات حتى ضد حفتر إنْ ثبت تورطه في قضايا لا تخدم العملية السياسية، فقلت يجب جمع السلاح ووقف القتال، فلا يمكن جمع الأطراف المعنية وصوت القذائف والرصاص يدوي ودون ذلك فهذا غير معقول.
في قضية الدعم.. دعت الجزائر قبل أسبوعين وزير النفط والغاز الليبي في حكومة الإنقاذ بطرابلس ماشاء الله الزوي للمشاركة في قمة الطاقة والتقى وزير الطاقة يوسف يوسفي به ما فُهم أنَّه اعترافٌ عملي بحكومة الإنقاذ في طرابلس.. هل هذا صحيح؟
فلنكن صرحاء، من المفترض لا أحد في ليبيا يملك الشرعية لا «فجر ليبيا» ولا «برلمان طبرق» ولا «الإخوان» ولا غيرهم، ففي حالة الصراع لا أحد يملك الشرعية، فهذه الدعوة لا تعني دعم طرف على آخر، فلا يمكن دعوة شخصيتين في نفس الوقت فالجزائر كان عليها أنْ تساير الأمور، ونذكر فقط لما كان الثني في مصر قال لم تأتنا دعوة من الجزائر، وأضيف لك أنَّ ما يجعلنا في صدارة الوساطة لجمع الليبيين أننا نقف على مسافة واحدة من كل الأطراف فلو كنا متهمين لما فعلنا ذلك.
ألا يبدو لك أنَّ الجزائر الآن تقف عاجزة أمام دعوات التدخل العسكري في ليبيا من خمس دول من الساحل طالبت بذلك خلال قمة نواكشوط إلى جانب فرنسا وإيطاليا أيضًا؟
الجزائر لا تفضِّل مثل هذه الحلول، ونتائجها كانت كارثية بعد تدخل 2011 ولما تتدخل ضد مَن ومع مَن؟ مَن يريد التدخل اليوم يتجه نحو الانتحار، حينما يحدث ذلك لا تعلم من أي جهة تحمي ظهرك ربما الحديث عن تدخل في الجنوب الليبي يمكن، وأؤكد لك لوكان التدخل البري مجزيًّا تأكد جيدًا أنَّ دول الناتو لن تتوان عن التدخل.
لكن في الحالة المالية كان التدخل العسكري الفرنسي بمعية جيوش أفارقة ناجحًا نسبيًّا؟
الحسابات الموجودة في الميدان لا تسمح بالتدخل، ضف إلى ذلك أنَّه لو تم التدخل في ليبيا، فبداية من السودان وتشاد والنيجر والجزائر، حتى موريتانيا والمغرب وتونس ستنفجر أمنيًّا. التدخل العسكري دائمًا ما يترك مساحات لتحرك الجماعات الإرهابية وهنا نتوصل إلى أنَّ هناك مَن يسعى إلى تحويل ليبيا «صومال أفريقيا» وليكون له حجة في التواجد اقتصاديًّا وحماية مصالحه.
هل يمكن أن تتورط الجزائر خارج الحدود؟
هناك عمل دؤوب لدول ما وراء البحر لتوريط الجزائر منها فرنسا مثلاً لتبرير وجودها في ليبيا والجزائر متمسكة بالحل السياسي، ولعمامرة دافع عن عقيدة الجزائر في مبدأ عدم التورط. والاستراتيجية الأمنية للجيش الشعبي الوطني قد تصمد وتنجح في صد أي خطر عبر الحدود خاصة مع استمرار اليقظة واستباق الفعل وأنَّه يواجه جبهات عدة على الحدود، والمهم تحصين الجبهة الداخلية. فمنذ أكتوبر حققنا نتائج جيد بتوقيف 1500 شخص منهم أجانب وإفشال محاولات تجنيد عبر الحدود وحجز كميات من الأسلحة والمخدرات.