الوطن الليبية
د.علي محمد كريميد
21-01-2013م
"أبو لهب العصر
الحديث...... من صميم الحديث"
شد انتباهي في الفترة الماضية كثرة
الكتابات التي يهاجم فيها كاتبوها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة الدين الإسلامي الحنيف،
ويأتي الهجوم على الإسلام عادة في إطار دفاع عن موقف سياسي، أو في رد على مقال
اجتماعي أو مقال سياسي أو اقتصادي بحت ليس له علاقة بالدين من بعيد أو قريب.
وتزداد حدة هذا الهجوم على الإسلام إذا كان المقال له طابع ديني، فإذا كان المقال
طعنا مقصودا في الدين، نجد المصطفـِّين المؤيدين لكاتبه مستبشرين بما جاء فيه،
ويثنون على الكاتب أو الكاتبة بعبارات الإطراء والمديح؛ أما إذا كان المقال ردا
على ذلك النوع من المقالات فتجرد له الأقلام وتـنهال عليه التهم جزافا وتملأ
التعليقات سبا وشتما في الدين وفي الكاتب بدون هوادة.
وأعتبر أن مثل هذه الأمور متوقع حدوثها في
كل زمان ومكان، قديما وحديثا ومستقبلا، ولن تنته إلى يوم القيامة (ولن تجد لسنة
الله تبديلا). ويجب ألا ننسى أن محاربة الإسلام بدأت من أول ظهور الدعوة للإسلام
في مكة وقريش عامة وفي بني هاشم على وجه الخصوص وهو الفرع الذي ينتمي اليه الرسول الأعظم
محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه. ويتضح ذلك جليا في موقف عم النبي عبد
العزى الذي سأعود له لاحقا في هذا المقال.
وبزيادة الثواني والدقائق والساعات والأيام
ازدادت قوة الهجوم وشراسته على الإسلام والمبادئ التي جاء مبشرا بها، والسبب في
ذلك في اعتقادي واعتقاد الكثيرين، هو الدور الذي تعهد به إبليس الملعون والمطرود
من رحمة الله عندما طلب من الله سبحانه وتعالى أن يمهله إلى يوم يبعثون، ولحكمته
ومشيئته سبحانه وتعالى التي لا نحيط بها علما أعطاه هذا المراد، فأقسم إبليس وهو متيقن
بأنه قد هلك وطـُرِدَ من رحمة الله، ومن باب الحسد لهذا المخلوق المكرم عليه وعلى
سائر المخلوقات، وأنه هو سبب خذلانه وهلاكه وهلاك ذريته، لذلك قرر بأن شغله وديدنه
لن يكون إلا في هلاك بني آدم وتوريطهم وتوجيههم إلى طريق الغواية والجهل والكفر
بالله حتى يشاركوه مصيره المعلوم والمحتوم. والسياسة التي اتبعها إبليس مع بني آدم
وتعهد بها أمام الله هي (ولأغْوَيَنَّهُمْ أجْمَعِين إلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُم المُخْلـَصِين)
بفتح اللام(اسم مفعول) وليس بكسرها(اسم فاعل) بمعنى أن غواية إبليس ستطال جميع
البشر حتى المخلِصين منهم أما الذين أخلصهم الله وهم المخلـَصين فسوف لن يقع عليهم
أي سوء من إبليس واتضح ذلك في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من
خلفه في قصة سيدنا يوسف عليه السلام حينما قال عنه الله (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ
السُّوءَ والفَحْشَاءَ إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُخْلـَصِين) بفتح اللام ولا
ننسى أنه من المخلِصين أيضا، وأزداد حقد إبليس
وكرهه لبني آدم فزاد من تعهده (ولآمُرَنَّهُم فَليُبَتّكُنَّ آذَانَ الأنْعَامِ وَلَيُغَيُّرُنَّ
خُلْقَ اللهِ وُلا تَجِدُ أكْثَرَهُمْ شَاكِرين) ومن تلك اللحظة بدأ إعلان الحرب
التي شنها إبليس على بني آدم وأصبح هو العدو اللدود (بعضكم لبَعضٍ عدُوٌّ) وهبطا
منها جميعا كل ممتشقا سلاحه ومتأهبا للآخر أحدهما آدم مرئي للآخر، ومستباح له، وهذا
الآخر مخفي عن آدم ولديه بما خلقه الله عليه ووهبه إياه – لحكمة يعلمها سبحانه- من
قدرة التشكل وقدرته دخول جسمه، بحيث يجري فيه مجرى الدم، ويدخل لذاكرته وفكره فيضع
ما يشاء من برامج للتشويش على العقيدة، ويوسوس ما يشاء ليشغل العابدين والمسبحين
والمستغفرين ويزين للضالين أعمالهم فينسجموا فيها ولا يشعرون بالضيق ولا بالملل، ويفعل
ما يشاء (وما ذلك إلا بإذن الله) (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ
بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي
الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ
غُرُورًا) وفي أفعاله ووسوسته وهمزه ونفثه الشر والضرر بالمطلق وليس فيها أي خير بالمؤكد.
أما المجني عليه إبن آدم المخلوق من طين ومن تراب الأرض والذي نفخ الله فيه من
روحه فتركه الله في شقاء ومعاناة من أجل الأرض وعمارتها، وبذلك احتمل هذا المخلوق
أمانة لم تستطع السموات والأرض والجبال حملها (إنه كان ظلوما جهولا) وسخر الله له
كل الأرض وطوعها له وحباه عقلا مفكرا ومبدعا يفعل به ما يشاء ويعتقد به ما يشاء
خيرا أو شرا ضرا أو نفعا. وعندما اجتبى الله آدمَ وتاب عليه وهداه بعد معصيته
الكبرى بين له طريق الهداية وأمره بإتباعها وإن حاد عنها فمصيره طريق الغواية
المؤدي إلى هلاك النهاية (إما شاكرا و إما كفورا). ونظرا لشراسة العدو بعث الله
لبني آدم رسلا وأنبياء منهم ليذكروهم من فترة إلى أخرى طريق الهداية ويبعدوهم عن
طريق الغواية، وتوالت الرسل والأنبياء (
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلا
مِنْ قَبْلِكَ
مِنْهُمْ
مَنْ
قَصَصْنَا
عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ
مَنْ
لَمْ نَقْصُصْ
عَلَيْك
َ
وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ)
حتى اقترب الوعد الحق واقتربت الساعة (لا يُجَلِّيها لِوَقتها إلا هو) وتمكن بنو
آدم من الانتشار على كل القارات وحان موعد ختام الرسالة والنبوة، فكان محمد صلى
الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين رسول البشرية قاطبة ليس للعرب فقط بل لكل
العالمين وللثقلين الجن والإنس فقالت الجن (إنَّا سَمِعْنَا قُرْآنا عَجَبًا فَآمَنَّا
بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أحَدًا). وأصبحت آيات الله وذكر الله وتسبيحه
والاستعانة به والاستعاذة به من الشيطان الرجيم وأداء الصلاة في أوقاتها مع
المحافظة على الطهارة المادية والمعنوية هي وسائل المقاومة المتاحة أمام المسلم
للتغلب على عدوه اللدود (وَقُل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ
وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ).
فمن
اللحظة الأولى التي بعث اللهُ فيها محمدا صلى الله عليه وسلم بدأ العدو اللدود في
تجنيد وحشد كل الأدوات لمحاربة هذا الدين وهذه مهمة هذا العدو التي آل على نفسه
القيام بها حتى قيام الساعة، وبقيت مشيئة الله في حماية هذا الدين (الذي بدأ برجل
واحد) هي المسيطرة (وهي كذلك دائما) فشرح الله صدور رجال ونساء لهذا الدين الجديد،
رجال القليل منهم أغنياء وأقوياء وغالبيتهم من الفقراء والضعفاء والعبيد والإماء
عربا وعجما سودا وبيضا، فعُذِّبوا، واضطـُهدوا، وقتـُلوا (صبرا آل ياسر إن موعدكم
الجنة) وحُوصروا وجُوِّعوا في شعاب مكة وهربوا وهاجروا رجال ونساء بدينهم إلى الحبشة،
فيا لها من ومضات تنير لنا درب الحقيقة الذي أظلم في وجوه بعضنا اليوم. في مقابل
ذلك نجد أن العدو اللدود نجح في حشد الأنصار والأتباع من السادة والأغنياء والأقوياء
بالسلاح والعتاد في مواجهة هذه الفئة القليلة فسامتها سوء العذاب النفسي والجسدي.
وسأعرج
على مثال واحد فقط من تلك الفترة العصيبة وأهديه لكل من شكك في صدق القرآن أو في
العقيدة الإسلامية أو في الشريعة الإسلامية أو في رسول الإسلام باسم الحرية
والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة وكأن الإسلام ضد كل هذه المصطلحات بل هو
على نقيضها تماما وحاشى الإسلام الحنيف من هذه التهم. هذا المثال هو عم النبي عبد
العزى بن عبد المطلب الذي سماه والده أبا لهب ( انظر الإلهام الذي جاء لعبد المطلب
في اختيار هذا الاسم الذي سبق في علم الله ماذا سيكون مصير صاحب هذا الاسم، وفي
المقابل انظر إلى عبد المطلب نفسه الذي أطلق على حفيده إبن عبد الله اسم محمدا
ولما سئل عن السبب ألهمه الله قول أتمنى أن يحمد في السماء والأرض... سبحان الله
العظيم....... أليس الله مدبر الأمور؟!) وبذلك أصبح هذا اللفظ "أبو لهب" علما يختص به هذا الشخص
الذي حرم نور الهداية بفعل الغواية، فكان ومعه زوجه "حمالة الحطب" (أروى
بنت حرب بن أمية "أخت لأبي سفيان") من أكبر الرتب في جيش إبليس إلى جانب
أبو جهل وغيره من سادة وزعماء قريش. ومن حق القارئ أن يسأل ما هو الهدف من هذا
المثال؟ وما هو الدليل (في قصة أبي لهب) على أن القرآن صحيح ومنزل من الله سبحانه
وتعالى وليس من قول البشر؟ فأقول للإجابة على السؤال أن هذا الشخص هو عَمٌّ من
أعمام النبي صلى الله عليه وسلم ولكن الله شاءت قدرته أن يبين لرسوله ولنا (إنك لا
تهدي مَنْ أحْبَبْتَ ولكنَّ الله يهدي من يَّشَاء) فنجد أن أبا لهب ناصبه العداء من
أول يوم في بعثته صلى الله عليه وسلم، كما نجد أن عمه أبا طالب الذي تكفل برعايته
والاهتمام به بعد وفاة جده عبد المطلب لم يؤمن بدعوة الإسلام بالرغم من حمايته له
حتى بعد بعثته (حماية للعصبية وليس للعقيدة)، وعمه حمزة الذي تأخره إسلامه قليلا ولكنه
أبلى بلاء حسنا في الدفاع عن الإسلام (وليس عصبية لأبن أخيه وهذه إضاءة مهمة يجب
الانتباه اليها) قبل الهجرة وبعدها حتى حصل على شرف الشهادة في معركة أحد. هذه
نماذج ثلاثة من أعمامه تتدرج صعودا في الإيمان، فمن أشد الناس كفرا وهو في النار ذات
اللهب حتما، إلى من هو في ضحضاح من النار إذا مست جمرة قدمه غلي رأسه، إلى من هو
في الجنان والفردوس الأعلى مع النبيين والشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا، فلم
تفد العصبية أبا طالب ولم تنجه من العذاب ولم يستطع النبي هداية أقرب الناس إليه
وإنقاذهم من النار، فالهداية من الله، فاسألوه الهداية، اللهم اجعلنا جميعا من
الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، اللهم اجعلنا من الفائزين في الحياة الدنيا
وفي الآخرة. وهذا يبين لنا أن الله وليس غيره أحد هو الذي (يهدي مَن يَّشَاءُ وَيُضِلُّ
مَن يشاء) مع الأخذ في الاعتبار أن (الله ليسَ بظلام للعبيد) فهي مشيئة العالم
القادر العزيز الحكيم. لم تنته إجابة السؤال بعد فأعود وأقول لقد نزلت سورة المسد
( تَبَّتْ يَدَا أبي لَهِبٍ وتَبْ ما أغْنَى
عَنه مالُهُ وما كَسَبَ سَيَصْلى نارا ذات لهب وإمْرأتهُ حَمَّالةَ الحَطبِ في جيدِها
حَبْلٌ مِن مَّسَد) وكان نزولها في بدايات الدعوة إلى الإسلام وكان أبو لهب
وامرأته حيين يرزقان وبكامل الصحة والقوة (ولا أقول بكامل العقل بالمفهوم المتعارف
عليه)، والقرار الإلهي الواضح الذي لا لبس فيه ولا غموض واستعمل فيه حرف السين
الدال على المستقبل بأنه "سيصلى" ولا استئناف في القرار ولا رجعة عنه.
ونحن نعلم أن الإسلام يجُبُّ ما قبله، بمعنى أن كل الذنوب والخطايا والآثام التي
اقترفها الإنسان في كفره سوف تمحى بالكامل، بل تتحول إلى كم هائل من الحسنات بمجرد
دخول الإنسان الإسلام وهذا الدخول لا يحتاج إلا لقول كلمة واحدة: أشهد أن لا اله إلا
الله وأشهد أن محمدا رسول الله، أليس الأمر سهلا؟!! فهو لا يحتاج لدخول الإسلام إلا
هذه الكلمة ويقولها بلسانه فقط (ولا يحتاج لأي عمل) ويذهب يفعل ما يشاء من خير أو
شر. فبالله عليكم بالمنطق البشري وبالعقل البشري ماذا كان ينقص أبو لهب في إحراج
الرسول والمسلمين وهذا الدين الجديد إلا أن يأتي (وهو ممثلا كاذبا وليس صادقا) هو وإمرأته باكيا
نادما إلى الرسول ويعلن إسلامه أمام
الأشهاد من المسلمين والكفار، وعندها تصبح كلمة "سيصلى" ليس لها معنى،
لأنه (أبا لهب) قد دخل الإسلام، وبالتالي سوف لن يكون هذا القرار من الله، بل يكون
هذا النبي هو الذي جاء بهذا الكلام من عنده ولم يوحَ اليه من الله، وبذلك تبطل كل الدعوة
لهذا النبي؟ ولكن هيهات..هيهات!! فالقرار صادر من لدن حكيم خبير، وفي كتاب لا
يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من الله سبحانه وتعالى العزيز الحكيم،
وليس من عند البشر، ولا رجعة في القرار أبدا، وبذلك طمس الله (فعلا وقولا) على قلب
أبي لهب، وعلى عقله، وشل فكره وتفكيره وتفكير كل الكافرين في مكة بمن فيهم إمرأته
حمالة الحطب، فلم يستطع أي منهم استنباط هذه الفكرة من أجل القضاء على الإسلام الذي
ناصبوه العداء بسبب جهلهم وعنجهيتهم الزائفة، وهكذا صدق الله العظيم "سيصلى
نارا ذات لهب" وإنه لإعجاز ما بعده إعجاز!!! فبأي حديث بعده يؤمنون.
فكم من
أبي لهب وكم من إمرأة أبي لهب يعيشون الآن بيننا!!! طمس الله على قلوبهم، ويكتبون مُنْكَرًا
من القول وزورا، ويستهزئون بآيات الله وشريعته ويعترضون عليها، ويؤذون اللهَ
ورسوله والمؤمنين، ولكنهم لم ولن يضروا الله ولا الرسول ولا المؤمنين شيئا، بل
يضرون أنفسَهُمْ وما يشعرون. وفي هذا المقام لن نذكر أسماء بعينها ولا مقالات
بعينها فالذين هاجموا الشريعة وعارضوا تضمينها في نصوص الدستور من الذكور والإناث
معروفون، كتاباتهم لم تمح من الانترنت، ولن تمح من صحائف أعمالهم (إلا في حالة
واحدة فقط!! وقبل الغرغرة) وسيقولون يومها (يَا لَيْتَهَا كَانَت القَاضِيَة) وندعو
لهم الله أنهم لم يصلوا بعد إلى مرحلة الطمس على القلوب، فيعودوا إلى الطريق
المستقيم، أما إذا طمس الله على قلوبهم (أم على قلوب أقفالها) فعندها لا هروب ولا
ملجأ ولا نجاة، فعندئذ يكون الشيطان قد استحوذ عليهم وأعمى أبصارهم وأصم آذانهم (وهذا
ما لا نتمناه لهم – والله شهيد على ما نقول- لأنهم أخوة لنا نحب لهم ما نحب
لأنفسنا)، وصاروا من حزب الشيطان الذين وصفهم الله بأنهم هم الخاسرون، وابتعدوا عن
حزب الله الذين وصفهم الله بأنهم هم الفائزون. وهؤلاء وأولئك موكولون لأعمالهم
وسلوكهم وتصرفاتهم وتفكيرهم وكتاباتهم وتعليقاتهم في الحياة الدنيا التي لا تساوي
جناح بعوضة. وكل من على الأرض من البشر من آدم عليه السلام إلى من تقوم عليه
الساعة لن يكون إلا في أحد هذين الحزبين : حزب الله فيكرمهم الله بالجنة، أو حزب
الشيطان الذي مآله إلى النار وبئس المصير. واقتضت حكمة الله أن يكون عدد المؤمنين
أقل بكثير من عدد الكافرين قال تعالى (وقـَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُور) وقال (
وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ إلا
الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
وَقَلِيلٌ مَا هُمْ
) وقد
تعهد إبليس لعنه الله بأنه (....
ثـُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِن بَيْنِ
أيْدِيهِمْ وَمِن خَلْفِهِمْ وَِعَنْ أيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ
َ
وَلا تَجِدُ أكْثَرَهُمْ
شَاكِرِين
) كما توعد الله
سبحانه وتعالى المجرمين وأولهم إبليس الملعون (
وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ
لأَمْلأَنَّ
جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ
أَجْمَعِينَ
) وقال تعالى (
وَلَوْ
شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِنِّي
لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ
)
وقال تعالى مخاطبا إبليس (
قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ ، لأمْلأنَّ
جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ
).
لا تغرنكم المقالات ولا التعليقات ولا
تنجروا وراءها بحجة حرية الرأي، فهي قد تكون من المستشرقين الملحدين أو المسيحيين
أو اليهود الحاقدين، ونشكُّ أنها تكون من أخوة لنا في العقيدة يدينون بدين الإسلام
ويؤمنون بالله وبرسوله وبكتبه وبأنبيائه ورسله وباليوم الآخر وبالقضاء والقدر.
فهؤلاء المستخفون وراء خيوط العنكبوت وينفثون سمومهم هم من شياطين الإنس الذين تآمروا
مع شياطين الجن على محاربة هذا الدين المهيمن على كل الأديان، علموا بذلك أم
جهلوه، فكل من يكتب ولو حرفا واحدا ضد الإسلام وشريعته الغراء ورسوله الكريم فإنه
ينتمي إلى هذه الفئة من الشياطين، فليحذر الذين يخالفون عن أمره (
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ
وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ
شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ
).
وللتوضيح فقط
كلمة الحزب في هذا المقال لا تعني الأحزاب المتصارعة اليوم فهي يصدق
عليها قول الله سبحانه وتعالى (...
مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا،
كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ
) فهي لم
تـُعْنَ بأي كلمة في هذا المقال، وهي في مجموعها تسعى للوصول إلى السلطة بأي ثمن
وبأي وسيلة، والعاقل من صم أذنيه عن دعواتهم غير الصالحة، وعمل صالحا لدينه ولوطنه
ولأهله ولنفسه. كما أن لفظ حزب الله لا يعني بأي حال من الأحوال ذلك الحزب السياسي
الذي لا يعنينا من قريب أو من بعيد فهو له أهله وله عقائده، وهو بعيد عنا، ولست مستعدا
في هذا الموقف أن أقول عنه أي شيء، لأنه لكل مقام مقال.
وعن نفسي كاتب هذا
المقال العبد الفقير لله الغني عمن سواه، وحتى أوفر على من سيتهمني في انتمائي إلى
حزب معين أو إلى تيار معين، فأقول له مقدما إنني لست من المنتمين لأي حزب ديني ولا
سياسي، ولا لأي تيار من التيارات الفكرية، كما أنني لست ضد أي تيار فكري أو حزبي،
اللهم إلا إذا كان توجهه متعارضا مع عقيدتي الإسلامية أو مع هويتي العربية أو مع
بصمتي الوطنية الليبية فعندئذ فقط سأكون ضده بكل ما أوتيت من قوة. وأؤكد هنا أن تخصصي
ليس دراسات إسلامية وليس اللغة العربية ولكني أعشقها وأهواها مثل الهواء والماء
ومثل أمي، فهي الملاذ الآمن وهي الستر الواقي وهي بالنسبة لي كما قال الشاعر
أبوالقاسم الشابي مع اختلاف الوجهة والقصد فأقول لعربيتي التي يراد لها أن تكون "ضرة"
في الورى، فلعمري يا وعاء ديني لن تكوني إلا شمسا إذا طلعتِ لن يبدو غيرك للضياء:
أنت قدسي ومعبدي وصباحي .....
وربيعي ونشوتي وخلودي
يا ابنة النور إنني أنا وحدي .....
من رأى فيك روعك المعبود
وسأكون ممتنا جدا
لكل من نبهني لخطأ لغوي أو نحوي أو في كتابة آية وإن كنت مصيبا في هذا المقال
فالفضل لصاحب الفضل الله سبحانه وتعالى وإن كنت مخطئا فمن نفسي ومن الشيطان ولا
حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وإنني أعد القارئ الكريم ببعض المقالات
القادمة في مجال تخصصي وأدعو الله أن يوفقني لذلك فهو ولي ذلك والقادر عليه.
وختاما أحمد لله إنني
من المسلمين وأتمنى من الله أن أكون دائما من الغيورين على هذا الدين الإسلامي
الحنيف الذي أصبح هدفا للقدح والقذف من كل جَحُود أراد ظهورا وذكرًا باسم حقوق الإنسان،
أو حقوق المرأة أو الحرية أو التطور العلمي، حتى أصبح هذا الدين وكأنه ضد هذه
الحقوق جملة وتفصيلا، وكأنه لم يكن يوما نبعا صافيا لكل هذه الحقوق بمعناها الإنساني
الرفيع وليس بمعناها الشيطاني الوضيع.
وليسمح لي القارئ
الكريم أن أستغل هذه الفرصة لأؤكد على ما قلته في مقالات سابقة: كفانا من التناحر
والتجاذب والتنافر والتخوين والتحقير والازدراء، فهذه ثقافة بالية بائدة لم يعد
لها مكان بعد انبلاج عصر الديمقراطية وانتهاء غسل وعصر وتجفيف وكي الجماهير،
فلماذا القلق ولماذا الخوف من تيار أو فكر أيًّا كان هذا التيار وهذا الفكر، لأن
الشعب هو الفيصل الذي يفصل بين المختلفين، وأداة الفصل هي عبر صناديق الاقتراع في
انتخابات حرة نزيهة، ومن يستطيع إقناع الشعب فالشعب سوف يحكم له، والباقون عليهم الانتظار إلى جولة أخرى وعليهم المراقبة
وليس المحاربة حتى تأتي الفرصة القادمة، والبقاء للأفضل والأحسن والأجود، فلا
تهديد ولا وعيد ولكن العمل السديد هو المفيد.
وفي الختام أود مناشدة
ومخاطبة أحد أقلام المعلقين بعينه، وذلك لما أحسست نحو هذا القلم من قـُرْب ومن
مودة بالرغم من أنه أحد الأقلام المسخرة في هجوم التعليقات خاصة على موضوع الشريعة الإسلامية في
الدستور الذي احتدم عليه النقاش في الفترة الماضية. لا أدري حقيقة ما هو سر مودتي
لهذا القلم بالذات الذي يكتب باسم مستعار، ربما يرجع ذلك إلى صدق سريرة صاحبه، فهو
في اعتقادي (وأرجو أن أكون مصيبا) ليس خبيثا، ولكنه صريحا محبا لوطنه (ولا أقول
لدينه لأنه يعارض الشريعة في التشريع) يكتب بصدق، متمكنا من الكتابة، ليس بفاحش
ولا طعان، يقول رأيه بكل احترام وتقدير، لا لحن له في كتاباته، أتمنى وبصدق أن
يتحول هذا القلم إلى سيف كسيف الله المسلول خالد بن الوليد، ويتحول مدافعا عن الإسلام
وشريعته، وبكل ما أوتي من قوة ليعوض ما فاته ومتحليا بكل هذه الصفات التي ذكرتها
آنفا، وبذلك يُكْتَبُ إنشاء الله في سجل الصالحين المجاهدين ويمحو الله عنه
السيئات (وتلك هي المغفرة) ويبدلها إلى حسنات (وذلك هو العفو). فأنا في هذا المقام
أدعو السيد الذي يكتب باسم "غازي الليبرالي" وأقول له استحلفك بالله أن
تطوع قلمك ليكون فارسا مقداما ومغوارا في سبيل الله والإسلام والوطن والخير
والسلام والوئام والحرية والمصالحة والديمقراطية، وسوف لن تندم إنشاء الله، وستكون
من الفائزين في الحياة الدنيا وفي الآخرة التي هي أقرب الينا من الهواء الذي
نتنفسه ونستنشقه. وبهذه المناسبة أذكِّر الجميع بأني اتبَعْتُ في هذه الدعوة لهذا
القلم سنة من سنن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم (ولنا فيه القدوة الحسنة) فكما
جاء في كتب السيرة أنه في بداية الدعوة تمنى رسول الله صلى الله عليه وسلم نصر الإسلام
بأحد العُمَرَيْن: عمر بن الخطاب رضي الله عنه أو عمرو بن هشام (أبو جهل) لعنه
الله، وقد كانا مشركين عنيدين، فاستجاب الله دعوة رسوله في إسلام عمر بن الخطاب الذي
كان فاتحة خير على الإسلام والمسلمين. فأنظر إلى مآثر عمر وما حققه للإسلام من عزة
ومن انتصارات ومن فتوحات ومن رفعة وقوة.
أيها الـ (غازي) لا
تكن أبا جهل وكن فاروقا لعل الله يفرق بينك وبين الضلال، ولعل الله يجعل من قلمك
شعلة خير تنير درب التائهين، فالحياة وقفة عز، والحياة الدائمة الباقية هي بعد
البعث والقيام، إما فوز وجنة وإما خسارة ولهب.
اللهم أغفر لنا
ذنوبنا فهي كثيرة، اللهم اشملنا برحمتك فهي أملنا ورجاؤنا لأنها وسعت كل شيء،
اللهم أجعلنا من الفائزين برضاك، ولا تجعلنا في زمرة حزب الشيطان الخاسرين يا رب
العالمين ويا أرحم الراحمين، وصلى الله على محمد المبعوث رحمة للعالمين.
