ليبيا المستقبل
عربي21: قال محمد صوان، رئيس حزب العدالة والبناء الليبي، إنه لا سبيل لحل الأزمة في ليبيا إلا بالحوار، وأن هناك حلاً يلوح بالأفق لحسم مشكلة انقسام البرلمان، ثم بعد ذلك يتم النظر في باقى الملفات الآخرى التي ستكون أسهل في التعامل معها، معرباً عن تفاؤله الكبير بأن الجهود التي يتم بذلها سوف تثمر وتقرب من وجهات النظر. وكشف صوان – في حوار خاص لـ"عربي21"- أنهم متواصلون مع الأطراف المشاركة في حوار "غدامس" بشكل غير مباشر، وأنهم يتابعون تفاصيله، مؤكداً أن لديهم معلومات تشير إلى أنه سيشمل أطرافا كثيرة، من السياسيين ومن الثوار. وأشار "صوان" إلى أنهم سيلتزمون بنتائج الحوار، إذا ما كانوا طرفاً فيه ووافقوا على ما يمكن التوافق عليه، مستدركاً:" لكن دون ذلك فلسنا مسؤولين عما يجرى في حوار غدامس أو غيره". مضيفاً بأنهم طالبوا بإرجاء الحوار لحين نظر القضاء في القضايا الخلافية المنظورة أمامه، وهذا "نابع من احترامنا للقضاء ودعوتهم لدولة المؤسسات والقانون". وأضاف "صوان" أن الجزائر – التي ترعي حواراً لحل الأزمة الليبية- لم توجه دعوة لأي طرف من الأطراف حتى الآن- حسب المعلومات التي وصلت لهم– وأنهم يرحبون بدعوتها للحوار، لافتا إلى أنهم نصحوا الجزائر بتجنب دعوة أركان نظام "القذافى" والاقتصار على شركاء ثورة 17 فبراير، لكى يكون الحوار ناحجاً ومجدياً. ورفض تشكيك البعض في المبادرة الجزائرية، مضيفاً بأن الجزائر بادرت ودعت إلى هذا الحوار من منطلق حرصها على استقرار الأوضاع في ليبيا، فهى دولة جارة وأمنها مرتبط بأمن ليبيا، وتربطنا بالجزائر علاقات صداقة وامتداد حضارى وتاريخى، وبالتالى فمبادرتها تنطلق من حسن النوايا. وفيما يلي نص الحوار:
*هناك من يرى أن خسارة الإخوان والإسلاميين في الانتخابات هو سبب تأجيج القتال في ليبيا لرفضهم تلك النتائج.. ما ردكم؟
هذه المقولة خاطئة من الأساس، لأن الإخوان المسلمين لم يدخلوا المعترك السياسي ولم يشاركوا في العملية السياسية، وحزب العدالة والبناء أيضاً لم يدخل العملية السياسية، لأن الانتخابات البرلمانية الأخيرة أجريت على أساس فردي، وحقيقية الأمر أن تيار "تحالف القوى الوطنية" سعى لإسقاط المؤتمر الوطنى العام عندما رأى أنه ليس له الأغلبية الكافية لتمرير القرارات الراغب في تمريرها. وأغلب إفرازات الانتخابات هى إفرازات مستقلين وبعض منها إفرازات قبلية وجهوية ولا علاقة لها بالأحزاب، لكن هناك بعض الأعضاء الذين ينتمون لأحزاب وترشحوا على أساس فردي، وعلى سبيل المثال، وحسب معلوماتنا فإن تحالف القوى الوطنية ليس له إلا في حدود 18 عضواً على الأكثر.
*في ظل الانقسام الواضح؛ مجلسين للنواب وحكومتين.. من الذي يحكم ليبيا إلىوم؟
لا شك أن هناك أزمة سياسية تمر بها البلاد، والكل يعترف بأن الانتخابات أجريت بطريقة شرعية، ولكن الاختلاف حول مشروعية عقد الجلسات وهذه القضية منظورة أمام القضاء الليبى – والذى ربما يقول كلمته خلال الأسابيع القادمة- لكن بالنسبة للمؤتمر الوطني فهو لا يتمسك بالسلطة، ولكنه في ظل مطالب الشارع والثوار يعتبر هو الآن الجسم الشرعي إلى أن يتم تصحيح المسار وتسليم السلطة بطريقة سليمة وصحيحة للبرلمان.
*كيف تنظرون لحوار "غدامس".. ولمإذا طالبتم بإرجاء القضايا المعروضة على القضاء إلى ما بعد صدور الحكم من الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا؟
نحن مبدئياً ندعم أي حوار، ونعتقد أن الحل دائما هو حل سياسي، ودعونا مراراً وتكراراً إلى ترميم العملية السياسية، ودعونا البرلمان إلى تصحيح مساره، لكن هناك شروط ومعطيات أساسية لابد أن تتحقق لكى يكون الحوار ناجحاً، ونحن نتمنى النجاح لهذا الحوار، وهو الآن في البدايات بين أعضاء برلمان طبرق والمقاطعين له. ونحن في حزب "العدالة والبناء" عرضنا على مبعوث الأمم المتحدة في ليبيا أن الحوار لا بد أن يشمل المؤتمر الوطني كطرف أساسي، لكن لاحظنا أن هناك إقصاء مقصودا للمؤتمر الوطني، ونحن نتخوف من هذا الإقصاء، لأن المؤتمر الوطني العام ما زال هو السلطة الشرعية، وأن ثوار فجر ليبيا والمظاهرات الحاشدة تعتبر المؤتمر الوطني هو الجسم الذي لا يزال يمثل الشرعية.ومن جهة أخرى، فإن التعامل مع المؤتمر الوطني هو أيسر وأفضل لإنجاح الحوار، لأنه محل قبول واعتراف عند الثوار ولدى كثير من فئات المجتمع الليبي، وبالتالي نستغرب عدم اهتمام الأمم المتحدة بدعوة المؤتمر الوطني لجلسة الحوار الأولى. وإذا ما كانت هناك ضرورة ملحة لانطلاق الحوار قبل بت جلسات المحكمة في القضايا الخلافية، فيمكن بدء الحوار بخصوص قضايا أخرى ربما المصالحة الوطنية، والعدالة الانتقالىة، وتكوين جيش وشرطة وغيرها، ويترك موضوع مشروعية البرلمان للقضاء، فنحن طالبنا بإرجاء الحوار إلى حين قيام المحكمة بالبت في هذه القضايا الخلافية، وهذا نابع من احترامنا للقضاء ودعوتنا لدولة المؤسسات والقانون، وهذا متناغم مع ما نؤمن به من دور القضاء الذي يحسم قضايا كثيرة هي محل خلاف الآن.
*كيف ترون وصف مجلس شورى بني غازي للحوار بين النواب بأنه خيانة للدين ولدماء الشهداء.. وهل الحل العسكري أصبح هو الأفضل؟
لكل جسم أو كيان سياسي رأى من حقه أن يعبر عنه، فكثير من الناس ترفض الحوار، ولكن نحن في حزب العدالة والبناء نعتبر أن الحوار هو الأساس لحل كل المشاكل، فنحن جسم سياسي ولا شأن لنا بالجوانب العسكرية، وبالتالى فآلياتنا الوحيدة هى العمل السياسي والحوار والجلوس على مائدة المفاوضات.
*قلتم إن ثلثي الشعب رافضين لبرلمان طبرق.. فما هو حجم الرافضين للحوار الآن في ظل مشاركة بعض نواب الممانعة؟
الرافضون للحوار الآن يزداد عددهم كل يوم، بسبب تعنت المجتمعين في طبرق وقراراتهم الاستفزازية، خاصة قرار طلب التدخل الأجنبى وقرارهم باعتبار ثوار فجر ليبيا ومن يؤيدهم بأنهم إرهابيون، والخطاب المخزي للسيد عقيلة صالح رئيس مجلس نواب طبرق في الأمم المتحدة، وزيارة برلمان طبرق إلى دولة الإمارات بعدما قامت بقصف العاصمة وترتب على ذلك وفاة العشرات ومئات الجرحى. ففى بداية الأمر كانت الجماهير تطالب بتصحيح المسار ولم يطالب أحد برفض الحوار، ونحن نصحنا منذ البداية أنه يجب على البرلمان أن يسارع بتصحيح مساره، لأنه كلما تأخر في تصحيح مساره سوف تزداد عزلته الاجتماعية والسياسية، وهذا ما أدى الآن إلى ازدياد حجم الرافضين للحوار، وأصبح هناك عدم قبول للبرلمان من أساسه.
*برأيك.. لماذا لم تتم دعوتكم للحوار في الجزائر.. وماذا لو تم توجيه دعوة لكم ؟
فى الحقيقة تم نقل الخبر بطريقة خاطئة، ونحن تواصلنا مع الأشقاء بالجزائر وهم لم يوجهوا دعوة لأي طرف من الأطراف حتى الآن، وعندما سئلنا قلنا نحن لم ندع لحوار الجزائر، ونصحنا أشقاءنا في الجزائر -عندما تسربت إلينا معلومات تفيد باعتزامهم دعوة بعض أركان نظام القذافي مثل قذاف الدم ومصطفى الزايدي وطيب الصافي- أنه لكى يكون الحوار ناحجاً ومجدياً ينبغي تجنب دعوة مثل هذه الشخصيات الآن.
*وكيف تنظرون لمؤتمر الحوار الليبي الشامل بالجزائر الذي يحظي بدعم الاتحاد الأوروبي وأمريكا؟
نحن رحبنا ومازلنا نرحب بدعوة دول الجوار الشقيقة وخاصة الجزائر التي كان موقفها إيجابيا في رفضها للتدخل الأجنبى في ليبيا، وبالتالي إذا ما توفرت المعطيات والأسباب الصحيحة وتمت دعوة الأطراف المشاركة في العملية السياسية الليبية فلا شك أن الحوار سيكون ناجحاً ونحن نؤيد هذا.
*ما هو تقييمك للمبادرة الجزائرية للحوار بين أطراف الأزمة؟.. وهل تأتي في إطار سياسة "فرق تسد"- كما وصفتها "فجر ليبيا"؟
في تقديرنا أن الجزائر بادرت ودعت إلى هذا الحوار من منطلق حرصها على استقرار الأوضاع في ليبيا، فهى دولة جارة وأمنها مرتبط بأمن ليبيا، وتربطنا بالجزائر علاقات صداقة وامتداد حضاري وتاريخي، وبالتالي لا نشكك في نوايا دعوة الجزائر للحوار، ونظن أنها تنطلق من حسن النوايا والحرص على تحقيق الاستقرار والأمن في ليبيا.
*هل أنتم على تواصل مع الأطراف المشاركة بحوار غدامس أو الجزائر حالياً.. وهل موقفكم من هذه الحوارات نهائي أم أنه قد يتغير خلال الأيام القادمة؟
نحن متواصلون مع الأطراف المشاركة في حوار غدامس بطريقة غير مباشرة، ونعلم منطلقاته ونتابع تفاصيله، وقد أنطلق وضم هذه الأطراف كبداية، وحسب ما لدينا من معلومات فإنه سيشمل أطرافا كثيرة جداً منها أطراف سياسية وأطراف من الثوار في المواقع الميدانية.
*وهل موقفكم من هذه الحوارات نهائي أم أنه قد يتغير خلال الأيام القادمة؟
لا شك أننا كحزب لدينا ثوابت، لكن هناك متغيرات ونحن ندور مع مصلحة الوطن أينما دارت، فإذا ما كانت مصلحة الوطن في أى اتجاه دون تعارض مع ثوابتنا فليس لدينا مانع من أن نتماشى ونتعاطى معها بشكل إيجابي.
*هل ستلتزمون بنتائج حوار "غدامس" أو الجزائر خاصة في ظل دعم المجتمع الدولي لهما؟
إذا كنا طرفا ووافقنا على ما يمكن أن يتم التوافق عليه، فنحن سنلتزم ولا شك، لكن دون ذلك فلسنا مسؤولين عما يجرى في حوار غدامس أو غيره.
*ما هي توقعاتك الشخصية لما ستؤول إلىه نتائج هذه الحوارات وتداعياتها؟
أتصور أنه لا سبيل إلا الحوار، وبالتالى نحن متفائلون جداً بأن هذه الجهود سوف تثمر وسوف تقرب من وجهات النظر، ونتصور أن هناك حلاً يلوح بالأفق ربما بداية هذا الحل هو حسم المشكلة التشريعية وحل مشكلة انقسام البرلمان، ثم بعد ذلك يمكن النظر في باقي الملفات الأخرى التى ستكون أسهل إن شاء الله.
*قلت سابقا إنه كان من الممكن أن يكون لكم دور واسع في حل الأزمة ولكن قبل اندلاع المواجهات المسلحة، أما الآن فإن هناك أطرافاً أخرى يجب الاستماع إلىها".. ماذا تقصد تحديداً؟
أقصد الأطراف التى تحمل السلاح على الأرض، أما قبل اندلاع العمل المسلح كان الأمر ممكنا أن يحسم داخل المؤتمر الوطني بالتصويت، فلدينا كتلة وتحالف القوى الوطنية لديه كتلة، وهناك كتل للمستقلين، وكان بالإمكان أن نتفق على خارطة طريق ونصوت عليها ونُخرج البلاد من أزمتها، وكنا قاب قوسين أو أدنى من أن نتفق. لكن للأسف تعنت الطرف الآخر وإصراره على تجميد العمل بقانون العزل السياسى أجهض كل ما تم الاتفاق عليه، فنحن اتفقنا على كل الخطوات وصوّت المؤتمر الوطني العام على خارطة طريق بحيث يستمر المؤتمر الوطني العام حتى نهاية عام 2014، ويكون في انتظار الانتهاء من مسودة الدستور بحيث يتم التصويت عليها، وتسحب الثقة من حكومة علي زيدان واستبدالها بحكومة أخرى. وكان من بين الأشياء المطروحة والتي تم الاتفاق عليه إعادة النظر في قانون العزل السياسى، وقلنا إننا ليست لدينا مشكلة في ذلك بشرط أن يجرى حوله حوار معمق بين مؤسسات المجتمع المدني وبين الجهات الداعمة والمطالبة بهذا القانون، وفعلا بدأت الحوارات تجري وكان هناك استعداد لإعادة النظر في تعديل قانون العزل السياسي، لكن فوجئنا قبل الجلسة بيوم أو يومين باشتراط تحالف القوى الوطنية أن يكون التصويت على كل ما تم الاتفاق عليه حزمة واحدة بما فيه تجميد العمل بقانون العزل السياسي، وهنا فشل الاتفاق لصعوبة تمرير هذا الشرط على كل الأطراف.
*هل تري أن الغضب الشعبي ضد البرلمان قد يتصاعد مستقبلا ؟
البداية كانت بتصحيح مسار البرلمان، لكن حتى الآن هناك مظاهرات تخرج للأسبوع العاشر بعشرات الآلاف في أكبر المدن الليبية، ولم يشهدها الشارع الليبي إلا في تأييد ثورة 17 فبراير، وهي الآن كلها تنادي بإسقاط برلمان طبرق، وذلك بعد القرارات التى اتخذها والخطوات السلبية للغاية التي سار فيها. وقد قاطع البرلمان في البداية ثلاثون عضواً ثم ازداد عدد المقاطعين ليصل الآن إلى حوالي ثمانين عضواً، وهو يعقد جلساته في وسط أجواء من الغموض والتعتيم الكامل إعلامياً، وأصبح شبه معزول اجتماعياً وسياسياً.
*وكيف تنظرون للتظاهر رفضاً للحوار الأممي.. وما هو موقفكم منه؟
التظاهر حق مشروع، ومن حق المتظاهرين رفع أي شعارات، فهناك مخاوف مشروعة لدي الطرف الذي يرفض الحوار وهناك تجارب سلبية للحوارإذا لم يقم على شروط موضوعية ولا يراعي المبادئ الأساسية التي قامت من أجلها الثورة.
*وهل يمكننا القول بأن فرص الحوار تضاءلت والأزمة أصبحت أكثر تعقيداً؟
لاشك أن تأخر البرلمان في تصحيح مساره وإصراره على إصدار قرارات مستفزة كل ذلك يفاقم الأزمة خاصة ما نراه الآن من استمرار قصف الطيران على مدينتي بني غازي ودرنة، ودعم برلمان طبرق العلني لـ "حفتر"، وما يقال عن وصول شحنات أسلحة، كل هذا يعقد الأزمة بدون شك.
*أين هو موقع "العدالة والبناء" من الأحداث في ليبيا وما هي الانجازات التي حققها كحزب سياسي ينافس على السلطة؟
"العدالة والبناء" كان على رأس العملية السياسية طوال الفترة الماضية، وكنا مع التيار الوطني داخل المؤتمر نواجه محاولات إفشال العملية السياسية، وربما لم يشعر بها الكثير من الليبيين واستخدمت فيها الاستقالات الجماعية ومقاطعة الجلسات واقتحامات البرلمان والتهديد بالسلاح، كل هذه العمليات كان يتصدى لها "العدالة والبناء" وغيره من القوى والتيارات الوطنية. وكنا دائما حريصين على نجاح العملية السياسية واستمرار المسار الديمقراطي، وقدمنا العديد من التنازلات لشركاء الوطن من بينها الدخول في انتخابات مبكرة والاستعداد لإعادة النظر في أي قانون قد يثير الجدل، لكن للأسف كان الطرف الآخر (تحالف القوى الوطنية) حريصاً على استنساخ ما جرى في مصر من تغيير جذري يكون نتيجته إقصاء الطرف الآخر، لأنه كان يسعى للسيطرة على كل شيء.
*ما هي الخطوات التي يعتزم "العدالة والبناء" اتخاذها لمحاولة حل الأزمة؟
نحن نعمل على كل المستويات لرأب الصدع والتواصل مع كل الأطراف، وسيأتي الوقت المناسب الذي سيعلن فيه "العدالة والبناء" عن دوره المعلن والغير معلن، الظاهر والخفي، في رأب الصدع وفي تفكيك الكثير من الأزمات، هذا الدور الوطني الهام سيكون فخرا لحزبنا ولكل من ينتسب للعدالة والبناء، ونؤكد بأننا ملتزمون بالمسار الديمقراطي والعملية السياسية وحريصون على وحدة الوطن وقبول الرأي الآخر وإقامة دولة المؤسسات والقانون.
*ما هو موقفكم من حكومة الانقاذ برئاسة عمر الحاسي وتقييمكم لحكومة عبد الله الثني؟
حكومة "الثني" جاءت في ظروف – للأسف- مرتبكة، وكان من الأفضل للمجتعمين في طبرق عدم اتخاذ مثل هذه الخطوة، لأنها تزيد من تعقيد الأزمة، خاصة أن هذه الحكومة محصورة في أقصى الشرق في مدينة أو مدينتين فقط، وبالتالي ليس لها أي مقوم من مقومات النجاح. وبالنسبة لحكومة عمر الحاسي، فهي انبثقت عن المؤتمر الوطني الذي لايزال يرى أنه جسم شرعي، وهي حكومة إنقاذ، ونتوقع أنه إذا ما تم رأب الصدع ولم شمل هذا الجسم التشريعي (البرلمان) فله أن يقرر بعد ذلك بحيث يعيد النظر في حكومة "الحاسي" والثني" أو يختار شخصية أخرى لإدارة الأزمة أو يقوم بعمل توافق آخر، لكن الآن الأقرب للاستجابة لمتطلبات المرحلة هي الحكومة التي انبثقت عن المؤتمر الوطني (الحاسي)، والتي تمثل المساحة والعدد الأكبر في ليبيا.
*ما هو مصير عملية الكرامة وخليفة حفتر تحديداً؟
عملية الكرامة كان يعول عليها الطرف الآخر (تحالف القوى الوطنية) في حسم الأمور عسكرياً، لكنها فشلت، والآن ربما يجري إعادة إنتاج عملية الكرامة بتبني رئاسة الأركان المكلفة من برلمان طبرق لهذه العملية، وبمحاولة إلباسها ثوب الجيش الوطني، وللأسف "حفتر" ساهم في تمزيق النسيج الاجتماعي بشكل كبير جداً، وسيحمله التاريخ مسؤولية هذه الكوارث التي تسبب فيها. ولذلك لا أرى أي مستقبل لعمية الكرامة بقيادة "حفتر"، وهذا واضح حتى من خلال تصريح بعض الوسطاء الدوليين والمسؤولين الذين يرون أن "حفتر" جزء من المشكلة وليس جزءاً من الحل.
*هناك من يقول إنكم على صلة وثيقة بأنصار الشريعة الإسلامية والجماعات التي يصفونها بالمتشددة.. فما مدى صحة ذلك وكيف هي العلاقة بينكم؟
ليست لدينا أي صلة مع أنصار الشريعة، بل إن بياناتهم المعلنة دائما ما تتهم حزب العدالة والبناء باتهامات غير صحيحة، خاصة أن أنصار الشريعة يعلنون أنهم لا يعترفون بالعملية الديمقراطية أو السياسية التي يؤمن بها حزب العدالة والبناء وغيره من الأحزاب، وبالتالي فالاختلاف بيننا وبينهم كبير جداً، وهو اختلاف جوهري، ولا يوجد أي أحد متابع للشأن الليبي يستطيع القول أن لدينا صلة بأنصار الشريعة، وقد أوضحنا موقفنا من أنصار الشريعة وبياناتهم التي تعُد – للأسف- بيانات متطرفة وتحمل فكرا بعيدا عن الوسطية والاعتدال الذي نؤمن به نحن.
*هل تراجع نفوذ الإسلاميين في ليبيا مثلما هو الحال في دول الربيع العربي؟
لا شك أن هناك حملة إعلامية ممنهجة على مستوي العالم العربي ضد التيار الإسلامي أو الإسلام السياسي – كما يحلو لهم أن يسمونه- لكننا نتصور أن هذا التراجع وإن كان نسبياً إلا أن أي فرصة لانتخابات ديمقراطية قادمة في المستقبل سوف يقفز التيار الإسلامي قفزة غير متوقعة، وأقول إنه لو أجريت انتخابات حرة ونزيهة في مصر الآن ربما سيكون نصيب التيار الإسلامي أكثر مما حققه خلال فترة حكم الدكتور محمد مرسي.
*ما هي خطورة استمرار تأزم الأوضاع؟
لاشك أن تأزم الأوضاع في ليبيا أمر خطير جداً على ليبيا أولاً والمنطقة بأكملها ثانياً، ونحن حريصون حرصا كاملا على عدم انهيار العملية السياسية في ليبيا، ولذلك كنا ولا زالنا ندعو إلى ترميم العملية السياسية، ونحن حريصون على عدم التدخل الخارجي، لأن هذا أيضاً يخلط الأوراق ويدخل البلاد في دوامة، وحريصون على التوافق والحوار والتنازل حتى وإن كان هذا التنازل مؤلماً وكبيراً، فنحن نرى أن المرحلة حرجة والظروف صعبة جداً. وبالتالي على كل العقلاء أن يقدروا هذه المرحلة وأن يتنازلوا لشركاء الوطن، ونحن على استعداد لتقديم أي تنازلات من شأنها حفظ وحدة البلاد وأن تحفظ العملية السياسية، خاصة أن ليبيا موقعها خطير جداً على دول الجوار وكذلك بالنسبة لأفريقيا وأوروبا ولأمن المنطقة بشكل عام، وبالتالي فلا أحد يتمنى أن يحدث أي انهيار سياسي في ليبيا لا سمح الله.
*مإذا سيكون موقفكم لو حدث تدخل دولي في ليبيا؟
نحن نرفض أي شكل من أشكال التدخل الدولي في ليبيا، وسننحاز للشعب الليبي في رفض ومقاومة أي تدخل دولي في شؤوننا الداخلية.
*كيف تنظر لمواقف المجتمع الدولي والعربي من الأزمة الليبية؟
المجتمع الدولي لا يرغب في وجود ديمقراطية حقيقية في العالم العربي، فمصالحه تتعارض مع امتلاك أي دولة عربية لزمام أمرها وقرارها وسيادتها على أرضها، لكن في نفس الوقت الغرب ينطلق من فلسفته البراغماتية التي تجعله يتعامل مع كل المتغيرات ويقبل كل الظروف إذا ما كانت أمرا واقعاً. لكن أقول في نفس الوقت إن المجتمع الدولي كان سلبياً في التعامل مع الأوضاع في ليبيا، ولم يدن عملية "حفتر"، ولم يعتبرها عملية إرهابية، ولم يدن الاعتداء بالطائرات التي قامت بها دولتي الإمارات ومصر على ليبيا، وكان هناك شيء من ازدواجية المعايير، ونفس الأمر ينسحب على الدول العربية الرافضة لثورات الربيع العربي، فقد كان دورها سلبياً، وتدخلها واضح ودعمها واضح لطرف بعينه، وهذا أمر أصبح معروفا وواضحا للجميع.
*ومإذا عن الدور الذي تلعبه الأمم المتحدة؟
الأمم المتحدة قامت بجهد مشكور، وهي حريصة على الاستقرار في ليبيا، لأن ليبيا كما هو معلوم بعيدة عن بؤر التوتر المعروفة في العالم، وبالتالي ينظر إلىها كمنطقة تجارية وربما تساهم في إرساء دعائم السلام والتبادل التجاري بين أفريقيا وأوروبا، وربما هذا ما جعل كثير من الدول تدفع باتجاه عدم التدخل وتحرص على استقرار العملية السياسية، وهذا أمر هام جداً قد نستفيد منه كثيراً نحن الليبيين في إرساء دعائم الاستقرار.
*كيف تنظر لمستقبل ليبيا.. وما هي فرص الوصول لمخرج من الأزمة الراهنة؟
رغم كل الالآم والظروف الصعبة والجراحات التي تمر بها ليبيا، إلا أنني متفائل؛ فالثورات وعمليات التغيير خاصة بعد أكثر من أربعة عقود من التخلف والفساد والاستبداد، تحتاج لوقت الطويل حتى تحصد نتائجها بالكامل، وأؤكد أن هذه المرحلة تتطلب العمل وفق استرتيجية تتضافر فيها جهود كافة الأطراف حتى يحقق الشعب الليبي ما يصبوا إليه وقدم لأجله التضحيات الجسام، كما أننا نري أنه في حال ترميم العملية السياسية وحدوث التوافق وتغليب مصلحة الوطن على المصالح الضيقة؛ سيؤدي ذلك إلى استقرار ليبيا وتحقيق التنمية والازدهار، لأن لديها الكثير من الإمكانيات ولديها فرصة كبيرة لتعويض كل ما فاتها.