ليبيا المستقبل: دعي حزب العدالة والبناء إلي الاحتكام إلى صوت العقل وترجيح مصلحة الوطن؛ والاعتراف بأن الكل أخطأ والكل عليه أن يصحح مواقفه قبل الفوات. وأكد الحزب في بيان له أن الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأمني الليبي يزداد سوءً، والدولة تنهار أمام بفعل الإنقسامات وبفعل صراعاتنا.
نص البيان:
مرارة الواقع:
"ما يقارب خمس سنوات وشعبنا الليبي يبحث عن بارقة أمل يحطم من خلالها ظلام الواقع الكارثي الذي خلفه نظام الاستبداد، ومن ورثه من الأجيال التي تربت في عهده، وما زال شعبنا يحاول الانطلاق نحو آفاق أرحب من العيش والحياة الكريمة. نجحت الثورة في إسقاط نظام الاستبداد، لكن وبعد مرور ما يقارب خمس سنوات أفشلت في إقامة البديل الذي تمناه الشعب الليبي، وهنا يتوجب علينا أن نكون غاية في الصراحة، لنقول إن الشعب الليبي لم يُسقط طاغية من أجل تنصيب طاغية جديد، ولم يُزِل اللجان الثورية ليصنع أخرى.. شعبنا يبحث عن حياة كريمة وشبابنا يبحث عن غدٍ أفضل يستطيع من خلاله المشاركة في بناء وطن مليء بالفرص الواعدة.
إن حصاد السنوات الخمس التي مرت حتى الآن غاية في المرارة؛ فواقعنا السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأمني يزداد سوءً، ودولتنا تنهار أمام أعيننا بفعل انقسامنا وبفعل صراعاتنا، والانهيار الذي أصاب مؤسسات الدولة قبل فبراير 2011م وبعدها. إن هذا الأمر يمكن فهمه وربما تفهم بعض أسبابه، إذا أخذنا في الاعتبار تركة النظام السابق، ومخلفات الحروب، لكن ما لا يمكن فهمه، ولا القبول به، هو الإصرار على المضي نحو المزيد من الانهيار، وعدم السعي لوضع حد له، والبدء في بناء دولة ترجع بالخير على جميع أبنائها.
إنه لا مناص من الاحتكام إلى صوت العقل وترجيح مصلحة الوطن؛ والاعتراف بأن الكل أخطأ والكل عليه أن يصحح مواقفه قبل الفوات، فلا يمكننا أن نسوي بين من بدأ الظلم، وخطط له، وسعى لاستدامته، وبين من كان خطؤه ردة فعل، أو جزءً من تداعيات ردة الفعل؛ إلا أننا نعود ونكرر أن الكل ليبيون، ولا يمكن أن نعالج خطأ فريق من الليبيين بالاستمرار في خطأ آخر، أو مجموعة أخطاء. إن بداية الطريق يجب أن تكون الاعتراف الصريح، وغير المتردد، بأنه من حق كل أبناء شعبنا أن يشاركوا في البناء ومن حقهم أيضاً المشاركة في صناعة الدستور الذي يحكم حاضرهم ومستقبلهم، دون إقصاء أو تصنيف، وفق قاعدة: كلنا ليبيون وكلنا معنيون بإنقاذ الوطن.
إن اللحظة التاريخية الفارقة التي يعيشها الوطن اليوم، تتطلب أن نكون متسامحين وواقعيين ومشفقين، مشفقين من الوضع الخطير الذي تعيشه البلاد، وواقعيين باقتناص الفرصة السانحة لإنهاء الانقسام السياسي الذي تعيشه البلاد، ومتسامحين بأن نضمد جراحنا بضماد العفو والتسامح وجبر الأضرار وتأجيل التقاضي إلى حين بناء الوطن وإقامة الدولة القادرة على إقامة العدل بعيداً عن التشفي والانتقام. لقد أكد الحزب في بياناته وتصريحاته وخاصة بيان الدائرة السياسية الصادر بتاريخ 22 يوليو الماضي، والمعنون بـ "مواقف الحزب مبدئية وواقعية"، بأن الحزب حدد استراتيجيته في الحوار بكل وضوح؛ بأنه سيعمل على؛ "إنقاذ الوطن من خلال تحقيق الممكن من الحوار".
استشراف الأمل:
من هذا المنطلق؛ فإن مرارة الواقع تستوجب مخاطبة أبناء ليبيا، ونخبها ومسؤوليها، روح العقل، ونحضهم على التفكير الجدي فيما يمكن أن ينقذ ما تبقى من الوطن، ونؤكد على ما يلي:
1) دعوة المؤتمر الوطني العام، وكذلك مجلس النواب، رئاسة وأعضاء بأشخاصهم وصفاتهم، إلى تحمل المسؤولية التاريخية إزاء الوضع المتأزم والخطير الذي تمر به البلاد؛ ويؤكد الحزب هنا وبكل وضوح على أن اللقاءات المباشرة بين الأشقاء لتقريب وجهات النظر وللبحث عن حلول للأزمة الحالية، مرحب بها ونراها على الدوام مهمة، ويرجى أن تعجل بتحقيق المصالحة الوطنية المأمولة، ويجب ألا تقف حائلاً دون دعم مخرجات الحوار السياسي الليبي ودعم حكومة الوفاق الوطني المنبثقة عنه، لكي تقوم بمعالجة هذا الوضع الخطير الذي تعيشه البلاد.
2) التأكيد على أن النظرية الأمنية يجب أن تبنى من خلال مؤسسات الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية، وفق عقيدة جديدة، تحمي الوطن والمواطن ولا تتدخل في العمل السياسي ولا تساهم في عودة الاستبداد.
3) ضبط حمل السلاح من خلال وضع خطط عملية واضحة، وتأهيل حاملي السلاح للدخول بشكل فردي في مؤسسات الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية أو غيرها من مؤسسات الدولة، من خلال الاستفادة من تجارب دولية سابقة.
4) إعادة هيكلة التشكيلات المسلحة المنضوية تحت رئاسة الأركان ووزارة الداخلية، وذلك بالانضمام كأفراد وعلى أسس مهنية ووطنية، وتدارك النواقص في تكوينها، كما يؤكد الحزب أنه يرفض بشكل قاطع أستمرار هذه التشكيلات على شكل انتماءات فكرية أو حزبية أو جهوية، والذي من شأنه منع حدوث الخروقات الأمنية ومغامرات إزهاق الأرواح، كالذي حدث في تاجوراء بالأمس القريب.
5) دعم إصدار قانون للعفو العام، كخطوة عملية نحو المصالحة الوطنية، يساهم في طي صفحات الماضي المؤلمة، وفق الرؤية التي سبق وأن طرحها الحزب، على قاعدة العفو أو جبر الأضرار، أو استيفاء الحقوق من خلال القضاء بعد قيام الدولة وبناء قدراتها على ضبط الأمن وحماية المؤسسات العدلية.
6) ضرورة الإسراع، في مواجهة التحديات المحدقة بالوطن والتي منها:
أ. النزعات الجهوية والمناطقية، والقبلية التي تهدد وحدة البلد.
ب. وقف مخاطر تهديد التنظيمات الإرهابية والمجموعات الإجرامية لكيان الدولة الليبية، وبنية مجتمعها المتدين، والمتسامح في الوقت نفسه.
ج. معالجة مشاكل الحدود وضبطها وتأمينها، بأسرع ما يمكن، للحد من جرائم التهريب، والمشاكل المترتبة على كون ليبيا دولة عبور للهجرة غير القانونية، وما تمثله من تحديات للنسيج الاجتماعي، والمنظومة الأخلاقية، للشعب الليبي.
د. الإسراع في وضع سياسة اقتصادية تتلافى الكارثة المحققة التي تهدد اقتصادنا، وتعيد النشاط إلى قطاع الطاقة الحيوي، بضمان عودة الشركات العاملة. كذلك المعالجة الواعية والعاجلة لأوضاع المشاريع المالية والتعاقدية، وإنهاء نزيف الثروة بإيقاف منحنى غول الفساد المالي والإداري.
هـ. وضع خطة سريعة لتقريب وتقديم الخدمات الضرورية والعاجلة للمواطن عبر تفعيل المجالس البلدية، وإعطائها الإمكانيات لتوفير هذه الخدمات بشكلٍ عاجل وبالذات الخدمات الصحية المنهارة.
7) يؤكد الحزب حرصه على دعم الحكومة الليبية القادمة في إقامة علاقات استراتيجية مع الدول الإقليمية، تحديداً دول الجوار، تعود بالنفع على شعوب المنطقة. كما يؤكد الحزب دعمه لكل المبادرات التي تعيد بناء العلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة وتطوير هذه العلاقات وطي أي صفحات مظلمة فيها.
8) يؤكد الحزب استعداده للتواصل مع كل أطياف الشعب الليبي ومكوناته الاجتماعية والسياسية والثقافية دون أي قيد أو شرط من أجل إنقاذ الوطن والتوصل إلى حلول تعبر بالبلاد إلى بر الأمان، ويتطلع الحزب على الصعيد الخارجي لمزيدٍ من التواصل للاستفادة من تجارب الدول وبالذات تلك التي مرت بتجارب مماثلة.
إن الأمل يحدونا ونحن نسعى مع باقي الأطراف الليبية ومن خلال الحوار السياسي الليبي إلى التوصل إلى اتفاق شامل يؤدي إلى إنهاء الانقسام بشكل كامل ويحقق الأمن والاستقرار، والعبور إلى واقعٍ جديد، نصنع فيه دستورنا الذي طال انتظاره، دستور تصان فيه الحريات وتحترم فيه الحقوق، ويضمن العيش الكريم لشعبنا. والأمل يحدونا في رعاية الأيتام والأرامل والجرحى والمسارعة في تأمين عودة المهجرين في الداخل والخارج، وإعادة الإعمار وتحريك عجلة الاقتصاد وتوفير فرص العمل واستثمار الفرص الكثيرة التي تتمتع بها ليبيا.