شبكة إرم الإخبارية: استهجنت أوساط عربية مطلعة الموقف الذي تتخذه الجزائر في الأزمة الليبية، ووصفته بالموقف "المشبوه والأناني"، ويقوم على محاولة استثمار تلك الأزمة للقيام بدور إقليمي على حساب القوى الإقليمية الأخرى وخاصة مصر، وذلك من خلال دعم الجماعات الإسلامية التي تنتمي إما تنظيمياً لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة في مصر أو تلك الأكثر تطرفاً والتي لها صلات بتنظيم داعش الذي ظهرت مؤشرات عديدة على أنه بدأ ينشط في أكثر من مكان في ليبيا. وأوضحت تلك المصادر التي تابعت المداولات التي جرت في جامعة الدول العربية مؤخراً، حول الأوضاع في ليبيا، أن الجزائر أظهرت موقفاً متشدداً ومنفرداً من الدعوة لتدخل عربي ينهي فوضى السلاح والمليشيات في ليبيا وينزع فتيل انفجار موقف أمني خطر على دول الجوار، ويسد الطريق أمام تحول الأراضي الليبية إلى ملاذات لقوى التطرف، ومصدر إمداد بشري ومادي لها.
وذكرت تلك المصادر أن الجزائر تدرك أكثر من غيرها استحالة نجاح عملية سياسية في ليبيا، خارج القنوات الشرعية التي يمثلها البرلمان الليبي المنتخب، وهي قنوات تحاول المليشيات المسلحة تجاوزها والتشكيك بشرعيتها. وتعتبر تلك المصادر أن المشروع الذي تطرحه الجزائر للحوار الوطني الليبي هو "وصفة لإطالة وتعقيد الأزمة" حتى لو بدا عنوانه براقاً من الناحية السياسية. وأثار الدور الجزائري المعرقل للجهود العربية ردود فعل وتساؤلات عديدة في ليبيا حول طبيعة الدور الذي تلعبه الجزائر وعما إذا كانت تسعى للتفرد في التعاطي مع الأزمة الليبية" وجعلها وسيلة ابتزاز للدول المجاورة أو المتأثرة بما يحدث في ليبيا وما تحمله الأحداث هناك من تداعيات مقلقة. ويظهر ذلك واضحاً في تذبذب مواقف فرنسا التي تشعر بقلق عميق لما يحمله الوضع اللليبي من نتائج أمنية مقلقة خاصة في الدول الإفريقية التي تشكل مناطق نفوذ تاريخية لفرنسا والتي أصبحت اليوم في مرمى الإرهاب والتطرف.
وتقول مصادر مغاربية بأن الجزائر حذرت من أنها لن تتعاون مع فرنسا بأي شكل في القارة الأفريقية إن هي أيدت فكرة المواجهة المسلحة مع المليشيات الليبية المتطرفة وساعدت بأي شكل على تصفيتها. ويلاقي الموقف الجزائري ردود فعل سلبية واسعة لدى الليبيين الذين أرهقتهم المليشيات المسلحة وأثارت قلقا واسعا بشأن التداعيات الأمنية والسياسية والاجتماعية التي قد تنتج عن استمرار سيطرة هذه المليشيات على الحياة السياسية الليبية. وفي هذا الإطار، يرى آدم رامي رئيس التجمع الوطني التباوي، أن انحياز الجزائر نحو أطراف محسوبة على تيار الإسلام السياسي، هو محاولة لتخفيف الضغط عليها من تيارات إسلامية لديها في الداخل، بإلاضافة إلى أنه يمثل مشروع تسابق حول النفوذ المطلق، من قبلها والمتنافسة معها بشكل واضح، وهي مصر الجارة المهمة لليبيا. ويضيف رامي في حديثه مع "إرم"، "وبالنسبة لدعم الجزائر واستضافتها لقيادات بارزة للإسلاميين الليبيين، فهو أمر أفسره بأن نتاج صفقة من إسلامي الداخل الجزائري مع السلطات السياسية، بهدف تمكين الإسلام السياسي في ليبيا، مقابل كف الإخوان والحركات الإسلامية الجزائرية، عن تعكير صفو نظام بوتفليقة القائم على النظام العسكري الشمولي للحكم".
ويتابع: "كما لا ننسى التنافس الجزائري - المصري، جعل كل دولة منهما تخلق تحالفات في المعسكر السياسي الذي يخدم مصالحها، وكما يعرف الجميع الدعم المصري اللامحدود للبرلمان والحكومة في شرق البلاد، وطبعاً فرضته جغرافية المنطقة وقربها من الحدود المصرية، وبالتالي الأمر دفع القيادة بالجزائر إلى البحث عن طرف سياسي يختلف مع المصريين، ووجدت ضالتها في جماعات الإسلام السياسي مثل الإخوان، وهو من وجهة نظري يمثل قراءة جزائرية خاطئة للمشهد السياسي الليبي المعقد". هذا وتحاول الجزائر منذ ثلاثة أشهر، التجهيز لمبادرة سياسية ترعاها، لجمع الفرقاء الليبيين على طاولة الحوار، وقد شهدت هذه الجهود تعثراً كبيراً، حيث تأخر انطلاق المبادرة في أكثرمن موعد حدد لها، مع تحفظات أبدتها النخب السياسية في ليبيا، على دعوات مشبوهة وجهتها الجزائر، لكبار رموز القذافي الذين لا يحظون بدعم شعبي، بجانب اتصالات مع قادة بارزين للتيار الإسلامي، يعتبرهم البرلمان الليبي سبب الأزمة، ويتهم بعض من قادتهم على دعم الجماعات الإرهابية لمحاربة الجيش الليبي.
وتشهد ليبيا انقساما سياسيا مع وجود حكومتين برئاسة عبدالله الثني وعمر الحاسي ومجلسين تشريعيين هما مجلس النواب المنتخب، والمؤتمر الوطني العام الذي قرر في نهاية أغسطس/ آب الماضي استئناف نشاطه، رغم انتهاء ولايته وتكليف الحاسي بتشكيل حكومة إنقاذ، بعد سيطرة قوات "فجر ليبيا" التي صنفها البرلمان جماعة إرهابية، على العاصمة طرابلس. وقد قضت الدائرة الدستورية بالمحكمة الليبية العليا في الخامس من نوفمبر الماضي، بحل مجلس النواب نتيجة تجاوزات في الإعلان الدستوري التي دعت لانتخابه، وهو ما رفضه المجلس واعتبره قرارا سياسيا اتخذ تحت تهديد السلاح. أما ليلى محمد الناشطة الحقوقية، فتؤكد أن الدور الجزائري مشبوه تماما، ولا يخدم القضية الليبية في شيء، سوى أن يعرقل دعم دول تسعى لدعم البرلمان والجيش الليبي. وتضيف الناشطة الحقوقية، بأن "أكبر دليل على موقف الجزائر المنحاز لطرف ما، هو تحفظها الغير مفهوم بشأن البيان الختامي للجامعة العربية، حول الدعم المطلق للشرعية ممثلة في البرلمان وحكومة الثني، ما يؤكد أن مواقف الجزائر ظاهرة غير معلنة". وبحسب تقارير صحفية، فقد شهد البيان الختامي لاجتماع مندوبي جامعة الدول العربية حول ليبيا الاثنين الماضي، تحفظاً أبداه ممثل الجزائر فيما يتعلق بدعم الشرعية السياسية، والمتمثلة في البرلمان المنتخب والحكومة المنبثقة عنه، حيث تحفظت الجزائر بخلاف سائر الدول العربية على هذا النص في المشروع، بينما أيدته كل الدول العربية.