شاهد عيان في المطار: هدف المهاجمين عزل البلاد وتشكيل حكومة من الثوار وإعاقة عمل البرلمان
ليبيا المستقبل
الشرق الأوسط: يبدو أن الثوار الذين أطاحوا قبل ثلاث سنوات بنظام حكم العقيد الراحل معمر القذافي قرروا على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي تحويل منطقة مطار العاصمة الليبية طرابلس إلى ساحة قتال، لإعادة تمثيل رواية «الإخوة كارامازوف» للكاتب الروسي الراحل فيودور دوستويفسكي، وذلك عبر المعارك التي اندلعت في طرابلس منذ 13 يوليو «تموز» الماضي ودون توقف بين ميليشيات متناحرة في جنوب العاصمة وغربها. «الإخوة الأعداء» هو التعبير الصحيح عما يجرى هناك. إنه أمر غير مفهوم على الإطلاق. بالأمس القريب قاتل بعضهم إلى جانب بعض، والآن بعد الانتهاء من عدوهم الرئيس ها هم يتقاتلون ويرفعون السلاح بعضهم في مواجهة بعض، هكذا قال مسؤول ليبي رفيع المستوى لـ«الشرق الأوسط» وهو يتحسر على ما آلت إليه الأمور بين رفاق السلاح بالأمس الذين تحولوا إلى أعداء. وباسم ليبيا، وتحت علمها الجديد، تنهمر الصواريخ والقذائف على بيوت المدنيين في «معركة عبثية» للسيطرة على مطار العاصمة، التي تعاني كما قال بعض سكانها أمس لـ«الشرق الأوسط» كل أنواع الأزمات، وتفتقر إلى الخدمات الأساسية، وتعاني انقطاعا مستمرا في الكهرباء، ونقصا في الوقود، بالإضافة إلى ارتفاع معظم الأسعار. وتهاجم الكتائب المتطرفة المتحالفة مع مدينة مصراتة الغربية الساحلية المطار بالصواريخ ونيران المدفعية لإخراج منافسيهم من مدينة الزنتان الجبلية، الذين سيطروا على المطار منذ سقوط نظام القذافي عام 2011. وحارب مقاتلو مصراتة والزنتان جنبا إلى جنب في الماضي للإطاحة بالقذافي، ولكن بعد ثلاث سنوات ما زالوا يرفضون تسليم سلاحهم إلى الدولة وخاضوا نزاعات مسلحة مع الكتائب الأخرى من أجل السيطرة على مقدرات البلاد.
وكشف شاهد عيان لـ«الشرق الأوسط» النقاب عن أن معركة السيطرة على مطار العاصمة الليبية طرابلس قد خلفت خسائر فادحة وألحقت أضرارا جسيمة بالمطار ومنشآته، بالإضافة إلى تدمير معظم الطائرات التي كانت رابضة في مدرج المطار، الذي تعرض بدوره للقصف العشوائي خلال الاشتباكات المتبادلة بين القوات المدافعة عن المطار والميليشيات المحسوبة على التيار المتطرف ومصراتة في غرب ليبيا. وقال عمر معتوق، وهو إعلامي مرافق لقوات الزنتان والجيش الليبي في مطار طرابلس الدولي لـ«الشرق الأوسط» في تصريحات خاصة عبر الهاتف من قلب المطار أمس، إن المعركة المستمرة للأسبوع الثالث على التوالي بدأت بهجوم مفاجئ شنته ميليشيات ما يعرف بـ«دروع ليبيا» والميليشيات المتحالفة معها، التي تضم مقاتلين متطرفين وآخرين من مدينة مصراتة. وأضاف معتوق أن «مطار طرابلس تتمركز فيه كتيبة أمن المطار التي شكلتها وزارة الدفاع، ثم تحولت إلى وزارة الداخلية، وجرى الهجوم عليها من هذه الميليشيات بهدف السيطرة على كل المنافذ الحيوية للعاصمة طرابلس». وتابع أنه «معلوم أن مطاري معيتقة ومصراتة تحت قبضة هذه الميليشيات، والمطار والوحيد الخارج عن سيطرتهم هو مطار طرابلس. يريدون الهيمنة عليه في إطار الحصول على دعم لوجستي لعملياتهم». ورأى معتوق أن المقصود كان «مخططا معدا لعزل البلاد، وإعلان ما يسمى (المجلس الأعلى للثوار)، بالإضافة إلى إعلان حالة الطوارئ أو الأحوال العرفية، وتشكيل حكومة من الثوار، وحل مجلس النواب الجديد أو محاولة عرقلة اجتماعه». لافتا إلى أن الهدف غير المعلن من العمليات التي تشنها القوات التي تحظى بتأييد نوري أبو سهمين رئيس المؤتمر الوطني العام (البرلمان)، الذي انتهت مدة ولايته الرسمية بعد انعقاد أولى جلسات مجلس النواب المنتخب في مدينة طبرق بشرق البلاد أول من أمس، هو محاولة عزل البلاد إلى حين سيطرتهم على الوضع الميداني على الأرض. ويشير معتوق إلى أن مقاتلي الجيش، ومعهم مقاتلون من مدن كثيرة، يتمركزون بمواقعهم في حدود المطار ولا يتجاوزونها لأن مهمتهم الدفاع فقط. مضيفا: «هم موجودون فقط في معسكراتهم، وفي كتيبتي (الصواعق) و(القعقاع)، والقوات الخاصة الموجودة لحماية خزانات النفط والمنطقة المحيطة بها». وعدّ أنه لم يكن ممكنا الدفاع عن الخزانات التي تزود العاصمة بالوقود، وأنه «جرى استهدافها بشكل متعمد بصواريخ (غراد) والقذائف الصاروخية (آر بي جي) وهذه لا يوجد مضادات للصواريخ أو أي رادع لها متوفر لدى القوات التي تدافع عن مطار طرابلس».
وقال الإعلامي إن المهاجمين كانوا يريدون السيطرة على الخزانات والاحتماء بها، «لأن الجيش لن يقصفها في المعارك. هم حاليا موجودون في منطقة قصر بن غشير ويحتمون بالمنازل التي أخليت من السكان، وتجمعهم الرئيس في منطقتي وادي الربيع والقرابولي». وسئل حول موعد إنهاء هذه المعركة الدامية، فقال معتوق: «لا أحد يعلم موعد إنهاء هذه المعركة، لكن الطرف الآخر لديه خسائر كثيرة وفادحة. إنهم يتركون جثث قتلاهم، ومعنوياتهم منخفضة، ولديهم نقص في الذخيرة والعتاد». وحتى عصر أمس لم تشن هذه الميليشيات أي عمليات قصف تجاه منطقة المطار كما اعتادت أن تفعل يوميا على مدار الأسابيع الثلاثة الماضية، وهو أمر وصفه معتوق بأنه «مريب للغاية»، وقال: «لم يقصفوا، ولا نعلم السبب. كل يوم يقومون بالقصف، ربما الاحتمال الأقرب هو اعتراف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة بمجلس النواب الجديد، ووجود عبد الله الثني رئيس الحكومة الانتقالية حاليا في العاصمة الأميركية واشنطن». وتابع معتوق: «مع الأسف هناك دمار شديد بالمطار، ولا توجد إحصاءات دقيقة. طائرات محطمة من بينها طائرات (إيرباص) حديثة تملأ المكان. أكثر من مرة طلب الجيش إدخال لجنة لتقدير الخسائر، لكن ليست هناك أي استجابة من الحكومة، ولا توجد جهة رسمية موثوق فيها لتقدير الأضرار»، مضيفا: «لكن بالعين المجردة، يمكنك أن ترى الدمار في كل مكان نتيجة القصف العشوائي في المدرج وبرج المراقبة الرئيس وصالة المسافرين والمباني الحيوية».
وسئل عن تفسيره لعدم استخدام الجيش الطيران الحربي في هذه المعركة لإجبار الميليشيات التي تهاجم المطار على التراجع، فقال: «الطائرات الموجودة في المنطقة الغربية لسلاح الجو الليبي جرى تدميرها بالكامل خلال أحداث الثورة عام 2011 عن طريق قوات التحالف.. والطائرات العاملة جرى قصفها في مواقعها. والطائرات الوحيدة الموجودة في بنغازي تحتاج إلى تزود بالوقود، ونقطة التزود تحت سيطرة (أنصار الشريعة) في سرت». ولفت معتوق إلى أن المنطقة السكانية حول المطار تحولت إلى منطقة أشباح، حيث نزحت آلاف العائلات، كما جرى طرد آلاف السكان بعيدا عن منازلهم التي تتخذها الميليشيات المهاجمة للمطار مواقع لها. وأوضح أنه لا توجد إحصاءات دقيقة أو رسمية لعدد القتلى والجرحى، لكنه قال إن لدى مقاتلي الجيش والزنتان أكثر من 60 أسيرا كلهم ليبيون من الميليشيات المهاجمة. وأضاف: «الطرف الآخر لديه خسائر واضحة، ولست مخولا إعطاء إحصاءات عسكرية»، مشيرا إلى أن كل كتيبة من مقاتلي الجيش لديها آمر لواء من الضباط، ولديهم غرفة عمليات موحدة لجميع الكتائب الموجودة على الأرض يرأسها عدد من الضباط التابعين للجيش الليبي. وأكد معتوق أن هناك قبائل التحقت بالقتال من ورشفانة وغيرها، مشيرا إلى وجود مقاتلين من الطوارق والتبو يشاركون في المعركة من أجل ليبيا، على حد قوله.
من جهته، قال مسؤول عسكري ليبي لـ«الشرق الأوسط» إن «المواجهات التي دارت أول من أمس في محور المطار وتمركزت حول معسكر النقلية إلى الشمال من المطار على يمين الطريق إليه، وهو مقر لعدد من كتائب الزنتان، كانت الأعنف من نوعها. بينما كان محور حي الأكواخ شبه هادئ، ومحور جنزور والسراج كان عنيفا جدا». وتابع المسؤول أنه «سقط أكثر من 15 صاروخا في محيط كلية الدعوة الإسلامية ببوابة الجبس حيث مقر كتيبة (الصواعق)، مما أدى إلى إصابة عدة مزارع»، مشيرا إلى أن مصدر الصواريخ هو معسكر القوة المتحركة عند «كوبري 17» غرب العاصمة، وأنه «سمي بهذا الاسم لأنه يبعد 17 كيلومترا عن كوبري الغيران الذي يعدّ الحد الغربي للعاصمة». وأوضح المسؤول الذي طلب عدم كشف هويته: «أيضا الصواريخ كانت تأتي من معسكر 27 إلى الغرب من المعسكر الأول، الذي تتخذه غرفة عمليات ثوار ليبيا مقرا لها». وكشف عن أنه جرت مهاجمة ثلاثة معسكرات غرب العاصمة أول من أمس، هي معسكر كتيبة «فرسان جنزور» التي يقودها ناجي قنيدي، ومعسكر «القوة الوطنية المتحركة» التي يقودها سعد قوجيل، بالإضافة إلى معسكر «غرفة ثوار ليبيا». وأضاف أنه «جرى دحرها جميعا قبل أن تنسحب فلول هذه القوات غربا إلى الزاوية».