كان من المفترض أنْ تشهد ليبيا في 2014 انتهاء الفترة الانتقالية والانتقال فعليًّا إلى وضع سياسي وأمني مستقر، لكن الليبيين يطوون العام على وقع أزمة هي الأسوأ في البلد منذ إطاحة الجماعات المعارضة نظام معمر القذافي.
وبعد أكثر من ثلاث سنوات على سقوط حكم القذافي الذي دام 42 عامًا، باتت ليبيا مقسمة بين حكومتين وبرلمانين يتنازعان الشرعية، فيما ينزلق البلد في أتون حرب أهلية طاحنة، دون أنْ تلوح في الأفق بوادر انفراج، بحسب محللين ومراقبين.
ويقول الأستاذ الجامعي سالم النيهوم لـ«فرانس برس»: «إنَّ الليبيين عندما أسقطوا نظام القذافي كانوا يصبون لأنْ تصبح بلادهم الغنية بالنفط بمنزلة دبي جديدة، أما اليوم فإنَّ هاجس سيناريو صومالي أو عراقي بات يسيطر عليهم».
وحصد القتال الدائر في ليبيا منذ مطلع العام، إضافة إلى حالة الفلتان والفوضى، أرواح أكثر من ألف شخص على الأقل في مختلف ربوع ليبيا بحسب مصادر طبية ومسعفين، فيما تسبب المشهد المتردي بحسب المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة في نزوح أكثر من 100 ألف من بيوتهم.
وألقى المحلل سليمان المجبري الأخطاء التي أوصلت البلد إلى ما هو فيه الآن على شماعة المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته، بدءًا من عدم إنهائه ولايته مطلع فبراير، إضافة إلى عدم إقراره الدستور الدائم للبلد، ودعوته لانتخابات دستورية وفق ما تقتضيه مواد الدستور الذي لم يعد بعد.
أما المحلل السياسي محمد الشريف فقال: «إنَّ الأزمات باتت تعصف بالبلد، في ظل غياب العقل السياسي الرشيد الذي من الممكن أنْ يخلص ليبيا من بركة الوحل الذي علقت فيه». ورأى أنَّ «الاقتتال الدائر والتنازع على السلطة والحروب القبلية والجهوية والأيديولوجية، تثبت فعليًا أنَّه لا انفراجة قريبة تلوح في الأفق».
بعد رحيل القذافي في 2011 كلفت السلطات الانتقالية الثوار السابقين الذين شاركوا في إسقاط نظامه بضمان الأمن.
وشكَّل هؤلاء عشرات «الميليشيات» على أسس عقائدية أو قبلية، ولم يترددوا في تحدي الدولة عندما تمس مصالحهم، ما هدد السلم الأهلي وعملية بناء المؤسسات في ليبيا، خصوصًا الجيش والشرطة.
وبنغازي هي الأكثر اضطرابًا، بينما تبدو السلطات من جهتها عاجزة حتى الآن أمام تنامي قوة الجماعات المتطرفة، خاصة في شرق ليبيا، الذي شكَّل مسرحًا لاغتيال عناصر أمنية واعتداءات على مصالح وممثليات دبلوماسية غربية ومحلية.
كما شكَّل الجنوب مسرحًا لاشتباكات قبلية تدور بانتظام، كجزء من الصراع على السلطة والحرب من أجل السيطرة على التهريب في الصحراء.
وفي الوقت نفسه يبدو أنَّ الأمر الأصعب على ليبيا هو أنَّ تنظيم «داعش» بات يجذب كثيرًا من المؤيدين، خصوصًا الشباب في الأوساط الراديكالية في ليبيا.
وأصبحت مدينة درنة التي تحوَّلت إلى «إمارة إسلامية» أول موطئ قدم له في ليبيا، ومعقلاً لأنصاره كما يقول خبراء.
وفي خضم الأزمة المتفاقمة، تبددت آمال الازدهار الاقتصادي والتحوُّل الديمقراطي السلمي في هذا البلد الغني بالنفط، حيث يتم تدمير ما تبقى من مؤسسات هشة وبنى أساسية متهالكة أصلاً بسبب القتال.
وتثير هذه الأوضاع تشاؤم الليبيين حيال تحسُّن الأوضاع في بلدهم، حتى إنَّ بعضهم بات يشعر بالحنين لأيام النظام السابق.
ويقول الطبيب الليبي صلاح محمود: «إنَّ الفوضى أنهكت الليبيين، والصراعات الجهوية والأيديولوجية والقبلية باتت أدهى من القبضة الأمنية والحكم الديكتاتوري السابق». وأضاف: «لا أرى انفراجة للأزمة على الأقل في العام 2015». وترعى الأمم المتحدة حوارًا بين أطراف النزاع الليبي بغية حل الأزمة في ليبيا.