العربي الجديد - طرابلس ــ هشام الشلوي - 5 سبتمبر 2014: يرى عديد من المراقبين أن التشكيلة الحكومية التي قدّمها رئيس الوزراء الليبي المكلف من قبل المؤتمر الوطني العام، عمر الحاسي، لنيل الثقة، ليست على مستوى الواقع الذي تعيش فيه ليبيا وأزماتها الأمنية والسياسية والاقتصادية.
وضمّت وزارة الحاسي 18 وزيراً هم: خليفة الغويل نائباً أول، محمد اشعيتر البرغثي نائباً ثانياً، يوسف الزايدي نائباً ثالثاً، محمد الغرياني وزيراً للخارجية، امحمد القليب وزيراً للعدل، عبد السلام المنفي وزيراً للمالية، مشاءالله الزوي وزيراً للنفط والغاز، سعاد الككلي وزيرة لرعاية الشهداء، عادل اعنيبة وزيراً للتعليم الأعلى والبحث العلمي، إبراهيم مكاري وزيراً للتعليم، سميرة الفرجاني وزيرة للشؤون الاجتماعية، محمد بالخير وزيراً للعمل، مبروك علي وزيراً للسياحة، علي الهوني وزيراً للإعلام، يونس عيسى وزيراً للثقافة، مبروك عيسى الدلو وزيراً للأوقاف، سليمان العجيلي وزيراً للاقتصاد، مفتاح الفقيه وزيراً للصناعة.
كما ضمّن الحاسي تشكيلته الوزارية، ثلاثة مجالس عليا، الأول للدفاع يرأسه مؤقتاً النائب الأول، والثاني للداخلية يرأسه مؤقتاً النائب الثاني، وثالث للصحة يرأسه مؤقتاً النائب الثالث، وكل مجلس يتكوّن من ممثلي المناطق الأربعة (شرق ليبيا، ووسطها، وغربها، وجنوبها) إلى حين تحديد رئيس.
بدأت التوقعات بألا تكون حكومة الحاسي على مستوى الحدث، منذ خطابه الذي لم يُرضِ ثوار فجر ليبيا، كونه ساوى بين جميع الأطراف المتقاتلة في محاولة لاستمالة أطراف تمثّل اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي يقود "عملية الكرامة"، بالإضافة إلى تلميح الحاسي إلى أن القتال الدائر كان صراعاً على السلطة والنفوذ.
ويشير مراقبون إلى أن الحاسي اختار مجالس للدفاع والداخلية والصحة، برئاسة نوابه الثلاثة، وهو ما يعني أن يكون القرار المتعلق بهذه الوزارات خاضعاً للتصويت، مما قد ينجم عنه صراع داخل الحكومة، في وقت يجب فيه أن تكون قراراتها حاسمة وغير خاضعة لموازين التصويت.
كما يرى المتابعون أن حصة الجنوب الليبي في حكومة الحاسي جاءت ضعيفة جداً، وهو ما قد يسبب مشاكل للحكومة في ما يتعلق بالقرارات المتعلقة بمنطقة حساسة وحيوية بالنسبة لليبيا، ترتبط بحدود طويلة مع دول أفريقية وأخرى عربية، وفيها أهم اكتشافات الثروة النفطية الحديثة في ليبيا.
ويلفت المراقبون أيضاً، إلى أن عنصر المجاملة غلب على عنصر الكفاءة في حكومة الحاسي، في إشارة إلى تكليف الناشطة السياسية، سميرة الفرجاني، بوزارة الشؤون الاجتماعية، وهي وزارة تحتاج إلى سياسات وخطط وبرامج، معتبرين أن الفرجاني جرى تكليفها باعتبارها فقط من مؤيدي "ثورة فبراير" وعملية "فجر ليبيا"، بصرف النظر عن أي اعتبارات تتعلق بالكفاءة والقدرة على إدارة وزارة مهمة كوزارة الشؤون الاجتماعية.
ووجّه سياسيون وصحافيون ليبيون انتقاداً لاذعاً لتكليف الحاسي، وزيراً للثقافة من التبو، إذ أنهم لا يرون مانعاً من تكليف الأقليات الثقافية بأي حقيبة وزارية سيادية أو غير سيادية، إلا أنهم لم يروا مبرراً بتكليف وزير للثقافة من التبو، في بلد 97 في المئة من سكانه من العرب، والثلاثة في المئة الباقية تتوزع بين تبو وأمازيغ وطوارق، وهو ما قد يثير حساسيات إثنية في الوقت الحاضر، ليبيا في غنى عنها، على حد تعبيرهم.
ويعتقد المتابعون أيضاً أن التشكيلة الحكومية الجديدة لم تكن بغالبيتها من أنصار "ثورة فبراير" والمدافعين عن عملية "فجر ليبيا"، مشيرين إلى أن وزراءها كان يجب أن يكونوا من البارزين في الدفاع عن "ثورة فبراير"، في مواجهة ما سمّوه "الثورة المضادة" التي تتزعمها، بحسب وجهة نظرهم، حكومة عبد الله الثني ومجلس النواب المنعقد في طبرق، مدعومين من مليشيات مسلحة تابعة لحفتر، وبعض الدول الإقليمية.
كذلك توقّف المراقبون عند تعيين علي الهوني وزيراً للإعلام، وهو في الأساس شاعر شعبي، وغير معروف على مستوى ليبيا، معبّرين عن استغرابهم، بسبب غياب معايير موضوعية في اختيار الهوني وهو الذي لا يملك خبرة سابقة في مجال الإعلام.
ومما أثار ارتباكاً إضافياً تجاه حكومة الحاسي، طلب الأخير أن يكون قسم اليمين أمام مجلس النواب المنعقد في طبرق، رغم أن من كلّفه تشكيل الحكومة هو "المؤتمر الوطني العام" في طرابلس، فيما مجلس طبرق، برأي المقاتلين في طرابلس وبنغازي، ساند "عملية الكرامة"، وكان يُفترض على الحاسي بحسب وجهة نظرهم أن يؤدي القسم القانوني أمام المؤتمر الوطني العام، أو أمام أعضاء مجلس النواب الرافضين لانعقاد الجلسات في مدينة طبرق بسبب مخالفات دستورية، بعد ما يقوم المؤتمر الوطني العام بالتسليم لهم حسب نصوص الإعلان الدستوري وتعديله السابع.
ويخلص المراقبون إلى القول إن الحاسي لم يراعِ الظرف الزمني والموضوعي الذي شُكّلت في ظله حكومته، وهو من وجهة نظرهم "ظرف ثوري يواجه قوى محلية وإقليمية تهدف إلى إسقاط ثورة ليبيا"، فضمّن تشكيلته الوزارية وزارات لا حاجة لها الآن، كوزارة السياحة والصناعة، وهي صيغة بحسب المراقبين لا تدل على أن الحكومة مهمتها إنقاذ الأوضاع الحالية من التردي الأمني والاقتصادي، ولا يُعرف كيف سيتم توفير ميزانية لحكومة بهذه الهيكلية الكبيرة والمتنوعة.