صحيفة الشرق الأوسط: نقلت أوساط قريبة من التحقيق الحالي مع ياسين صالحي، الرجل الذي قتل يوم الجمعة الماضي، صاحب الشركة الذي يعمل عنده وجز رأسه وعلقه على سياج شركة أميركية لإنتاج الغاز الصناعي في ضاحية مدينة ليون، أن الأخير «بدأ بالتعاون مع المحققين» عقب مرحلة لزم فيها الصمت. وعلم أن ياسين صالحي، المواطن الفرنسي المتحدر من أب جزائري وأم مغربية، اعترف بقتل هيرفيه كومارا وأنه ارتكب الهجوم الإرهابي على مقر شركة «أير بروداكتس»، الذي أسفر عن انفجار كبير. لكن تشريح الجثة والفحوصات المخبرية لم تبين بعد ما إذا كان كومارا قد قتل أولا ثم قطع رأسه. كذلك، فإن المحققين لم يحصلوا منه على هوية الشخص الذي أرسل له من هاتفه الجوال، صورة «سيلفي» مع رأس هيرفيه كومارا معلقا. يريد المحققون الذين أطلقوا سراح أخت وزوجة صالحي، معرفة ما إذا كان الرقم الكندي الذي أرسلت إليه الصورة هو لمدبر العملية الإرهابية أو لمسؤول في الجهة التي طلبت من صالحي ارتكابها. وأفصحت مصادر أمنية أن صاحب الرقم الكندي «موجود في سوريا»، مما يرجح وجود علاقة لياسين صالحي مع جهات مقاتلة في سوريا.
وبحسب المصادر الكندية، فإن السلطات في أوتاوا «تتعاون» مع المحققين الفرنسيين لجلاء التفاصيل والتعرف على الشخص الذي تسلم صورة «السيلفي» لما لذلك من أهمية في التعرف على شركاء محتملين في الجريمة والتحقيق. وأمس، برز بعد جديد لهذه العملية، إذ علم أن صالحي الذي نقل مساء إلى مقر قسم مكافحة الإرهاب في ضاحية لوفالوا بيريه «غرب باريس» كان على خلاف «مهني» مع صاحب العمل منذ يوم الأربعاء، مما يضيف بعدا شخصيا لهذا العمل الشنيع. لكن «الشهادات» التي تكاثرت من أشخاص كانوا على علاقة مع صالحي، فضلا عن المعلومات التي تمتلكها الأجهزة الأمنية تؤكد قربه من الأوساط الراديكالية المتطرفة.
وحتى مساء أمس، لم تتبن أية جهة عملية ياسين صالحي، خصوصا النصرة التي تبنت عملية مدينة سوسة في تونس، حيث نشرت صورة مرتكب المجزرة التي أودت بحياة 38 سائحا أجنبيا. واستمرت هذه العملية وتشعباتها مهيمنة بقوة سياسيا وإعلاميا، وكذلك ما تؤشر إليه من استمرار حضور التهديد الإرهابي في فرنسا. وفي هذا السياق، طغت تصريحات رئيس الحكومة مانويل فالس صباح أمس على ما عداها بالنظر للهجة التي تبناها والمعلومات التي كشف عنه وخصوصا الإطار الذي وضعها فيه. بداية، يعتبر فالس أن فرنسا «تعيش تحت وطأة تهديد إرهابي رئيسي»، إذ إن «العالم الذي نعيش فيه يعاني من هذا التهديد الثابت في المستوى الذي وصل إليه وفي استمراريته»، وبالتالي، فإنه لن يختفي بسحر ساحر، بل يتعين محاربته لفترة زمنية طويلة.. «وهذه الحرب هي ضد الإرهاب والراديكالية» وليست حربا «بين الغرب والإسلام». أما ميادين هذه الحرب التي «ستكون طويلة» ولا يمكن توقع «نتائج فورية» لها، ليست محصورة بالأراضي الفرنسي، بل إن باريس تخوضها في مالي والعراق، في إشارة لمشاركة فرنسا في التحالف الدولي ضد «داعش». ويذهب فالس إلى أبعد من ذلك عندما اعتبر أن هذه الحرب هي في العمق «حرب حضارات»، بمعنى أن الإرهاب يستهدف «مجتمعنا وحضارتنا والقيم التي ندافع عنها». وحتى لا يساء فهم كلامه، حرص رئيس الحكومة الفرنسية على القول إن هذه الحرب «موجودة أيضا داخل الإسلام» أي «بين الإسلام الذي يحمل القيم الإنسانية والعالمية» من جهة، و«الظلامية التي تريد فرض رؤيتها على المجتمع» من جهة أخرى.
وحتى لا يتم الخلط بين الإسلام والتطرف، أشار فالس إلى أن أول ضحايا الإرهاب هم المسلمون أنفسهم. وفي أي حال، يؤكد رئيس الحكومة الفرنسية أنه «لا يمكننا أن نخسر هذه الحرب». وكان فالس أعرب عن يقينه أن هجمات إرهابية جديدة ستحصل في فرنسا، فيما المجهول هو تاريخ حصولها. بيد أن فالس وسع دائرة التهديدات التي ضم إليها التيارات المتشددة التي هي «المقدمة» للراديكالية التي تقود إلى الإرهاب وفق قوله. وبحسب الأرقام التي كشف عنها، فإن متشددي فرنسا يتراوح عددهم بين 10 و15 ألف شخص. وفي سياق الأرقام، أشار فالس إلى أن 5 آلاف أوروبي يحاربون حاليا إلى جانب المتشددين في سوريا والعراق وأن هذا الرقم مرشح، بحسب ما تقدره المخابرات الفرنسية، إلى أن يرتفع إلى 10 آلاف مقاتل في صفوف «داعش» مع نهاية العام الحالي. وبحسب المصادر نفسها، فحوالي 475 فرنسيا أو مقيما على الأراضي الفرنسية يقاتلون حاليا في سوريا والعراق إلى جانب «داعش» و«النصرة»، بينما عاد ما يزيد على المائتين من ميادين القتال، حيث قتل نحو مائة فرنسي أو مقيم.
لكن فالس عبر عن مخاوفه من أن تعمد جهات يمينية متطرفة ولكن أيضا يمينية «كلاسيكية» وصفها بـ«الكتلة الرجعية» إلى استغلال هذا الملف في عملها السياسي لأغراض انتخابية، في إشارة على ما يبدو إلى حزب الجبهة الوطنية الذي ترأسه مارين لو بن ولكن أيضا جناح في الحزب الجمهوري الذي يقوده الرئيس السابق نيكولا ساركوزي. واتهم فالس كل هؤلاء بالسعي لاستغلال موضوع الإسلام وامتداد موقعه في المجتمع الفرنسي، معتبرًا أن هذا الموضوع سيكون محور المنافسة السياسية في عام 2017 أي عام الانتخابات الرئاسية والتشريعية في فرنسا. وتتخوف الحكومة من أن تكرار الأعمال الإرهابية مثل مقتلتي «شارلي إيبدو» والمتجر اليهودي بداية هذا العام من شأنها توفير دفعة قوية للتيارات السياسية المتشددة التي جعلت من الهجوم على الإسلام واعتباره عاجزا عن التأقلم مع القيم الديمقراطية وقودا لدعايتها السياسية. ولدرء المخاطر ولمنع الخلط بين الإرهاب والإسلام، دعت الهيئات الإسلامية في منطقة ليون إلى تجمع صامت عصر أمس أمام مسجد فليفونتين، القائم قريبا من موقع الاعتداء من أجل التنديد بهذا «العمل الشيطاني»، الذي حصل في شهر رمضان.