إرم: منظمة الهجرة الدولية، قالت إن حوالي 1500 لقوا حتفهم منذ بداية العام الحالي خلال رحلتهم إلى أوروبا، ما يعد أكبر خسارة خلال الأعوام الخمسة الأخيرة.
بمجرد الحديث عن جغرافيا ليبيا، فنحن نتحدث عن استئثارها بـ 1.8 مليون كلم مربع، ما يعد الجزء الأضخم من مساحة الصحراء الكبرى بعد الجزائر، وعند الانتقال للحديث عن سواحلها، فهي بلا شك تمتلك أطول ساحل مطل على البحر المتوسط، بمسافة يناهز طولها ألفين كلم. هذه المعطيات، جعلت ليبيا بوابة كبرى للمهاجرين غير الشرعيين، القاصدين شواطئ القارة الأوروبية، التي تمثل حلماً لسكان شمال وغرب ووسط أفريقيا، الذين مزقت ويلات الحروب والفقر والجوع بلدانهم، ودفعتهم للرحيل علهُم يلامسوا فارق العيش الكريم، الذي افتقدوه منذ نعومة أظفارهم.
ولكن البوابة ذات المغريات المتعددة للمهاجرين، تعترضها طرق وعرة للوصول إلى شواطئ الأمان، فقد أطلق العديد من المراقبين على قوارب الهجرة المتواصلة، “قوارب الموت”، حيث تلتهم أمواج المتوسط العاتية، الآلاف من المهاجرين سنوياً، بالتوازي مع نجاح عدد منهم، بالنجاة ووطأة رمال شواطئ “أوروبا الحلم”. ويرى العقيد زايد ارحومة مسؤول جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية، بأن أوروبا لم تتعامل بجدية مع هذه الظاهرة، معتبرا أن “ظاهرة الهجرة تحتاج إلى جلوس جميع الأطراف لحلها، ليس بالمشورة والنصح كما يفعل الاتحاد الأوروبي، بل نحتاج إلى برنامج يعالج ولا يداوي فقط “.
وتابع ارحومة في حديثه مع “إرم”: “عند الزيارات السابقة للخبراء الأوروبيون، اقترحنا عليهم حلولا نهائية تتمثل في إقامة مراكز استقبال للمهاجرين في المناطق الحدودية، عوضا عن مراكز الإيواء التي توجد في المدن وما جاورها، وهذا الحل يجب على ليبيا والدول الأوروبية والمنظمات الدولية المساعدة في تحقيقه”. وعن الاشتراطات الفنية المرتبطة بهذا المشروع، أجاب: “يجب أن تتوفر عناصر تساهم في نجاحه، مثل وجود لجان طبية وقانونية واجتماعية؛ بل وحتى نفسية وحقوقية، بالإضافة إلى مترجمين، يسهلوا عملية التواصل مع المهاجرين”.
وأشار، إلى أن هذه اللجان، تقوم بفرز المهاجرين وتحديد وضعيتهم النهائية، إما بترحيلهم إلى دولهم أو باستقبال أوروبا لهم كلاجئين، أو الاستفادة منهم في سوق العمل الليبية، إذا ما توافرت فيهم المؤهلات اللازمة لتشغليهم. وكانت إحصائية لمنظمة الهجرة الدولية ، قد ذكرت أن حوالي 1500 لقوا حتفهم منذ بداية العام الحالي خلال رحلتهم إلى أوروبا، وأن هذه الخسائر تعد أكبر خسارة خلال الأعوام الخمسة الأخيرة.ووفقا لأحدث تقديرات المفوضية الأوروبية، ينتظر في ليبيا حاليا قرابة مليون مهاجر محتمل، يتحينوا فرصة عبور البحر المتوسط إلى أوروبا.
وقد أعلنت فدريكا موغريني الممثلة السامية للشؤون الخارجية والسياسية والأمن للاتحاد الأوروبي، في مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي، عزم الاتحاد تشكيل قوة دفاعية مشتركة، ضد الهجرة غير القانونية وشبكات التهريب، وتعزيز القوة الموجودة على الحدود الجنوبية الليبية مع النيجر.وأوضحت موغريني أن “المهربين يستغلون حالة فراغ السلطة وغياب الرقابة على الحدود الليبية”، داعية كافة الأطراف الليبية إلى التعاون مع دول الاتحاد الأوروبي، في ملف الهجرة غير القانونية. وتُقر ليبيا وتونس، وكذلك أيضا المغرب والجزائر، على أن أراضيها أضحت منطقة عبور وإقامة للعديد من هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين، الذين يجتازون الصحراء سنويا، كمقدمة للانتقال إلى أوروبا.
وشهد العام 2014، محاولة عبور 218 ألف مهاجر للمتوسط، طمعا في الوصول إلى دول الاتحاد الأوروبي، وقضى منهم 3500 مهاجر غرقا، حسبما ذكرت وكالة الأمم المتحدة للاجئين في بيان أصدرته مؤخراً. وتمثل شبكات الاتجار بالبشر، خيارات رابحة لبعض الأشخاص النافذين في ليبيا، والذين لديهم علاقات جيدة مع بعض المجموعات المسلحة التي تقدم لهم الحماية، وهي تجارة تدر ملايين الدولارات سنوياً في جيوبهم.شبكة إرم الإخبارية التقت مع مسؤول سابق عن إدارة شبكة تهريب المهاجرين في منطقة القربولي، وقدم بعض التفاصيل الخاصة بهذه العمليات، قائلا: “هذه الشبكات دفعت الكثير من الشباب الذين لديهم علاقات مع مجموعات مسلحة، بضمان إيصال المهاجرين من بلدانهم عبر الصحراء إلينا، حيث نقوم في مرحلة ثانية بالترتيب مع مجموعة أخرى لنقلهم عبر القوارب إلى شواطئ أوروبا، وغالبا ما تكون الوجهة سواحل إيطاليا الجنوبية”.
ويضيف المسؤول والذي يلقب بـ(متوسط واحد) لأسباب أمنية، “الرحلة للمهاجر الواحد تقترب تكلفتها من أربعة آلاف دولار أمريكي، يدفع نصفها عند عبوره الحدود الليبية ونقله عبر الصحراء، والنصف الثاني قبل ركوبه القارب”. وعن الضمانات التي تقدم للمهاجرين، أجاب: “لا توجد ضمانات والمهاجر يعرف ذلك جيدا، ومتأكد من أن الرحلة عبر البحر المتوسط نسبة نجاحها لا تتجاوز 30%، لكنه يفضل المجازفة على الموت جوعا في بلاده”. وتعد غابات “رأس غزال” التابعة لمنطقة “القربولي” بضواحي الشرقية للعاصمة طرابلس، من أكثر واهم نقاط عبور المهاجرين على مستوى ليبيا، كون المنطقة غير مأهولة بالسكان نسبيا، وتضم مساحة واسعة من الغابات المطلة على المتوسط، بطول يصل إلى نحو 14 كم.
كما توجد في طرابلس عند شواطئ بلدية تاجوراء، بالإضافة إلى بلدات زوارة وصبراتة والزاوية غرب البلاد، اللاتي يمثلن ممرات مهمة لنقل المهاجرين عبر سواحلها. وينوي الاتحاد الأوروبي وتحديدا إيطاليا، التي تتحمل العبء الأكبر من ملف المهاجرين، التصدي عسكرياً للمهربين، من خلال ضرب بؤر التهريب واستهداف القوارب قبل انطلاقها من السواحل الليبية. وأقرت فدريكا موغريني الممثلة السامية للشؤون الخارجية والسياسية والأمن للاتحاد الأوروبي، على هامش قمة استثنائية للاتحاد عقدت قبل أسبوع، خصصت لملف الهجرة غير الشرعية نحو المتوسط، بصعوبة إقناع الأمم المتحدة والسلطات الليبية، بإجازة هذا التحرك العسكري، الذي تعترض تنفيذه مخاطر إنسانية تهدد حياة المهاجرين، بالإضافة إلى صعوبة التمييز بين القوارب التجارية و المشبوهة.