بعد عقود من عمل ليبيا بالمصارف الربوية، يشرع المصرف المركزي في الرابع والعشرين من الشهر الجاري في قبول طلبات تأسيس المصارف الإسلامية، أو تحويل المصارف التقليدية إلى إسلامية في سبيل إلغاء الفوائد والربا.
وأصدر مصرف ليبيا المركزي الكتيب الخاص بالقواعد والضوابط المنظمة لممارسة نشاط الصيرفة الإسلامية والإجراءات والمستندات المطلوبة لممارسة النشاط المصرفي الإسلامي في ليبيا.
وقد وضع المصرف المركزي خريطة طريق تأسيس المصارف الإسلامية، أو التحول الكلي للصيرفة الإسلامية، أو التحول الجزئي التدريجي، موضحا جميع إجراءات وخطوات الحصول على رخصة الصيرفة الإسلامية.
والخطوة الجديدة هي الأولى في تاريخ المصارف الليبية مع تأكيدات المسؤولين في المصرف المركزي أنها انطلاقة حقيقية لنظام الصيرفة الإسلامية في البلاد.
تحديات كبيرة
ونبه أمين سر مجلس إدارة مصرف ليبيا المركزي فتحي يعقوب في حديث للجزيرة نت إلى أن تحول المصارف القائمة إلى النظام الإسلامي به إشكاليات وعراقيل كبيرة.
لكنه قال إن فرص نجاح المصارف الجديدة أكبر من المصارف المثقلة بالديون الربوية، مؤكدا أن المصارف الإسلامية الجديدة تستهدف تحقيق أهدافها بما في ذلك المسؤولية الاجتماعية واعتماد مبدأ المشاركة وليس الإقراض، مضيفا أن الحاجة للتأسيس هي الأقوى في الوقت الحالي لعدم وجود أعباء مالية.
واستبعد يعقوب التحول الكلي حاليا، لكنه قال إن المصارف لم يعد لها خيار سوى التحول إلى الصيرفة الإٍسلامية بعد صدور قانون إلغاء الفوائد الربوية.
وأشار إلى جملة من التحديات التي قال إن أكبرها معالجة أوضاع المصارف القائمة وتوفير الكوادر البشرية. وقد أقر بصعوبة التعامل مع الخيار الأخير، مشيرا إلى تحد آخر وهو تصفية الديون السابقة على المصارف.
|
تحديات عديدة تنتظر انتقال المصارف الليبية التقليدية إلى الصيرفة الإسلامية (الجزيرة) |
ورجح يعقوب تدخل الدولة لتسديد الديون وتعويض خسائر المصارف عند إلغاء الفوائد، مؤكدا أنه في السابق كانت المصارف تعتمد على الفوائد. كما شدد على أن التدخل ليس لتعويض الفوائد بل لدعم المصارف ومساعدتها على منع انهيارها.
وقال خبير الاستثمارات المالية وأسواق المال محمد عقيلة الهوني إن الخطوة جاءت متأخرة، لكنه ذكر للجزيرة نت "أن تأتي متأخرا خيرا من ألا تأتي"، لافتا إلى أنه تحد كبير للمصارف الكبيرة "المشهورة" في الانتقال إلى الصيرفة الإسلامية.
وقال إن فتح المجال للصيرفة غير الربوية يعتبر تحديا كبيرا لسوق المال الليبي والصناديق السيادية مثل صندوق الضمان الاجتماعي لإدارة فوائضها النقدية بمنتجات متوافقة مع الشريعة الإسلامية وأحكام القانون.
وتحدث عن عائق العجز الحاد في العناصر البشرية الليبية المؤهلة للمنتجات الإسلامية مثل الصيرفة الإسلامية والتأمين التكافلي والصكوك والشهادات الاستثمارية، قائلا إنه على سوق المال الليبي تحفيز الأوراق المالية التي تتوافق مع أحكام الشريعة.
كما أشار الهوني إلى تحديات إضافية أبرزها تكييف القوانين لفض النزاعات المالية أمام المحاكم.
من دون فوائد
وشدد الباحث في الصيرفة الإسلامية خليفة النعاس على أهمية انتقال ليبيا إلى المصارف الإسلامية، وقال في تصريح للجزيرة نت إن من الممكن استفادة الليبيين من المنتجات الإسلامية المختلفة، مشيرا إلى أن وظيفة المصارف الإسلامية المشاركة وليس الإقراض كما هو متعارف عليه.
وتوقع إقدام مصرف ليبيا المركزي على إنشاء صندوق يختص بالإقراض الحسن -من دون فوائد- وفقا لشروط وفئات محددة، مؤكدا أنه متفائل بالمستقبل الواعد للنظام المصرفي الإسلامي بليبيا الجديدة، ومتوقعا خروج أموال كبيرة من خزائن المصارف لتحريك عجلة الاقتصاد الوطني.
وعلى النقيض من التصريحات السابقة، رأى الباحث المالي محمد البرغثي أن الخطوة متعجلة، وأن الوقت لا يسمح بالدخول المباشر للصيرفة الإسلامية قبل وضع ضوابط ومعالجة أوضاع الصيرفة التقليدية.
لكنه قال للجزيرة نت إنه لا يتوقع فشل التجربة، مرجحا مخاطر تصاحب الانتقال يجب الانتباه إليها.
وبحسب البرغثي فإنه رغم تاريخ ليبيا الطويل في عمل المصارف فإنها "لم تستكمل إصدار معايير وضوابط تحكم أسس المحاسبة والمراجعة وعرض التقارير المالية"، مؤكدا أن المصرف المركزي لم يتمكن حتى هذه اللحظة من إصدار ضوابط الصيرفة التقليدية، "إذا كيف يصدر ضوابط للصيرفة الإسلامية؟".
وطرح البرغثي جملة من التساؤلات التي قال إنها "مشروعة" من بينها ما هو متعلق بمصير القروض الربوية السابقة وحقوق المساهمين في المصارف ذات النظام الربوي، وكيفية معالجة القروض الممنوحة بفوائد، مؤكدا أنه بشطبها تمنى المصارف بخسائر محققة، وقائلا إن الرأي الراجح في هذا الشأن هو الاستمرار في تحصيل القروض السابقة إلى حين الانتهاء منها.