العرب اللندنية: لم يجد الليبيون توازنهم النهائي بعد. أربع سنوات تقريبا على إسقاط نظام معمر القذافي ومأساة الصراع المسلح بين الدولة الجديدة والميليشيات المسلحة لا تزال مستمرة. ولعل تأثيرات تلك الصراعات على المحيط الإقليمي والعربي والدولي للمجال الليبي تزيد الأمور تعقيدا وصعوبة يوما بعد يوم بتواصل الكر والفر بين الإسلاميين من جهة والبرلمان والجيش من جهة أخرى. وقد حاولت الأمم المتحدة ومؤسسات المجتمع الدولي (خاصة الاتحاد الأوروبي) التدخل منذ مدة لحل النزاع الدائر في ليبيا، لكن أغلب تلك المساعي باءت بالفشل، نظرا لحجم التنازلات المطلوبة من قبل البرلمان المنتخب، واستحالة إقامة تعايش سياسي وسلمي مع تنظيمات إرهابية أو تساند الإرهاب وهو الأمر الذي أكدت عليه المؤسسات الليبية الشرعية المتمثلة في الجيش والبرلمان والحكومة المنبثقة عنه. ومن بين أسباب انتهاء مساعي الأمم المتحدة إلى الفشل أن مبعوثها الخاص برناردينو ليون لم يتمكن هو وفريقه الخاص من التوصل إلى صياغة سليمة ترضي جميع الأطراف وتنهي الصراع في ليـبيا. فبعد مبادرته الأخيرة القاضية بتكوين حكومة وحدة وطنية وتشكيل مجلس أعلى للدولة، عبر مجلس النواب الليبي على لسان ناطقه الرسمي فرج بوهاشم أن "المجلس متمسك بشرعيته ورافض لتعويضه بمجلس أعلى للدولة يتولى التشريع"، في حين واصل برناردينو ليون مساعيه لإقناع المجلس بأن مبادرته صائبة في طريق إنهاء الصراع المسلح في ليبيا.
هناك تغطية دولية لنشاط الميليشيات المسلحة في ليبيا
أعلن مجلسي النواب الليبي المنتخب المنعقد في مدينة طبرق، أقصى شرقي البلاد عن "موافقته على حكومة الوفاق الوطني التي تقرر تشكيلها خلال جلسات الحوار، ورفضه تكوين مجلس أعلى للدولة". جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي عقده فرج بوهاشم الناطق باسم مجلس النواب الليبي في العاصمة المصرية القاهرة، وقال بوهاشم خلال اللقاء الصحفي "قبلنا المسودة الثالثة في وقت سابق (قدمت في جلسة الحوار الأخيرة) وقدمنا تنازلات لكن مخرجات الجولة الأخيرة لم تصل إلى مستوى التنازلات التي قدمناها". وخلال المؤتمر الصحفي الذي نقلته القناة الليبية الرسمية، أضاف الناطق باسم مجلس النواب الليبي قائلا أنه "لو قلنا إن هناك 50 بالمئة من النقاط الإيجابية في المسودة، فإن بندا واحدا سوف يكون كفيلا بنسف كل النسب الإيجابية في المسودة لأننا لا نقبل أن نتنازل أكثر من هكذا تنازل". واتهم بوهاشم المجتمع الدولي والأمم المتحدة بما أسماه "شرعنة الميليشيات والأجسام الميتة" في إشارة لقوات فجر ليبيا المناهضة له والمؤتمر الوطني المنعقد في طرابلس، وتابع "المجتمع الدولي تخلى عن ليبيا في حربها ضد الإرهاب، وانحاز إلى الطرف الذي رفض نتائج الانتخابات وفضل الاحتكام إلى السلاح ". وهو ما يعبر عن التوصيف السياسي العام الذي يتبناه مجلس النواب الليبي المنبثق عن الانتخابات التشريعية الأخيرة. وأكد الناطق باسم مجلس النواب الليبي إن "البرلمان سيخاطب الأمم المتحدة بشكل رسمي بشأن المسودة الرابعة التي قدمتها البعثة الأممية في ليبيا خلال الجولة السابقة من الحوار الليبي" دون أن يفصح عن فحوى المخاطبة.
وقال بوهاشم إن مجلس النواب حمل الأمانة من الشعب وما يزال متحملا للمسؤولية إلى حين استقرار الوضع، قائلا "الوحيد القادر على أن يسلب الشرعية عن البرلمان هو الشعب". وأشار المتحدث باسم مجلس النواب خلال المؤتمر الصحفي في القاهرة إلى أن مجلس النواب عبر عن نيته الخالصة للتحاور مع من يمتلك رأيا مخالفا، من أجل الوصول إلى حل للأزمة الراهنة، بدليل أن أعضاء المجلس جلسوا مع جماعة الإخوان المسلمين التي تسببت في أزمة رئيسية بالمؤتمر الوطني. كما أكد المتحدث أن البرلمان الليبي لم ينسحب من الحوار، مشيراً أنهم قاموا "باستدعاء فريق الحوار الذي يمثله في مباحثات السلام، لكن الدعوة وصلت متأخرة، حيث وصل الفريق إلى برلين ولم يتمكن من العودة إلى طبرق". يأتي هذا التطور بعد أن أعلن البرلمان الليبي الشرعي رفض اقتراح الأمم المتحدة تشكيل حكومة وحدة لإنهاء الصراع على السلطة الدائر في البلاد. وقال فرج بوهاشم إن البرلمان الليبي المنتخب منع نوابه من السفر إلى ألمانيا لحضور اجتماع مع زعماء دول أوروبية ودول شمال أفريقيا وفق الاقتراح المقدم من مبعوث الأمم المتحدة الخاص برناردينو ليون. وقال بوهاشم الناطق باسم مجلس النواب الليبي في مداخلة إعلامية له من طبرق مقر البرلمان المنتخب أن "مجلس النواب يرفض المسودة الرابعة وأيضا يمنع الفريق المحاور من مناقشة أي بنود من المسودة، وتم استدعاء الفريق المحاور على وجه السرعة ومنعه من الذهاب إلى برلين". وفي السياق، أكد فرج أبو هاشم أن الارتباك الذي وقع في النقاشات ليس سوى انعكاس لمواقف المؤسسات الدولية "البعيدة عن المعطيات الدقيقة ميدانيا”، وأكد أن الأمم المتحدة بهذه الشاكلة "تعطل مسار الحوارات". ويقول مراقبون في السياق أن تعاطي المجتمع الدولي والأمم المتحدة مع الأزمة الليبية يغلب عليها طابع المصالح بشكل واضح، خاصة في ما يتعلق بالسوق النفطية والغاز وأسواق لإعادة الإعمار وأيضا ملف الهجرة غير الشرعية الذي يؤرق أوروبا، الأمر الذي يدفع بالاتحاد الأوروبي إلى أن يكون قريبا بشكل دائم من تطورات الأحداث في ليبيا وإنهاء حالة الصراع المسلح بشكل أسرع.
المجتمع الدولي يحرص على السلم والتحول الديمقراطي
قال المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا برناردينو ليون إنه "على جميع الأطراف في ليبيا الذهاب وفق الصيغ الدولية التي تم اقتراحها نحو إنهاء الصراع المسلح بين الطرفين الأساسيين في ليبيا"، وذلك أثناء ندوة صحفية على إثر الإعلان عن خارطة طريق جديدة للتسويات بين البرلمان الليبي وحكومته المنبثقة عنه وجماعة فجر ليبيا المسلحة المحسوبة على الإخوان المسلمين. وقال برناردينو ليون إنه وفريقه يثنيان "على البأس والتصميم الذي أظهرته الأطراف المتنازعة من أجل إنجاح النقاشات واللقاءات التي تجري بين برلين والصخيرات بالمغرب وتونس". ويؤكد مراقبون أن هذا التصريح في غير محله باعتبار أن أحد الأطراف وهو فجر ليبيا لا يزال يصعد من الصراع ميدانيا لتحسين شروط التفاوض مع البرلمان الليبي رغم أن الأمم المتحدة على لسان مبعوثها الخاص تشترط وقف إطلاق النار لبدء المحادثات. وقال ليون موجها كلامه إلى وفود الشقين المتصارعين في ليبيا إنه “بعد خمسة أشهر من المفاوضات الطويلة والصعبة، غرستم إحساساً بالأمل لدى شعب ليبيا بأن التوصل إلى حل سلمي للنزاع في ليبيا ممكن، فقد حان الوقت الآن لاتخاذ قرار أكثر صعوبة لتحقيق السلام والبدء في العملية الرامية إلى تحقيق المصالحة الوطنية. وأضاف المبعوث الدولي: "قريبا، سوف تتسلمون أحدث مسودة للاتفاق السياسي المقترح الذي كان في صلب المناقشات التي أجريتموها على مدى الأشهر القليلة الماضية. وكلي أمل في أن تمثل هذه المسودة حلا عادلا ومعقولا يدفعنا للمضي إلى الأمام ومن شأنه أن تسترشد به عملية التحول الديمقراطي والسياسي في البلاد إلى حين اعتماد دستور دائم".
وقد كان هذا التصريح محل انتقاد شديد من قبل مجلس النواب الليبي المنتخب ومقره طبرق، فقد أكد النواب أن مسودة برناردينو ليون لا يمكن قبلوها “لأنها تفرض تنازلات مستحيلة وتحوي مجلسا أعلى للدولة الذي سوف يعوض في مهامه مجلس النواب وهذا أمر مرفوض". وقال مبعوث الأمم المتحدة "تقدم المسودة الحالية رؤية للهيكل المؤسسي المؤقت والترتيبات الأمنية التي سوف يقوم عليها ما تبقى من الفترة الانتقالية. وهي تركز على تزويد هذه المؤسسات بالقدرة والأدوات اللازمة للحكم بشكل فعال في الوقت الذي تضمن فيه التزامها بمبادئ الديمقراطية والفصل بين السلطات والضوابط والموازين المناسبة. وفي حين أنه غني عن القول إنه من غير المرجح على الإطلاق أن تلبي أية مسودة جميع توقعات الأطراف المختلفة في السياق الليبي الحالي، فأنا واثق أن المسودة الحالية تقطع شوطا طويلا نحو إقامة أرضية مشتركة للتوصل إلى اتفاق سياسي عادل ومعقول قائم على توافق الآراء والتوازن والشمول، وذلك بإمكانه أن يمهد الطريق لاستئناف العملية الديمقراطية في بلدكم، وهذا ليس اتفاقاً للفائزين أو الخاسرين، بل هو اتفاق المنتصر الحقيقي الوحيد فيه هو شعب ليبيا".
وقد أكد برناردينو ليون أنه رغم اعتراض مجلس النواب الليبي على هذه الخطة إلا أن المشاورات معه في تواصل. ويأتي هذا التصريح خاصة بعد أن أعلن مجلس النواب أنه قبل بمقترح حكومة توافق وطني تجمع كافة الفرقاء، لكنه رفض إقامة مجلس أعلى للدولة يقوم مقام مجلس النواب في التشريع. وأضاف برناردينو ليون قائلا "الأمر الهام للغاية هو الاتفاق بينكم هنا اليوم بشأن حكومة وفاق وطني تمثل جميع الليبيين، يمكنها أن تبدأ العمل بسرعة لتولي مسؤولياتها في التصدي للتحديات الصعبة العديدة التي تواجه بلدكم، والعمل على تحقيق الاستقرار واستعادة السلام في البلدات والمدن في مختلف أنحاء ليبيا، كما يتعين أيضا اتخاذ الخطوات اللازمة بسرعة لوقف إراقة الدماء وهذا يتطلب تنازلات أليمة من الطرفين". وقد تأكدت خطة الأمم المتحدة هذه التي طرحها برناردينو ليون بتصريحات لبان كي مون في أكثر من مناسبة والتي شدد فيها على الحوار بين الأطراف المتنازعة في ليبيا، وهو حوار على قاعدة المصلحة العامة للشعب الليبي وهو ما يقتضي تنازلات متواصلة. وأكد ليون بدوره على أن الصيغ المطروحة "لن تعجب أي طرف بالكامل" وهذا طبيعي، إلا أن الأمن والاستقرار "يتطلب ضريبة" حسب تعبيره.
الاشتباكات وسط ليبيا تتصاعد في ظل تباطؤ الحوار بين الأطراف
أعلنت رئاسة الأركان التابعة للمؤتمر الوطني العام" النتهية ولايتة"، المنطقة الوسطى في ليبيا، "منطقة اشتباكات عسكرية"، وطالبت قواتها البرية والجوية والبحرية وضع أوامرها موضع التنفيذ. وأوضحت رئاسة الأركان، في بيان لها نشرته على موقعها الرسمي، أنها أصدرت منذ نهاية الأسبوع الماضي، تعليماتها بتحديد المنطقة الممتدة من "النوفلية" 100 كلم شرقي سرت، وحتى"بوقرين" 120 كم غربي سرت، وجنوباً حتى منطقة "الجفرة" منطقة اشتباكات عسكرية، حتى إشعار آخر. وطالبت في بيانها المواطنين بتوخي الحذر، والابتعاد عن المنطقة المعلنة. ويأتي إعلان رئاسة الأركان عقب سيطرة مسلحين ينسبون أنفسهم إلى "تنظيم الدولة الإسلامية" على مدينة سرت، خلال الأشهر الماضية، فضلا عن مناطق "هرواة" و"التسعين" و"النوفلية" المحاذية للهلال النفطي شرقا، وقرى ومناطق غربي المدينة. ولا تزال قوات المؤتمر الوطني العام، تخوض قتالاً منذ أشهر في سرت وضواحيها، مع مسلحي "تنظيم الدولة"، دون أن تتضح نتائج القتال. وسبق أن نشرت مواقع إلكترونية مقربة من تنظيم الدولة، فيديو يظهر سيطرة التنظيم على محطة لتوليد الطاقة، في مدينة سرت، شمالي ليبيا. هذا وتوثق فيديوهات مصورة لحظة دخول مقاتلي التنظيم إلى محطة الطاقة، ومشاهد أخرى لإنزال العلم الليبي، واستبداله بعلم التنظيم.
وحسب التعليقات المرفقة بالفيديو، فإن حادث السيطرة على المحطة، كان في التاسع من يونيو الجاري . واختتم الفيديو ببيان، أعلن فيه التنظيم سيطرته على المحطة، وكامل مدينة سرت، بعد أن وقعت اشتباكات بينه وبين قوات الجيش الليبي. وحسب الموقع الرسمي للشركة العامة للكهرباء الليبية، فإن محطة سرت البخارية، هي أكبر محطات توليد الكهرباء في ليبيا، إذ تعمل بقدرة إنتاجية عالية، تمكنها من تزويد معظم مناطق الشمال الليبي. وتخوض قوات رئاسة أركان المؤتمر الوطني العام، قتالاً ضد مسلحين متطرفين ينسبون أنفسهم إلى تنظيم الدولة بمدينة سرت، منذ فبراير الماضي، مسببة خسائر في الأرواح والممتلكات.أما على المستوى الدبلوماسي، فقد تحرك أخيرا وفد برلماني ليبي قادم من طبرق في زيارة لمصر تستغرق عدة أيام، يلتقي خلالها مع عدد من كبار المسؤولين لبحث آخر التطورات في ليبيا. وصرحت مصادر ليبية مطلعة شاركت في استقبال الوفد الذي يضم ستة من أعضاء مجلس النواب بأن الوفد “سيلتقي كبار المسؤولين المصريين لبحث التطورات الأخيرة في ليبيا وسبل مساعدة الشعب الليبي والبرلمان المنتخب والحكومة المنبثقة عنه لتحقيق الاستقرار ومواجهة التنظيمات الإرهابية ومنع محاولات التسلل والتهريب عبر الحدود المصرية الليبية”. وقالت المصادر إن الوفد سيلتقي أيضا خلال زيارته إلى مصر مع برناردينو ليون مبعوث الأمم المتحدة بشأن ليبيا الذي سيزور مصر قريبا لبحث المشروع الرابع للتسوية السياسية للأزمة الليبية والذي طرحه ليون مؤخرا على الأطراف الليبية.