مازالت موجة الاحتجاجات التي اجتاحت مختلف المدن التونسية متواصلة، وهو ما دفع الحكومة إلى فرض حظر تجول خاصة مع تصاعد أعمال التخريب والعنف، في ظل تحذيرات من استغلال التنظيمات الجهادية للحراك الاجتماعي من أجل إشاعة الفوضى في البلاد.
العرب اللندنية: أعلنت وزارة الداخلية التونسية، أمس الجمعة، فرض حظر تجول ليلي في كافة أنحاء البلاد بعد أيام من احتجاجات على الأوضاع الاجتماعية والمعيشية اندلعت إثر وفاة شاب خلال تحرك احتجاجي في محافظة القصرين وامتد إلى مختلف المدن. وقالت الوزارة في بيان لها "نظرا لما شهدته البلاد من اعتداءات على الأملاك العامة والخاصة وما بات يُشكله تواصل هذه الأعمال من مخاطر على أمن الوطن والمواطن، تقرر بداية من يوم الجمعة إعلان حظر التجول بكامل تراب الجمهورية من الثامنة ليلا وحتى الخامسة صباحا".
وأكدت الوزارة أن "كل مخالفة لهذا القرار يتعرض مرتكبها إلى التبعات القانونية اللازمة في ما عدا الحالات الصحية والمستعجلة وأصحاب العمل الليلي". وأهابت بكل المواطنين "الالتزام بمقتضيات حظر التجوال الليلي". وتعالت الأصوات المنادية بضرورة توخي الحذر من محاولات الإرهابيين استغلال الاحتجاجات والتخفّي وراءها لإشاعة الفوضى في البلاد وتنفيذ عمليات ضدّ المدنيين والقوات الأمنية والعسكرية. وأكد وليد اللوقيني المتحدث باسم وزارة الداخلية، في تصريحات صحفية، أن "الاحتجاجات هي في الأصل سلمية ويقوم بها مواطنون يطالبون بحقهم في التشغيل والتنمية"، مؤكدا "رصد تحركات تخريبية موازية لعناصر معروفين بتشددهم الديني، في محاولة لتأجيج الأوضاع وإخراج الاحتجاجات المدنية عن سياقها السلمي".
وأفادت مصادر إعلامية متطابقة بأن قوات الجيش التونسي تمكنت من التصدي لمجموعة إرهابية حاولت التسلل إلى وسط مدينة القصرين "للاندساس وسط المتظاهرين ولخلق مناخ ملائم لتنفيذ عمليات إرهابية تستهدف مؤسسات الدولة ووحدات الأمن والجيش". وقال الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل المكلف بالإعلام سامي الطاهري إن المعطيات المتوفرة تؤكد دخول عناصر مشتبه في انتمائها لمجموعات إرهابية، وأخرى تمتهن التهريب على خط الاحتجاجات السلمية المطالبة بالتشغيل والتنمية".
ونقلت وكالة الأنباء التونسية عن الطاهري قوله أمس الجمعة "إن الدليل على ذلك تؤكده أحداث النهب والسرقة والفوضى التي حصلت ليلة أمس بحي التضامن بالعاصمة والتي يقف خلفها لصوص ومجموعات سلفية". وأشار الطاهري، إلى أنه تحصل على معطيات، وصفها بـ"الأكيدة" من ساحة الأحداث بالقصرين وغيرها من المدن، في الوسط الغربي لتونس، من الشباب المحتج سلميا تشير إلى "وجود أموال توزع على عدد من الشباب في هذه المناطق من أجل التصعيد والحرق والتهشيم". هذا، وأعربت ألمانيا، أمس الجمعة، عن "بالغ قلقها" إزاء موجة الاضطرابات الاجتماعية التي تشهدها تونس في الوقت الحالي، داعية كافة الأطراف إلى التعقل.
ودعت السلطات، في وقت سابق، إلى الهدوء بعد أيام من الاضطرابات التي اندلعت في القصرين إثر وفاة الشاب رضا اليحياوي (28 عاما) العاطل عن العمل بصعقة كهربائية خلال تسلقه عمودا احتجاجا على سحب اسمه من قائمة توظيف في القطاع العام. وتزايد منسوب الاحتقان والمظاهرات والاشتباكات مع قوات الأمن ومداهمة مقرات بعض المحافظات، وحرق عدد من مراكز الشرطة في أكثر من جهة بدءا من محافظة مدنين الواقعة جنوب البلاد على الحدود مع ليبيا وصولا إلى محافظة الكاف الواقعة شمال غرب البلاد على الحدود مع الجزائر، مرورا بمحافظات قفصة وصفاقس والقيروان والمهدية وجندوبة وباجة وزغوان وقابس وتوزر وسوسة وقبلي.
وطالب المحتجون السلطات بوضع حد لسياسات تتعامل معهم كـ"مواطنين من درجة ثانية" وبالكف عن "التهميش السياسي"، إضافة إلى التهميش الاجتماعي من خلال القطع مع استحواذ السلطة المركزية على مواقع صنع القرار الإداري والسياسي خاصة المتعلقة منها بأوضاع الجهات. وتقول القوى السياسية والمدنية المعارضة إن الاحتجاجات الاجتماعية تستبطن احتجاجات سياسية ترفض سطوة السلطة المركزية على إدارة الشأن العام بالجهات وعدم إشراكها في القرارات التي تهمها.
وتضيف تلك القوى أنه ليس من الصدفة أن ينتفض المحرومون والمهمشون في الجهات الداخلية، بعد أسبوع واحد من التحوير الوزاري الذي أجراه رئيس الحكومة بناء على ترضيات سياسية مسبقة خاصة بين الحزبين المتحالفين اللذين يستحوذان مجتمعين على الأغلبية البرلمانية، حركة النهضة ونداء تونس. وقطع رئيس الحكومة التونسية الحبيب الصيد مشاركته في منتدى دافوس لعقد مؤتمر صحفي على خلفية موجة الاحتجاجات الواسعة.
وقال مصدر من رئاسة الحكومة لوكالة الأنباء الألمانية، إن الحبيب الصيد سيعقد مجلسا وزاريا طارئا، اليوم السبت، للنظر في خطط الحكومة العاجلة بهدف تهدئة موجة الاحتجاجات. وكان في خطط الوفد التونسي إلى دافوس، التسويق لخطة إنقاذ اقتصادي بسقف تمويلات خارجية يصل إلى 23 مليار دولار تحتاجها على مدى الخمس سنوات المقبلة. وأعلن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أن "فرنسا ستطبق خطة دعم لتونس بقيمة مليار يورو على مدى السنوات الخمس المقبلة". ويمثل توفير فرص عمل لأكثر من 600 ألف عاطل ثلثهم من أصحاب الشهادات الجامعية، أحد أكبر التحديات التي تواجهها الديمقراطية الناشئة بعد خمس سنوات من الانتقال السياسي إلى جانب التنمية في الجهات الفقيرة ومكافحة الإرهاب.