صحيفة فبراير- عمر الكدي- تبدو
استقالة المقريف أشبه إلى حد كبير بنفي زعيم حزب المؤتمر بشير السعداوي،
وكأن ليبيا بعد أكثر من ستين عاما تعود لتكرر نفس الخطأ، وتظهر جحودا لم
تستطع التخلص منه، فتعمل على عزل زعيم المعارضة، وتساويه بأزلام القذافي.
هذه هي ليبيا كما وصفها علي الرقيعي "ماذا أخبر عنك؟ هل تجدي وسيلة؟ يا جنة الغرباء. يا مثوى طفولتنا الجميلة ماذا وخيرك يا بخيلة بددته للريح؟ خيرك يا بخيلة
يا من يعذب حبها قلبي وما بيدي حيلة". أو ربما كما وصفتها في قصيدتي "بلاد تحبها وتزدريك".
هذه هي الاستقالة الثانية للمقريف بعد استقالته الطوعية عام 2001، عندما استقال من رئاسة الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا بعد عشرين عاما متواصلة، وهو أمر جعل الأحزاب المعارضة صورة مطابقة للأنظمة الحاكمة. استقال المقريف من الجبهة وتفرغ لإصدار مجموعة من الكتب الهامة حول التاريخ الليبي الحديث والمعاصر، وهو أهم عمل قام به المقريف في مسيرة حياته، وكنت قد نشرت مقالا في صحيفة العرب القطرية عام 2009 بعنوان "معارضة المعارضة"، ركزت فيه على التشابه الشديد بين الأحزاب العربية المعارضة والأنظمة الحاكمة، فغالبا ما يبقى زعيم المعارضة رئيسا للحزب قبل أن يورث المنصب لأبنه، أو شقيقه، وعندما أخذت أعدد الاستثناءات ذكرت أن الأمين العام للجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا قد استقال من منصبه لصالح صهره إبراهيم صهد، وهو ما أثار استياء المقريف وصهد وأعضاء الجبهة حيث شنوا علي حملة إعلامية استمرت ثلاثة أشهر.
وعبر الدكتور المقريف عن استياءه عندما أجريت معه لقاء إذاعيا لصالح إذاعة هولندا العالمية، بمناسبة الذكرى الأربعين من انقلاب القذافي، وأذكر أنه قال لي إن إبراهيم صهد انتخب في مؤتمر عام، فقلت له "للأمانة يا دكتور القذافي لم يعين أحدا جميعهم جاءوا من مؤتمر الشعب العام"، وكانت مناسبة للتصافي ونهاية الجفوة، إلا أنني استغربت عودة المقريف إلى رئاسة حزب الجبهة بعد انتصار ثورة 17 فبراير، وعندما انتخب رئيسا للمؤتمر الوطني العام، انتخب محمد عبد الله بدلا منه لرئاسة حزب الجبهة، والأخير تربطه علاقة مصاهرة مع إبراهيم صهد، فاستغربت أكثر من تداول الأصهار على رئاسة الحزب.
اضطررت لرواية ما حدث مرة أخرى لأوكد أن المقريف رجل سياسي بكل معنى الكلمة، ولا تنقصه القدرة على المناورة السياسية، عندما نجح في أن يكون رئيسا للمؤتمر الوطني العام الذي يملك فيه حزبه فقط ثلاثة مقاعد، وذلك بقدرته على المناورة بين الكتلتين الرئيسيتين في المؤتمر، إلا أن مناورته الأخيرة عندما قدم استقالته لشموله بقانون العزل السياسي تبدو مناورة في مكان ضيق، لم يتعود عليها المقريف طوال مسيرته النضالية.
أختار المقريف أسلم العواقب ليختم به تاريخه السياسي، أو ليستأنف هذا التاريخ إذا نجحت مناورته الأخيرة، فهو يدرك أن إصراره على البقاء في منصبه سيكلفه وحزبه الكثير، لذلك لم يقدم استقالته من بعيد على طريقة "الحرجان"، وإنما في جلسة عامة منقولة على الهواء مباشرة، وبكلمة ضافية وبقليل من الدموع، حتى ارتداء المعرقة البيضاء كان جزاء من السيناريو، وعلى الفور ارتفعت شعبية المقريف من خلال متابعتي لردود الأفعال على استقالته وخاصة على الفيس بوك، أما النواب الذين كانوا السبب في عزله فقد توافدوا عليه يحتضنونه ويقبلونه.
إذا تمكنت هذه الاستقالة المدوية التي قوبلت بتعاطف شعبي كبير، من فرض ضغط شعبي على المؤتمر لتنقيح قانون العزل السياسي، وذلك باستثناء المعارضين للقذافي من العزل، أو الطعن في دستورية القانون أمام المحكمة العليا، يكون المقريف قد نجح في أصعب مناوراته السياسية، وعندها يمكنه العودة في الانتخابات القادمة تسانده شعبية كبيرة، ويكون قد رسخ في الأذهان أنه غير متكالب على السلطة، وليس كما ظن البعض عندما رأوه يقف في كل المحافل الدولية والإقليمية، ويوصف بأنه القائد الأعلى للقوات المسلحة في بلد يعج بالميليشيات.
أما إذا فشل هذا السيناريو فعندها يكون المقريف وهو في الثالثة والسبعين من عمره قد نفذ أهم قرار شجاع في حياته، والذي لم يجرؤ على اتخاذه أي رئيس عربي، ويصبح بهذا القرار مثالا للتضحية ونكران الذات من أجل شعبه ووطنه، وسيستفيد حزبه كثيرا من هذا القرار، خاصة إذا خرج من عباءة الأصهار.
هذه هي ليبيا كما وصفها علي الرقيعي "ماذا أخبر عنك؟ هل تجدي وسيلة؟ يا جنة الغرباء. يا مثوى طفولتنا الجميلة ماذا وخيرك يا بخيلة بددته للريح؟ خيرك يا بخيلة
يا من يعذب حبها قلبي وما بيدي حيلة". أو ربما كما وصفتها في قصيدتي "بلاد تحبها وتزدريك".
هذه هي الاستقالة الثانية للمقريف بعد استقالته الطوعية عام 2001، عندما استقال من رئاسة الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا بعد عشرين عاما متواصلة، وهو أمر جعل الأحزاب المعارضة صورة مطابقة للأنظمة الحاكمة. استقال المقريف من الجبهة وتفرغ لإصدار مجموعة من الكتب الهامة حول التاريخ الليبي الحديث والمعاصر، وهو أهم عمل قام به المقريف في مسيرة حياته، وكنت قد نشرت مقالا في صحيفة العرب القطرية عام 2009 بعنوان "معارضة المعارضة"، ركزت فيه على التشابه الشديد بين الأحزاب العربية المعارضة والأنظمة الحاكمة، فغالبا ما يبقى زعيم المعارضة رئيسا للحزب قبل أن يورث المنصب لأبنه، أو شقيقه، وعندما أخذت أعدد الاستثناءات ذكرت أن الأمين العام للجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا قد استقال من منصبه لصالح صهره إبراهيم صهد، وهو ما أثار استياء المقريف وصهد وأعضاء الجبهة حيث شنوا علي حملة إعلامية استمرت ثلاثة أشهر.
وعبر الدكتور المقريف عن استياءه عندما أجريت معه لقاء إذاعيا لصالح إذاعة هولندا العالمية، بمناسبة الذكرى الأربعين من انقلاب القذافي، وأذكر أنه قال لي إن إبراهيم صهد انتخب في مؤتمر عام، فقلت له "للأمانة يا دكتور القذافي لم يعين أحدا جميعهم جاءوا من مؤتمر الشعب العام"، وكانت مناسبة للتصافي ونهاية الجفوة، إلا أنني استغربت عودة المقريف إلى رئاسة حزب الجبهة بعد انتصار ثورة 17 فبراير، وعندما انتخب رئيسا للمؤتمر الوطني العام، انتخب محمد عبد الله بدلا منه لرئاسة حزب الجبهة، والأخير تربطه علاقة مصاهرة مع إبراهيم صهد، فاستغربت أكثر من تداول الأصهار على رئاسة الحزب.
اضطررت لرواية ما حدث مرة أخرى لأوكد أن المقريف رجل سياسي بكل معنى الكلمة، ولا تنقصه القدرة على المناورة السياسية، عندما نجح في أن يكون رئيسا للمؤتمر الوطني العام الذي يملك فيه حزبه فقط ثلاثة مقاعد، وذلك بقدرته على المناورة بين الكتلتين الرئيسيتين في المؤتمر، إلا أن مناورته الأخيرة عندما قدم استقالته لشموله بقانون العزل السياسي تبدو مناورة في مكان ضيق، لم يتعود عليها المقريف طوال مسيرته النضالية.
أختار المقريف أسلم العواقب ليختم به تاريخه السياسي، أو ليستأنف هذا التاريخ إذا نجحت مناورته الأخيرة، فهو يدرك أن إصراره على البقاء في منصبه سيكلفه وحزبه الكثير، لذلك لم يقدم استقالته من بعيد على طريقة "الحرجان"، وإنما في جلسة عامة منقولة على الهواء مباشرة، وبكلمة ضافية وبقليل من الدموع، حتى ارتداء المعرقة البيضاء كان جزاء من السيناريو، وعلى الفور ارتفعت شعبية المقريف من خلال متابعتي لردود الأفعال على استقالته وخاصة على الفيس بوك، أما النواب الذين كانوا السبب في عزله فقد توافدوا عليه يحتضنونه ويقبلونه.
إذا تمكنت هذه الاستقالة المدوية التي قوبلت بتعاطف شعبي كبير، من فرض ضغط شعبي على المؤتمر لتنقيح قانون العزل السياسي، وذلك باستثناء المعارضين للقذافي من العزل، أو الطعن في دستورية القانون أمام المحكمة العليا، يكون المقريف قد نجح في أصعب مناوراته السياسية، وعندها يمكنه العودة في الانتخابات القادمة تسانده شعبية كبيرة، ويكون قد رسخ في الأذهان أنه غير متكالب على السلطة، وليس كما ظن البعض عندما رأوه يقف في كل المحافل الدولية والإقليمية، ويوصف بأنه القائد الأعلى للقوات المسلحة في بلد يعج بالميليشيات.
أما إذا فشل هذا السيناريو فعندها يكون المقريف وهو في الثالثة والسبعين من عمره قد نفذ أهم قرار شجاع في حياته، والذي لم يجرؤ على اتخاذه أي رئيس عربي، ويصبح بهذا القرار مثالا للتضحية ونكران الذات من أجل شعبه ووطنه، وسيستفيد حزبه كثيرا من هذا القرار، خاصة إذا خرج من عباءة الأصهار.