وكان الجيش الليبي ووحدة مكافحة الإرهاب التابعة لوزارة الداخلية، في مقرات الاحتجاز الثلاثة التي تمت زيارتها، يحتجزون 450 "محتجزاً أمنياً" على خلفية النزاع الراهن. ومن بين المحتجزين الذين تمت زيارتهم، قال 35 لـ هيومن رايتس ووتش إنهم تعرضوا للتعذيب عند الاعتقال أو أثناء الاستجواب أو الاحتجاز. وقال 31 إن المحققين أرغموهم على "الاعتراف" بجرائم، وقال 4 إن السلطات قامت بعد ذلك ببث "اعترافاتهم" على التلفاز، مما أدى إلى اعتداءات انتقامية على عائلاتهم. وقال جميع المحتجزين الذين أجرت معهم هيومن رايتس ووتش المقابلات إنهم لم يمنحوا حق التواصل مع محام ولا عرضوا على قاض أو وجهت إليهم اتهامات رسمية رغم قضاء شهور رهن الاحتجاز. وكانت وسيلة التعذيب الأكثر شيوعاً بحسب الإفادات هي الضرب بالانابيب البلاستيكية على الأجساد أو بواطن الأقدام، لكن البعض ضربوا بالأسلاك الكهربية أو الجنازير أو العصي. وأفاد المحتجزون أيضاً بالتعرض للصدمات الكهربية، أو التعليق لفترات مطولة، أو إدخال أجسام في تجاويف الجسم، أو حبسهم انفرادياً، أو الحرمان من الطعام ووسائل النظافة الشخصية. كما زعم محتجزون وقوع ما لا يقل عن اثنتين من حالات الوفاة أثناء الاحتجاز نتيجة للتعذيب.
وقد ضمت صفوف من أجريت معهم المقابلات في سجون الجيش ووزارة الداخلية أشخاصاً اشتبهت السلطات في ممارستهم للإرهاب أو الانتماء إلى جماعات متطرفة كتنظيم الدولة الإسلامية (المعروف أيضاً باسم داعش) وأنصار الشريعة. وضمت صفوفهم أيضاً أفراداً من قوات درع ليبيا التي تحارب الحكومة المعترف بها دولياً، وبعض المشتبه في عضويتهم في الإخوان المسلمين أو غيرهم من الحركات الإسلامية. وضمت صفوف المحتجزين في السجون العسكرية والتابعة لوزارة العدل على السواء مواطنين من دول عربية وأفريقية أخرى. وكانت ليبيا، منذ اندلاع النزاع المسلح الحالي في مايو/أيار 2014، قد اجتاحها الصراع بين الحكومة المعترف بها دولياً، المتمركزة في مدينتي طبرق والبيضاء في الشرق والمتمتعة بتأييد الجيش الليبي، وحكومة أعلنت عن نفسها بتلك الصفة تؤيدها المليشيات المسلحة لتحالف فجر ليبيا المسيطرة على طرابلس ومعظم الغرب الليبي. وقد أدى غياب سلطة حكومية مركزية إلى تعطيل واسع النطاق للقانون والنظام، وانهيار فعلي لنظام العدالة نتجت عنه عمليات احتجاز تعسفي، بحسب هيومن رايتس ووتش. وتسبب القتال في مقتل آلآف الأشخاص، وبينهم مدنيون، وتشريد مئات الآلاف، وتدمير مرافق مدنية حيوية.
وقالت سحر بانون، وكيلة وزير العدل في الحكومة المعترف بها دولياً، لـ هيومن رايتس ووتش في اجتماع بتاريخ 14 أبريل/نيسان إن نظام العدالة الجنائية في شرق ليبيا قد انهار، حيث لا توجد محاكم جنايات عاملة، وإن المحامي العام ببنغازي أمرت بتعيين لجنة من أفراد النيابة لتصنيف قضايا المحتجزين. وقال فرج الجويفي، رئيس النيابة العسكرية في البيضاء، إن العاملين معه ما زالوا يجرون التحقيقات، وإن محكمة البيضاء العسكرية ما زالت تعمل بقاض واحد. لكنه قال مع ذلك إن محكمة بنغازي العسكرية توقفت عن العمل. وقالت هيومن رايتس ووتش إن جميع المحتجزين يجب أن يعرضوا على قضاة مستقلين، وعلى السلطات أن تفرج عن الأشخاص الذين لا توجد بحقهم أدلة ذات مصداقية على ارتكاب جرائم، وأن توجه اتهامات رسمية إلى الآخرين، مع إسقاط الاعترافات المدلى بها تحت التعذيب وغيره من أشكال الإكراه من الحسبان. ويتعين على السلطات أن تحمي جميع المحتجزين من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، وأن تحاسب مرتكبي التعذيب. وعليها أن تمنح المراقبين المستقلين، مثل بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، حق الوصول دون قيد أو شرط إلى أماكن الاحتجاز الخاضعة لسيطرتها. وجميع أطراف النزاع في ليبيا ملزمون بالتقيد بالقانون الدولي الإنساني أو "قوانين الحرب". وتدخل بعض الانتهاكات الجسيمة لتلك القوانين، مثل التعذيب، عند ارتكابها بنية إجرامية، في عداد جرائم الحرب. أما الجرائم المرتكبة على نطاق واسع أو ممنهج كجزء من سياسة للدولة أو إحدى المنظمات، فقد تشكل جرائم ضد الإنسانية في زمن الحرب أو السلم على السواء. وتتضمن تلك الجرائم التعذيب والاحتجاز التعسفي.
ويخضع الأشخاص الذين يرتكبون جرائم الحرب أو يأمرون بها أو يساعدون فيها أو يحملون مسؤولية القيادة عنها للملاحقة من جانب المحاكم الوطنية أو المحكمة الجنائية الدولية. وكانت هيومن رايتس ووتش، في خطاب بتاريخ 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، قد حثت المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية، فاتو بن سودا، على النظر في الانتهاكات الجسيمة المستمرة في ليبيا بما يتجاوز نطاق تحقيقها الراهن، المقتصر على القضايا الراجعة إلى 2011 والتي تتضمن مسؤولين من حكومة القذافي السابقة. إلا أن بن سودا، التي تتمتع بالاختصاص في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية المرتكبة في ليبيا منذ 15 فبراير/شباط 2011، لم تفتح أية تحقيقات إضافية متذرعة بعدم الاستقرار في ليبيا وغياب الموارد كعقبات أمام قيام مكتبها بأية تحقيقات إضافية في البلاد. ويتعين على مدعية المحكمة الجنائية الدولية، في مواجهة الفظائع المتصاعدة، أن تعجل بممارسة اختصاصها وأن تفتح تحقيقات إضافية في الجرائم المستمرة، بحسب هيومن رايتس ووتش. وقد تبنى مجلس الأمن، في أغسطس/آب 2014، القرار رقم 2174 الذي يهدد المسؤولين عن جرائم خطيرة في ليبيا بعقوبات تشمل المنع من السفر وتجميد الأصول. وبالنظر إلى الإفلات شبه التام من العقاب الذي تمتعت به جميع أطراف النزاع فإن على أعضاء مجلس الأمن أن يعجلوا بتنفيذ القرار.
قامت هيومن رايتس ووتش أيضاً بدعوة مكتب الأمم المتحدة للمفوض السامي لشؤون حقوق الإنسان بتسريع نشر بعثة تحقيق أقرها مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في مارس/آذار 2015، وكلفها بالتحقيق في الجرائم الخطيرة في ليبيا منذ 2014، وضمان قيامها بالنظر في أنماط الاحتجاز التعسفي والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة في مقرات الاحتجاز في ليبيا. وقالت سارة ليا ويتسن: "لقد أخفق أعضاء مجلس الأمن في التصدي للجرائم الخطيرة المتفشية في ليبيا، فمنحوا صكاً على بياض للمزيد من الانتهاكات. وعليهم إرسال رسالة واضحة إلى جميع الأطراف، تفيد بأن مرتكبي التعذيب أو غيره من الجرائم الخطيرة لن يفلتوا من العدالة وسوف يحاسبون دولياً".
سلطات الاحتجاز
يقوم العديد من السلطات والجماعات المختلفة بإدارة مقرات احتجاز في شرق ليبيا. فتقوم وزارة العدل في الحكومة المعترف بها دولياً بإدارة مجمع سجن الكويفية في بنغازي، ويسيطر كل من وزارة الداخلية والجيش الليبي على عدة أقسام في السجن. وقد قامت هيومن رايتس ووتش في أبريل/نيسان بزيارة قسم واحد من أقسام السجن الخاضع لسيطرة وزارة العدل، وكان يؤوي 19 نزيلة، إلا أن محدودية الوقت منعتها من زيارة قسم آخر يؤوي 695 من النزلاء الذكور، منهم 30 يقضون عقوبات لأحكام تم إصدارها قبل فبراير/شباط 2014. كما زارت هيومن رايتس ووتش القسم الخاضع لسيطرة الجيش الليبي والذي يؤوي 150 نزيلاً من الذكور، وبينهم ليبيون وأجانب على السواء. ولم تتوصل هيومن رايتس ووتش إلى ;القسم الذي يؤوي 30-40 من المحتجزين والخاضع لسيطرة جهاز المباحث العامة (المعروف أيضاً بالأمن الداخلي)، ولا القسم المخصص للمهاجرين غير النظاميين الذي يؤوي نحو 200 من المحتجزين الخاضع لسيطرة وزارة الداخلية.
وقال فتحي منصور، مدير النيابة العسكرية في منطقة الجبل الأخضر بشرق ليبيا، قال لـ هيومن رايتس ووتش أثناء اجتماع في 18 أبريل/نيسان إن الشرطة العسكرية لم تعد تسيطر على سجن بوهديمة العسكري في بنغازي، وإن جماعة أنصار الشريعة المتشددة استولت عليه في نحو 15 أكتوبر/تشرين الأول 2014، أثناء اشتباكات مع الجيش الليبي. وقال منصور إن السجن في توقيت الاستيلاء عليه كان يضم حوالي 150 محتجزاً من نزاع 2011، لكن مكانهم الحالي غير معلوم. وفي يناير/كانون الثاني توصلت هيومن رايتس ووتش إلى سجن قرنادة في البيضاء. وتشرف وزارة العدل على إدارة السجن، الذي كان في ذلك التوقيت يضم 170 من المحتجزين الذكور، وبينهم أجانب. وفي زيارة أخرى لسجن قرنادة في أبريل/نيسان توصلت هيومن رايتس ووتش إلى قسم من السجن يخضع للجيش الليبي، وكان به 150 محتجزاً كلهم من النزاع الحالي.
وقد أكد عبد الرازق الناظوري، رئيس أركان الجيش الليبي، لـ هيومن رايتس ووتش أن الجيش يسيطر على سجنين لا غير، هما الأقسام العسكرية بسجني الكويفية وقرنادة. وتسيطر وحدة مكافحة الإرهاب في وزارة الداخلية على سجن برسس، على الأطراف الشرقية لبنغازي، كما قال فرج العبدلي، مدير السجن، لـ هيومن رايتس ووتش. وقال إن السجن لم يخضع لسيطرة الحكومة إلا في أوائل 2015. وقد أشار المحتجزون إلى مقرات احتجاز أخرى لم تستطع هيومن رايتس ووتش التوصل إليها، كأماكن للتعذيب وغيره من ضروب إساءة المعاملة، ومنها إدارة البحث الجنائي بالشرطة، ومديرية أمن بنغازي، ومعسكري الأبيار والرجمة العسكريان، ومقر الفويهات التابع لكتيبة الصاعقة رقم 21، ووحدة مكافحة الإرهاب في بورزينة، والمقر السابق للشرطة العسكرية في بنغازي الذي تسيطر عليه كتيبة الصاعقة العسكرية بقيادة سالم عفاريت، ومقر الأمن الداخلي في توكرة شرقي بنغازي، ومقر الشرطة العسكرية في طبرق، وأقسام الشرطة في البيضاء والمرج. وقد تلقت هيومن رايتس ووتش أيضاً مزاعم بوجود مقرات احتجاز غير رسمية تستخدمها المليشيات المعارضة للحكومة المعترف بها دولياً، وتضم مجموعات بايعت داعش وأنصار الشريعة، إلا أنها لم تتمكن من التوصل إلى أي من تلك المناطق التي تسيطر عليها المليشيات.
عمليات اعتقال واحتجاز تعسفية
قال جميع المحتجزين الذين أجريت معهم المقابلات في سجون عسكرية ومدنية في بنغازي والبيضاء، عدا ثلاثة يقضون أحكاما مفروضة من قبل فبراير/شباط 2014، إن السلطات لم توجه إليهم أية اتهامات رسمية، وإنهم لم يتواصلوا مع مستشارين قانونيين، وإنهم لم يعرضوا على قضاة، وإنهم لم يجدوا سبيلاً أو فرصة للطعن القانوني على قرارات احتجازهم. وقال المقدم محمد الثني، المدير المكلف لسجن الكويفية، لـ هيومن رايتس ووتش أثناء اجتماع في 16 أبريل/نيسان: "إن القضية الأكثر أهمية هي إعادة تفعيل ملاحقات النيابة والقضاء ، فربما يفرج عن نصف المحتجزين إذا حدث هذا. لدينا قضايا لأشخاص محتجزين لشرب الخمر، وعقوبته القصوى هي السجن لمدة 6 أشهر، ومع ذلك فقد امتد احتجازهم لما يفوق السنة بسبب عدم وجود محاكم فاعلة". وقال العقيد صالح العبدلي، مدير الشرطة القضائية في بنغازي، وهي الجهة المسؤولة عن إدارة السجون تحت إشراف وزارة العدل، وعن توفير الأمن في المحاكم، قال لـ هيومن رايتس ووتش في اجتماع بتاريخ 16 أبريل/نيسان: "لقد علقت نيابة بنغازي العامة أعمالها في فبراير/شباط 2014، ولم تعد للعمل حتى الآن. وأي معتقل بعد ذلك التاريخ لم يشهد ملاحقة نظامية". وقد أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات مع مجموعة مكونة من 13 رجلاً في سجن الكويفية، كانوا قد اعتقلوا بين أكتوبر/تشرين الأول وديسمبر/كانون الأول 2014، واتهموا بالتورط مع مليشيات متطرفة مثل أنصار الشريعة، إما مباشرة أو بطريق غير مباشر بسبب تورط أحد أقاربهم. وقد تم نقل معظمهم بين عدد من وحدات الاستجواب العسكرية في بنغازي وحولها، وكانوا ضمن مجموعة من 34 رجلاً تم نقلهم من سجن برسس في 4 أبريل/نيسان. ولم يتوجه الاتهام الرسمي إلى واحد منهم.
وقال أب لثمانية أبناء في الخمسين من عمره إنه اعتقل من منزله في 14 أو 15 ديسمبر/كانون الأول بعد اتصال أحد جيرانه بالجيش: تم اعتقالي وأخذي إلى مقر توكرة لأن جاري اتهم ابني الذي يبلغ من العمر 15 عاماً بالانتماء إلى أنصار الشريعة. وابني الآن متوفى. وفي توكرة اضطررت للرقاد على فراش معدني بينما شرع أربعة أشخاص في ضربي بأنبوب بلاستيكي حتى انكسر الفراش. وعندما فقدت الوعي صبوا الماء فوقي. قضيت 11 يوماً في زنزانة فردية بدون طعام، فلم يعطوني سوى التمر والماء غير الصالح للشرب. كنت معصوب العينين حينما أخذوا بصمتي على وثيقة ما وما زال آلاف المحتجزين، الذين تم اعتقالهم على خلفية انتفاضة 2011، رهن الاحتجاز التعسفي في سجون بعرض ليبيا. فمن بين المحتجزين الـ 6000 الذين تحتجزهم وزارة العدل وحدها منذ بداية 2014، لم ينطق بحكم إلا على 10 بالمئة، والباقون رهن الحبس الاحتياطي.
تعذيب وضروب أخرى من إساءة المعاملة، ووفيات أثناء الاحتجاز
من بين المحتجزين الـ 73 الذين أجريت معهم المقابلات، قال 35 إنهم تعرضوا للتعذيب أو إساءة المعاملة في إحدى مراحل الاعتقال أو الاحتجاز، بينما منع الخوف آخرين من التحدث عن معاملتهم. وقالت سيدة محتجزة بسجن الكويفية إن الحارسات ضربنها هي وغيرها من المحتجزات على باطن القدم كعقاب. وقال محتجز بسجن قرنادة إن أفراداً من كتيبة الصاعقة رقم 21 التابعة للجيش الليبي اعتدوا عليه بالضرب المبرح في مقر بالفويهات: اعتقلت من منزلي في 27 ديسمبر/كانون الأول 2014، وجيء بي إلى الفويهات فبقيت هناك حتى 4 يناير/كانون الثاني. وخلال تلك الفترة تعرضت للضرب المبرح والتعذيب بأيدي أفراد الكتيبة 21، الذين اتهموني بالانتماء إلى الإخوان المسلمين. كانوا يضربونني على وجهي ويبقونني في الحبس الانفرادي. لا يوجد محام مع أي شخص هنا. ولم يعرض عليّ أحد توكيل محام، ولا توجد تهم بحقي حتى الآن. وقال محتجز بسجن قرنادة إن ضباط الشرطة العسكرية عذبوه لمدة 4 أيام في نوفمبر/تشرين الثاني بمقرهم في طبرق، لمزاعم بقيامه بـ"تحريض الرأي العام" ضد مجلس النواب الليبي: طوال أربعة أيام متتالية كان يتم تقييدي لعدة ساعات يومياً، من الرابعة عصراً إلى الحادية عشرة مساءً، بوثاق معدني إلى باب الزنزانة، وأتعرض للضرب بأنبوب بلاستيكية، على يد نفس الأشخاص دائماً. كانوا يضربونني بالأنبوب البلاستيكي على الخصر فما دونه. وتورمت ساقاي وصرت الآن أعاني من مشاكل في الكتف نتيجة لهذا. كانوا يريدون مني الاعتراف.
وقد قام محتجز بسجن قرنادة بإطلاع هيومن رايتس ووتش على علامات على جسمه، قال إنها نجمت عن التعذيب في السجن، لكنه رفض وصف ما حدث لخوفه من تنكيل الحراس. وقال آخر إنه يخاف أن يطالب بفرصة الاتصال بعائلته خشية التعرض للضرب بأيدي الحراس. وقال محتجز بالقسم العسكري من سجن الكويفية إنه تعرض لضرب مبرح بيد أحد الحراس عند وصوله في 15 أبريل/نيسان: عند نقلي إلى "سجن" الكويفية تعرضت للضرب على أعلى ذراعي اليسرى، وساقي اليسرى فوق الركبة مباشرة، وكتفي اليسرى وظهري، قبل بدء الاستجواب. وكان قد سبق ضربي عند الاعتقال في نوفمبر/تشرين الثاني 2014 بسجن برسيس. ضربت بأنبوب بلاستيكي على رأسي، وما زالت الآثار ظاهرة. وقال اثنان من المحتجزين بالقسم العسكري في سجن الكويفية إن رامي كمال الفيتوري، وهو رجل عمره 30 عاماً من قار يونس، توفي جراء التعذيب بإدارة المباحث الجنائية في بنغازي في نهاية مارس/آذار، وإن عائلته جاءت لتسلم الجثمان. وقال المحتجزان الاثنان إن الفيتوري كان متهماً بالانتماء إلى قوات درع ليبيا.
وقال محتجز آخر ممن أجريت معهم المقابلات بسجن الكويفية إنه أثناء احتجازه بسجن برسس توفي أحد المحتجزين هناك، وهو سعد بن حميد، بعد تعذيبه وتركه في زنزانة فردية. ولم يتذكر المحتجز تاريخ الواقعة، لكنه أضاف أن محتجزاً آخر في برسس انتحر شنقاً بعد تعذيبه، إلا أنه لا يعرف اسم الرجل ولم يستطع تذكر توقيت الواقعة. ولم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التحقق المستقل من تلك الوفيات. وقال قائد وحدة مكافحة الإرهاب المسيطرة على سجن برسس لـ هيومن رايتس ووتش في 17 أبريل/نيسان: "لا تلومونا على أي شيء. نحن لا نحصل على دعم من الحكومة، بل إنها لا تزودنا بالطعام. لقد دفعت تكاليف إنشاء هذا السجن "برسس" من جيبي الخاص، بل إن الأرض نفسها ملكي. نحن نستخدم أساليب قاسية أحياناً. لا نسمح للمحتجزين بالاستحمام ونخاطبهم بلغة قاسية".
اعترافات بالإكراه
قال 31 من المحتجزين إن السلطات أرغمتهم على الاعتراف بجرائم لم يرتكبوها، أو واصلت محاولة الحصول منهم على اعتراف بالتعذيب. وقال أربعة إن سلطات السجن صورت وبثت "اعترافاتهم" بالقتل وجرائم أخرى في إدارة البحث الجنائي وفي سجن برسس. وقال اثنان إن منازلهما تعرضت للاعتداء وإشعال النيران فيها مباشرة عقب إذاعة الاعترافات. وقال الجميع أنهم لم يتواصلوا مع مستشارين قانونيين قبل التصوير أو في أثنائه، ولم يعرض أي منهم على قاض أو توجه إليه الاتهام. وقال الناظوري، رئيس أركان الجيش، لـ هيومن رايتس ووتش في 18 أبريل/نيسان بمقره في المرج، على بعد 100 كيلومتراً من بنغازي: "هناك بعض الشدة في المعاملة، لكن الضرب غير مسموح به. والاعترافات المذاعة على التلفاز [التي أدلى بها محتجزون] كانت مشروعاً متسرعاً قدمه جهاز المخابرات العامة لمحاولة رفع الوعي بمخاطر الإرهاب، ومع ذلك فقد أثبت أنه سلاح ذو حدين. فصدرت ردود أفعال قوية من عائلات الضحايا [أولياء الدم]. وقد قلت في تصريحين متلفزين إنه لن يكون هناك تسامح مع الانتهاكات وسنلاحق أي خطأ". وفي سجن برسس قال اثنان من القصّر في عمر 17 عاماً، وقد اعتقل أحدهما في 15 فبراير/شباط والثاني في 27 ديسمبر/كانون الأول، قالا لـ هيومن رايتس ووتش إنهما اعترفا بقتل 17 شخصاً لكل منهما، وبعد بث الاعترافات تلفزيونياً قام أقارب الضحايا بإحراق منازل عائلتيهما.
وقال أحد المحتجزين ممن أجريت معهم المقابلات في سجن الكويفية في 18 أبريل/نيسان إنه أثناء احتجازه بإدارة البحث الجنائي في بنغازي في منتصف مارس/آذار، أرغمته السلطات هناك على الظهور في قناة تلفزيونية محلية، هي "ليبيا أولاً"، للاعتراف بجرائم لم يرتكبها: كنت عضواً في كتيبة تسمى كتيبة الحماية، ثم تركتها قبل بدء عملية الكرامة. واعتقلوني من منزلي وهم يتهمونني بأنني مقاتل. حضر إلى السجن طاقم تلفزيوني وصوروني. وكان المراسل ومساعده وأحد الضباط موجودين جميعاً في الغرفة أثناء التصوير. وقد أوقفوا التصوير 4 مرات، حتى يضربني الضابط، لأنهم أرادوا مني "الاعتراف" بأنني أعتبر الجيش والشرطة من المرتدين. كان المراسل يقول: "هذا المحتجز لم يصبح جاهزاً بعد" فيواصلون ضربي.
وقال محتجز بسجن برسس لـ هيومن رايتس ووتش في 17 أبريل/نيسان إنه ظهر على التلفاز 4 أو 5 مرات واعترف بقتل 82 شخصاً، وخطف السفير الأردني، وقتل السفير الأمريكي [في سبتمبر/أيلول 2012] ضمن جرائم أخرى. وقد ظهرت على أعلى ذراعه علامات تتفق مع مزاعمه بالتعرض للضرب أثناء الاحتجاز، وقال إن "العلامات تغطي جسمه كله". وقال محتجز آخر بسجن برسيس منذ بداية مارس/آذار إنه تعرض للتعذيب حتى يعترف: أنا متهم بالانتماء إلى أنصار الشريعة. وهم [سلطات سجن برسس] يحاولون حملي على الاعتراف بجرائم قتل. إذا اعترفت فإنهم يتركونك وشأنك، وإلا فسوف يضربونك بأنبوب بلاستيكي على جسمك كله، ويصعقونك بالكهرباء ويسكبون الماء البارد فوقك.
أحكام القانون الدولي
تلتزم جميع أطراف النزاع المسلح في ليبيا ـ بما في ذلك الجماعات المسلحة غير التابعة للدولة ـ بمراعاة القانون الدولي الإنساني، أو قوانين الحرب المنطبقة على أوضاع النزاعات المسلحة، وكذلك باحترام القانون الدولي لحقوق الإنسان، المنطبق في الأوقات كافة. ويخضع أي احتجاز لمعايير صارمة من حيث سلامة الإجراءات، وبالأخص إخطار الشخص بسبب الاعتقال، وإسناد الاحتجاز إلى قوانين وطنية واضحة، والعرض السريع على قاض لتوجيه الاتهام أو إخلاء السبيل، وفرصة الطعن في قانونية الاحتجاز. والإخفاق في احترام هذه الضمانات الإجرائية يحيل الاحتجاز تعسفياً. وبموجب قانون حقوق الإنسان، المنطبق حتى في حالات الطوارئ، يحق للمحتجزين أن تتم مراجعة قانونية احتجازهم من جانب القضاء، ويحق لهم كذلك جميع الحقوق في المحاكمة العادلة، بما فيها الحق في عدم المحاكمة أو الإدانة على جريمة إلا أمام محكمة شرعية التشكيل. أما الاحتجاز غير المعترف به فهو محظور.
وتتقيد الفصائل المتحاربة في ليبيا بالمادة المشتركة رقم 3 من اتفاقيات جنيف الأربع لسنة 1949، المنطبقة أثناء النزاعات المسلحة غير الدولية، والتي تشترط حماية أي شخص محتجز، بما في ذلك الأسرى من المحاربين والمدنيين، من "الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه والمعاملة القاسية والتعذيب" ومن "الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهينة والحاطة بالكرامة". ولا يجوز إصدار الأحكام إلا بواسطة "محكمة مشكلة تشكيلاً قانونياً" تلبي المعايير الدولية للمحاكمات العادلة. وتدخل بعض الانتهاكات الجسيمة لقوانين النزاع المسلح، مثل التعذيب، عند ارتكابها بنية إجرامية، في عداد جرائم الحرب. أما الجرائم المرتكبة على نطاق واسع أو ممنهج كجزء من سياسة للدولة أو إحدى المنظمات، فقد تشكل جرائم ضد الإنسانية في زمن الحرب أو السلم على السواء. وتتضمن تلك الجرائم التعذيب والاحتجاز التعسفي. ويخضع الأشخاص الذين يرتكبون جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية، أو يأمرون بها أو يساعدون فيها أو يحملون مسؤولية القيادة عنها، للملاحقة من جانب المحاكم الوطنية أو المحكمة الجنائية الدولية، المختصة بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وأعمال الإبادة الجماعية المرتكبة في ليبيا منذ 15 فبراير/شباط 2011.
كما أن ليبيا طرف في معاهدات دولية وإقليمية ترتب التزامات قانونية تتعلق بمعاملة المحتجزين، فالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يقرر ضرورة عرض أي محتجز على وجه السرعة على قاض أو موظف له صلاحية قضائية. وتعمل اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة على إلزام ليبيا بالتحقيق مع المسؤولين عن التعذيب على أراضيها وملاحقتهم. وتحظر الاتفاقيتان إجبار أي شخص على الشهادة بحق نفسه أو الاعتراف بالذنب. وتلزم اتفاقية مناهضة التعذيب الدول الأطراف بضمان عدم الاستشهاد بأية أقوال "يثبت أنه تم الإدلاء بها نتيجة للتعذيب، كدليل في أية إجراءات، إلا إذا كان ذلك ضد شخص متهم بارتكاب التعذيب، كدليل على الإدلاء بهذه الأقوال". وقد صدقت ليبيا أيضاً على الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، وتنص المبادئ والتوجيهات بشأن الحق في المحاكمة العادلة والمساعدة القانونية في أفريقيا، التي صاغتها اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، على أنه لا يجوز احتجاز الشخص إلا وفق مقتضى القانون وبواسطة أشخاص خولهم القانون سلطة احتجاز السجناء، وعلى ضرورة عرض كل محتجز على سلطة قضائية.
ولا توجد ظروف استثنائية تبرر التعذيب وإساءة المعاملة، كما أن القانون الدولي يشترط التحقيق مع أي شخص مسؤول عنهما وملاحقته. ويشترط القانون الدولي أيضاً احترام حقوق المحتجزين في المراجعة القضائية لاحتجازهم، وفي محاكمة عادلة حتى أثناء حالات الطوارئ الوطنية. وتقرر المبادئ والتوجيات بشأن الحق في المحاكمة العادلة والمساعدة القانونية في أفريقيا أنه "لا يجوز التذرع بأية ظروف، سواء كانت التهديد بالحرب أو حالة النزاع المسلح الدولي أو الداخلي، أو عدم الاستقرار السياسي المحلي أو أية حالة طوارئ عمومية أخرى، لتبرير الانتقاص من الحق في المحاكمة العادلة". ولا بد من تزويد أي شخص محروم من حريته بكفايته من الطعام والشراب والكساء والمأوى والرعاية الطبية. كما ينبغي احتجاز السيدات في مقار منفصلة عن تلك المخصصة للرجال. ويجب تخصيص مقرات منفصلة عن البالغين للأطفال المحرومين من حريتهم، ما لم يكونوا مع عائلاتهم.
نبذة عن المنهجية
في 25 يناير/كانون الثاني 2015 قامت باحثة هيومن رايتس ووتش بزيارة القسم المدني من سجن قرنادة في البيضاء، الذي كان خاضعاً لسيطرة وزارة العدل. وفي ذلك التوقيت حرمت الباحثة من حق الوصول إلى القسم العسكري من السجن، الخاضع لسيطرة الجيش الليبي. لكن في زيارة لاحقة للبيضاء بين 13 و20 أبريل/نيسان، تم منح الباحثة حق الوصول إلى القسم العسكري من السجن. وفي نفس الفترة من أبريل/نيسان قامت هيومن رايتس ووتش، في بنغازي، بزيارة السجن العسكري في الكويفية الخاضع لسيطرة الجيش الليبي، وسجن النساء في الكويفية الخاضع لسيطرة وزارة العدل. وعلاوة على هذا تم منح هيومن رايتس ووتش حق الوصول إلى مقر الاحتجاز في وحدة مكافحة الإرهاب، المعروف أيضاً باسم سجن برسس، الخاضع لسيطرة وزارة الداخلية. كما أجرت هيومن رايتس ووتش في مارس/آذار مقابلات هاتفية مع عائلات الضحايا أو مع أشخاص سبق احتجازهم وتم الإفراج عنهم. وقد قدم فتحي منصور، مدير النيابة العسكرية في الجبل الأخضر، التصريح بزيارة الأقسام العسكرية بسجني الكويفية وقرنادة. ووافق العقيد أبو بكر سلطان، قائد الشرطة العسكرية، على منحنا حق الوصول إلى سجن قرنادة. وصرحت لنا سحر بانون، وكيلة وزارة العدل، بزيارة مقرات الاحتجاز الخاضعة لسيطرة وزارة العدل في المنطقة الشرقية. وصرح رئيس وحدة مكافحة الإرهاب في بنغازي، فرج العبدلي، بزيارة سجن برسس. وقد تمكنت هيومن رايتس ووتش من مقابلة المحتجزين على انفراد، بدون حضور الحراس. ووافق المحتجزون على نشر المعلومات "المستمدة منهم"، إلا أن هيومن رايتس ووتش قررت ألا تنشر أسماء المحتجزين لمنع الانتقام منهم.