وكالات: عندما تغيب الابتسامة عن وجهه، ويتلاشى إحساسه بالحياة، ولا يبقى أمامه سوى مواصلة التحدي الذي بدأه قبل شهرين، تصبح الساعات التي يتنفس بها عبارة عن عد تنازلي بطيء، ربما لرحيله للأبد، أو لتسجيل انتصار جديد ضد عدوه. تلك هي الحالة التي يبدو عليها الأسير الفلسطيني لدى إسرائيل، محمد علان (31 عاماً)، المضرب عن الطعام، منذ شهرين، احتجاجاً على اعتقاله الإداري في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. علان الذي يرقد في مستشفى "برزلاي" الإسرائيلي، إثر تدهور وضعه الصحي بشكل كبير، هو "إنسان مرح، متواضع، ناجح في حياته وعمله كمحام يدافع عن حقوق المظلومين، ويحظى بعلاقات اجتماعية واسعة، ولا يجامل بالحق حتى أقرب الناس عليه، ويصر على موقفه إن كان متيقنا أنه على صواب"، هكذا يصفه شقيقه عميد، في حديث صحافي. ويقول عميد: "قرر محمد أن يخوض إضرابه عن الطعام بعد أن جرى تمديد اعتقاله إدارياً للمرة الثانية قبل نحو شهرين، فهو يعتبر سياسة الاعتقال الإداري عنجهية وهمجية إسرائيلية لا تستند لأي قانون، حتى أنه كان قبل اعتقاله يشعر بالضيق عندما يعلم عن تحويل أي أسير للاعتقال الإداري، لذلك قرر أن يخوض الإضراب حتى لو أن ذلك سيكلفه حياته". ويضيف "الوضع الصحي لشقيقي ازدادت خطورة خلال الأيام الأخيرة، وبدأ يفقد نظره جزئياً، حتى إن أمر وفاته بات متوقعا في أية لحظة، الأمر الذي دفعه للطلب من والدتي التي تعتصم في باحة المستشفى التي يتواجد بها، أن تعود للمنزل لتكون مع أفراد العائلة عندما يصلهم نبأ استشهاده".
لم تكن كلمات محمد هينة على والدته، كما يقول عميد، إلا أنها "أخذت ترفع من معنوياته، وتطلب منه أن يصمد، وتقول له إننا جميعاً معك وأنك ستنتصر". وعن ذلك الموقف، يشير شقيق الأسير، إلى أن "السلطات الإسرائيلية سمحت لوالدته أن ترى محمد مرتين خلال الأسبوع الماضي، كل مرة استغرقت ربع ساعة فقط". وبدأت والدة محمد اعتصاماً مفتوحا أمام مستشفى "سوروكا" الإسرائيلي حيث كان يرقد محمد، قبل نقله لمستشفى "برزلاي" في عسقلان، بعد أن رفضت الطواقم الطبية في المستشفى الأول تنفيذ التغذية القسرية له. وإلى جانب عشرات المتضامنين تطالب الأم بإلإفراج عن نجلها. وكانت مصلحة السجون الإسرائيلية لوحت بنيتها تنفيذ التغذية القسرية للأسير محمد علان، لإجباره على كسر إضرابه، بعد التدهور الكبير الذي طرأ على صحته، وإصراره على مواصلة الإضراب لتحقيق مطلبه. وصاحب ذلك التلويح، استنكار حقوقي وشعبي واسع، لما في ذلك من خطر على حياة الأسير، وانتهاك واضح لحق الأسير بالإضراب عن الطعام، بحسب حقوقيين.
مدير مركز أحرار لدراسات الأسرى (غير حكومي)، فؤاد الخفش، أوضح أن التغذية القسرية ربما تؤدي لوفاة الأسير خلال تنفيذها، مشيراً إلى أن تطبيقها يعني أن إسرائيل "تضرب القوانين الدولية التي تحرم هذا العمل بعرض الحائط". وقال الخفش في تصريح صحافي: "خلال ثمانينات القرن الماضي، نفذت إسرائيل التغذية القسرية بحق مجموعة من الأسرى الفلسطينين المضربين عن الطعام، استشهد منهم ثلاثة خلال تلك العملية". وأضاف "إسرائيل تسعى لوأد أية محاولة لخلق انتصار للأسرى الفلسطينين في سجونها، لذلك تحاول أن تلجأ للتغذية القسرية لكسر إضرابهم، وقد استغل بعض نواب اليمين المتطرف الإسرائيلي التغذية القسرية في دعايته الانتخابية، ومع توالي إضرابات الأسرى داخل السجون بدأت الترجمة العملية لمحاولة سن قانون يبيح لمصلحة السجون هذا الإجراء، على الرغم من أنه يخالف القانون الدولي والأممي". وتابع: "لا يحق لدولة أن تسن قانوناً خاصاً يخالف القانون الحقوقي العام، فالمواثيق الدولية تحرم التغذية القسرية، فلا يصح لإسرائيل أن تخالف قانونا عاما، لذلك فأي قانون ستتخذه إسرائيل فهو غير شرعي".
أما عن الطريقة التي تتم بها التغذية القسرية، أوضح الحقوقي الفلسطيني أنها "تتم من خلال إدخال أنبوب عن طريق الأنف ليصل للمعدة" مبينا أن هذا الأنبوب "يصطدم بكل الأجزء التي يمر بها داخل الجسم، ما يتسبب بجروح ويحدث نزيفاً ويعرض حياة الأسير للخطر". وبحسب الخفش، فإن الأسير في هذه الحالة “يكون قد تم تثبيته وتخذيره حتى لا يقاوم هذا الإجراء". ووفق ما قاله، نصر الدين، والد الأسير محمد علان، فإن نجله هدد بكتم أنفاسه في حال تعرضه للتغذية القسرية. وفي نهاية تموز/ يوليو الماضي، وافق الكنيست الإسرائيلي (البرلمان)، بالقراءتين الثانية والثالثة على مشروع قانون التغذية القسرية للأسرى الفلسطينيين المضربين عن الطعام. وينص القانون على أن تقوم السلطات الإسرائيلية بالتغذية القسرية للأسرى في حال تعرض حياتهم للخطر. وكان الأسير محمد علان -وهو من سكان قرية عينبوس في نابلس، شمال الضفة الغربية، والمعتقل منذ 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014- أعلن الدخول في إضراب مفتوح عن الطعام منتصف حزيران/ يونيو الماضي، رفضا لاستمرار اعتقاله الإداري، دون محاكمة. والاعتقال الإداري، هو قرار اعتقال تُقره المخابرات الإسرائيلية بالتنسيق مع قائد "المنطقة الوسطى" (الضفة الغربية) في الجيش الإسرائيلي، لمدة تتراوح بين شهر إلى ستة أشهر، ويتم إقراره بناء على "معلومات سرية أمنية" بحق المعتقل. ويجدد الاعتقال حال إقرار قائد "المنطقة الوسطى" بأن "وجود المعتقل ما زال يشكل خطرا على أمن إسرائيل”. ويعرض التمديد الإداري للمعتقل الفلسطيني على قاض عسكري، لتثبيت قرار القائد العسكري، وإعطائه "صبغة قانونية". وتشير معطيات رسمية فلسطينية إلى وجود أكثر من ستة آلاف و 500 أسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية.