- الرواية العربية تشهد أكبر انتعاشة لها
- الإبداعُ الليبى متميز متجدد .. لكن أدوات نشرِه ليستْ بالصورة المثلى
- قلق المبدع غير سلبى .. فهو فى حالة انفعال دائمة
الأهرام العربي - السيد حسين: يرى الشاعر والقاص الليبى جمعة الفاخرى أن المشهد الليبى يزخر بعطاءات إبداعيَّة متعدِّدة ومتجدِّدة، وهو يكسب التحديَّات كلَّ حين، فعلى الرغم من الظروف العسيرة التى تشهدها ليبيا منذ أربع سنواتٍ، فإنَّ المشهد الليبى ظلَّ يقترح علينا إبداعًا مختلفًا.. ولافتًا أما المشهد العربيّ فيمضى قدمًا بثبات نحو آفاق التألق والانطلاق، والمنجزات الإبداعيَّة العربيَّة على مستويات عدَّة تبشِّر بازدهارٍ قادمٍ..هنا حوار مع جمعة الفاخرى فإلى التفاصيل.
* جمعة الفاخرى المبدع والباحث والإعلامى المساهم فى تشكيل المشهد الثقافى الليبي، بأية هوية تفضل وتحرص على أن تقدم نفسك هل كمبدع أم كإعلامى وباحث ؟
شخصية المبدع لا تتجزَّأ .. فاعتناق الإبداع بأنواعه : أدبًا وبحثًا وإعلامًا هو الذى شكَّل شخصيَّتى، لَّكن إذا كان عليَّ أن أختارَ من بينها فسأنحاز للأدب.
*كيف ترى المشهد الثقافى والأدبى الليبى حاليا؟ وكيف تراه فى المستقبل فى ظل الأوضاع الحالية؟
المشهد الليبى يزخر بعطاءات إبداعيَّة متعدِّدة ومتجدِّدة، وهو يكسب التحديَّات كلَّ حين، فعلى الرغم من الظروف العسيرة التى تشهدها بلاد منذ أربع سنواتٍ، فإنَّ المشهد الليبى ظلَّ يقترح علينا إبداعًا مختلفًا .. ولافتًا للنظر.. وينجب أسماءً جديدة تضيف للمشهد ألقًا وإدهاشًا. أما المشهد العربيّ فهو يمضى قدمًا بثبات نحو آفاق التألق والانطلاق، والمنجزات الإبداعيَّة العربيَّة على مستويات عدَّة تبشِّر بازدهارٍ قادمٍ .. الرواية العربيَّة تشهد أكبر انتعاشة لها كمًّا وكيفًا، وكذا القصَّة والشعر، فضلًا عن نجاحات أخرى يمكن أن تحققها مكوِّنات هذا المشهد، وأرى أنَّ ترجمة الإبداع العربيِّ كفيلةٌ باقتراحنا بثقةٍ عاليةٍ على الآخر، وإيصال أصواتنا العربيَّة له.. فلا تزال ترجمة الإبداع العربيِّ إلى لغاتٍ أخرى، على أهميَّتها، لم تحظَ بالعناية الكافية، والرعاية اللازمة، وأرجو من المؤسَّسات الثقافيَّة العربيَّة المعنيَّة بالإبداعِ أن تولى هذا الموضوع اهتمامها الكبير .. وكذا وزارات الثقافة فى البلدان العربيَّة بأن تضع ضمن خططها إيلاء ترجمة الإبداع العربيِّ إلى اللغات الحيَّة كبيرَ اهتمامها، وأن ترسم له السياسات الثقافيَّة والماليَّة الكفيلة بتحقيق هذا المبتغى المهمِّ جدًّا.
*ماذا عن مجموعتك القصصية الأخيرة "سحابة مسك"؟ التى تضم أكثر من 50 قصة قصيرة.. ألا ترى أن هذا العدد كبير فى مجموعة واحدة؟
مجموعتى (سحابة مسك) هى إحدى أربع مجموعات قصصيَّة صدرت لى عام 2014 عن دار العالميَّة للنشر والتوزيع بالإسكندريَّة، وخامسة هى (عصير ثرثرة) عن بيت الغشَّام بسلطنة عمان، وإن كانت هذه المجموعة قد نالت نصيبًا أكبر من الشهرة والانتشار، وترجمت سريعًا للغة الأمازيغيَّة المعياريَّة، وفيما يخصُّ العدد فإن ( 50 قصة قصيرة ) ليست عددًا كثيرًا البتة، فحجم القصَّة الواحدة لا يتعدَّى نصف صفحة من الحجم الصغير، والمجموعة كلها تقرأ خلال نصف ساعة أو أقلَّ.
*ما بين أعمالك المختلفة على سبيل المثال لا الحصر "صفر على شمال الحب" قصص، و"امرأة مترامية الأطراف" قصص، "رماد السنوات المحترقة" قصص، وفى الشعر "اعترافات شرقى معاصر"، و"حدث فى مثل هذا القلب" وغيرها.. كيف ترى تلك الرحلة الأدبية وأى من هذه الأعمال الأقرب إليك؟
كلما أوغل الكاتب فى العمر، ونضجت تجربته وأفكاره ورؤاه، تغيَّرت نظرته إلى منتجاته الأولى، فاللغة والأسلوب والأفكار والموضوعات أيضًا تتغيَّر، وهذه المؤلَّفات الأولى قد قدَّمتنى إلى القرَّاء أحسن تقديم، لكنَّ تجربتى بعد 12 عامًا على صدور مجموعتى القصيَّة الأولى "صفرٌ على شمال الحبِّ " أرى أنها نضجت، وخبرتى ازدادت، ولغتى نمت بشكل كبيرٍ ..لذلك فإنَّ المجموعات التى تلت هذه الإصدارات التى ذكرتها، هى أنضج فنيًّا، وأقدر على تمثيلى تمثيلًا حسنًا فى نفوسِ المتلقِّين.
*ما رأيك بقصيدة النثر، هناك من يعتبرها مجرد خواطر شخصية؟ وماذا قدمت قصيدة النثر للشعر العربي؟
قصيدة النثر لونٌ شعريٌّ عصريٌّ بديعٌ من ألوان التعبير الإبداعيِّ، تحتفى بالقبضِ على اليوميِّ والمعتادِ، ولها فضاءاتها الواسعةِ، وهى تتَّسم بسعة الانزياحات اللغويَّة، وجرأتها الفائقة على كسر قوالب اللغة الجامدة، والخيالِ الجموح، والمجاز العالي، وتتوشَّى بفتنتها المبهرة، ومقدرتها على سلب الألباب، وأسر النفوس، ذلكَ حين تجد المبدعَ الحقيقيَّ ذا الملكة الحاضرة الذى يملك ناصية اللغة، يمكنه أن يقدِّم من خلالها الإدهاشَ المرتجى، والإقناع المأمول. أمَّا المتصِّنعون؛ فهم من يسيئون لهذا الفنِّ، ولا شكَّ أن قصيدة النثر قد أثرت المكتبة الشعريَّة العربيَّة بكثيرٍ من الديوانات المتميِّزة، وقد قدَّمت للمشهد الشعريِّ العربيِّ أسماءً شعريَّةً وازنةً قادرة على تقديم الإضافة المثلى المرجوَّة منها..
*البعض يرى أن أعمالك بها توظيف للبيئة وظهر ذلك واضحًا فى الكثير من أعمالك ما تعليقك؟ وكيف أثرت البيئة الليبية عليك أدبيًّا؟
(الكائن ابن بيئته) كما يرى علماء الأحياء .. وليس من مبدع لا يظهر أثر بيئته على نتاجه الإبداعيِّ، ولو بقدرٍ يسيرٍ، وأن يظهر أثر بيئتى الليبيَّةِ على أعمالى الإبداعيَّة، فهذا تأكيدٌ لهذه المسلَّمَةِ .. ولا شكَّ أننى تأثرت بالبيئة الليبيَّة، فقد اقتنصتُ كثيرًا من موضوعات قصصى بخاصَّة منها، ونقلت حياة ناسها، وطرائق تفكيرهم وعاداتهم وتقاليدهم .
* "من القلق يولد الشعر الحقيقي". هل توافق على هذا القول؟
قلق المبدع قلقٌ منتجٌ، لا قلقٌ سلبيٌّ .. فالمبدع فى حالة انفعال دائمة بحثًا عن عصافير الدهشة، وتربُّصًا لاقتناصِ طرائده الإبداعيَّة.
*هل تركز أنظارك على الشعر والقصة فقط، أم على أجناس أدبية أخرى؟
أنا أكتب الشعر بأنواعه (القصيدة العموديَّة، والتفعيلة وقصيدة النثر والهايكو، والأغنيَّة العامَّية) والقصة القصيرة، والقصيرة جدًّا والشذرة الأدبيَّة والنقد الأدبى والبحث الأدبى والتراثي.. وأتطلَّع لكتابة الرواية .. وقد بدأت فعليًّا فى اقتحام هذا الفنِّ السرديِّ المهيب.
*لك بعض التحفظات على النشر الإلكترونى وترى أنه يضر الأدب أكثر من إصلاحه، ألا ترى أنه وسيلة لنشر الأعمال الأدبية بأقل التكاليف فى ظل ما يحدث من مشكلات بالنشر الورقي؟
لا لست متحفَّظًا كثيرًا عليه .. لكن النشر الإلكترونى أحيانًا يوقعنا فى فخاخ السَّرقاتِ الأدبيَّةِ من قبل ( أدباء ) القص واللصق .. وهم لصيقون بهذا الفضاء الإلكتروني.
* الشعر كان حاضرًا فى ميادين الثورات العربية الأخيرة، هل ترى أن الشعر سوف يستعيد مكانته مرة أخرى وأن قارئ الشعر لا يزال موجودا؟
مكانة الشعر لم تتأثر بأى الأحداث التى تمرُّ بها أمتنا العربيَّة، فلا يزال للشعر العربيِّ وهجه وحضوره وفتنته، وله جمهوره وعاشقوه.
* فى رأيك هل أثرت ثورات الربيع العربى على النتاج الإبداعي.. هل نجح المبدعون فى التعبير عنها أدبيًّا؟
لا شكَّ أنَّ ثورات الربيع العربى هى أبرز أحداث مرَّت على أمتنا خلال القرن الواحد والعشرين، وهذا أتاح للمبدع العربى إيجاد موضوعات جديدة أضافت لرصيده الإبداعى الكثير، وقد نجح بعض المبدعين فى استثمار مؤثرات هذا التغيير السياسى فى إنجاز أعمالٍ إبداعيَّة رائعة .. رواية، وقصَّة، وشعر، وتشكيل وغيرها.
* هناك من يرى أن هذه الثورات كشفت فشل النخبة المثقفة وتراجعها عن أداء دورها. ما رأيك؟
هذا ليس حكمًا مطلقًا، فتفاعل النخب العربيَّة المثقفة راجعٌ لقناعاتها بهذه الثورات – مع أو ضدّ – ولا يمكن أن يكون ثمَّة فشل مطلقٌ، ونجاحٌ مطلقٌ.
* هناك عدد من الشعراء وكتاب القصة تحولوا إلى روائيين.. هل راودتك هذه الفكرة؟
لديَّ مشروعٌ روائيٌّ لم أشرع فى إنجازه بشكلٍ جدِّيٍّ .. لكن أعتقد أن الرواية هى من ستقتحمنى قريبًا فارضة سطوتها عليِّ.
* حصلت على أكثر من جائزة.. ما رأيك بالجوائز الأدبية؟ هل تشكل دليلا على إبداعية المنتج الأدبي؟
الجوائز الأدبيَّة لا تحمل من اسمها غير الاسم ؛ فأغلبها يخضع لأهواء وأجندات رعاتها .. ليست هناك جائزة عربيَّة أدبيَّة بريئة، جائزة لوجه الأدب .. لذلك أنا أحجم عن المشاركة بالتقدُّم للجوائز العربيَّة .. وإن كانت هذه الجوائز المزعومة قد رفعت أسماءً لا تستحقُّ .. وروَّجت لمؤسَّسات مشبوهة. ولا زلنا نفتقر لوجود جوائز نظيفة، بريئة، أدبيَّة حقيقيَّة، لماذا لا تكون لنا ( نوبل عربيَّة) أو بوكر عربيَّة، أن نختار لها اسمًا عربيًّا لائقًا، وبإمكاناتنا والتخطيط السليم لها والدعم اللازم ستكون جوائزنا تحمل قيمتها بعيدًا عن أصحاب النيَّات السياسيَّة والدعائيَّة والأهواء والغايات المريبة..
*يلاحظ أنك تجمع بين النقد والشعر فى آن واحد.. والشعراء عادة يقولون إن هناك أزمة نقد، ما رأيك؟ وهل النقد فى ليبيا على نفس مستوى الحالة الأدبية الحالية؟
أنا لا أكتب نقدًا بالمعنى العلمى للنقد، لكنِّى أحيانًا أرتكب قراءات عاشقة فى بعض الأعمال الإبداعية التى تستفزُّنى، وأحيانًا ألبِّى دعواتٍ من مؤتمرات ومهرجانات أدبيَّة للمشاركة بأوراقٍ بحثيَّةٍ، لكنى لا أمتهن النقد كما يفعل النقَّاد . وليس ثمَّة أزمة نقد بالمعنى المربك للأزمة، لكن ما يعترى المشهد النقدى العربيَّ هو ذاك الإرباك والفوضى اللذان طغيا على المشهد الثقافيِّ العربيِّ بعامَّة. والنقد الأدبى فى ليبيا يتأخَّر بخطوات كثيرة عن حركة الإبداع الليبى المتسارعة شعريًّا وسرديًّا .
* ما جديدك فى الفترة المقبلة؟
أطمح لطباعة عددٍ من مؤلَّفاتى بأى طريقة خلال العام المقبل.