ليبيا المستقبل _
لندن - العرب: تواجه ليبيا تحديات صعبة، على
جميع الأصعدة، منذ أن انتقلت إليها موجة التحولات التي شهدتها المنطقة في
ما سمي بثورات الربيع العربي، التي أفرزت واقعا جديدا لم يكن سهلا على
البلاد التي عاشت على مدى أربعة عقود تحت سيطرة القذافي وقبضته الحديدية. بعد
انهيار نظام القذافي، كانت الأرضية في ليبيا هشّة، الأمر الذي فتح المجال
أمام ظهور العديد من التهديدات التي عمّقت من أزمة البلاد، خاصة مع بروز
شبح تقسيم البلاد، وظهور حركات انفصالية وأخرى متشددة، ومع محاولات الإخوان
المسلمين فرض أنفسهم على الساحة السياسية الليبية في محاولة لتحقيق بعض
المكاسب على غرار الإسلاميين في تونس، وفي مصر قبل أن يسقطوا. كما أن تنامي
وجود القاعدة والجماعات الجهادية الأخرى يشكل خطرا كبيرا على ليبيا وعلى
جيرانها.
المليشيات المسلحة
رغم محاولاتها المتكررة لمسك زمام الأمن، أخفقت الحكومة المركزية
في السيطرة على المليشيات المسلحة والجماعات المتشددة عقب الإطاحة بنظام
معمر القذافي، ووصلت حدة الانفلات الأمني إلى عدم استشعار وجود قانون يقف
في وجه التجاوزات العلنية لهذه الجماعات، في وقت تزداد فيه الاغتيالات
السياسية واستهداف المواطنين المدنيين. وهو وضع أكده اختطاف رئيس الوزراء
علي زيدان في طرابلس لفترة قصيرة في 10 أكتوبر، من قبل "غرفة عمليات ثوار
ليبيا" ذات التوجهات الإسلامية و"اللجنة الأمنية العليا" وميليشيا شبه
رسمية أخرى. وتبرز تلك الأحداث المنافسات السياسية التي لا تزال تقسم
البلاد.وشكلت الأحداث الأخيرة التي وقعت في مدينة بنغازي
تحولا خطيرا في الاضطرابات الأمنية، وذلك إثر الاشتباكات العنيفة والمباشرة
التي وقعت، للمرة الأولى، بين قوات الجيش الليبي وعناصر جماعة أنصار
الشريعة الليبية، المعروفة بتشددها وارتباطها بتنظيم القاعدة. المستجدات
الأمنية في ليبيا كانت محور اهتمام دراسة معمقة عن الأوضاع الأمنية فيها،
أجراها الباحث الأميركي، أندرو اينغل. ويعتبر اينغل أن ما تعيشه البلاد
أصبح يشكّل منحى خطيرا، خاصة وأن هذه المليشيات تحكم قبضتها على ليبيا.
وتقول منظمة العفو الدولية إن المليشيات، هي التي تحكم في ليبيا، وصار
أولئك الذين حاربوا من أجل الحرية يتحوّلون إلى عصابات إجرامية. وأشارت
منظمة العفو الدولية إلى أن الحكومة الليبية أعلنت عن خطة جديدة لإبعاد
الميليشيات عن العاصمة طرابلس من خلال إدماجها في قوات أمن الدولة.
حكم الثوار
يؤكد اينجل ما جاء في تقرير منظمة العفو الدولية بقوله إن الثوار
الذين صعدوا خلال ثورة 2011 أصبحوا الحكام الفعليين لليبيا بمجرد سقوط نظام
القذافي. وقد سعت السلطات الانتقالية الضعيفة إلى كبح جماح العنف وزيادة
شرعيتها، لذا تعاقدت مع ميليشيات للمساعدة في تأمين البلاد، حيث شكلت قوتين
شبه رسميتين: "درع ليبيا"، تحت إشراف وزارة الدفاع، و"اللجنة الأمنية
العليا"، تحت إشراف وزارة الداخلية. وقد كان الهدف من الاعتماد على
الميليشيات ومن بينها الكثير من مصراتة أن يكون ذلك خطوة مرحلية أثناء بناء
الدولة للجيش والشرطة، ولكن الأحداث العنيفة التي وقعت أوضحت كيف أن هاته
المليشيات استفادت من نفوذ الإخوان المسلمين داخل مؤسسات الدولة لتدخل في
مواجهة مع الحكومة والقوات الأمنية التي تريد بسط الأمن. وعاد
موضوع الفديرالية ليهدد من جديد تقسيم الخارطة الليبية في ظل الصراعات
التي تشهدها البلاد، بعد أن أعلن في الأسابيع الماضية عن تشكيل إقليم برقة
من جانب واحد وإعلانه إقليما فدراليا، مما عزز فرضية سعي الجماعات
الانفصالية وراء مطامح شخصية خاصة. ورغم أن هذه الجماعات
لا تحظى بتأييد سياسي أو شعبي واسع فإن تصريح إبراهيم الجضران، رئيس المكتب
السياسي لإقليم برقة، الذي أعلن فيه أن إقليم فزان يستعد لإعلان الفدرالية
على غرار إقليم برقة، يدق ناقوس تقسيم البلاد في تطور جديد في سياق الصراع
بين دعاة الفدرالية والسلطات الحاكمة بطرابلس التي تعمل على منع مد موجة
الفديرالية مع مساعدة العديد من المرجعيات الدينية الرافضة لهذه الخطوة. ويعتبر
مراقبون أن تنامي الدعوات الانفصالية التي باتت تظهر على المشهد السياسي
الليبي، يعتبر النفط عامله الأبرز ودافعه الأساسي، للاستئثار به في ظل
انعدام تطبيق قوانين صارمة وردعية زادها الانفلات الأمني صعوبة أكثر. وتتردد
الحكومة المركزية في حل المشكلة باستخدام القوة ضد الميليشيات الفدرالية
التي تحاصر محطات النفط، خوفا من أن تثار بعد ذلك موجة جديدة من الاضطرابات
والعنف تحصد أرواح المدنيين، وفشلت السلطات في طرابلس في حشد دعم محلي
لمواجهة الميليشيات. واعتبر المراقبون أن أبرز مشكلتين
تواجهان ليبيا بعد سقوط القذافي، هما الوضع الأمني المستمر في التدهور،
ومشكلة المنطقة الشرقية في برقة، بعد إعلانها حكومة فدرالية مستقلة عن
الحكومة في طرابلس.