العرب اللندنية: بدأت الأبحاث الأولية في فرنسا تكشف عن ملابسات هجمات باريس الأخيرة، مميطة اللثام عن هوية بعض الأطراف الضالعة في هذه العملية الدموية. وعلى خلاف التقديرات الأولية التي اتجهت نحو تقدير أن منفذي العملية ينتمون لدول عربية إسلامية، فقد أكدت نتائج التحقيقات حتى الآن عن تورط عدد من المتطرفين الفرنسيين والبلجيكيين في هذه العملية. ووفقا للمعطيات التي قدمها فرنسوا مولين المدعي العام في باريس، فإن سبعة مسلحين نفذوا هجمات الجمعة قتلوا جميعهم، ستة منهم بأحزمة ناسفة.
وهناك ثلاث مجموعات عملت بشكل شبه منسق على شن الهجمات ليلة الجمعة، حسب مولين حيث تشابهت المجموعات الثلاث في اعتداءاتهم، من خلال استعمالهم بنادق كلاشينكوف من عيار 7,62 ملم، وأحزمة ناسفة من نوع TATP، وتزامن هجماتهم يؤكد بأن هناك إستراتجية منسقة. وقتل ثلاثة من المسلحين في الهجوم على مسرح باتاكلان، وثلاثة آخرون في التفجير الذي استهدف ملعب فرنسا بضاحية سانت دوني الباريسية، وآخر في الهجوم على شارع فولتير.
وذكرت التحقيقات الأولية أن هناك فرنسيا من بين الإرهابيين، تم التعرف عليه بفضل بصماته الرقمية، وهو إسماعيل عمر مصطفى، المولود في 29 نوفمبر 1985 بمنطقة كوركورنه بمقاطعة إسون، معروف لدى العدالة باقترافه جرائم ضد القانون العام في 2004 و 2005، ويعيش في منطقة شارتر منذ بضع سنوات، لم يسبق له أن سُجن أو تورط في قضايا متعلقة بالإرهاب، لكن تم وصمه بالبطاقة “س” الخاصة بتصنيف "المتطرفين"، وحسب معلومات حصلت عليها صحيفة “لوموند” الفرنسية ، فقد تم تثبيت صفة التطرف عليه بعد إقامته في سوريا بين فترة خريف 2013 و ربيع 2014.
من جهة أخرى أخبر المدعي العام الفيدرالي لبلجيكا بأن فرنسيين مقيمين في بروكسيل، بالمدينة بمنطقة مالونبيكجيون، كانا من بين الانتحاريين الذين نفذوا هجمات ليلة الجمعة بباريس. ويتجه التحقيق الفرنسي نحو ثلاثة إخوة فرنسيين، اثنين منهم ظهرا في عقود إيجار سيارتين مسجلتين ببلجيكا، واللتين تم استعمالهما في الهجمات، واحدة من طراز "فولس فاغن بولو" عثر عليها قرب صالة العرض باتاكلان، وأخرى من نوع "سيات ليون" وجدت بضواحي مونتروي وبها ثلاث بنادق كلاشنيكوف.
ونقلت وسائل إعلام عن المخابرات الفرنسية والبلجيكية، أن الممول والعقل المدبر لهجمات باريس هو عبدالحميد أباعود المواطن البلجيكي من أصل مغربي. ويعتقد أنه كان زعيم الخلية الإرهابية التي فككتها الاستخبارات البلجيكية في يناير الماضي. وأباعود من مواليد بلدة مولنبيك سنة 1987 في منطقة بروكسل وكنيته أبوعمر السوسي باسم منطقة السوس التي تنحدر منها عائلته في جنوب غرب المغرب، كما يعرف بأبوعمر البلجيكي. وروى رفيق سابق له في المدرسة لصحيفة “لا ديرنيير اور” البلجيكية الشعبية أنه "كان نذلا صغيرا"، مشيرا إلى أنه كان يعمد إلى مضايقة الأساتذة وسلب محفظات.
وهو اليوم هدف للمحققين الفرنسيين والبلجيكيين الذين يشتبهون بأنه مدبر اعتداءات باريس التي أوقعت الجمعة 129 قتيلا وأكثر من 350 جريحا وتبناها تنظيم الدولة الإسلامية. وكان أباعود يعرف المشتبه به الرئيسي في هذه الاعتداءات صلاح عبدالسلام الذي يرتبط بصلات وثيقة أيضا ببلدة مولنبيك البلجيكية والذي يجري البحث عنه بشكل حثيث، وشقيقه إبراهيم عبدالسلام الذي فجر نفسه في شرق باريس، والثلاثة مدرجون في سجلات جنايات الحق العام في بلجيكا. وتصدر أبوعمر البلجيكي عناوين الصحف البلجيكية في مطلع عام 2014 بعدما اقتاد شقيقه الأصغر يونس (13 عاما) إلى سوريا وقد لقبته بعض وسائل الإعلام بـ”أصغر جهادي سنا في العالم”.
ويعتقد أن أبوعمر انضم إلى مقاتلين بلجيكيين آخرين ليشكلوا فرقة نخبة في تنظيم الدولة الإسلامية. وظهر في فيديو لتنظيم الدولة الإسلامية معتمرا قلنسوة من الطراز الأفغاني ليتباهى بارتكاب فظاعات وهو يخاطب الكاميرا من خلف مقود آلية تجر جثثا مشوهة إلى حفرة. وكتبت صحيفة دي مورغن الفلمنكية الثلاثاء أن والد أباعود تاجر أرسل ابنه إلى مدرسة راقية في بلدة أوكل السكنية في جنوب بروكسل.
وقال والده عمر أباعود ــ الذي وصلت عائلته إلى بلجيكا قبل أربعين عاما ــ في يناير الماضي لصحيفة لا ديرنيير اور "لم يكن عبدالحميد ولدا صعبا وأصبح تاجرا جيدا. لكنه غادر فجأة إلى سوريا. مضيفا "عبدالحميد ألحق العار بعائلتنا. حياتنا دمرت. لماذا يريد قتل بلجيكيين أبرياء؟ عائلتنا تدين بكل شيء لهذا البلد". وذكرت الصحافة البلجيكية أن أباعود رصد في اليونان حيث كان يتواصل مع الجهاديين اللذين قتلا في فيرفييه. وجرت عملية دهم في أثينا من دون أن تنجح في توقيفه.
مع العلم أن الجهاديين الفرنسيين والبلجيكيين يشكلون حوالي ألف فرنكوفوني داخل تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، يقاتلون ويدبرون عمليات في أوروبا على غرار اعتداءات باريس الأخيرة. ويؤكد الخبراء أن هؤلاء يخضعون لقيادة كوادر فرنسية أو بلجيكية أو أشخاص من أصول مغاربية يتمتعون ببعض الاستقلالية خصوصا للتخطيط لاعتداءات في بلدانهم الأصلية. وتبنى تنظيم داعش مرارا في العراق مسؤولية هجمات بسيارة أو شاحنة مفخخة يقودها انتحاريون فرنسيون أو بلجيكيون ويستهدفون في معظم الأوقات مواقع للجيش العراقي أو الميليشيات التابعة له.