المختار العربي - أبو مـالك: الاحتفال برأس السنة الأمازيغية الذي يصادف ليلة 13 يناير من كل سنة، تقليد راسخ في ثقافة شعوب شمال أفريقيا من لبيبا إلى تونس الى الجزائر الى المغرب الى موريتانيا حيث ما يزال سكان هذه المناطق يحيونه بطقوس مختلفة باختلاف التقاليد والعادات وحيث تشير الطقوس إلى مدى ارتباط الإنسان الأمازيغي بأرضه ومدى اندماجه في الطبيعة من خلال ممارسة بعض التعبيرات التي يرجى منها إبعاد شبح الجوع والتماس أسباب الخير والسعادة.
تاريخيا يعد التقويم الأمازيغي من بين أقدم التقويمات التي استعملها البشر على مر العصور، إذ استعمله الأمازيغ منذ أن اكتشف سكان شمالي افريقيا الزراعة ومارسوها والذي رافقه اهتمام بالظواهر الطبيعية والفلكية وما تخلفه من تأثيرات، ويؤكد ذلك المؤرخ الفرنسي غوتييه في قوله: بان الأمازيغ لم ينتظروا احدا ليعلمهم الزراعة واستنبطوا ان تاريخ 14 يناير الذي هو أول يوم في السنة الأمازيغية؛ هو التاريخ الذي يفصل بين طبيعتين، طبيعة البرد والصقيع السابقة، وطبيعة الدفء والاعتدال اللاحقة التي هي بداية تجديد الطبيعة لنشاطها البيئي.
ولم تدخل مرحلة التأريخ الامازيغي بشكل رسمي التدوين الا مع سنة 950 ق.م عند انتصار القائد الأمازيغي الليبي "شيشنق" في معركة حاسمة ضد قائد الفراعنة رمسيس، إذ كان الفراعنة قبل هذا التاريخ ينظمون احياناً هجمات على ما جاورهم من وطن الأمازيغ فيمايعرف بالصحراء الغربية لمصر اليوم "الواحات وسيوة" للاستيلاء على أرضهم ونهب ثرواتهم ان امكن، وهي بذلك تعد أول حرب في تاريخ الانسانية يخوضها شعب لتحرير أرضه، بالاضافة الى ان اعداداً من الشخصيات المصرية استنجدت بالملك شيشنق لمساعدتهم من جور فرعونهم الذي كان ظالماً، واثقل كاهلم بالعسف والضرائب، ومثلت غزوته بذلك حدثاً تاريخياً هاماً في التاريخ الأمازيغي القديم.. خاصة مع صاحب الانتصار من صعود شيشنق الاول الى عرش الحكم الفرعوني وتأسيسه للأسرة الفرعونية الثانية والعشرين، واستمرت بعدها الى الثالثة والعشرين لمدة قرنين من الزمان؛ فكان ذلك التاريخ افضل مناسبة عند الامازيغ لبداية الحساب أو التأريخ للتقويم الخاص بهم الذي يبلغ الان (2966) سنة.
وتوثق النقوش التاريخية المحفورة على أعمدة معبد ″الكرنك″ في مدينة الأقصر بمصر لهذا النصر العسكري وتتحدث تلك الآثار بالتفصيل عن تاريخ حافل بالانتصار والانجاز والبناء. بالاضافة الى ان شيشنق الاول المذكور في التوراه عاصر الملك سليمان بن داوود، وسجل عصره ايضاً انتصاراته على اليهود وامتد ملكه من مصر الى السودان وبلادد الشام والى ليبيا الغربية وهي التي تمتد على كامل بلاد المغرب وجبال الاطلس وحتى جزر الكناري في المحيط الاطلسي.
وتوارث الأمازيغ تقاليد الاحتفال منذ 950 سنة قبل الميلاد بشكل رسمي ومنتظم وأصبحت جزءا من ثقافتهم يتم الاستعداد كل سنة لإحياء هذه المناسبة من خلال القيام بمجموعة من التعبيرات مثل الاهتمام بكل الأنشطة المنزلية كتنظيف المنزل وتجديده، ولبس النسوة والاطفال خاصة للباس جديد والتزين لاستقبال العام الجديد، وإعداد وجبات خاصة للمناسبة أشهرها طبق الكسكسي كما يتم فيه غرس أشجار الزيتون وغيرها من الاشكار المثمرة كالتين والنخيل والاعناب، ويكون رأس السنة الأمازيغية مناسبة لتبادل الزيارات العائلية وإنهاء الخصومات وإقامة الصلح ومناسبة كذلك للتضامن الاجتماعي عبر تجميع الصدقات وتوزيعها على الفقراء والمحتاجين.
والتقويم الأمازيغي ليس مشتقًا من التقويم اليولياني كما يظن علماء الفلك الغربيين اليوم، وإنما من التقويم الفلاحي الأمازيغي الذاتي، وحتى حيث عندما عزم الرومان على تطوير فلاحتهم لم يروا في التقويم الروماني القمري التقليدي جدوى فما كان على الامبراطور يوليوس قيصر الا الاقتداء بالتقويم الفلاحي الأمازيغي وبالحساب الشمسي واستعان في ذلك بعالم الفلك الأمازيغي أو الليبي حسب التسمية القديمة سوسينغ (سوسينغيوس كما يسميه الرومان) ثم أضفى عليه فيما بعد البابا غريغوريوس بعض التعديلات وبالتالي تصح تسميته بالتقويم الأمازيغي-الغريغوري وهو نفسه المعتمد حاليا، وكذلك في اليونان كان التقويم الامازيغي إلى عهد قريب كان هو السائد فيها، كما يؤكد الباحث في التاريخ (إيدمون دوتي).