ليبيا المستقبل
الشرق الأوسط: بعد 3 سنوات على تحريرها من قبضة العقيد الراحل معمر القذافي وسقوط نظامه، ما زالت العاصمة الليبية طرابلس التي تحتفل اليوم بهذه الذكرى، تعيش أجواء حرب كادت تقترب من قلب المدينة بعدما أطلقت ميليشيا مسلحة صواريخ على منطقة راقية في العاصمة. وبينما تمر اليوم الذكرى الثالثة لتحريرها، فإن المفارقة التي يعكسها غياب المؤسستين التشريعية (مجلس النواب) والتنفيذية (الحكومة الانتقالية) عن العاصمة، مفضلتين عقد اجتماعاتهما بمدينة طبرق في أقصى شرق البلاد، بعيدا عن تردي الوضع الأمني والعسكري بطرابلس، تكشف الحالة التي باتت عليها المدينة خلافا لما كان يأمله الليبيون عندما خرجوا في شهر فبراير (شباط) عام 2011 للمطالبة بإسقاط نظام القذافي. وتوقعت مصادر ليبية مطلعة أن تشهد العاصمة اليوم ما وصفته بمعركة كبيرة بين الميليشيات المتناحرة التي تخوض منذ 13 يوليو (تموز) الماضي صراعا بمختلف أنواع الصواريخ والأسلحة الثقيلة والمتوسطة حول منطقة مطار طرابلس الدولي، وحولتها إلى ساحة حرب حقيقية، مما أدى إلى مقتل وجرح المئات وتهجير ما يزيد على 100 ألف من السكان بالمناطق القريبة من منطقة الاشتباكات. وبدا الوضع في ساعات الصباح وحتى مساء أمس، شبه عادي في طرابلس، حيث قلت معدلات القصف العشوائي، لكن سرعان ما اشتعلت حدة الاشتباكات والقصف العنيف في حي الأكواخ بجنوب العاصمة.
وقال مسؤول ليبي لـ«الشرق الأوسط» إن «الهدوء الذي قطعته هذه الاشتباكات المتقطعة، ربما يكون الهدوء الحذر الذي يسبق العاصفة»، على حد تعبيره. وأضاف: «هذا تمهيد لمعركة يفترض أنها ستكون غدا (اليوم)، الذي يوافق الذكرى الثالثة لتحرير العاصمة في 2011»، لكنه امتنع عن تقديم مزيد من التفاصيل. وأكد مسؤول مقرب من ميليشيات مصراتة وحلفائها من الجماعات المتطرفة هذه المعلومات، وقال لـ«الشرق الأوسط»: «نعم، نحن نتوقع التصعيد.. طبعا الثوار متفائلون بهذا التاريخ». بينما قال مسؤول محسوب على ميليشيات الزنتان لـ«الشرق الأوسط»: «المتوقع أن مقاتلي مصراتة وحلفاءهم سيعيدون تكرار ما كانوا يفعلونه كل مرة، سيهاجمون عبر أكثر من محور، مثل (الفروسية) و(النقلية) ومحور (معسكر 27) بالإضافة إلى محاور المطار وحي الأكواخ». ويخوض مقاتلون من مصراتة شرقي طرابلس معارك في مواجهة ميليشيا من منطقة الزنتان الغربية منذ أسابيع، مما أحدث حالة من الفوضى في البلاد. وكان الجانبان عملا معا للإطاحة بالقذافي، ولكن سرعان ما نشب صراع بينهما. وتعاونت هذه الميليشيات فيما بينها لتحرير العاصمة طرابلس وإسقاط نظام القذافي، ولكن سرعان ما نشب الصراع بينها لتشيع الفوضى في البلاد وتثور المخاوف من احتمال أن تصبح ليبيا دولة فاشلة تزعزع استقرار شمال وغرب أفريقيا. وتصعد الضربات الجوية صراعا بين الإسلاميين وقوات أكثر اعتدالا، وكذلك بين ميليشيات من المدن المختلفة، تسعى جميعا لنصيب من السلطة. وليست للحكومة المركزية سيطرة على طرابلس أو بنغازي.
وتحالفت قوات الزنتان مع خليفة حفتر اللواء المتقاعد بالجيش الليبي الذي يخوض حربا ضد المتطرفين في شرق ليبيا، وهاجمت مقر المؤتمر الوطني العام (البرلمان) السابق في شهر مايو (أيار) الماضي، قائلة إن لدى المجلس جدول أعمال إسلاميا. وقال سكان أمس إن مجهولين أطلقوا صواريخ «غراد» على حي الأندلس وقرقارش، وهما من أرقى أحياء طرابلس، مما أسفر عن مقتل 3 أشخاص، بينما قال مسؤول بوزارة الصحة إنه ليست لديه معلومات عن أعداد الضحايا. وتقع البورصة الليبية ومقاه أنيقة ومنافذ بيع لعلامات تجارية أجنبية مثل «ماركس آند سبنسر» و«نايكي» في الحيين، وكانا يضجان بالحياة حتى وقت قريب. في غضون ذلك، حمل مجلس مدينة طرابلس المحلي حكومة الثني المسؤولية التامة عما تتعرض له المدينة من اعتداءات وخطف وقتل، الأمر الذي وصل إلى القصف المتقطع بالـ«غراد» على الأحياء المدنية الآمنة.
وأرجع المجلس في بيان أصدره أمس ما تتعرض له العاصمة إلى عدم تطبيق الحكومة القرارين «27» و«53» القاضيين بإخراج كل المظاهر المسلحة من العاصمة طرابلس، مشيرا إلى أن الأمر قد وصل إلى معارك عسكرية تسببت في تشريد آلاف العائلات من منازلهم، وأنه في ظل غياب الحلول السلمية وصل الأمر إلى استعمال الطيران الحربي، وهو ما يعرض أمن المدينة بأكملها للخطر. وطالب المجلس في بيانه بضرورة وقف إطلاق النار لتقديم الخدمات الطارئة للمواطنين، وفتح تحقيق مع الطرف الذي أعلن مسؤوليته عن استخدام الطيران الحربي وتحميله كل التبعات القانونية. وفى أحد فنادق مدينة طبرق بأقصى شرق البلاد، استمر مجلس النواب في عقد جلساته، حيث كان مقررا أن يناقش موضوع منح الثقة لحكومة تسيير الأعمال التي يترأسها عبد الله الثني، بالإضافة إلى مناقشة كيفية تشكيل لجان دائمة بمجلس النواب. وكانت حكومة الثني قد عقدت بمدينة طبرق أول من أمس اجتماعا استثنائيا لمناقشة الأوضاع الأمنية في البلاد والاقتتال الدائر في بعض المدن وجهود الحكومة المتواصلة لإيقافه.
وقال بيان أصدرته الحكومة إن الاجتماع تناول بصفة خاصة الغارات الجوية التي تعرضت لها بعض ضواحي مدينة طرابلس فجر أول من أمس، وكلف المجلس رئاسة الأركان العامة بالتحقيق في هذا الحادث ومعرفة هوية الطائرات التي قامت بالقصف. من جهته، نفى جهاز حرس المنشآت النفطية بالواحات ما تردد عن تعرض مواقع حقول النفط أو الآبار المنتجة لقصف بطائرات حربية، ونقلت وكالة الأنباء المحلية عن المتحدث الرسمي باسم الحرس أن قوات الجهاز «لم تتلق أي بلاغ أو معلومات حول وجود مثل هذه الأعمال»، مؤكدا في المقابل أن كل المنشآت والأماكن المحيطة بها سليمة ولم تتعرض لأي هجوم من أي نوع. واندلعت أيضا اشتباكات بين قوات حفتر والمقاتلين الإسلاميين في بنغازي، حيث فتحت طائرة هليكوبتر النار، وقال مصدر عسكري إن 11 من رجال حفتر نقلوا للمستشفى. من جهة أخرى، قال مسؤولون ليبيون إن قطاع النفط بدأ يتعافى تدريجيا مع زيادة إنتاجه منذ بدء الأزمة التي شلت لمدة عام موانئ تصدير الخام، مؤكدين أن هذا القطاع الحيوي يمكن أن يعود إلى المستوى الذي كان عليه من قبل في نهاية العام الحالي إذا استقرت الأوضاع.
ونقلت وكالة الأنباء المحلية عن عمر الشكماك، وزير النفط والغاز المكلف، قوله إن «إنتاج ليبيا من النفط بدأ يتعافى تدريجيا، ومن المتوقع أن يعود إلى سابق عهده الذي كان عليه مع نهاية العام الحالي إذا استقرت الأوضاع وأصبحت على الوجه الأمثل في مختلف الحقول». ولفت إلى أن الليبيين خسروا العديد من الزبائن في الأسواق العالمية بعدما توقف التصدير أكثر من عام، مشيرا إلى أن بعض الزبائن من السوق الدولية لجأوا إلى أسواق أخرى بعد تفاقم الأزمة لتغطية متطلباتهم.