إرم نيوز: طوت مالي، صفحة يوم دام وطويل، مرت ساعاته عصيبة على قوات الأمن، وهي تحاول إنقاذ عشرات الرهائن وغالبيتهم من جنسيات غربية، فاجأهم مسلحون متشددون تسللوا إلى فندق راديسون بلو الفاخر وسط بامكو، مدججين بأسلحة رشاشة، ومطلب وحيد يتمثل في الإفراج عن زملاء لهم يقبعون في السجون المالية. وحبس الرئيس المالي “إبراهيم بوبكر كيتا“، أنفاسه عشر ساعات، قبل أن يخرج في التلفزيون الرسمي، معلناً انتهاء الأزمة بمقتل 21 شخصا، وإصابة سبعة آخرين، واصفاً الوضع بـ"المقلق". قلق "كيتا"، جسده في إعلان الحداد ثلاثة أيام على أرواح الضحايا، وفرض حالة الطوارئ في البلاد لمدة 10 أيام، ابتداءً من منتصف الليلة الماضية. دون أن يدلي بأية تفاصيل حول جنسيات القتلى في الهجوم.
ونالت أحداث مالي بالأمس، حظها من الإدانة والشجب الدوليين، ففي الوقت الذي أعلنت فيه كل من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، مشاركة قوات خاصة منهما في عملية تحرير الرهائن، اكتفى الرئيس ا لأمريكي باراك أوباما اليوم السبت من ماليزيا، بوصف الهجوم واحتجاز رهائن في مالي بأنه "تذكرة مروعة أخرى لويلات الإرهاب". وشدد على أن بلاده وحلفاءها "لن يتساهلوا في قتال هؤلاء الذين استهدفوا مواطنيهم، ولن يسمحوا بأن يجد المتشددون ملاذا آمناً". وقال أوباما؛ إن الولايات المتحدة تحاول معرفة مصير الأمريكيين الذين ربما كانوا في الفندق بمالي. موضحاً أن القوات الأمريكية في مالي "ساعدت في منع وقوع خسائر أكبر في الأرواح".
بصمات القاعدة
وبدت منذ الوهلة الأولى للهجوم واحتجاز الرهائن في فندق بامكو، تتضح بصمات قاعدة المغرب الإسلامي، بدءاً بالإفراج عن عمال الفندق من الماليين وبعض النزلاء من الجنسيات الأفريقية الأخرى، وتركيز العملية الإرهابية على الطابق السابع بالفندق، حيث عشرات الغربيين، الذين كانوا يستعدون لحضور مؤتمر دولي عن السلام في مالي، قبل أن يعكر الإرهابيون صفوهم مع ساعات الصباح الأولى، وسط تقارير تحدثت عن حصول المهاجمين على وثائق ديبلوماسية بخصوص المؤتمر، ونوعية ضيوفه، وهو ما جعلهم يضللون الأجهزة الأمنية بدخول الفندق بسيارة تحمل لوحة دبلوماسية، مكنتهم من اجتياز نقاط التفتيش الموجودة في محيط راديسون بلو.
وسارعت جماعة "المرابطون"، التي يقودها المتطرف الجزائري المثير للجدل مختار بلمختار الشهير بـ"بلعور" إلى تبنى العملية، معلنة أن الهجوم تم بالتنسيق مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وأوضحت الجماعة، أن الهدف "وقف الاعتداء الممارس على سكان شمال ووسط مالي"، وطالبت بالإفراج عن من أسمتهم "المجاهدين" في السجون المالية. وحذرت من أي محاولة للتدخل، معتبرة أن النتائج ستكون معروفة، في إشارة إلى أنها سبق وأن قتلت رهائن فرنسيين وغربيين.
ويرى متابعون لشؤون الجماعات الإرهابية في شمال مالي، أن هذا الأسلوب التفاوضي “الحازم”، هو ما يميز التنظيمات المرتبطة بالقاعدة عن تلك التابعة لداعش، حيث تُقدم الأولى تبريرات لعملياتها وتحدد أهدافاً معينة، وتتخذ من الخطف وسيلة للحصول إلى السيولة النقدية من خلال عرض الفدية، قبل أن تكون التصفية الجسدية خيارها الأخير، بينما يتسم تنظيم داعش بالدموية وبث الرعب وتحقيق أكبر قدر ممكن من الصدمات، وسد الباب أمام أية وسيلة للتفاهم.
ولادة جديدة لـ"بلعور"
أحداث مالي الدامية بالأمس، وإن حملت جزءاً من لوحة الإرهاب العابر للحدود، والساعي للإلحاق الضرر بالرعايا الغربيين أينما وجدوا، إلا أنها من حيث التوقيت تحمل أكثر من دلالة، ليس أقلها أن الإرهابي الجزائري مختار بلمختار، أراد من خلال هذه العملية النوعية، أن ينفى الأنباء التي تحدث مؤخرا عن مقتله في غارة أمريكية في ليبيا.
ولم يكن مفاجئاً للمراقبين، أن “بلعور” كان يحضر لعملية كبيرة، كما هو الحال عقب كل مرة يعلن فيها عن مقتله، وهو الرجل الذي خَبِر الصحراء كثيرا، وظل عصياً على الملاحقة الأمريكية والفرنسية له في منطقة الصحراء الكبرى، رغم نجاح القوتين في العام 2013، في تغييب رفيقه السابق في قاعدة المغرب الإسلامي الجزائري “عبد الحميد أبو زيد”، الذي قضى في معارك مع القوات الفرنسية والتشادية في نهاية شباط/فبراير 2013 في آدرار بجبال إيفوقاس، بأقصى شمال شرق مالي.
وتحمل عملية بامكو، رسالتان بارزتان، الأولى أن “بلمختار” المتخصص في تخطيط وتنفيذ عمليات نوعية في المنطقة، كما حصل من احتجاز عشرات الرهائن الغربيين في عين أميناس الجزائرية نهاية 2013، والهجوم المزدوج ضد كلية عسكرية ومصنع لشركة آريفا الفرنسية في أغادير وآرلي خلال شهر يوليو/تموز من العام نفسه، مازال له حضور قوي في المنطقة عموما وشمالي مالي خصوصا. أما الرسالة الثانية، فهي عودة "بلعوار"، إلى أحضان بيته القديم قاعدة المغرب الإسلامي، وهو الذي رفض مبايعة البغدادي وتنظيمه داعش، وهو سر خلافه العميق مع أبو الوليد الصحراوي، الذي بايع زعيم داعش، وهو ما جعل الخلافات تعصف بتنظيم "جماعة المرابطون"، خصوصا بعد مقتل زعيمه السابق المصري "أبو بكر المهاجر".
يذكر أن "جماعة المرابطون"، أسسها مختار بلمختار عام 2012، بعد توحد "جماعة الملثمون"، التي يتزعهما مع "حركة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا" بقيادة أحمد ولد العامر الملقب بـ"أحمد التلمسي"، وأعلنت بيعة تنظيم القاعدة وزعيمه أيمن الظواهري. وسبق للجماعة، أن نفذت عدة هجمات مماثلة في مالي، أولاها كانت في شهر مارس الماضي ضد مطعم في العاصمة باماكو، راح ضحيتها فرنسي وبلجيكي، قبل أن تنفذ هجوماً شهر أغسطس الماضي ضد فندق في مدينة "سيفاري"، أسفر عن سقوط 13 قتيلاً.