وكالات: يثير تدهور الوضع الأمني في مالي مخاوف الدول المغاربية وخاصة تلك المجاورة لها على غرار الجزائر وموريتانيا. وشهدت مالي خلال الفترة الأخيرة تصعيدا من قبل الجماعات الإسلامية المتطرفة التي تتغذى على عدم الاستقرار الأمني والسياسي في هذا البلد الواقع غرب أفريقيا. ويقول خبراء إن تهديدات الإسلاميين المتطرفين المتزايدة في مالي من شأنها أن تنعكس بشكل أو بآخر على الدول المغاربية التي تقف إلى حد الآن عاجزة عن حل الأزمة الليبية، في ظل تباين المواقف كحالها مع مالي. ويكمن الخطر في استقواء الجماعات المتطرفة في مالي واتخاذها هذا البلد منبرا للتجنيد أو لشن عمليات خارجية، خاصة وأنه سجل في الفترة الأخيرة تصاعد عمليات تهريب الأسلحة من ليبيا باتجاه بلدان الغرب والقرن الأفريقي. وأعلن، السبت، متحدث باسم وزارة الدفاع المالية إنهاء قوات خاصة من مالي مدعومة بجنود فرنسيين حصارا لفندق في وسط البلاد في وقت مبكر من صباح أمس، وإطلاق سراح أربع رهائن احتجزهم مسلحون يشتبه أنهم إسلاميون. وقال الكولونيل دياران كونيه "يبدو أن الأمر انتهى وبسلام.. حررنا أربع رهائن ولكن للأسف عثرنا على 3 جثث في المكان". ولم يذكر جنسية الرهائن الذين أطلق سراحهم أو القتلى.
وأكدت أوكرانيا وروسيا، في وقت سابق، أن هناك روسا وأوكرانيين بين الرهائن، ونقلت وكالات أنباء روسية، السبت، عن ملحق صحفي بسفارة موسكو في مالي قوله إن هناك روسيا يعمل لدى شركة طيران "يو. تي. إير" بين الرهائن المفرج عنهم. وقال مسؤولون عسكريون من مالي إنه يعتقد أن هناك مواطنين من جنوب أفريقيا وفرنسا كانوا يقيمون في الفندق. وهاجم مسلحون فندق بيبلوس الذي يستخدمه موظفو الأمم المتحدة في بلدة سيفاري التي تبعد مسافة 600 كيلومتر إلى الشمال الشرقي من العاصمة باماكو في وقت مبكر من صباح الجمعة. وقتل المسلحون ستة أشخاص على الأقل بينهم خمسة جنود وموظف في بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مالي (مينوسما) وصدّوا محاولات لطردهم. كما قتل ثلاثة مهاجمين كان أحدهم يرتدي سترة ناسفة. وسيفاري التي تبعد نحو 12 كلم من موبتي كبرى مدن المنطقة، مدينة استراتيجية إذ أنها تضم مطارا مهما تستخدمه القوات المالية والقوات الفرنسية في عملية برخان في منطقة الساحل وكذلك بعثة الأمم المتحدة.
وأدانت بعثة الأمم المتحدة في مالي في بيان لها "الهجوم الارهابي في سيفاري" الذي أدى إلى "مقتل أحد أفراد الطاقم الدولي العامل في البعثة". إلا أنها لم تكشف هويته أو جنسيته. وذكرت البعثة أن المجموعة المسلحة استهدفت أوّلا صباح الجمعة "موقعا عسكريا ماليا" في سيفاري وتمكنت قوات الأمن المالية من صدها "فتحصنت بعد ذلك" في فندق بيبلوس. واعتبر الناطق باسم الحكومة المالية شوغيل كوكالا مايغا أن "عملية احتجاز الرهائن هذه تندرج في إطار استراتيجية الإرهابيين الذين تعمل مالي والأسرة الدولية على مكافحتهم". والهجوم على سيفاري هو الثالث من نوعه خلال أقل من أسبوع في مالي بعد هجومين أوقعا 13 قتيلا في صفوف العسكريين. فقد قتل عسكريان في كمين قرب مدينة نامبالا في منطقة سيغو وسط البلاد في الأول من أغسطس. وقتل 11 آخرون في قاعدة للحرس الوطني في غورما راروس في منطقة تمبكتو في شمال غرب البلاد في الثالث من نفس الشهر. وتبنى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي هذا الهجوم حسب وكالة أخبار موريتانية.
ويرى متابعون أن تزايد الهجمات الإرهابية في مالي يعكس عجز السلطة المركزية بقيادة إبراهيم أبو بكر كيتا عن ضبط الأمور، فضلا عن ضعف الجيش المالي نتيجة انخراطه في الصراعات السياسية على مدار العقود الماضية. وكانت مالي قد عاشت في مارس 2012 على وقع انقلاب عسكري جديد أطاح بنظام الرئيس "أمادو توماني" ما أدى إلى إحداث فراغ أمني بالبلاد. هذا الوضع استغلته الجماعات المسلحة التي لها ارتباطات وثيقة ببعضها البعض لتكثف من تحركاتها على التراب المالي بغية اقتطاع أجزاء واسعة منه. وقامت الحركة الوطنية لتحرير أزواد بالتنسيق مع مجموعات تنتمي لتنظيم القاعدة وجماعات إسلامية أخرى بالسيطرة على جزء كبير من شمال البلاد وإعلان استقلاله، الأمر الذي زاد من تعقيدات المشهد في هذا البلد. وتحول هذا الجزء إلى مركز استقطاب للجهادين من عدة دول أفريقية ومغاربية (جزائريينن تونسيين)، مع سهولة الحصول على كميات ضخمة من السلاح من ليبيا. وفي خضم هذا الوضع سجل تباين في المواقف بين الدول المحيطة حول الحلول التي لا بد من توخّيها لإنهاء هذا التدهور الحاصل في مالي.
وفتح هذا الأمر الباب على مصراعيه أمام مزيد التدخل الدولي حيث أقدمت فرنسا في 2013 على شن عملية عسكرية واسعة شمال مالي لطرد الجماعات المسلحة، وقد استغلت الأخيرة الأمر لتوجيه الصراع واعتباره "حربا صليبية" في محاولة لاستقطاب مزيد من العناصر. وأصدرت القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بيانا بتاريخ 17 مارس 2013 دعت فيه “شباب شمال أفريقيا لمحاربة العلمانيين في بلدهم وشنّ الجهاد في مالي.. وصدّ هجمة فرنسا الصليبية ودحر عملائها في المنطقة". وبعد أسابيع تمكنت القوات الفرنسية من استعادة زمام الأمور في شمال البلاد والضغط على الجماعات الأزوادية من ضمنهم حركة التحرير للدخول في مفاوضات جديدة مع الحكومة المالية برعاية جزائرية أفضت قبل حوالي شهر إلى توقيع اتفاق تسوية حول إقليم أزواد والذي لا يلقى تأييدا من معظم سكان هذا الإقليم الذي يشكل ثلثي مساحة مالي. وبقي الوضع الأمني المتدهور على حاله، ليسجل مؤخرا ارتفاعا في الهجمات على مواقع لبعثات أجنبية وضد الجيش. ويرى متابعون أنه وعلى خلاف ما كنت تأمل فرنسا ودول الجوار من أن الحملة العسكرية أتت مفعولها، إلا أن الأحداث الأخيرة تنبئ بعكس ذلك.
ويقول مراقبون إن جنوح الجماعات المتطرفة إلى التخفيف من عملياتها العام الماضي لم يكن سوى "استراحة إرهابي". ويشدد المراقبون على أن على دول الجوار عدم البقاء على الحياد إزاء هذا الوضع المتدهور، لأن الأمر يشكل تهديدا جديا لها. ويجد هؤلاء أنه بات لا مفر من إيلاء الجيش المالي الأهمية اللازمة، عبر إعادة تأهيله سواء على مستوى التدريب أو التسليح، خاصة وأن هذه التنظيمات تعتمد حرب العصابات والهجمات الفجائية ركيزة أساسية في مواجهتها مع الخصوم. وينحو معظم المحللين إلى الرأي القائل بأن استمرار الوجود الأجنبي ونعني الفرنسي في هذا البلد سيزيد من طول أمد الأزمة بدل حلّها.