مركز الدراسات التباوية: الحقيقة هي وحدها مفتاح حل جلّ مشاكل المجتمع الليبي. وما تسبّب في دمار الوطن وانتهاك العرض وإزهاق الأرواح هي مراوغة -أو بصريح العبارة- أكاذيب النخبة السياسية والاجتماعية التي تعمّدت تزوير الحقائق كلّ طرف لصالحه للفوز بكعكة ليبيا. ومشكلة الكفرة هي من ضمن مشاكل ليبيا القديمة المتجددة حيث أزهقت فيها أرواح أبرياء كُثر ودُمّرت ممتلكات أناس آمنين ذنبهم الوحيد هو انتمائهم إلى فئة من فئات الشعب الليبي. وقبل أن نخوض في عمق المشكلة نودّ أن نبدأ من سنة 2008، وللعلم فإن مشكلة الكفرة قديمة قدم الأزل أي منذ احتلال هذه الواحة من قبل مجموعة متحالفة من قبائل الشرق. ففي سنة 2008، اندلعت اشتباكات عنيفة بين قبيلة التبو وقبيلة الزوية دامت ثلاثة أيام متتالية أسفرت عن مقتل أحد الشباب من أبناء التبو وجرح أكثر من عشرين شخصا بالرصاص الحي، وكلّهم من أبناء التبو حيث عرفت هذه القضية في الدوائر الرسمية القضائية بقضية (المطب). ويعود سبب هذه التسمية إلى قيام قاطني (حي القدرفي) بتشييد مطب لتخفيف سرعة السيارات تفاديا لإزهاق أرواح المواطنين التبو من المسنّين والطلبة إثر قطعهم الطريق العام الفاصل بين الحي، وذلك بعد أن تعرّض ما يقارب من ثمانية أشخاص من مختلف الأعمار للدهس، وكلّهم من قبيلة التبو، والجُناة كلّهم من قبيلة الزوية. وقد تمّ تشييد هذا المطب بعد ورود عدّة مراسلات في الغرض لكلّ من مصلحة المواصلات والنقل وشرطة المرور إلاّ أنّ الطلب قُوبل بالرفض لأنّ المسؤولين في الدوائر الحكومية ببساطة كلّهم من قبيلة الزوية. وحين شيّد أبناء حي القدرفي (المطب) على الطريق العام اجتمع أبناء قبيلة الزوية، ورفعوا شعارات معادية ضدّ أبناء التبو. ومن تلك الشعارات: المناداة بتطهير الكفرة من التبو. وهاجموا حي القدرفي من كل حدب وصوب. وقُتل أحد أبناء التبو وجُرح منهم حوالي عشرين، وحُرقت منازلهم بما فيها من ممتلكات متواضعة. وحتى المواشي لم تسلم. وبعد تلك الحادثة بأيام، تدخّلت الدولة وأرسلت قوّة من الأمن العام بقيادة المرحوم العميد حسن الكاسح وفضّت الاشتباكات. وخلال التحقيقات، تبيّن تورّط عدد من أبناء مشايخ وأعيان ومسؤولين من قبيلة الزوية في إطلاق حملة تطهير التبو، ومن بينهم -على سبيل الذكر لا الحصر- ابن رئيس الاستخبارات العسكرية العميد بلقاسم لبعش الزوي الذي تمّ القبض عليه وعلى باقي العصابات المنظمة وتمّ الزجّ بهم في السجن حينها. ولتضليل الرأي العام، وكسب ودّ الدولة، أطلقت قبيلة الزوية كذبة -وصدقتها قبل غيرها- بأنّ التبو رفعوا علم دولة تشاد. وأنّ أبناءهم ماتوا دفاعا عن الوطن. وحاول بعض المسؤولين فبركة القصّة إلاّ أنّها باءت بالفشل –وللعلم، لدينا تقرير مفصل من الأمن الداخلي يوثّق حيثيات المشكلة والاجتماع الذي دار في حي الحارة والأشخاص المحرّضين وشعاراتهم- وقد وقع التقرير بين أيدينا بعد سقوط قلعة الأمن الداخلي في الكفرة عام 2011. ومعدّي هذا التقرير جلّهم من الزوية وبالأخص رئيس فرع الأمن الداخلي الكفرة؛ وهكذا يكون قد شهد شاهد من أهلها.
وخلال فترة ما بين 2008 و2011، وفد إلى الكفرة العديد من وجهاء القبائل من المنطقة الشرقية والغربية للمصالحة بين القبيلتين. وأرسلت الدولة وفدا اجتماعيا لتقصّي الحقائق. إلاّ أنّ جهودهم باءت بالفشل بعد عدّة محاولات وذلك لسبب رئيسي ألا وهو تعنّت قبيلة الزويات (أو الزوية) وتجبّرهم وقولهم علنًا: "لا صُلح ولا تصالح مع العبيد". ولدينا تقرير مفصل عن لجنة تقصّي الحقائق وتوصياتها عن القضية. وبعد اندلاع ثورة 2011، أدركت قبيلة الزويات أنّ التبو المهمّشين سيعلنون انضمامهم إلى الثورة. وخوفا من انتقام التبو منهم، قام أعيان الزويات بالاتصال بمشايخ التبو وعقدوا لقاء مباشر دون وسيط ولا شروط بمنزل الشيخ أحمد اللندي، لا لشيء إلاّ للتأكيد بأنّهم أبناء وطن واحد وإخوة في الدين وأنّ الشيطان دخل بينهم وأنّه آن الأوان ليجتمعوا معا من جديد !!! فرحّب مشايخ التبو بهذه المبادرة وأكدوا بأنّه لا ضير ولا ضرار وأنّهم في نهاية الأمر إخوة. -و يوجد شريط مرئي يوثّق هذا الاجتماع. خلال الثورة، وقف أغلب التبو مع ثورة فبراير وبدؤوا بتكوين نواة لحماية المنطقة والحقول النفطية بإيعاز من المجلس الانتقالي. فقاموا بالمهمّة على أكمل وجه وبالمجهودات الخاصة والضئيلة. في تلك الفترة وقف أغلب الزويات مع النظام السابق. وبعد ما يسمّى بتحرير الكفرة، استغل الزويات الإعلام مرّة أخرى وظهروا بأنهم هم وباقي القبائل العربية هم من قاموا بالواجب. وتجاهلوا دور التبو، بل وأنكروا عليهم حتى وجودهم في المنطقة. وعملوا ضجة إعلامية آنذاك على قناة الجزيرة -ولدينا تسجيل كامل بذلك. وفي خضم ثورة 2011، استغل الزويات النية الطيبة وحسن الجوار لدى النفوس المتسامحة من أعيان التبو. وعكفوا على جمع كل أنواع الأسلحة لتطهير التبو من الكفرة ووضع حد لنفوذهم القوى في حماية الحقول النفطية والصحراء من المهربين، خاصة وقد شهدت تلك الفترة تراجعا واضحا لنفوذ الزويات سواء في الكفرة أو مع المجلس الانتقالي. لذلك قامت مجموعة مسلحة من قبيلة الزويات بقيادة عادل الشوشين بمهاجمة نقطة تمركز حدودية يحرسها أبناء التبو وتتبع لجهاز الهجرة الغير الشرعية. وقتلت منهم خمسة جنود دون أي سابق إنذار أو أي عداوة مسبقة بينهم.
وعاشت المنطقة في توتر إلى أن اندلعت اشتباكات بين القبيلتين بعد أن وصل أعداد المغدور بهم من التبو إلى ثمانية قتلى، وانفلت زمام الأمور واشتد القتال إلى درجة أن فقد الأعيان من القبيلتين السيطرة على أبنائهم لوقف نزيف الدم طيلة ثلاث أيام. وفى اليوم الرابع هربت مليشيات الزوية بعد أن قامت بإجلاء عائلاتها من المنطقة إلى مناطق كلّ من جالو وأجدابيا وأجخرة وذلك بسبب ضراوة القتال. وتركت وراءها أسرى يقدّر عددهم بسبعة مقاتلين تقريبا من بينهم شيخ خطيب لجامع ومحرّض ومُفتى لمقاتلي الزويات. وتم تسليم الأسرى إلى الصليب الأحمر. -وتوجد وثائق محضر تسليم الأسرى للصليب الأحمر. وبعد توقيع هدنة، رجعت عائلات الزويات تدريجيا إلى المدنية. حُبّا في الانتقام من التبو، قام بعض المحرّضين من الزويات بفبركة إعلامية وحشد قوات من الشمال بذريعة وجود قوّة تشادية مهاجمة وهو سبب نزوحهم واستغلّوا نفوذهم وعلاقاتهم الاجتماعية لحشد عدد كبير من القوات لتطهير المنطقة. وفى الحقيقة فإنّ من تحلّوا بالحكمة ولديهم دراية بالخلافات القديمة بين التبو والزويات فضلوا التريث والاتصال بأعيان التبو لتحرّي الحقيقة بين الطرفين. وبالفعل كانت شكوكهم في محلّها. واستمعوا إلى جواب شاف من التبو وفضلوا عدم الدخول في هكذا نزاعات قبليّة، غير أنّ البعض الآخر فضّل خوض المغامرة. واجتمعوا في بنغازي ببيت المدعو سليمان الزوي وأطلقوا شعارات تدعو لتطهير التبو وانطلقوا في تنفيذها بكلّ قوة وحماس. ولدينا شريطا مرئيا لذلك الاجتماع. كما سخّروا في قناة (ليبيا أوّلا) ساعة كاملة بعنوان "الكفرة تستغيث" -ضدّ التبو- وشنّت هذه القناة خلال ثلاثين يوما حملة معادية للتبو -وتوجد تسجيلات لتلك الحملة. ومع أنّ الحملة العسكرية قد فشلت في تحقيق أهدافها بعد عدة معارك بين القوات المتحالفة مع الزويات القادمة من الشمال وبين التبو، حيث رجعت تلك القوات إلى ديارها صاغرة مدحورة بعد تدخل قوة محايدة بقيادة زياد بلعم، فقد تكررت الاعتداءات واندلعت اشتباكات أخرى في بداية عام 2012 بعد خرق الهدنة من قبل الزويات. وتم تكليف قوة أخرى بقيادة وسام بن حميد بعد سحب القوة المكلّفة من قبلُ لأسباب لا نعرفها إلا بعد اندلاع اشتباكات أخرى وهذه المرّة بين الزويات والقوة القادمة لفض النزاع وبين التبو. وكانت تسمية تلك القوة بدرع ليبيا حيث تمركزت هذه القوة على مرمى حجر من حي القدرفي وقصفت ذلك الحي بجميع أنواع الأسلحة طوال واحد وعشرين يوما. وتنفيذا لسياسة الأرض المحروقة، مات عدد كبير جدا من الأطفال والعجزة وتمّ حرق عدّة بيوت ولكنّهم فشلوا في اقتحام حي القدرفي حيث كان أبناء التبو لهم بالمرصاد ولم يستطيعوا مع قوتهم وجبروتهم وتحالفهم الكبير دخول تلك المنطقة ولو قيد أنملة، ففشلت مخططاتهم برغم وقوف قادة عسكريين في الدولة معهم مثل رئيس الأركان الذي سخّر لهم طائرات لنقل الذخائر والأسلحة والمؤن والإمداد العسكري الشامل ونقل الجرحى لعلاجهم في طرابلس وبنغازى، بينما تُرك أبناء التبو من الجرحى ينزفون حتى الموت في مركز صحّي يفتقر إلى حبّة أسبرين. كما كثفوا الهجوم الإعلامي وسخّروا قناة ليبيا أوّلا بساعته المشؤومة وبعنوانه المضلل "الكفرة تستغيث". ولكن فشل هجومهم وفشل إعلامهم المضلل ووقّعوا هدنة مجدّدا. كان أعيان الزويات وبعض الأبواق المساندة يزعمون أنّ قوة تشادية تحاربهم إلاّ أنّه في وقت توقيع الهدنة لا وجود لتشادين ولا قوّة أخرى غير أبناء التبو. وهو عكس ما تتناقله تلك القنوات والهدف واضح: التضليل الإعلامي وتسخير أكبر قوة من الداعمين للقضاء على التبو نهائيا في المنطقة. "ويمكرون ويمكر الله، والله خير الماكرين".
إنّ جهود ترسيخ الكراهية لدى بعض أبناء الزويات والممارسات اللاّ-أخلاقية قد عمّقت الخلاف بين الزويات والتبو، بل وصعّبت العيش معًا في ظل تلك الكراهية المُميتة التي بُنيت على أسس بغيضة جدا كالتعالي والتكبّر وقتل النفس البريئة من غير ذنب عن طريق القنص والحرابة وقتل النساء والأطفال دون مبرّر واضح وتشويه صورة التبو من خلال الوسائل الإعلامية التي تروّج للنّعرات العنصرية والكراهية وسياسة تضليل الرأي العام ومحاولة التحالف مع القبائل الأخرى وكسب ودّها ممّا خلق أجواء من الشك والريبة واستحالة الوصول إلى السلم الاجتماعية المنشودة لدى بعض العقلاء والخيّرين من القبيلتين وهذا ما جعل كلّ هُدنة هشّة ومهدّدة في أي وقت، ولا رادع لخرقها في أي لحظة وفعلا هذا ما يحصل مرارا وتكرارا حيث تُخرق الهُدنة مرّات متتالية من طرف الزويات والتبو يردّون وتندلع الاشتباكات بالقصف المتبادل للأحياء الآمنة، وتُزهق أراوح الأبرياء من الأطفال والعجزة التي تهدّم بيوتهم على رؤوسهم بقذائف الهاون العمياء. تكرّر هذا السيناريو مرّات عديدة ومازال مستمرا في ثالث أيام العيد من شهر رمضان المبارك حيث قتل الزويات أحد أبناء التبو بدم بارد و تمّ الرد من قبل أبناء التبو فقُتل شخص من الزويات فى نفس اليوم ومن ثم بدأ الزويات بقصف حي القدرفى مجدّدا بالدبابات حتى تاريخ اليوم أي لما يقارب من الشهرين الآن. وترتّب على ذلك حرق عدّة منازل وقتل عدد كبير من الأبرياء. ومازالت الانتهاكات مستمرة ومسلسل القتل مستمرا والتضليل الإعلامي مستمرا، ولا زال الصمت على تلك الجرائم مستمرا والانحياز إلى جانب واحد دون الآخر مستمرا بمبدأ أنا وابن عمّى على الغريب! وفى خضم كل هذا الهرج والمرج، نستخلص عدّة عبر ألا وهي أنّ الحقائق وكلمة الحق أقوى من الآلة الإعلامية التي تقف إلى جانب الظالم منذ 2011 وإلى 2015. فقد حاولت ومازالت تحاول بث إعلام مضلل يزوّر الحقائق ويتناسى قوله تعالى: "إذا جاءكم فاسق بنبإ فتبيّنوا". وآخرها خروج بعض المفتين في طرابلس علنا ودون حياء ولا خوف من الله -والفتنة أشدّ من قتل- يدعون إلى محو هذه القبيلة من الوجود من خلال العصابات المسلحة.
أمّا قناة النبأ فقد خصّصت وقتها الفارغ في بث الفتنة ونشر الأكاذيب ودسّ السموم وتحريض الآخرين لقتل وتهجير أبناء التبو بدعوى أنّهم أجانب وللعلم فإنّ كلّ تلك الدعوات مسجّلة. كما استضافت بعض القنوات والإعلاميين المنظمّين إلى مبدأ "أنا وابن عمّي على الغريب" أحد الزويات لتشويه صورة التبو دون كفالة حق الرد والغاية واضحة .وقامت بعض المواقع الإلكترونية أيضا بالانضمام إلى أدوات التضليل ونشرت الأكاذيب الزائفة لمصلحة طرف واحد. ونودّ من خلال هذا التقرير أن ندعو كل الإعلاميين النّزهاء والشرفاء والمحافظين على شرف المهنة والدين الذين يراعون الله في عملهم إلى الاتصال بطرفي النزاع قبل نقل أخبار الملوثة والمغرضة التي تحاول طمس الحقيقة. كما نودّ نشر الحقيقة حتى يشعشع الحق وتتضح الأمور أمام الرأي العام لكي يتبيّن الأمر قبل أن يحكم أو ينحاز لطرف دون آخر. ونذكّر بأنّ هذه الحرب الأهلية ستنتهي وسيأتي يوم يحاسب فيه كل واحد على ما قدّمت يداه وما اقترف من جرائم في حقّ بني وطنه.
والله وليّ التوفيق.
إعداد: مركز الدراسات التباوية