هذه ثروة الشعب الليبي ويجب العودة بها إلى الوطن
ليبيا المستقبل (نقلا عن أربيان بزنيس - كتبته سارة تونساند): أفاد السيد محمد رشيد المستشار المالي والذي يتخذ من لندن مقراً له لصحيفة “بلومبرج" شهر اغسطس المنصرم بقوله "أن ليبيا عبارة عن "صندوق القرد" مستخدما بذلك تعبيراً محلياُ في إشارة منه لحالة الاختلال الأمني التي لا يمكن التنبؤ بها. وأضاف مستطرداً " لك أن ترى رئيس المجلس الوطني، أو أياً كان اسمه، يظهر على شاشات التلفزيون مرتديا "الشبشب" وممتشقاً بندقية الكلاشنكوف. إن هؤلاء ليس لديهم أدنى فكرة عما لديهم، وعما يأتي في ايديهم، هم فقط يسرقون".
وأفادت معلومات أن رشيد، والذي يقوم بتقديم استشارات لمستثمري الشرق الأوسط، سبق له وأن قام بتنظيم اجتماعات بين رئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير وسيف الإسلام القذافي، ابن الديكتاتور الليبي الراحل، في أوائل الألفية عندما غادر بلير منصبه ليعمل لصالح مؤسسة جي بي مورجان تشايس لخدمات الصرافة الاستثمارية. وكان سيف عندئذ يساهم في الإشراف على أنشطة صندوق الثروة السيادية (المؤسسة الليبية للإستثمار).
إن إدانته الشديدة للتداعيات المالية للدولة الليبية منذ اندلاع ثورات الربيع العربي (ولأولئك القائمين على الشؤون المالية) ما هي إلا أحد التصورات السلبية الشائعة التي يعمل حسن بوهادي الرئيس الجديد لمجلس إدارة المؤسسة الليبية للإستثمار على محوها.
فعلى مر عقود تحت وطأة الحكم المدمر للعقيد معمرالقذافي، كانت المؤسسة الليبية للإستثمار عبارة عن حاضن لمليارات الدولارات من عوائد ليبيا من النفط. بيد أن القلة القليلة فقط يعلم تحديداً مصير تلك الأموال وكم منها صبت في جيوب أولئك الذين كانوا يدينون بولائهم لنظام القذافي. وما هو مؤكد أن الصندوق المقدر قيمته بحوالي 67$ مليار دولار قد أخفق في دعم الاقتصاد على نحو مناسب والمساهمة في إعادة بناء البلاد للأجيال المستقبلية.
وفي مقابلة له مع (أريبيان بزنس)، قام بوهادي باستعراض ملامح خطته بشأن إعادة هيكلة المؤسسة البلغ عمرها 10 سنوات لتحسين الحوكمة والشفافية، و توسيع نطاق الإستثمارات بحيث تساهم في المحافظة على ثروات بلد تعصف به الاضطرابات السياسية والاقتصادية.
وقال مضيفاً "لطالما بقيت المؤسسة الليبية للإستثمار عبارة عن حفرة كبيرة سوداء" ومن أن " الشعب الليبي كان يتسأل دائماً: ما الذي سنجنيه منها؟ ونحن بدورنا (كوننا المؤسسة الليبية للإستثمار) نشدد على مسؤوليتنا أمام الشعب الليبي والأمر متروك لنا بشأن اتخاذ القرار المناسب".
يذكر أن بوهادي تم تعيينه شهر اكتوبر الماضي من قبل مجلس النواب المعترف به دولياً والكائن مقره في مدينة طبرق الواقعة في الشرق الليبي. ويعتبر ثالث شخص يتقلد رئاسة الصندوق خلال سنوات، بعد سلفه (عبد المجيد بريش) الذي سبق وأن تعين سنة 2013 وليتم تنحيته السنة التي تليها بموجب قانون العزل السياسي الذي ينص على منع مسؤولي عهد القذافي من تقلد المناصب السياسية.
وتولى المنصب من بعده لفترة وجيزة وزير الحكومة عبد الرحمن بن يزة، ليصبح رئيس مجلس الإدارة بالإنابة في الفترة بين يوليو إلى سبتمبر 2014، إلا أنه تم ترشيح بوهادي كبديل دائم لبريش. وتزامن هذا تقريباً مع قيام المليشيات المسلحة بالاستيلاء على مقر المؤسسة الليبية للإستثمار بطرابلس، مجبرة إياها على الانتقال إلى مقر مالطا حيث استقر بوهادي وأسرته.
وكان بوهادي في السابق عضو مجلس إدارة المؤسسة الليبية للإستثمار، فضلاً عن كونه أمين مجلس الأمناء. وعمل، إبان الثورة الليبية، كمنسق للأنشطة الإنسانية مع شركاء دوليين باعتباره عضوا في المجلس الوطني الانتقالي (ما يقابله الآن مجلس النواب).
وتلقى بوهادي تعليمه في الكلية الجامعية بلندن University College London والكلية الملكية للعلوم والتقنية College of Science and Technology، ومتقلداً لعدد من المناصب الإدارية في الشرق الأوسط ضمن شركات متعددة الجنسية، مثل: شركة جينرال الكتريك وشركة بكتل وباسف.
وبالرغم من مؤهلاته، إلا أن أمر تعيينه جوبه بالرفض من قبل كل من (بن يزة) و(بريش)، الذي يرفع طعناً قانونياً ضد المؤسسة الليبية للإستثمار مدعياً فيه أن إقالته تمت على نحو خاطئ، ومن أنه يتوجب إعادة تنصيبه رئيساً لمجلس الإدارة.
ومن جهته، يؤكد بوهادي أن المعطيات الراهنة لحالة بريش لا تشير بذلك البتة، حيث أن بوهادي قد تم تعيينه رسمياً من قبل مجلس الإدارة الشرعي ومن أن بريش، وبموجب القانون الدستوري، كان له أن يتقدم بالتماس للمؤسسة طالباً فيه تقلد منصب الرئيس، إلا أنه اختار ألا يقوم بذلك. وبناءً على ذلك، يقول بوهادي بأنه " لا وجود لأي مكان له في الهيكلية الإدارية للمؤسسة الليبية للإستثمار".
وحالياً، وفي الوقت الذي تترقب فيه البلاد تشكيل حكومة وحدة وطنية، فإن بوهادي مستمر بالمضي قدماً في تنفيذ خططه بشأن المؤسسة.
تأسس الصندوق سنة 2006 لإستثمار اقتصاديات الدولة وتنويع مصادرها، وانطلقت بذلك العملية الإستثمارية بشكل واعد. وفي الوقت التي باشرت فيه المؤسسة الليبية للإستثمار أنشطتها، كانت ليبيا قد قبلت بتحمل مسؤولية تفجير لوكربي سنة 1988، ووافقت على دفع تعويض للضحايا يبلغ بقيمة 2.7$ مليار دولار أمريكي. وبالمقابل، تم التصويت بشأن ليبيا في مجلس الأمن التابع للأم المتحدة سنة 2007، وبذلك رفعت العقوبات واستأنف المستثمرين الأجانب مزاولة أنشطتهم التجارية مع ليبيا.
ومنذ ذلك الحين، حصدت المؤسسة الليبية للإستثمار إيرادات متراكمة لدى أكبر المؤسسات العالمية، بما في ذلك، على سبيل الذكر لا الحصر: بيرسون، وجنرال الكتريك، وفودافون، ويونيكيم، وأورانج، وسوني، وفاميكنيكا، وسيمنز.
وسرعان ما تورط الصندوق في المشاكل، فقد خسر المليارات جراء صفقات اشتقاقية تم ابرامها بواسطة المصرفين (جولدمان ساكس) و(سوسيتي جنرال) وأطراف أخرى إبان انهيار الأسواق العالمية عام 2008 – المؤسسة تقوم بمقاضاة كلتا المصرفين لقاء مئات الملايين من الجنيهات في قضايا سيتم البث فيها السنة القادمة – وتم اتخاذ الصندوق على نحو متزايد كمطية لخدمة أغراض القذافي الخاصة. ففي سنة 2009، على سبيل المثال، تم تعيين القذافي رئيساً للاتحاد الأفريقي ولتكشف مصادر موافقته على عقد صفقات مع أطراف متعددة في ذلك الوقت "على قصاصات من ورق أو من خلال تصافح الأيدي والتي كان لزاماً على المؤسسة دفع فاتورتها".
ولحسن الحظ، وباندلاع ثورات الربيع العربي سنة 2011، تم إقرار القانون رقم 13 والذي يكرس دور المؤسسة الليبية للإستثمار في دستور مجلس النواب المنتخب، والذي، وفقاً لما أورده بوهادي، ينص على منع الممارسات المنافية لقواعد المنافسة الشريفة من السيطرة على الصندوق. مشدداً على أن "القانون ينص على الولاية الواضحة التي تضطلع بها المؤسسة الليبية للإستثمار لحماية الثروة الليبية وإنمائها لصالح الأجيال القادمة".
وبعد الثورة، كانت هناك حاجة ملحة لإعداد قائمة تفصيلية لأصول المؤسسة، والتحقق من أوضاعها القانونية، ومن ثم إعادة هيكلة الصندوق بحيث تأتي كانعكاس فعلي لموجوداتها. فلم تكن هناك أية تقارير مالية معدة بين سنة 2008 -2011، كما لم يسبق أن تم الكشف عن دفاتر للقوائم المالية الموحدة الخاصة بالمؤسسة من قبل، وبالتالي كانت البلاد يتغشى المواطن الليبي الجهل في كثير مما كان يمتلكه. ولهذا تم تعيين مؤسسة ديلويت سنة 2012 من قبل القيادة السابقة للمؤسسة الليبية للإستثمار ولتشرع في توصيف الإستثمارات والتحقق منها وتقديرها.
واستلم مجلس الإدارة برئاسة بوهادي التقرير المعني في 2013 وهو بصدد نشره أواخر هذه السنة. وصرح بوهادي رافضاً الكشف عن اي جوانب تفصيلية قائلاً: "هذا أمر نرغب في أن نتقاسمه بالكامل مع الشعب الليبي عندما نكون مستعدين لذلك" وبالرغم من ذلك، يوافق على تقديم معلومات عامة، مفادها أن ديلويت تقدر اجمالي قيمة المؤسسة بما يساوي 67$ مليار دولار، ولتحتل بذلك المركز الثاني والعشرين في قائمة أضخم الصناديق السيادية على مستوى العالم، وفقاً لأحدث تصنيف لمعهد صندوق الثروة السيادية.
إن غالبية الصندوق تشكل خليط من استثمارات مباشرة للأسهم والسندات والعقارات والنقدية والأصول المكافئة للنقدية، إلا أن 40.9 بالمئة من المؤسسة الليبية للإستثمار تمثل عدد خمس جهات تتبعها، والتي يأتي بينها 550 من الشركات القابضة، البعض منها ليس مملوكاً ملكية مباشرة، والبعض الآخر عبر مساهمين. ووفقا لما أورده "إن هذا النمط ليس بالشيء المعتاد في صناديق الثروة السيادية، والتي عادةً لا تتحرك ضمن تكتلات، بل وفقاُ لودائع مستثمرة بالكامل".
وتتمثل أولى هذه الجهات التي تتبعها في (المحفظة الليبية الأفريقية) او ما يعرف بـ(لاب)، والتي وفقا لما يقوله بوهادي تتمتع بإستثمارات كبيرة في أرجاء أفريقيا في جميع المجالات بدءاُ بالاتصالات والبنية التحتية ووصولاً إلى السياحة والتعدين. وتشتمل على عدد من الشركات، منها: شركة أويليبيا (OiLibya) والتي تمتلك شبكة تتكون من 1,000 محطة تزويد وقود عبر أفريقيا وشركة لاب جرين للاتصالات.
أما الثانية، فهي مجموعة (أويل إنفست) والمتخصصة في الاستثمار في مجال الهيدروكربونات خارج ليبيا، بما في ذلك تجهيزات محطات تزويد الوقود، ومحطات التكرير، وشركات الخدمات...الخ. وثالث هذه الجهات التي تتبعها هي (الشركة الليبية للإستثمارات الخارجية)، والتي تدير 50% من حصص المحافظ الاستثمارية المتقاسمة (بيرسون – جنرال الكتريك ...الخ). ويتم إدارة هذه الإستثمارات من خلال وكلاء مثل مصرف HSBC والمؤسسة العربية المصرفية و المصرف التجاري العربي البريطاني وغيرهم من الوكلاء. وفي معرض حديثه عن المحافظ الإستثمارية، اعتبر بوهادي مثل هذه الحوافظ الإستثمارية "متوازنة الخطورة"، مقارنة بصندوق المعاشات والذي يعده نوعا من الاستثمارات المتهورة نسبياً.
وتشمل الحوافظ الإستثمارية الطويلة الأجل (LTP) سندات يتراوح اجل استحقاقها من 10 – إلى 15 سنة وينوى تخصيص عوائدها للأجيال القادمة في ليبيا. وأخيراً، صندوق الإنماء والإستثمار المحلي (LLITF) والتي تمتلك بحوزتها حوالي 6$ مليار دولار أمريكي لدى مصرف ليبيا المركزي. وهو عبارة عن صندوق بعيد الأجل مخصص للمساهمة في إعادة بناء البنية التحتية للبلاد فور استلام حكومة الوحدة الوطنية لمهامها.
وتوجد مصالح مقامة مع مجلس التعاون الخليجي (GCC) من بينها 15% من مصرف الطاقة الأول واستثمارات أخرى ضخمة وسندات ناضجة تديرها المؤسسة العربية المصرفية في البحرين وحصة بقيمة 100$ مليون دولار أمريكي لدى صندوق للأسهم الخاصة بدبي الذي لن تكشف المؤسسة عن اسمه، وحصة في (MENAdrill) لأغراض التنقيب والخدمات النفطيّة والتي تتخذ من البحرين مقراً لها. أما المقرين الرئيسين لكل من (اويليبيا) و(جرين لاب) فهما في دبي.
هذا، وقد كشف بوهادي أن ديلويت قد قامت بتقييم 80 بالمئة من أصول المؤسسة الليبية للإستثمار، معلقاُ: "أما الباقي فهي عبارة عن استثمارات أصغر حجماً وتحتاج لمزيد من الوقت لتقديرها والتحقق منها". وربما كان هذا لكونها تمثل استثمارات فاسدة ومعقدة قام بها نظام القذافي. وأعرب بوهادي عن ذلك بقوله: " إن الأمر لا يرجع إلي" مضيفا: "وبالطبع في حال ظهور مؤشرات لوجود فساد بعد التحقيق الجنائي، فسيتم بالتأكيد ابراز ذلك".
كما صرح بوهادي بأن عوائد الإستثمار للمؤسسة الليبية للإستثمار تبلغ حوالي 5-6 بالمئة سنوياً. إلا أن الكثير من أصولها بقيت خامدة منذ تأسيس الصندوق قرابة عقد من الزمن، وذلك نظراً لتجميدها من قبل الأمم المتحدة في 2011 لغرض حماية ثروة البلاد إبان اندلاع الثورة.
ومنحت الحكومة الليبية فرصة رفع العقوبات عنها سنة 2012، إلا أنها لجأت إلى ما عبر عنه بوهادي بقوله: " إنه لقرار حكيم أن يبقى عليها مجمدة ريثما تكون الدولة متهيأة لهذا الإجراء، وذلك نظراً للوضع السياسي الراهن" وأضاف معربا عن استيائه: "إنها ليست جاهزة بعد، الأمر الذي يعتبر محبطاً بالنسبة للمؤسسة، حيث لا يمكن لها مزاولة أية نشاط مثمر من الريع الذي تدره. فإذا وصل سند ما إلى مرحلة النضج، أو ارتفاع الإستثمارات، فلن يكون أمام تلك الكوبونات إلا أن تقبع في حالة ركود بالمصرف غير محققة إلا نسبة ضئيلة من الفائدة . وأوضح بوهادي: " بعض منها تخضع فعلياً للفائدة السلبية، وليس بمقدور المؤسسة الليبية للإستثمار توظيف تلك الأموال" مؤكداُ: "أن هذا الأمر ليس له أن يعود بالفائدة على الشعب الليبي أو ثروته".
وبوهادي بصدد مناشدة الأمم المتحدة من أجل الحصول على إذن إدارة الأصول بدون رفع التجميد عنها، مشدداً بقوله: "نحن مقبلون على مشروع حيث نقوم من خلاله بتقييم آثار التجميد على الأصول الليبية وتسعى للحصول على إذن للقيام بأسيجة صناديق معينة". "إننا بالطبع موقنون بدور التجميد في المساهمة في حماية الأصول الليبية، وأنا من منطلق موقعي هذا أرى أن البلاد غير متهيأة لرفع التجميد. غير أننا نأمل أن يكون ذلك في القريب العاجل. وفي الوقت الحالي، فإنه يجدر بنا أن نحاول إدارتها بشكل فعلي وهى قيد التجميد".
وهناك اتجاه آخر يسعى بوهادي من خلاله إلى تقوية ساعد المؤسسة الليبية للإستثمار، ألا وهو استرجاع الممتلكات التي تؤول ملكيتها للمؤسسة. فهناك أربعة حالات في أفريقيا ترى المؤسسة أن دولاً قد قامت فيها باستغلال حالة الاضطراب السياسي التي تمر بها ليبيا لتقدم على تأميم استثمارات المؤسسة الواقعة داخل نطاق حدودها. وتتمثل هذ الدول في: روندا – زامبيا – تشاد – النيجر. وتم إحالة بعض من هذه المنازعات إلى المحكمة العليا للدولة المعنية والآخر أخضع لآليات معينة لفض المنازعة، إلا أن بوهادي لن يقوم بالكشف عن مزيد من المعلومات.
أما بخصوص القضيتين المتعلقتين بكل من جولدمان ساكس وسوسيتي جنرال – البالغ قيمتهما على التوالي 1.2 $ مليار و 2.3$ مليار - فقد حدد موعد جلسة الاستماع بشأنهما في سبتمبر القادم. مدعيين أن مصرف جولدمان قام "عن عمد باستغلال" علاقتها مع المؤسسة الليبية للإستثمار لجني ما قيمته 350 مليون$ دولار أمريكي من وراء سلسلة من الصفقات الاشتقاقية البالغ قيمتها 1$ مليار دولار أمريكي سنة 2008. وتدعي المؤسسة الليبية للإستثمار أن هذه الإستثمارات أصبحت فعلياً عديمة القيمة عندما عصفت أزمة السيولة بالأسواق في أواخر ذلك العام. كما تدعي المؤسسة بقيام شخصيات تنفيذية بجولدمان برشوة مسؤولين عديمي الخبرة وجني أتعاب استشارية طائلة إلى جيوبهم. إلا أن جولدمان تؤكد بأن الصندوق كان على دراية بأن هذه الإستثمارات تشوبها المخاطرة.
أما سوسيتي جنرال، فهي تواجه اتهاما بدفع رشوة تبلغ قيمتها 58 مليون دولار أمريكي إلى مسؤولين ليبيين لغرض العمل على تزيين صفقات خاسرة تكبدت المؤسسة جرائها خسائر تصل لمئات الملايين من الدولارات. إلا أن كلا المصرفين ينكران هذه المزاعم وامتنعتا عن التعليق أمام (آريبيان بيزنس). كما امتنع بوهادي من جهته عن التعليق عندما سئل عما إذا كان الأجدر بالمؤسسة الليبية للإستثمار أن تكون أكثر فطنة في التعرف على المخاطر المرتبطة بالإستثمارات.
وعلى صعيد آخر، فإن المؤسسة بصدد رفع قضية في هولندا ضد وكيل استثماري يدعى بالادين الدولية (Palladyne) للتحقيق في أصول مزعومة يصل قيمتها 700$ مليون دولار. كما تحصلت على إذن بالاستئناف في قضية خسرتها في شهر يونيو الماضي ضد مستثمر بريطاني يدعى جلين ماود، الذي جادل بنجاح كونه لم يعد يتعين عليه سداد قرض استلمه من المؤسسة الليبية للإستثمار بقيمة 31$ مليون دولار بما في ذلك الفائدة، استنادا لنظام العقوبات الذي يمنع ليبيا بصورة فعالة من السعي لاسترداد أية ديون غير مسددة.
ويعرب بوهادي عن إصراره على الطعن في الحكم، مصرحا: "إنني لن أخوض في استراتيجيتنا القانونية، إلا أننا لن نقبل أبداً قيام ماود باستغلال العقوبات المفروضة على ليبيا للفوز في قضيته، كما أن المؤسسة الليبية لن تتقاعس عن السعي لاسترداد أصولها. هذه ثروة الشعب الليبي ويجب العودة بها إلى الوطن". "هناك من يحاول أن يستغل الفترة الانتقالية التي تمر بها ليبيا من نظام ديكتاتوري إلى الديمقراطية المدنية ناهيك عن نقاط ضعفنا الآخرى، وهذا أمر مؤسف. إن إحساسنا بالمسئولية والمساءلة يدفعان بنا إلى حماية موقفنا".
وأفاد معترفاً من أنه ينبغي إقامة توازن بين الأتعاب المدفوعة لاتخاذ الإجراءات القانونية، والتأكيد على تحقيق أقصى استفادة ممكنة من أموالها. "إن سبيل المنازعات القضائية لم يكن أبداً مسارنا المختار. إنه الوضع الذي وجدنا أنفسنا فيه مرغمين، ونحن نقف بهذا موقف المسؤولية أمام الشعب الليبي". "إننا نشرع في دراسة التكاليف والمزايا من اتخاذ مثل هذه القرارات، إلا أننا في حاجة لإثبات أن المؤسسة الليبية للإستثمار تتخذ كافة التدابير اللازمة لحماية أصولها، ذلك لأننا مناطين بهذه المسؤولية ولا مجال في أن يرانا الغير نتقبل الأشياء كأمور مُسلم بها".
ومن جهة أخرى أفاد الناطق الرسمي للمؤسسة الليبية للإستثمار: "إن أكثر الأشياء إيلاماً في الأمر بالنسبة لبوهادي والمجلس هي تلك الادعاءات الزائفة المرفوعة في المحاكم الدولية، والتي تصرف انتباهنا عن مهامنا الأصلية".
مؤكداً أن: "وبنهاية المطاف، تبقى مهمة بوهادي متمثلة في إعادة هيكلة المؤسسة الليبية للإستثمار وفقاً لمقترحات إدارة مؤسسة اوليفر ويمان للاستشارات والهادفة إلى إيجاد صندوق للثروة السيادية يقارع تلك الموجودة في ايسلندا أو سنغافورة".
وتحت قيادته، فقد عقدت المؤسسة الليبية للإستثمار العزم على توطيد مبدأ الشفافية من خلال اطلاق حسابات لها في وسائل الإعلام الاجتماعية ونشر محاضر اجتماعات مجلس ادارتها المنعقدة. واستنادا لمقترحات أوليفر ويمان، فإن المؤسسة الليبية للإستثمار بصدد أن تنقسم إلى ثلاث صناديق: صندوق أجيال المستقبل، والذي يختص بإدارة الإستثمارات لغرض تنويع الاقتصاد بعيداً عن النفط والغاز. و صندوق تحقيق الاستقرار المعني بدعم الحكومة في التعامل مع أية عجوزات في الميزانية هبوط أسعار النفط، وأخيراً الصندوق الوطني المحلي، والموجود تحت مسمى (صندوق الإنماء والتطوير المحلي LLITF).
ومن شأن الصندوق الوطني المحلي، وفقاً لما أورده بوهادي، أن يلعب دوراً فاعلاً في تطوير الاقتصاد الليبي مستقبلاً، مفيداً أن: "أحد أكبر التحديات بالنسبة لليبيا تتمثل في قيام نظام القذافي بتدمير القطاع الخاص. فقد ركمت القوى العاملة الليبية في القطاع العام، وفُرض الدعم على المواد الغذائية والمياه والطاقة، وفي واقع الأمر كان ذلك وسيلة لاحتجازهم كرهائن للنظام. لم يكن هناك أي حافز يدفع بهم لبدء أي نشاط ولم يكن بأيديهم أبداً أن يتحكموا في زمام مستقبلهم الاقتصادي". "إن التعليم مثالاً جيداً على ذلك: فقد أهملت السلطات هذا الجانب. واستطرد قائلا: "أتذكر إنني كنت في المرحلة الإعدادية عندما تم إلغاء اللغة الإنجليزية وطلب منا عندئذ أن نقوم بتكويم كل الكتب الإنجليزية وإضرام النيران فيها. كنت وقتها أبلغ من العمر 14 سنة". "ولك أن ترى ما المحزن في الأمر، ذلك أن القوى العاملة الليبية لم يكن بمقدورها المنافسة في الأسواق الإقليمية. فقد كان يعوزهم التعليم الذي يمَكنهم من التوجه حيث أرادوا للعمل وبهذا أصبحوا رهينة للنظام بشكل أكبر" وأضاف معبراً عن ذلك: "وبهذا، بالرغم من كسر المواطن الليبي للقيود سياسيا في 2011، فما زال أمامه حاجة لكسر قيودهم اقتصادياً".
وسيسعى الصندوق الوطني المحلي للتعامل مع هذا الجانب من خلال تعزيز القطاع الخاص والإستثمار فيه، وعلى الوجه الأخص مجال المشاريع الصغرى والمتوسطة (SMEs)، وتحسين مستويات التعليم والقطاعات الخدمية الأخرى، واستقطاب الإستثمار الأجنبي لليبيا.
وكان من المزمع إعادة هيكلة المؤسسة الليبية للإستثمار شهر مايو الماضي، إلا أن الاضطرابات السياسية الدائرة في ليبيا أجبرت المؤسسة على تأجيل خططها لحين الوصول إلى تسوية لتلك النزاعات السياسية و تشكل حكومة وحدة وطنية. إن البلاد يعاني الشتات بين اتباع الإسلام السياسي في طرابلس و مجلس النواب في طبرق.
ويأمل بوهادي أن يتم في مرحلة ما خلال المستقبل القريب تحقيق آمال الشعب الليبي واستعادة السلام والرفاهية.