دويشته فيله- منصف السليمي: توقع رمضان التويجر مقررالهيئة التأسيسية لصياغة الدستور الليبي التوصل قريبا إلى مشروع دستور جديد سيعرض على إستفتاء. في حوار مع DWعربية كشف التويجر تفاصيل عن ملامح النظام السياسي وعلاقة الدستور بوثيقة الحوار السياسي. وتتواصل في جنيف المحادثات الصعبة بين أطراف النزاع الليبي برعاية الأمم المتحدة، في ظل تدهور أمني وإنقسام بين سلطتين تتنازعان النفوذ على البلاد. الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور الليبي التي انطلقت أعمالها منذ عام ونصف العام، ويوجد مقرها في مدينة البيضاء(شرق ليبيا) نأت بنفسها عن المشاركة في الحوار لكنها تدعمه، كما يؤكد ذلك رمضان عبدالسلام التويجر، مقرر الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور الليبي في حوار أجرته معه DWعربية في بون. التويجر يرى أن نجاح الحوار من شأنه المساعدة على التقدم خطوات نحو تنظيم إستفتاء الدستور وإقامة مؤسسات ديمقراطية وإستقرار البلاد. لكنه اعترف بصعوبة المهمة بسبب الانقسام السياسي والفوضى الأمنية. وفيما يلي نص الحوار:
DW: أين وصلت المحادثات بشأن صياغة دستور ليبي جديد؟ ولماذا تأخر لحد الآن؟
رمضان التويجر: الآن نحن في المرحلة النهائية لصياغة مشروع الدستور، وهي مرحلة التصويت النهائي ونعتقد أن خطتنا تتجه إلى بدايات شهر أكتوبر المقبل، سيكون الموعد النهائي لخروج المسودة، وكل الدساتير في العالم تستغرق وقتا طويلا.
لماذا هذا التأخير، هل هناك نقاط عالقة لحد الآن؟
نعم، الحقيقة ليست هناك خلافات كبيرة لكن هناك تحديات كبيرة تواجه الهيئة التأسيسية، وأيضا أعمال التحضير تأخذ وقتا طويلا. لدينا كثير من الدول، التي خاضت تجارب دستورية سابقة أخذت عملية صياغة الدستور فيها أكثر من خمس سنوات، وهناك من أخذت سنتين. وتونس رغم أن وضعها الأمني أفضل منا لكنها أخذت وقتا طويلا في صياغة الدستور.
ما هي التحديات التي تعوق التوصل إلى إنهاء صياغة الدستور؟
من ضمن هذه التحديات العملية الأمنية بصفة عامة، وعدم الاستقرار السياسي والوضع الأمني في البلاد.
ما هي أكثر القضايا التي كانت شائكة في سبيل التوصل لتوافق؟
طبعا كل القضايا ما زالت في طور النقاش والمناقشة، ولكن نحن نقترب جدا من الوصول إلى الهدف. اعتقد أن موضوعا كشكل ونظام الحكم أخذ منا وقتا طويلا ولا زال يأخذ نقاشا مستفيضا داخل الهيئة، وأيضا نظام الإدارة المحلية.
ما هي الخيارات المطروحة بشأن ملامح النظام السياسي، هل سيكون نظاما رئاسيا أم برلمانيا؟ ما هي الخيارات الموجودة وإلى أي خيار تميل الهيئة؟
لازلنا في مرحلة الإعداد لهذا الأمر، لكن تصويتا نهائيا أو قرارا نهائيا ما زال لم يصدر في هذا الأمر، ومن المتوقع أنه خلال هذا الشهر سيفضي إلى شيء ما.
هل يمكنك توضيح الأمر؟
نعم، نحن لن نأتي بشيء جديد. سنتبع الأنظمة الموجودة في العالم، وما يتماشى مع الحالة الليبية أو الخصوصية الليبية. لكنَّ هناك اتجاها قويا إلى أن يكون النظام في ليبيا شبه رئاسي أو "برلماسي"، كما يطلق عليه البعض.
هل المقصود بنظام"برلماسي" أن تكون صلاحيات قوية للرئيس والبرلمان بشكل متواز ولن تكون الصلاحيات للبرلمان على حساب الرئاسة أو للرئيس على حساب البرلمان؟
لقد قلت أن كل شيء لا زال في طور النقاش ولم يتخذ قرار نهائي (بعد)، لكن نعم، النظام "البرلماسي" شكله دائما هكذا.
هناك من يتخوف من النص في الدستور على الشريعة كمصدر للتشريع، ومن أن الدولة الليبية خرجت من دكتاتورية القذافي لتسقط في سلطة الدين على حساب المؤسسات المدنية. كيف تعالجون هذه المسألة؟
لا أعتقد أن مسألة الشريعة تثير الكثير من الخلاف داخل الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور؛ لأن المجتمع الليبي بطبعه هو مجتمع ليست لديه أية أفكار متطرفة وإنما (مجتمع لديه أفكار) الشريعة الإسلامية السمحاء الموجودة عند الليبيين والجميع يسعى لدولة القانون، ودولة العدالة والمساواة.
لكن هنالك إشكالية، برأي العديد من الساسة والنشطاء الليبيين، تكمن في تعارض أحكام الشريعة مع مبادئ حقوق الإنسان ومفهوم الدولة المدنية الحديثة. فهل هناك تصور خاص لديكم في الهيئة التأسيسية لمعالجة هذه الإشكالية؟
لا أعتقد أن الفهم الحقيقي للشريعة والدين الإسلامي يؤدي إلى تعارض مع حقوق الإنسان. بل على العكس من ذلك، فإن الشريعة الإسلامية لا تختلف عن المبادئ الإنسانية بل تعززها. ولتحقيق ذلك فالمطلوب أن ننظر للإسلام بمنهج إيجابي بعيد عن التطرف والعنف، الذي تنادي به بعض التيارات السياسية التي تتخذ الدين الإسلامي غطاء.
لكن هذه التيارات التي تشير إليها لديها تأثير ونفوذ في ليبيا، وهي توظف بعض القوى والبنيات التقليدية في المجتمع الليبي، فكيف تتعاملون مع هذه المشكلة؟
أؤكد لك أن موضوع الشريعة لا يثير خلافات بين الليبيين لأنهم غير متشددين إزاء هذه المسألة، والجميع يدعو إلى الإسلام الوسطي، ونسعى إلى إقامة دولة منفتحة على الجميع وتمد يد السلام والوئام إلى كل دول العالم.
هل تتفقون في مفهوم الشريعة مع حزب العدالة والبناء (الإخوان المسلمون) مثلا؟
كل أعضاء الهيئة منتخبون ومستقلون ولا يعبرون خلال عملهم في الهيئة عن أي انتماءات سياسية، ونحن نتفق كلنا حول مبادئ الإسلام.
لكن مقر الهيئة في البيضاء (شرق)، فهل يثير ذلك مشكلة مع السلطة والهيئات القائمة في طرابلس؟
نحن هيئة مستقلة وننظر للجميع من منظور واحد، وقد اتبعنا منذ انطلاقة الهيئة نهج الحياد وبأن ننأى بأنفسنا عن كل الصراعات السياسية، واعتقد أننا نجحنا في هذا الأمر، لأننا هنا للجميع.
وكيف تتعاملون مع نزعات الإستقلال الذاتي في بعض الأقاليم والخلافات حول هذا الملف الذي يساهم في تقسيم ليبيا من الناحية العملية، فهل سيتم اختيار نظام مركزي أم فيدرالي أم شيئا آخر؟
كل الأفكار مطروحة وهي قيد النقاش في الهيئة سواء تعلق الأمر بالفيدرالية أواللامركزية. لكن كل الليبيين متفقون حول وحدة البلاد والتعايش السلمي وفق نظام حكم محلي يحفظ حقوق وحريات كافة المواطنين، والهدف هو أن نقيم نوعا من التوازن يرضي جميع الأطراف.
ترعى الأمم المتحدة الحوار الوطني وقد تم الاتفاق على عدد من القضايا، وبعضها ما يزال عالقا. وفي حال التوصل إلى اتفاق حول وثيقة نهائية أي كمرجعية عليا للمؤسسات وللدولة الليبية، فكيف ستكون علاقتها بالدستور المزمع وضعه؟ ألن يحدث بينهما تضارب؟
الحوار الوطني هو بالتأكيد مسألة مهمة جدا لإستقرار ليبيا، لكن الدستور منفصل تماما عن وثيقة الحوار (وثيقة الاتفاق السياسي) المنتظر أن يُتوصل إليها قريبا، فهي وثيقة تحكم مرحلة مؤقتة، بينما يكون الدستور للوضع والإستقرار الدائمين في البلاد.
كيف سيكون إقرار الدستور؟ وكيف ستنبثق عنه المؤسسات الدستورية؟ وهل سيأتي ذلك بعد المرحلة المؤقتة (يفترض أن تحكمها وثيقة الحوار الوطني) أم متداخلا معها؟
سيكون مشروع الدستور جاهزا في الأسبوع الأول من أكتوبر/ تشرين الأول، وستكون المصادقة عليه عبر استفتاء شعبي بأغلبية ثلثي الناخبين، ليصبح دستورا للبلاد. وبعد ذلك ستجرى إنتخابات تشريعية ورئاسية إذا أقرت الهيئة أن يكون الرئيس منتخبا (مباشرة) من الشعب.
إذا نجحت الأمم المتحدة في إبرام اتفاق بين القوى السياسية الليبية حول تشكيل حكومة وحدة وطنية فهل ستتولى هذه الأخيرة الإشراف على تنظيم إستفتاء الدستور؟ وهل هنالك أجندة زمنية متوقعة في هذا الصدد؟
في حقيقة الأمر ليس لدينا أجندة زمنية أو خارطة معينة، لكن بالتأكيد إذا كانت هنالك حكومة وحدة وطنية، فستعتمد على المفوضية العليا للإنتخابات لتنظيم الإستفتاء على الدستور؛ كي تنتهي المرحلة الإنتقالية وتدخل ليبيا خطوة أولى في الديمقراطية وإرساء معالم الدولة المدنية.
إلى أي حد تشكل الفوضى الأمنية وسيطرة المليشيات، والانقسام بين سلطتين متنازعتين على النفوذ في البلاد، والخلاف حول إعادة هيكلة مؤسسات الجيش والأمن، عائقا أمام استفتاء الدستور وإقامة مؤسسات ديمقراطية في البلاد؟
بالتأكيد فإن ليبيا تعاني من حالة مأساوية بسبب الوضع الأمني، كما يشكل العامل الأمني والعسكري عائقا كبيرا أمام تنظيم استفتاء على الدستور. وإذا لم يتوفر استقرار أمني، فمن الصعب جدا إجراء الاستفتاء، لكنني أعتقد أن الليبيين بطيبتهم وتوحدهم وخوفهم على وطنهم والرغبة في بنائه وصنع الأمل لكل الليبيين، سينجحون في تخطي هذه العوائق.
ما هي برأيك العقبات التي تحول دون توصل الفرقاء الليبيين لاتفاق نهائي في إطار الحوار الوطني؟
منذ البداية قررت هيئة صياغة الدستور عدم المشاركة في جولات الحوار الوطني للنأي بنفسها عن الصراعات السياسية، لكنها تدعم هذه الجهود لأنها تقود إلى الإستقرار والسلم في ليبيا. ونحن نأمل ونتمنى أن يتوافق الليبيون وأن تكلل جهود الأمم المتحدة بالنجاح. ونعتبر أن الاتفاق السياسي يشكل خطوة أولى ستسهل علينا عملية الاستفتاء على الدستور ويؤدي إلى استقرار البلاد ويمكن الليبيين من الاختيار بكل حرية وانتخاب مؤسسات دستورية وديمقراطية دائمة.
في ظل صعوبة التوصل إلى توافق سياسي في إطار الحوار الوطني، ألا تخشون سقوط ليبيا بيد "تنظيم الدولة الإسلامية"؟
لا أستطيع وضع تنبؤات بهذا الخصوص، لكن "تنظيم الدولة" هو مشكلة كل العالم ويشكل تحديا كبيرا لدول المنطقة. أما بالنسبة لليبيا فلا أعتقد أن الليبيين سواء في الوقت الحالي أو المستقبل يقبلون بهذا التنظيم، وبالتالي سيصعب عليه أن يسيطر على البلاد.
توسع داعش في العراق وسوريا اعتمد على ضعف الدولة المركزية وعلى وجود السلاح والمال، وهذه عوامل متوفرة في ليبيا؟
إن التركيبة الإجتماعية وخصوصا القبلية وعقلية المواطن الليبي المتسامح والرافض للتشدد، تشكل حصنا ضد "تنظيم الدولة الإسلامية" وتجعل مسألة سيطرته على البلاد أمرا مستعصيا. وإذا خرج هذا التنظيم عن بعض المواقع الصغيرة التي لديه فيها نفوذ فسيتوحد ضده كل الليبيين لإدراكهم خطر هذا التنظيم، وهو ما يعبر عنه كل الساسة الليبيين.