العرب اللندنية: دشن رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي مرحلة جديدة من التصعيد ضدّ خلفه على رأس الحكومة حيدر العبادي الذي يبدو أنه تجاوز ببعض قراراته واختياراته السياسية خطوطا حمراء في الخروج عن النهج الإيراني في العراق والذي يمثّله المالكي وعدد من عناصر البيت السياسي الشيعي الذي ينتمي إليه العبادي نفسه. وأعلن ائتلاف دولة القانون الذي يقوده نوري المالكي نائب رئيس الجمهورية الذي ألغي منصبه بأمر من العبادي، "سحب التفويض الذي منحه الائتلاف لرئيس الوزراء في البرلمان، لإجراء إصلاحات في البلاد"، متهما العبادي بخرق الدستور.
غير أن متابعين للشأن العراقي نفوا أن يكون لقرار سحب التفويض علاقة بمسائل دستورية، مؤكّدين وجود خلفيات سياسية أعمق وراء القرار الذي قد يمثّل البداية العملية لمحاصرة العبادي ونزع الغطاء الحزبي عنه لإضعافه تمهيدا لإسقاطه من رئاسة الحكومة. ويتعلّق الأمر بوضع نوري المالكي نفسه والمهدّد بـ"الاجثاث" من الحياة السياسية وبالمساءلة القضائية باعتباره موضع اتهامات كثيرة بالضلوع في الفساد وبالتسبّب في انتشاره في كل مفاصل الدولة، الأمر الذي يجعله في سباق مع الزمن قبل أن تقوى شوكة حيدر العبادي، خصوصا إذا تمكّن من تحقيق نصر عسكري على تنظيم داعش بمساعدة الولايات المتحدة.
ويدرك المالكي من جهة أخرى أن فرص الإصلاح ضئيلة في ظل دولة الريع التي أسسها هو نفسه طيلة فترتي حكمه والتي تحتاج لأموال تزيد بكثير عن دخل العراق الحالي لإدامتها. كذلك لا تغيب إيران عن خلفية مشهد "الحرب" التي بدأها المالكي على العبادي الذي كان في الأصل موضع ارتياب الإيرانيين ثم أصبح يُنظر إليه من قبل طهران باعتباره خطرا على نفوذها في العراق بما يتخذه من قرارات. وحسب مراقبين فإن القطرة التي أفاضت كأس الغضب الإيراني من العبادي هي تعيينه مؤخرا عماد ضياء الخرسان أمينا عاما لديوان مجلس الوزراء الذي تربطه علاقة وطيدة بالإدارة الأميركية وهو من دعاة الدولة المدنية في العراق.
وجاء هذا القرار ليضاف إلى إحجام العبادي عن تلبية مطلب الأحزاب الدينية والميليشيات الشيعية بضرورة الاستنجاد بالطيران الروسي في الحرب ضدّ تنظيم داعش، الأمر الذي عدّه قادة تلك الأحزاب والميليشيات إذعانا للضغوط الأميركية. وشهدت الأيام الماضية سلسلة من التحركات السياسية داخل ائتلاف دولة القانون برئاسة نوري المالكي تمحورت أساسا حول عملية سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي وإسقاط حكومته الحالية والبدء بمشاورات واتصالات لتسمية رئيس وزراء جديد يتولى تشكيل حكومة جديدة.
وذكرت وكالة العباسية نيوز أن المكتب السياسي لحزب الدعوة الإسلامية ومجلس الشورى التابع له، وهما أعلى هيئتين في الحزب اختتما اجتماعا مشتركا عقد يومي الأحد والاثنين الماضيين وقررا بدء الإجراءات لفصل العبادي وعدد من القياديين المؤيدين له من الحزب تمهيدا لسحب الثقة منه في مجلس النواب. ونقلت الوكالة عن مصادر مقربة من حزب الدعوة أن اجتماعات المكتب السياسي ومجلس شورى الحزب التي عقدت بسرية بالغة في إحدى قاعات مطار المثنى، لم يشارك فيها العبادي لعدم دعوته إليها كما لم توجه الدعوة أيضا إلى الشيخ عبدالحليم الزهيري الذي يتولى رئاسة مجلس الشورى والنائب علي العلاق ومستشاري رئيس الحكومة طارق نجم وصادق الركابي ووليد الحلي وأربعتهم أعضاء في المكتب السياسي للحزب.
واستنادا إلى تلك المصادر فإن كلا من علي الأديب وخلف عبدالصمد وجاسم محمد جعفر أعضاء المكتب السياسي ومجلس الشورى تبادلوا رئاسة الاجتماعات في حين كان الأمين العام للحزب نوري المالكي يتولى إدارة المناقشات التي تركزت على إدانة العبادي وأنصاره واعتبارهم "مرتدين" على الحزب وتآمروا على وحدته تنفيذا لأجندة خارجية في إشارة إلى الولايات المتحدة الأميركية. وقال النائب عن ائتلاف دولة القانون كاظم الصيادي إن 45 نائبا شيعيا أمهلوا العبادي 72 ساعة للإجابة على عشرات الأسئلة التي تضمنتها مذكرة قدموها إليه في حين تتحدث الأوساط النيابية عن مباشرة نواب الائتلاف بجمع تواقيع 164 نائبا وهو العدد المطلوب لسحب الثقة من رئيس الحكومة.
واعترف النائب على العلاق وهو قيادي في حزب الدعوة، وأحد أبرز مؤيدي العبادي، بحملة جمع تواقيع النواب لإقالة رئيس الوزراء، وقال إن دوافعهم شخصية وتضرروا من إصلاحات العبادي. ومن جهته كشف الكاتب السياسي العراقي هارون محمد عن اتصالات أجراها نوري المالكي في الأيام القليلة الماضية مع رئيس مجلس النواب سليم الجبوري وعدد من نواب حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وحركة التغيير الكردية المناوئين لرئيس الإقليم مسعود البارزاني يعتقد أنها تناولت حثهم على المشاركة في التوقيع على طلب سحب الثقة من رئيس الحكومة.
وشرح هارون لـ"العرب" أن المالكي يسعى إلى إعادة تجربة ولايته الثانية عقب انتخابات 2010 عندما نجحت الضغوط الإيرانية في حشد الكتل الشيعية جميعها بما فيها المجلس الأعلى والتيار الصدري اللذان نافسا ائتلاف دولة القانون في تلك الانتخابات، ويومها حصل المالكي على إجماع شيعي وحاز على تأييد 158 نائبا ممّا اضطر القائمة العراقية برئاسة إياد علاوي التي حصلت على 93 مقعدا نيابيا إلى الانسحاب من سباق رئاسة الحكومة والتعاون مع المالكي في تشكيل حكومته الثانية حينذاك.