أنجز فريق العمل الخاص بتقييم حادثة حريق البرج الثالث بمركز بنغازي الطبي أمس الأربعاء، تقريره النهائي، بعد زيارته وتفقد مكان الحريق.
وذكر التقرير الذي حصلت «بوابة الوسط» على نسخة منه، أنَّه في تمام الساعة الخامسة والنصف مساءً من يوم الأحد الموافق السابع من شهر ديسمبر الجاري، أبلغ طاقم التمريض الموجود في قسم الأورام بالطابق السادس مشرفة التمريض ومكتب الاستعلامات على الهاتف رقم 7000، ومكتب الأمن الصناعي بشأن حريق شبَّ بغرفة التخزين رقم (دي ون 683).
وأضاف أنَّه بحضور المشرفة قام عامل التنظيف بفتح باب الغرفة المشار إليها، مما أدى إلى خروج الدخان الكثيف نتيجة احتراق كميات كبيرة من المستلزمات الطبية القابلة للاحتراق كالقطن والضمادات والحقن والأكياس البلاستيكية وغيرها، ما جعل الطاقم الطبي يتراجع، في الوقت الذي حاول فيه مرافقو بعض المرضى إطفاء الحريق بواسطة أسطوانة وخرطوم إطفاء، قبل أنْ يصل رجال الأمن الصناعي والإطفاء ومتطوعو «الهلال الأحمر» وشروعهم على الفور بإخلاء البرج من المرضى في جو ساده الارتباك والفوضى وتَعرُّض بعض المُسعفين لخطر الأدخنة والغازات الضارة، واستطاعوا بعد جهد جهيد إخماد النيران، رغم تواضع الإمكانات وغلق أبواب ومخارج الطوارئ وافتقار المبنى لأبواب الحريق وتدني كفاءة وعمل منظومة مياه الإطفاء.
وأشار تقرير الفريق الخاص بتقييم حادثة حريق البرج الثالث من مركز بنغازي الطبي إلى أنَّه وبوصول الفريق إلى عين المكان يوم الاثنين، الثامن من ديسمبر 2014، اليوم الذي أعقب يوم الحادثة، وجدوا كميات كبيرة من الحطام على طول ممر القسم، احتوت على بقايا الأثاث والأسقف المعلقة والأسلاك الكهربائية والمصابيح والزجاج ومياه الإطفاء، وكانت جميع الجدران والأسقف مغطاة بطبقات كثيفة من الدخان.
وكانت غرفة التخزين وهي مصدر الحريق الأكثر تضررًا لكونها نقطة أصل الحريق، وتحتوي على كميات كبيرة من المستلزمات، ونظرًا لارتفاع درجة الحرارة داخل الغرفة نفسها أثناء الحريق ولفترة زمنية ليست بالقصيرة، سقط السقف المعلق وما يحتويه من أسلاك ومصابيح، وتبعه سقوط إسمنت الجدران واحتراق مفاتيح وقوابس الكهرباء.
وأوضح التقرير أنَّ رجال الإطفاء والأمن الصناعي كسروا زجاج جميع النوافذ بغرف المرضى والحمامات وغرف التمريض والاستراحات ونوافذ سلالم كل الطوابق، وأفادوا بأنَّهم فعلوا هذا اضطرارًا للتخلص من الدخان وتهوية المكان، في ظل وجود أبواب خروج الطوارئ مغلقة بالكامل، رغم أنَّها لا تُستَخدَم إلا في مثل هذه الحالات.
ولفت إلى استهلاك عدد كبير من أسطوانات الإطفاء بالمياه وبغاز ثاني أكسيد الكربون، لافتقار الحصول على أسطوانات المسحوق الجاف التي تُستَخدَم في مثل هذا النوع من الحرائق، وأنَّ نقطة إنذار الحريق كانت غير مستعملة مما يثبت عدم اتباع إرشادات الإبلاغ عن الحريق المُدوَّنة على كافة ممرات وطوابق ومصاعد مباني وأبراج المركز والتي إن اُستُخدِمت للإبلاغ عن هذا الحريق لحَضَرَ رجال الإطفاء إلى مكان الحريق في الوقت المناسب ولما كانت الخسائر بهذا الحجم، وفق التقرير.
واستنتج الفريق الخاص أنَّ بداية عملية الحريق بالغرفة من الممكن أنْ يكون سببها التعرُّض لطلق ناري حارق جراء الاشتباكات التي حدثت عشية ذلك اليوم بالمنطقة الواقعة قبالة الجناح الغربي للبرج (دي 1)، ولوحظ تجويفٌ صغيرٌ مقابلٌ لنافذة الغرفة قد تكون الأثر الدال على هذا الطلق، في الوقت الذي يتعذر فيه تأكيد هذا الأمر إلا بعد فحص الحطام بدقة، الذي يتطلب مزيدًا من الوقت للعثور على بقايا المقذوف إن وُجد، مع عدم ضمان تشغيل المضخة في الوقت المناسب، ناهيك عن مخالفة هذا الإجراء كافة معايير تشغيل شبكات مياه الإطفاء المعمول بها عالميًّا.
ولفت التقرير إلى أنَّ إغلاق وقفل أبواب الطوارئ بجميع مرافق ومباني المركز يُعد مخالفًا لمعايير السلامة وأنَّ استمرار وجودها مغلقة ومقفلة كان من أهم أسباب عرقلة وتعطيل عملية الإخلاء وتهديد الأرواح أثناء الحريق، علمًا بأنَّ باب الطوارئ المقفل بموقع الحريق كان الأقرب لإجلاء المرضى والمرافقين وأطقم التمريض من سلالم طوابق البرج.
وبناء على هذه الاستنتاجات والتوضيحات، أوصى التقرير بوجوب تركيب أبواب حريق معتمدة بكافة مرافق المركز، التي من شأنها عزل أماكن الحريق عن الأماكن الآمنة، علمًا بأنَّ هذه الأبواب منها ما يصمد أمام الحريق لزمن يتراوح من ساعة إلى ساعتين والذي إن وُجد بمكان الحريق لتمَّ عزل الحريق عن باقي غرف المرضى إلى أن يتم إخماده.
وأوصى الفريق كذلك بضرورة وجود خطط إخلاء واضحة ومتكاملة لكافة مرافق المركز وتدريب كافة العاملين على تنفيذها بالشكل المطلوب.
وتابع: «نظرًا لما تشهده بنغازي هذه الأيام من اشتباكات مسلحة ينتج عنها إطلاق القذائف والأعيرة النارية التي تهدد حياة المرضى والنزلاء والعاملين، نوصي بإخلاء الغرف والمكاتب والمعامل والاستراحات من الجهتين الغربية والجنوبية المطلة على مواقع الاشتباكات واقتصار تخزين المواد والمستلزمات الطبية على الاستهلاك اليومي فقط تفاديًا لتكرار حادثة الحريق».
وأعلن التقرير افتقار محطة إطفاء المركز لأبسط الإمكانات، التي منها النقص الحاد في أفراد وحدة الإطفاء مقارنة بحجم ومساحة المركز.
وأوصى بإبقاء الحطام بالغرفة إلى أن يتقرر إجراء ذلك الفحص من عدمه.
وأضاف أنَّ تكسير رجال الإطفاء والأمن الصناعي زجاج نوافذ المركز يعد إجراء قد يؤدي في غالبية الحالات إلى تفاقم وضع الحريق وانتشاره وتغلغل الدخان إلى كافة أرجاء المكان بفعل تيارات الرياح خصوصًا أنَّ الحريق حدث بأعلى طابق في المبنى وكانت الرياح حينها غربية الاتجاه، ما ساهم في انتشار الحريق وانتقال الدخان من الدور السادس إلى الدور الخامس وتشتيت جهود الإطفاء وتعرُّض المسعفين إلى مخاطر الاختناق وهو ما حدث بالفعل، إذ لا يزال أحد المصابين يتلقى العلاج في المركز لتعرُّضه لاستنشاق الأدخنة والغازات الضارة، بحسب التقرير.
وأكد التقرير أنَّ أسطوانات الإطفاء الموجودة بالقسم كانت غير مناسبة من ناحية النوع والكمية بدليل جلب أعداد كبيرة أخرى من نفس النوع من الطوابق الأخرى والتي لم يكن وجودها في الأساس مناسبًا للحرائق التي قد تحدث في مثل هذه الأماكن. وبالنسبة لبكرات خراطيم المياه لم تكن ذات كفاءة عالية لضعف ضغط المياه أثناء مكافحة الحريق (حسب إفادة رجال الإطفاء) مما أثر بشكل سلبي في سرعة القضاء على الحريق، وكذلك افتقار وحدة الإطفاء للملابس الواقية وأحذية السلامة، وغيرها من المعدات الهامة كأسطوانات الهواء المضغوط (التنفس الصناعي) التي تسهل دخول رجال الإطفاء لمكان الحريق.
كما أكد الفريق الخاص بالحادثة حاجة رجال الإطفاء والأمن الصناعي إلى التدريب التخصصي والمتطور في مجال مكافحة الحرائق وتشغيل نظم ومضخات الإطفاء.
وفي نهاية التقرير أعرب الفريق عن استعداده للرد على أية استفسارات من شأنها أن توفِّر كافة السبل الكفيلة بحماية الأرواح والممتلكات بمركز بنغازي الطبي.
وفي سياق مُتصل أكد مسؤول المكتب الإعلامي بمركز بنغازي الطبي خليل قويدر لـ«بوابة الوسط»، أنَّ الحريق تسبب في 25 حالة اختناق، قبل السيطرة عليه، موضحًا أنَّ عناصر الدفاع المدني بمساعدة العاملين ومتطوعي «الهلال الأحمر» وأفراد الجيش وعناصر النقطة الأمنية تمكَّنوا من إخماد الحريق.