لئن
يسجل المراقبون عديدا من الاستحقاقات تم عبورها بنجاح منذ إسقاط نظام
العقيد معمر القذافي وإلى اليوم، مثل الانتخابات، وتشكيل البرلمان، وعدد من
الحكومات، وهي أمور لم يكن أحد يحلم بها في ليبيا تحت حكم الدكتاتور، إلا
أن تعدد الحكومات الليبية وفشلها في معالجة قضية السلاح والأمن، وانتشار
المليشيات التي تهدم كيان الدولة وتستهين بجيشها الرسمي، ووقوع اغتيالات
شخصيات إعلامية وعسكرية وسياسية، ووتتابع استقالات المسؤولين والنواب،
والمخاوف من تقسيم البلاد تحت دعاوى ثقافية أو اقتصادية مختلفة، تطرح
جميعها علامات استفهام لاتزال تبحث عن إجابات. وفضلا عن
تلك المشكلات العالقة، تحوم سحابة من الجدل فوق سماء ليبيا بعد صدور قانون
العزل السياسي الذي تقبّله البعض بصدر رحب، وتقبله آخرون على مضض، ورفضه
غيرهم، وهو قانون يهدد اطراف أساسية في العملية السياسية، في ظل غياب قانون
تفصيلي يفسّر على من ينطبق وعلى من لا ينطبق، فحتى رئيس الوزراء من الممكن
ألا ينجو منه. بعد كل ذلك، هل ما حصل في لبيا كان بالفعل
ربيعاً ديمقراطياً أم أنه خريفٌ داميُ؟ سؤال طرحته "مراسلون" على عدد من
الناشطين الإعلاميين والسياسيين، في محاولة للنظر إلى الوراء، قد تساعد
ربما على المضي للأمام.
العلة فينا
يقول
الناشط الليبي محمود علي "نعم .. ليبيا عاشت ربيعاً حقيقياً .. ولكن هناك
من انحرف بمسار هذا الربيع، وحوله إلى خريف، كما حدث وبالخطوات نفسها في
بلدان الربيع العربي ... فالعلة إذاً في بلدان الربيع العربي". علي
يرى أن الحكومات جزءٌ من المنظومة "الفاشلة" التي وضعها المجلس الانتقالي
كخارطة طريق، "ولم يعلم الخبراء في المجلس الانتقالي أنهم أنتجوا منظومة
فاشلة، وستُودي بالبلاد إلى هاوية السويحلي (عضو المؤتمر عبد الرحمن
السويحلي الذي صرح في السابق بأن ليبيا تسير نحو الهاوية).. كما أن انتخاب
البرلمان قبل الدستور كان كمن يضع العربة أمام الحصان". ويشير
علي في الوقت نفسه إلى التجاوزات التي قام ويقوم بها المؤتمر الوطني العام
باسم الشرعية واضطلاعه بمهامٍ ليست من اختصاصه في المرحلة الانتقالية مثل
تعديل قوانين كان الأجدر بتعديلها برلمان ليس انتقالياً.
خارج الجغرافيا
من
جهته يقول سعيد بوحجر وهو ناشط سياسي وإعلامي برز إبان ثورة 17 فبراير:
"ليبيا الآن خارج الجغرافيا، وتخطت كل الفصول، فعلى الأقل الخريف فيه
استعداد للحياة ثانية أما نحن الآن في حالة انعدام، المسألة أكبر من
الحكومة". ويتساءل بوحجر الذي يعمل حاليا مفتشاً تربوياً:
"هل الشعب الليبي مستعد للمرحلة التي يعيشها الآن؟ وهل الحكومة الموجودة
الآن بشقيها التشريعي والتنفيذي جاءت بطرائق شرعية للسلطة حتى وإن كان في
الظاهر يبدو كذلك؟ ألم تتعرض ليبيا لسيناريو ما حتى تصبح هكذا؟ إذاً
المسألة ليست في الحكومة وحدها إنما هي عدة معطيات امتزجت معاً، وكونت ما
نعيشه الآن".
أحلى اللحظات
الناشطة
الحقوقية زاهية المنفي لا تنكر هذا الربيع، تقول "لقد عشنا أحلى اللحظات،
عندما قرر الشعب أن ينتفض ضد الظلم والقهر والمهانة، انتفض كل شيء بداخلنا
حتى الطفولة نطقت، وسالت الدماء من أجلنا، وبعدها قررنا بناء الوطن، ولكن
!!". تتابع "هم من هدموا هذا الأمل .. إنهم المخربون
وأصحاب النفوس الضعيفة، وكل من ليس في صالحه أن نبني دستورنا، فقد غاب
الأمن، وعاد ذلك الشبح الذي كان يطاردنا، ولكن يوجد بصيص أمل، لأنني واثقة
جداً أن ليبيا فيها رجال، ورغم كل مطامع الجميع فيها - بإذنه تعالى -
سنتحدّى الصعاب، وسنلتحم تحت رداء واحد".
نقطة غائبة
بدوره
يري يوسف النعمة وهو إعلامي سوداني وناشط سياسي، أن ليبيا عاشت ربيعاً
حقيقياً لكنه غير كامل، فما أنتجه القذافي في آخر أيامه من فتح لمخازن
السلاح التي وصلت لعديد الجهات، وصارت نقمة، جلبت معها حالات الصراع
السلطوي والقبلي والجهوي، هو ما دفع الكثير من العناصر الرافضة للثورة
الليبية خاصة بقايا نظام القذافي إلى زعزعة الأمن .. وكل ذلك ساهم في بثّ
الفوضى التي أخّرت اكتمال حالة الربيع الليبي. ويضيف
النعمة "الأكثر تأثيراً في هذا التأخير هو عدم اكتمال دور السلطة الشرعية
في ليبيا، سواءً أكان المؤتمر الوطني العام أم الحكومة المؤقتة، في إنجاز
الكثير من الاستحقاقات، والمطالب من الدستور، وبناء الجيش، والشرطة، لفرض
سيادة الدولة والقانون". "هذه المعطيات مجتمعة تمثل نقطة
التحول الغائبة لاكتمال الربيع الليبي الذي من أجله كانت الثورة.. والعمل
الذي أنجزته السلطة في ليبيا حتى الآن يمضي نحو هذا الاكتمال الربيعي، لكنه
بطيء في حركته" يقول النعمة.
خيبة وصدمة
يعتقد
الإعلامي فوزي الغويل بأن الليبيين حينما قرروا الانتفاضة في مواجهة نظام
القذافي استلهاماً لثورتي تونس ومصر فيما يسمى بثورات الربيع العربي،
وامتداداً لانتفاضة سابقة شهدتها ليبيا في 17 شباط/فبراير من عام 2006،
دفعوا ثمناً فادحاً من أجل إنهاء حقبة مريرة عاشوها تحت وطأة نظام شمولي،
لينعموا بتحقيق تطلعاتهم في التنمية والعدالة والحرية والمشاركة السياسية. غير
أن الواقع بحسب الغويل "يؤكد وبعد مرور ما يقارب ثلاثة أعوام على هذه
الثورة بأن المواطن الليبي ينتابه الشعور بالخيبة والصدمة، بسبب عدم تحقيق
أدنى حقوقه المتمثلة في استتباب الأمن، وإهدار الملايين من الأموال بشكل
مشبوه". بالإضافة إلى "حالة الفراغ السياسي، وضعف أداء
المؤسسات التشريعية والتنفيذية التي تمارس صراعاً محموماً من أجل تحقيق
المصالح الذاتية التي تخدم أهدافها، دون النظر للمصلحة العليا للوطن،
وتوظيفها للعديد من القوانين والتشريعات كقانون العزل السياسي وغيره لمجرد
تصفية الحسابات".
أهم المشكلات
ولعل
أهم المشكلات التي تهدد المجتمع الليبي بعد الثورة يقول الغويل "هي عدم
تحقيق نتائج جادة في ملفي العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، حيث ترتب
على ذلك انتشار الصراعات المسلحة، التي تحركها الدوافع المصلحية والقبلية
والجهوية، وتصفيات حسابات مرحلة ما قبل سقوط النظام". ولا
ينسى الإشارة إلى "عجز الدولة عن تفعيل جهاز القضاء المستقل النزيه، وعجز
المؤتمر الوطني العام عن تحقيق خطوات جادة وملموسة تتعلق بالاستحقاق
الدستوري، الأمر الذي يتطلب اتخاذ خطوات جادة وحقيقية من جميع الفعاليات
والنخب المتمثلة في مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الأخرى للخروج من هذه
الأزمة".
الآراء السابقة أساسها واحد
رغم اختلافها، وقياساً على ذلك يمكننا القول إن ليبيا تمر بمرحلة مخاض قد
تطول بعض الشيء، وتشوبها فوضى في البلاد، وتضعضع أمني، وانتشار للسلاح،
وتصارع على السلطة، ولكن الأمل غير معدوم، ذلك أن هكذا أحلام ما كان لها أن
تولد لولا يوم ثوري كيوم السابع عشر من شباط/فبراير 2011، على ما اجدمع
عليه المستطلعة آراءهم في هذا التقرير.
المصدر: مراسلون