قال النائب الأول لرئيس المؤتمر الوطني السابق، الدكتور عز الدين العوامي: إن حكم الدستورية الأخير تعرض لعملية تزوير واسعة من جانب الإعلام الموجه وبعض الفضائيات في مقدمتها «الجزيرة» القطرية و«النبأ» الليبية اللتان روجتا للإيحاء بأن الحكم يقضي بحل البرلمان.
وأشار العوامي في حوار لـ «بوابة الوسط» بالقاهرة إلى أن حل البرلمان خط أحمر لا يجوز طرحه عند الحديث عن حلول سياسية للأزمة الليبية، معتبرًا أن المروجين لعودة المؤتمر الوطني غير جادين، ويهدفون إلي تضييع الوقت وتفويت الفرصة لنقل ليبيا من حالة الفوضى إلى الاستقرار.
ودعا العوامي المجتمع الدولي إلى تقديم جميع أشكال الدعم للجيش الوطني لحصار تنظيم «داعش» وطرده من الأرض الليبية، كما رفض قبول أي دعوة للجلوس على مائدة الحوار مع كل من تلوثت أيديهم بدماء الليبيين.
إلى نص الحوار:
«الوسط»: بعض الليبيين يتهمونك بالوقوف وراء حكم الدستورية الأخير المثير للجدل، ما حقيقة تلك الاتهامات؟
- الجميع يعلم أننا في المؤتمر الوطني كنا نعاني خللاً تشريعيًا وفنيًا كبيرًا؛ حيث كانت اللجنة تقوم بعمل تعديلات القوانين دون الرجوع إلى رئاسة المؤتمر، مما دفعني إلى رفع دعوى قضائية بهذا الخصوص لدى النائب العام، كما أن قضية الشريف الوافي تعكس ذلك الخلل بوضوح كبير باعتباره متهمًا بعملية تزوير فاضحة سنتحدث عنها باستفاضة لاحقًا.
أما بالنسبة لحكم الدستورية، الحقيقة أن هناك حكمين: الأول، مرتبط بالمحكمة ومن يطلع على نص الحكم يكتشف أن ما أثير عن حل البرلمان مجرد تفسيرات واجتهادات لتيارات كان لها أجندة سياسية أرادت أن تقرأ الحكم على هواها، على الرغم من إدراكها أنه لا يعني حل البرلمان.
الجزيرة والنبأ فسرتا حكم الدستورية إعلامياً
ثم الحكم الثاني، جاء عبر وسائل الإعلام التي سعت إلى تشتيت الناس وإثارة أجواء من البلبلة والإشاعات ونجحت هذه التيارات بمساعدة فضائية «الجزيرة» القطرية و«النبأ» الليبية في إحباط الناس، وفرض مزيد من الضبابية والغموض على المشهد السياسي الليبي، وما حدث مع الحكم ذكرني بسيناريو سقوط مطار بغداد قبل غزو العراق واحتلالها رسميًّا بعده أيام.
«الوسط»: ما رأيك في محاولات إحياء المؤتمر الوطني وتعيين حكومة موقتة؟
- أعتقد أن عودة المؤتمر جاءت قبل صدور حكم المحكمة، وهذه مراهقة سياسية، وأتصور أن من يطالب بحل البرلمان يعتبر خَصمًا سياسيًا يجب الرد عليه بوجهة نظر سياسية، نحن في مجموعة (94) كنا نرى ضرورة إنهاء عمل المؤتمر بأسرع وقت ممكن، وقدمنا تنازلات تمثلت في إقالة الحكومة وإقرار مقترح فبراير ووضعناه في صورة دستورية، كما قدمنا ثلاث نقاط أساسية منها: سحب الثقة من الحكومة، وتكليف رئيس وزراء جديد وإقرار نظام المحافظات في الحكم المحلي.
وطلبنا من اللجنة التشريعية وضع المقترحات في صيغة قرار لكن فوجئنا بعدم وجود النقطة الثالثة في القرار، لذلك طعنا عليه بالتزوير، والهدف من مقترح فبراير أن يتم انتخاب مجلس النواب، وألا تكون له اختصاصات المؤتمر الوطني نفسها كما جاء في الإعلان الدستوري، وتم التوافق السياسي لإعداد القانون (10) الخاص بانتخابات البرلمان ولجنة الستين، وشكلنا لجنتين لتنفيذ هذه الخطوة.
بالنسبة للجنة الستين تم التصويت عليها، أما فيما يخص قانون البرلمان فلم تتم الإشارة إلى قانون لجنة فبراير، لأننا لم نعتمد عليها وحدها، بل رأت لجنة (94) أن تقدم لجنة فبراير مشروع قانون الانتخابات إلى جانب القانون الذي يفترض أن اللجنة التشريعية منوطة بوضعه، وعند التصويت اختلفت لجنة فبراير، لذلك إذا تم إلغاء لجنة فبراير فلا يعني إلغاء البرلمان، وهذا هو الأمر الذي لم يعط الطرف الآخر فرصة أن يفهمه، واختار أن يمضي في ترويج أن الحكم يعني حل البرلمان بالمخالفة للواقع والنصوص.
لم يعد هناك شيء اسمه المؤتمر الوطني
فوجهة نظري أن حكم الدستورية لم يضعف البرلمان بل العكس أضاف إليه اختصاصات تأسيسية وسيادية وتشريعية جديدة.
«الوسط»: ماذا عن قضية التعديل الدستوري؟
- إذا كان المقصود بعدم دستورية الفقرة (11) فإن الفقرة (12) منحت البرلمان اختصاصات واسعة، لذلك هل المحكمة يمكن أن تلغي جسمًا ثم تترك له الاختصاصات، بل تضيف إليه اختصاصات جديدة؟ وكذلك المادة (35) واضحة في حفاظها على البرلمان، كما أن هناك قاعدة فقهية تقول: لا اجتهاد مع وجود نص.
«الوسط»: ما تفسيرك لتصرفات بعض أعضاء البرلمان حاليًّا؟
- ببساطة شديدة من دعا إلى إحياء المؤتمر مرة أخرى هم رموز الإسلام السياسي وبالتحديد جماعة الإخوان وكتلة الوفاء للشهداء، وهؤلاء رأوا أنهم لم يحققوا مكاسب في العملية الانتخابية، وبالتالي لن يكونوا مؤثرين في المشهد السياسي، فلم يجدوا أمامهم سوى اللجوء إلى حيلة إحياء المؤتمر مرة أخرى، وهذا من وجهة نظري عبث سياسي يعكس مدى إفلاس هؤلاء سياسيًا، كما سيحاسبهم التاريخ على ما ارتكبوه بحق الشعب الليبي من جرائم، فضلاً عن إتلافهم فرحة الليبيين أن يكون لديهم مؤتمر وطني سابق، ويشرعون في بناء دولة حديثة على أساس القانون.
«الوسط»: ما الوضع القانوني للمؤتمر الوطني حاليًّا؟
- الطبيعي أنه عندما يكون لديك جسم منتخب وتنتهي ولايته ثم يتم انتخاب جسم شرعي جديد، ينتهي مباشرة دور الجسم الأول، وأي محاولة لإحيائه أو عودته تعني انقلابًا على الشرعية وخروجًا عن الآلية الديمقراطية، مع افتراض أن حكم المحكمة بحل البرلمان هذا لا يعني عودة المؤتمر بأي حال من الأحوال.
«الوسط»: هل تؤيد الحوار كوسيلة للخروج من المأزق على غرار ما جرى في غدامس؟
- أشجع أي نوع من الحوار سواء مع مجموعات أو أفراد أو تيارات وضد إقصاء أي طرف، لكن أعارض بكل قوة توجيه الدعوة لأعضاء المؤتمر الوطني لأنه لم يعد له وجود شرعي بهذه الصفة، على الرغم من تحفظي على أداء البرلمان والحكومة، إلا أن ذلك يمكن النقاش حوله والعمل معًا على تصحيح المسار، لأن أي تنازلات سياسية قابلة للنقاش باستثناء حل البرلمان أو المساس به ككيان انتخبه الشعب الليبي بكامل إرادته.
متفائل بعودة الجيش وقدرته على محاربة الإرهاب
أما الأمر المرفوض تمامًا هو مبدأ الحوار مع القتلة والسفاحين وقاطعي رؤوس البشر، فلا يجوز قط الجلوس على طاولة واحدة مع من انتهكوا الحرمات وخربوا المؤسسات ونشروا الفوضى، لأن أمثال هؤلاء لا يعرفون سوى لغة واحدة فقط هي لغة السلاح، والآن أصبح لدينا جيش وطني لديه حضور لمسته بنفسي في أكثر من موقع وهو القادر على حسم المعركة مع الجيوب المتبقية في درنة وبعض أحياء بنغازي، لكن ذلك يتوقف على الدعم الدولي، فأنا أناشد وسائل الإعلام والمراسلين الأجانب أن يحثوا بلادهم وحكوماتهم على دعم الجيش الليبي بالمعدات والتدريب حتى ينجح في مهمة حصار «داعش» وطرد أعوانه من الأراضي الليبية في أسرع وقت ممكن.
«الوسط»: كيف يعمل البنك المركزي وكيف تدبر حكومة الحاسي نفقاتها؟
- المصرف المركزي حسب معلوماتي مجمد النشاط ولا يقوم بدوره المعروف بسبب تداعيات أزمة تعيين المديرين، ويتوقف دوره عند صرف مرتبات الموظفين فقط في الوقت الراهن.
أما حكومة الحاسي أظن أنها تنفق من الاحتياطي النقدي الذي كان موجودًا لدى كل وزارة أو هيئة، وهذه الأموال سوف تنتهي بسرعة لأنها عبارة عن مبالغ محدودة، كما أن مسألة تبعية المصرف المركزي يجب حسمها في أقرب وقت، وفقًا للشرعية القائمة حاليًّا والتي يعترف بها أغلب دول العالم.
«الوسط»: هل تشعر بالتفاؤل إزاء ما يجري في ليبيا حاليًّا؟
- بالفعل أشعر بتفاؤل كبير لسببين الأول:
يتعلق بفترة المؤتمر الوطني التي كشفت حقائق كثيرة كانت غائبة عن الشعب الليبي، كما فضحت أسماء وأشخاصًا تم وضعهم في القائمة السوداء بالنسبة للرأي العام، سواء بسبب فشلهم السياسي أو انحرافاتهم المالية والأخلاقية، ومن ثم أصبح بعضهم لا يستطيع المرور من الشارع الذي يسكن فيه، وتحول أغلبهم إلي أوراق محروقة لا فائدة سياسية منهم.
الثاني: العودة التدريجية للجيش الوطني، وحماس وتشجيع القبائل والمواطنين هذه الخطوة، كما أن الشرطة بكامل أجهزتها بدأت بالفعل للعودة، فأغلب مراكز الشرطة في بنغازي عاد للعمل وكذلك مديرية الأمن، وقريبًا سوف يتم إعلان تطهير مدينة درنة من عناصر «داعش» و«القاعدة» وغيرهما من التنظيمات الإرهابية الخطيرة، فالشيء الإيجابي أن مئات الأسر التي هجرت بيوتها وتعرضت للتشريد مستعدة لتقديم مزيد من التضحيات من أجل الفوز في النهاية بالأمن والاستقرار.
«الوسط»: هل تخشى من بروز نزاعات انتقامية في المرحلة المقبلة؟
- أتصور أنه بمجرد أن يدخل الجيش إلى رأس جدير سوف يسيطر على طرابلس بسهولة، كما أن فكرة بسط هيمنته على الأوضاع ونشر الاستقرار يمكن أن يساعد المجتمع المدني على تقديم مبادرات لجبر الضرر، وتقديم تعويضات وإجراء مصالحة وطنية نطوي بها صفحة الماضي المؤلمة، فالرهان على الجيش كبير من خلال تحالفه مع الشعب، ولو نجحت التجربة في ليبيا سيكون بوسع العالم الاستعانة بها وتطبيقها في أماكن أخرى تعاني التطرف والإرهاب.