وكالات: أكد محللون سياسيون أن الهجوم الدموي على أحد فنادق محافظة سوسة الساحلية في تونس تعد مواصلة لسلسلة الأعمال الإرهابية السابقة في إطار استراتيجية الذئاب المنفردة. والذئاب المنفردة هم أشخاص يقومون بعمليات عنف ممنهجة بشكل منفرد دون أن تربطهم علاقة ما بالتنظيمات المتشددة، وبات يطلق هذا الوصف أيضا على هجمات فردية تنفذها مجموعات صغيرة من شخصين أو ثلاثة كحد أقصى، وهي إستراتيجية جديدة تعتمدها الجماعات الجهادية لإرباك رجال الأمن. وينبع خطر الذئاب المنفردة من كونهم يتحركون في الخفاء وخارج دائرة الرصد الأمنية، يساعدهم في ذلك عامل محوري يعدّ أسوأ السيناريوهات المحتملة لأجهزة الأمن، ألا وهو عامل المباغتة. ولطالما حذّر خبراء أمنيون من خطورة استراتيجية الذئاب المنفردة، التي لجأ إليها الموالون للقاعدة سابقا لتنفيذ اعتداءات في الدول الغربية مثل بريطانيا، بواسطة عناصر قليلة لا تتبع بالضرورة توجيهات وأوامر المركز. وعبّرت العديد من الدول العربية والأوروبية عن دعمها لتونس في حربها ضدّ الإرهاب، رغم اعتبار مراقبين أن هذا الدعم المعلن لا يتجاوز حدود البروتوكولات ووعود ما بعد الكارثة، مشدّدين على أن تونس تحتاج فعليا إلى دعم قدرات جيشها وتدريب وحداتها الأمنية على طرق التصدي للمتشددين وتأمين حدودها مع ليبيا.
وأكد في هذا الصدد رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس أن فرنسا مستعدة لتكثيف تعاونها الأمني مع تونس، خاصة لتوفير حماية أفضل للحدود مع ليبيا. وقال رئيس الوزراء في تصريحات صحفية، إن "الإرهاب أراد ضرب تونس لأنها بلد نجح في ثورته الديمقراطية التي استبعدت التيار الإسلامي المتطرف، واعتنق قيم الديمقراطية والعلمانية". وذكر بأن "خطة تحرك في مجال الأمن أعدت مع التونسيين وتشمل التدريب وإرسال خبراء لقوات الشرطة والتعاون في مجال القوات الخاصة التي ندربها والتزود بمعدات متخصصة". وحذرت بريطانيا من أن متشددين إسلاميين قد يشنون المزيد من الهجمات على المنتجعات السياحية في تونس بعد أن قتل مسلح 39 شخصا بينهم 15 بريطانيا على الأقل في أسوأ هجوم من نوعه في تاريخ تونس الحديث. وقالت وزيرة الداخلية البريطانية تيريزا ماي إنها سترأس اجتماعا للجنة التعامل مع حالات الطوارئ لضمان أن يكون رد فعل الحكومة على الأحداث في تونس مناسبا. وذكرت أنها لم تلمس وجود أي أدلة على أن متشددين إسلاميين استهدفوا سائحين بريطانيين على وجه الخصوص في هجوم الجمعة في منتجع سوسة التونسي.
وكتب وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون ووزير الخارجية فيليب هاموند في مقالين صحفيين منفصلين أمس الأحد، أن جرائم القتل في تونس ستكون عاملا في رسم سياسات الدفاع والأمن في بريطانيا هذا العام وستقوي عزم لندن على التصدي لما وصفاه بـ"الخطاب السام للتطرف الإسلامي". ودفعت التهديدات الإرهابية المتصاعدة التي تواجهها تونس، الجزائر إلى الرفع من درجة التأهب على طول الحدود مع تونس على مسافة بطول 1000 كيلومتر، وصولا إلى مثلث الحدود التونسية الليبية الجزائرية. وأكدت تقارير إخبارية محلية أن وحدات الجيش المرابطة على طول الشريط الحدودي مع تونس وحتى مع ليبيا تلقت تعليمات صارمة بالحزم وسرعة التدخل في مواجهة أي تهديد أمني، وتلقت أيضا تعليمات بإطلاق النار الفوري على العناصر المشبوهة، التي لم تستجب للتحذير الأول، إلى جانب تدمير العربات المشبوهة. وتعتبر الجزائر إحدى الدول التي تدعم تونس لاجتثاث التنظيمات الجهادية حيث سبق أن رفعت سقف مساعداتها العسكرية لتونس بعد الهجوم الدموي على متحف باردو. ويرى مراقبون أن البلدين يحتاجان إلى عقد اتفاق ثنائي يتيح تطوير التنسيق الأمني بينهما في المجال القضائي، وهو ضرورة حتمية تفرضها المرحلة الراهنة وما يصاحبها من تحديات أمنية، ويشمل التبادل في مجال الاستخبارات وتبادل المعلومات الأمنية والتعاون العسكري والقضائي.
وتتيح هذه التدابير للبلدين اتخاذا الإجراءات الوقائية اللازمة من أي اعتداءات إرهابية محتملة وتكشف خريطة الإرهاب ومخططاتهم الإجــرامية في تــونس والجزائر. وشكل الاختراق الأمني الذي نفذه تنظيم داعش لأحد المنتجعات السياحية في تونس، تحديا أربك السلطات الأمنية في البلدين، بالنظر للتعاون المعلن بينهما في مجال محاربة الإرهاب وتبادل المعلومات، وإن بات من الصعب على دول المنطقة مجاراة نسق الداعشية في تحقيق عامل الصدمة والمفاجأة والقدرة على الاختراق، فإن مراقبين رأوا بأن الوضع في ليبيا هو قلب الصراع والجزائر هي المستهدف الأكبر. وفي هذا الشأن شددت أحزاب سياسية في الجزائر، على أن الهجومات الأخيرة التي شهدتها الجارة تونس، فرنسا والكويت "لا تبعد من الجزائر عن دائرة الخطر" في ظل امتداد تفكك الدولة الليبية التي أضحت ساحتها مفتوحة على كل الاحتمالات، بما فيها تحالف إستراتيجي بين فجر ليبيا وداعش لزعزعة استقرار المنطقة برمتها خاصة الجنوبين الجزائري والتونسي، الأمر الذي يجعل الحكومة الجزائرية أمام حتمية تحمل أعباء أمنية أكبر حفاظا على الاستقرار في المنطقة. وصرح رئيس "حزب جيل جديد" جيلالي سفيان، "إن العمليات الإرهابية التي شهدتها كل من فرنسا، الكويت وتونس تعني الكثير للجزائر من الناحية الأمنية بحكم موقعها الإستراتيجي في منطقة شمال أفريقيا وأن عملية سوسة هي امتداد لإنهيار ليبيا التي أضحت في مفترق طرق، لأن مسألة الأمن في تونس مرتبطة بالاستقرار في ليبيا والجزائر". وشدد على أن الجزائر مطالبة بأخذ الحيطة والحذر من خلال تكثيف الجهود الأمنية مع نظيرتها التونسية لمحاربة الإرهاب على الحدود، والدول الغربية التي كانت سببا في تفكيك وانهيار بعض الأنظمة، ذهبت مساعيها أدراج الرياح ولم يتحقّق منها شيء سوى الإرهاب والدمار، وهي مدعوة لإعادة النظر في الكثير من الأشياء قبل أن تتحول إلى هدف لنيران الفوضى الداعشية".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق