الوطن الليبية
بطبيعة الشعب الليبي شعبا متدينا
مند الآف السنين، ولما دخل الإسلام ليبيا حسن إسلامه، وكان ولا يزال يسترشد في
شئون الدين والدنيا بمن يرفع راية الدعوة إلى التدين وإتباع تعاليم الإسلام مهما إختلفت
مذاهبهم ومشاربهم وتنوعت نواياهم.
وكان إنتحاب السابع من يوليو متوجا لهذا الشعور، فرغم أن الأحزاب الإسلامية
لم تنال نصيب يذكر من الأصوات، وذلك لما علق في ذهن الشارع أو الذاكرة الشعبية بأن
" من تحزب خان " إلا أن الشخصيات التي تظهر الورع والتقوى قد نالت نصيب
الأسد من أصوات المستقلين، وهو تجسيد لتبجيل دور الإمام أو الشيخ أو الفقيه.
وبذلك فإن كثلة الإسلاميين " إن صح التعبير" هي الأكثر عدداً
والأعلى صوتاً داخل قبة المؤتمر الوطني العام، وهولاء الإسلاميون ينقسمون إلى عدة
طوائف أيديولوجية (في زمن تحتاج ليبيا إلى برامج وليس
إلى
أيديولوجيات جامدة) فمنهم
أتباع حزب الإخوان العتيد، ومعظمهم من المثقفين والأكاديميين المنفتحين على تقافات
العالم، والكتيرين منهم ممن عارض القذافي لسنوات عديدة، ولقد أوجدت ثورة السابع
عشر من فبراير مدخلاً لإعتلاء السلطة والقيام بدور فاعل في المشهد الليبي، والجزء
الأخر من هم من السلفية بشتي أنواعها بداية من المتشددين المتطرفين إلى المنتمين
ظاهريا، وهولاء ممن عاد إلى ليبيا بعد سنوات من العيش في أجواء السلفية في
السعودية أو قندهار أو بيشاور أو المراكز والمساجد الإسلامية في أوروبا والممولة من
السلطات السعودية، كما إلتحق بهم الكثير من الليبين من أصحاب المهن والصنائع الذين
إطلعوا على المذهب الحنبلي من خلال الأشرطة والكتب التي تقوم هيئات سعودية بنشرها
في شتى دول العالم أو خلال فترة العمرة. ويختلف المذهب السلفي فكريا عن حزب
الإخوان عدا مجموعة قليلة من الإخوان تلتقي مع السلفية الجهادية في الكثير من
المواقف خلال العشرين سنة الماضية من عمر القاعدة.
إلا أن ما يمكن ملاحظته أن القلة القليلة النشطة من المتشددين السلفيين في
المؤتمر العام قد إستطاعوا إستمالة معظم الإسلاميين وجر المؤتمر الوطني في إتجاه
خارج نطاق عمله المحدد في الإعلان الدستوري وضياع البوصلة التي توجهه ويتمثل في
الآتي:
- تداخل مهام المؤتمر بين ما هو تشريعي ( وهو محدود للمرحلة الراهنة) وما هو تنفيذي (وهو ليس من إختصاصه)، بل أن الكثير من وزراء الحكومة السابقة قد صرح بأن المؤتمر يعيق ويحد من صلاحيات الوزارة.
- تأجيل، ثم الدخول في مناقشات عقيمة حول الدستور تحول دون صدورة في الفترة القريبة القادمة، خاصة وأن فترة تعيين لجنة الستين قد إنقضت، مما يحد من قيام مؤسسات الدولة، وحلحلة المشاكل الراهنة، فدولة بلا دستور ليست بدولة إن لم تكن رديف لحكم القذافي.
- توجيه المؤتمر إلى موضوعات لا جدوى من مناقشتها وترتيبها بعد قيام الدولة مثل إلغاء الرباء من المصارف، وهذا الموضوع قد أشبع بحثا خلال الستين سنة الماضية في معظم الدول الإسلامية، ولم يلغى الرباء على نطاق التعامل المحلي والدولي سوى عند دولة طالبان، لسببين رئيسيين أولاهما أن نظام المصارف غربي المنشاء ولم يراعى فية التعاليم الإسلامية، وإن أردنا كمسليمين أن نتوقف عن هذا النظام علينا أن نعمل بجد لنستحدث نظام بديل، والأمر الثاني أن المصارف في معظمها مؤسسسات خاصة لها مصروفات ورواتب ومباني وخدمات، وهذه جميعها تعيش على عائد الفوائد على المعاملات، فهل تستطيع ميزانية الدولة تحمل الملايين من مصروفات القطاع الخاص؟؟؟؟ ولنا في إنهيار شركة الريان وبنك الإعتماد الإسلاميين عبرة. وحتى نظام المرابحة الذي يعتبر من المنتوجات الإسلامية والمنفذ حاليا في بعض المصارف الليبية يوجد به شكوك من حيت عدم تحقق تملك البضاعة للمصرف، بل الشراء والبيع دون تملك.
- الموضوع الآخر العزل السياسي الذي يدفع به عددا من الإسلاميين لغرض إستبعاد أزلام القذافي ( وهو شعار لا شعبية له)، وقول يدغدغ عواطف الكثير من الثوار ولكنه ليس ببرئ، أي أن هدفة إخراج الألاف من المنتمين إلى الأحزاب المنافسة من مناصب الدولة لتكون ملادا للمنادين بالعزل، كما أن شعار العزل السياسي يعطل برامج المصالحة الوطنية وقد ينزلق بالدولة إلى وضع مشابه للحالة العراقية.
إننا كليبيين نحسن الظن بهؤلاء الأعضاء لانهم لأول مرة تم إختيارهم من قطاع
كبير من الشعب الليبي في إنتخابات نزيهة شهد لها العالم، إلا أنهم لم يقوموا
بعملهم المناط لهم، وربما يفسر سؤ تصرف القلة القليلة من أعضاء المؤتمر وإنجرار
الآخرين ورائهم ما قاله الفيلسوف الألماني نتشه " أن الحوتة الموجودة في
البحر تعتقد أن العالم محصوراً في البحر ولا يوجد عالم آخر إسمه البر أو الجو لعدم
إدراكها لذلك"، فهل ترى بنود الإعلان الدستوري النور في وقت قريب؟؟؟؟.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق